نقلة مع مولانا النفرى: من: كتاب المخاطبات مقتطف من: (المخاطبة رقم: 9)
نشرة “الإنسان والتطور”
الثلاثاء: 30-1-2024
السنة السابعة عشر
العدد: 5995
نقلة مع مولانا النفرى:
من: كتاب المخاطبات
مقتطف من: (المخاطبة رقم: 9):
يا عبدُ: عذرت من أجهلتـُه بالجهل،
مكرت بمن أجهلته بالعلم.
فقلت لمولانا:
مازلتُ يا مولانا أزداد حبا للجهل المسئول، بقدر ما أزداد حذراً من العلم خاصة العلم الذى يسمى الآن “العلم المؤسسى”.
الجهل يا مولانا هو موقف مسئول منفتح لكل احتمالات المعارف، وكلما ازددت جهلا يـَـقـِـظاً أشعر أنّ وعـْيـِـى قد ازداد اتساعا لتلقى المزيد، وأن حركتى توجهت أكثر للكدح كشفاً لعل وعسى، أما حين أتصور أننى حصَّلت من العلم ما يكفينى فإننى أنسى بحور العلم التي لم أخـُضـْها، وأتجاهل محيطات الجهل التى تحيط بى من كل جانب، ويزداد هذا الموقف من العلم الرسمى مع تقدمى في السن لأزداد نقدا له، وحرجا منه، دون رفض كامل
تطورّ بـِـىَ الحال حتى صرت أميّز هذا الجهل الجاثِم قـِـفـْـلا على القلوب التي عليها أقفالها، عن الجهل مفتاح الأنوار كلها، حتى تجرأتُ وأسميته “الجهل المعرفى”
أسف يا مولانا، حين قرأت ما قاله لك: عذرت من أجهـّـله، استبعدت أن يكون “هو” الذى أَجـْهـَلَ هؤلاء الجهلة إلا امتحاناً وحَفْزا، ومع ذلك بلغتنى رحمته حين عذرهم وكأنه يعطيهم فرصة إعادة النظر في نتيجه رسوبهم في امتحان القبول في مدرسة “الجهل المعرفى”
أما الجهل العَمَى، الجهل “الـْقـِفل” على القلوب، فهو يسمى عند أصحابه المعاصرين باسم حركى ملتبس فهم يسمونه العلم، فأتذكر المتنبى حين يغريه غرور عماه فيقول:
وعلمتُ حتى لا أسائل عالـِماً *** عن علمِ واحدةٍ لكى أزدادها
العلم يا مولانا – الذى يغنى صاحبة عن أى مزيد: هو العمى الحيسى الذى أودى بحياة قائل هذا البيت حتى مقتله،
وأسمح لى يا مولانا أن أعرض موجزًا لرواية مقتله لمن لا يعرفها من الأصدقاء القراء.
– ….. “اختلفت الروايات المذكورة في مقتل المتنبي، إلّا أنّ المؤرخين اجتمعوا على قصة واحدة، وهي أن المتنبي كان قد كتب قصيدة يهجو فيها ابن أخت “فاتك الأسدى” وهو “ضبة بن يزيد العتبي”، والذي كان غدّاراً وبذيء اللسان، ويؤذي الناسَ بكلامه، فلجأ الناس إلى أبي الطيب المتنبي ليكتب فيه قصيدة هجاء، فهجاه المتنبي وكتبَ فيه قصيدة كانت تحتوي أقبحَ كلمات الهجاء. وعند خروجه قاصداً بغداد لقيه صديق له وأخبره بنية “فاتك الأسدى” بأن يؤذيه، وأنّ عليه أن يصطحب معه من يحميه، لكنّ المتنبي رفض ذلك ولم يكن معه سوى غلمانه، فلقيهم فاتك وأصحابه وأرادوا قتاله، فهمّ المتنبي بالهروب، لكنّ أحد غلمانه قال للمتنبى: أولستَ من قال:
الخيل والليل والبيداء تعرفني *** والسيف والرمح والقرطاس والقلم
فهزمتِ المتنبي كلماتـُـه وذهب للقتال على مضض، وقُتِلَ في تلكَ الموقعة على طريق بغداد قريباً من دير العاقول هو وغلمانه”.
لكن اسمح لى قبلا يا مولانا أن أرجع لدروسك التي تعلمناها من وحى ما أنزل عليك، دعنى أولا أذكـّـر أصدقاء الموقع ببعض ما حاورتك فيه حول قيمة “الجهل المعرفى” وقد بلغ 65 صفحة في حوارى المتصل معك، أكتفى منها بهذه المقتطفات، مع الاعتذار للإطالة أكثر مما تسمح به النشرة اليومية: فالمسألة تستأهل.
