الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حوار مع مولانا النفّرى (25) مديح الجهل المعرفى، والتحفظ على العلم الشكلى (3 -؟) عن “الحرف” وعجزه

حوار مع مولانا النفّرى (