أنار الله بصيرتنا وأكرمنا بالجهل طريقا إليه، وإلى الحق وإلى العلم نور الوعى، وليس العلم الجاثم القفل على القلوب.
* * * *
وهاكم يا مولانا أن ما خترته من هذه النشرات، وسوف أكتفى أن أشير إلى الباقى بروابط في موقعى الخاص ww.rakhawy.net لمن يشاء أن يلم بها مكتملة.
أولا:
يقول مولانا النفرى:
وقال لى:
أوقفنى فى المعارف وقال لى: هى الجهل الحقيقى من كل شىءٍ بى
فقلت لمولانا
حاولت أن اتجنب – إلا قليلا – دفاعك عن الجهل الذى ليس ضده العلم، من حيث أن العلم الحقيقى ليس ضده الجهل الحقيقى، وتراجعت كل مرة خشية أن أعجز أن أبين كيف لا يكون ذلك سبيلا إلى أن يستمرئ الجهل الناعم مَنْ تقاعَسَ عن السعى وهو يغوص في: “الجهل الكسل”، و”الجهل العمى” و”الجهل التقليد”، فينقلب الدفاع عن دور الجهل الحقيقى، الجهل المعرفى: إلى دعوة إلى ظلام، ويتمادى الجاهل المسترخى فيما هو فيه بعيدا عن نفسه، وعنه، وعن المعرفة، فما بالك بمعرفة المعارف.
رحت أتأمل كيف تكون المعارف جهلا حقيقيا من كل شىء، فتكون دفعا حقيقيا نحو مزيد من الكشف إلى الكشف إلى الكشف عن الممكن وغير الممكن من كل شىء، لكن كيف يكون الكشف “به إليه”، إلاّ أن يكون فى كل شىء يسبـّح له، فهى المعارف الجهل الحقيقى من كل شىء به.
*****
ثانياً:
قرأت يا مولانا ما قاله لك أيضا في هذا الموقف عن أن:
” العلم المستقرّ هو الجهل المسـتـقرّ”
(من) “موقف وراء المواقف”
قال مولانا النفرى:
وقال لى
اختم علمك بالجهل، وإلا هكلت به
واختم عملك بالعلم، وإلا هلكت به
فقلت لمولانا النفرى:
…….
…….
العلم الذى ينتهى بالعلم تنغلق به أبواب المعرفة، فالحركة، فنهلك سكونا، وغرورا وعمى
والعمل الناقص أبدا هو ناقص أصلا، على العلم أن يسعى لسد نقصه شريطة ألا يختتم إلا بالجهل، فإذا ختم العمل نفسه بنفسه صـُـفـِـقَ الباب فى وجهه فارتد لا يصلح إلا لنفسه
……..
ولا يفرحنى العلم إلا أن يطمئننى أننى فى الطريق بنور الجهل المعرفى إلى نوره على نوره.
يهدى لنوره من يشاء.
*****
ثالثاً:
مديح الجهل المعرفى، والتحفظ على العلم الزائف (1 -؟)
مازلت يا مولانا أعجب مما قاله لك بشأن العلم، وهو الذى يكتمل بالإعلاء من شأن الجهل المعرفى بهذا التوقير والاحترام والترحيب. المفروض يا مولانا أننى أستاذ جامعى، وأمارس (أو مارست) البحث العلمى التقليدى، فنحن لا نحصل على مثل هذه الوظيفة إلا من خلال هذا المسمى “العلم”، ثم إنى كنت عضوا فى لجنة الثقافة العلمية بالمجلس الأعلى للثقافة لأكثر من عشر سنوات حتى استقلت غير مأسوف علىّ حين ظللت أنبّه إلى خطورة تقديس ما يسمونه “علما”، وأيضا ما هو ثقافة علمية، وكانوا يتهمون كل ما هو ليس علما (فى حدود تعريفهم للعلم وفرض منهجهم) بالهرطقة، (وهم لا يسمونها كذلك)، حتى اتهموا يا مولانا “العلم المعرفى” الحديث والأحدث بنفس التهمة، ولم يرجعهم عن ذلك عطاء العلم المعرفى العصبى بأدواتهم نفسها التى يقدسونها، لأنه لم يخدم إلههم المزيف.
…….
…….
هل يا ترى آن الأوان أن نتبين أن الإدراك وعلاقته بالوعى ومستوياته هو السبيل إلى التعرف على الجهل المعرفى العظيم الذى تـُـشجعنا عليه وتطمئننا إليه؟ ثم ما علاقة الجهل المعرفى بالغيب اليقين بالوعى الأمانة؟
*****
رابعاً:
وقال لمولانا النفرى من “موقف القوة”:
وقال لى:
…لّمّا قَويت في الجهل، قويت في العلم
فقلت لمولانا:
إذن فهذا هو المدخل الأرحب والأعمق، القوة فى كل شىء بِحَسَبِهْ، القوة فى الجهل تشمل احترامه سبيلا إلى معرفة أعمق وأقوى، وسبيلا إلى علم أشرق وأعمق، وسبيلا إلى غيب أرحب وأخطر، القوة فى هذا الجهل هى التى تزيل عن العلم زيف القداسة فتجعله يتكامل مع الجهل والغيب والوعى فهو العلم الأقوى، وهكذا أفهم “كلما قويت فى الجهل قويت فى العلم”
اللهم زدنى جهلا أقوى به فتزيدنى علما إلى جهل جديد متجدد.
*****
خامساً:
وقال لمولانا النفرى من “موقف المحضر والحرف”
وقال لى:
أعدى عدوٍّ لك إنما يحاول إِخْرَاجَكَ مِنَ الجَهْلِ لا مِنَ العِلْم.
فقلت لمولانا:
كثير ممن يسمون العلماء يقفلون أبواب المعرفة إلا ما ثبت بتجاربهم المحكمة أو أعدادهم المنظمة أو موازينهم الكمية المحددة، وأيضا: باختزالاتهم لما يبحثونه، ثم بتعميمهم لما يجدونه، فتغلق بالتالى الأبواب دون ساحة الجهل الفسيحة التى تَعِدُ أبدا بامتداد لا يحيط به شىء من علمه إلا بما شاء، وهم إذ يفعلون ذلك يغلقون أبواب الغيب ولسان حالهم يقول: كل ما لم نستطع إثباته بأدواتنا فهو خرافة، دون أن ينظروا فى حدود مساحة (لا ساحة) تجاربهم، ولا فى قصور أدواتهم.
*****
سادساً:
مديح الجهل المعرفى، والتحفظ على العلم الزائف (2 -؟)
……..
ما زلت يا مولانا أذكر حوارى مع شيخى محفوظ – حفظه الله- وهو يصر على أن حلّ مستقبل البشرية سوف يأتى بفضل العلم ومن العلم وبالعلم، أنا أعلم يا مولانا أنك كنت تتابعنا برغم أن شيخى – غالبا- لم يكن من مريديك، لكن ما وصلنى منه هو حب غامر واحترام مطلق لكل اجتهادك ومجاهدتك، لا أعرف لماذا لم أفتح معه بقدر كاف بعض ما كان يصلنى من مواقفك أو مخاطباتك، مع أننى أصدرت كتابى الأول عن بعض مواقفك وأنا فى صحبته،
والآن يا مولانا: أى علم تنبهنا أنت إلى قصوره بعدما وصلنا عنه من نقد جوهرى يهز جذور العلم المؤسسى الثابت، وأى جهل تدعونا إلى النهل منه لنزداد علما؟
*****
سابعاً:
وقال لمولانا النفرى (من “موقف أنا منتهى أعزائى”):
وقال لى:
“العلم على من رأنى أضرُّ من الجهل”
فقلت لمولانا:
مازلت يا مولانا تنبهنا إلى قصور بعض العلم حتى الإضرار، والضرر بالنسبة لهذا العلم هنا كما وصلنى هو أن يتصور أحدهم أن العلم ذاته يجلى الرؤية أكثر إذا ما تجلت، مع أننى عرفت عنك يا مولانا أن الرؤية هى هدف لا يجوز أصلا أن نصف به أحد، أو يصف أحد نفسه بأنه وصل إليه، اللهم إلا كشفا مرحليا إلى رؤية بـَـعـْـديـِة لا تتوقف، أما العلم الذى يختزل الرؤية حتى بالتفسير فيحل محلها فهو أضر من الجهل فعلا.
وبعد
لمن يشاء من الأصدقاء القراء أقدم روابط ما جاء في حوارى مع مولانا سابقا، وعلى من يشاء المزيد أن يضغط على الرابط فتأتيه النشرة.
2024-01-30
كيف حالك يامولانا:
المقتطف :مكرت بمن أجهلته بالعلم
التعليق : يامولانا ياحبيبى ،صلت وحلت وأتيت بحوارات كثيرة مع مولانا النفرى ،ولست أدرى هل تعمدت إسقاط كلامه عن ” مكر الله ” ؟ هاهو يقولها واضحة :مكرت بمن أجهلته بالعلم !لماذا لم تلتقطها منه ؟! لعلك استثنيت نفسك ،من أولئك الذين مكر بهم ؟ عفوا يا مولانا رغم حبى وانحيازى لك ولعلمك وللغتك ،لكن مكره لم يستثنى أحد ،أعرف اعترافك بمقام الجهل والحيرة والدهشة ( وهم ليسوا سواء ) لكن لا أعفيك من أن يكون قد أصابك مكره بجهل العلماء ،ولا أخفيك سرا ،أننى ،وبكل الحب ،أبحث عن هذه اللحظات التى مكر بك فيها …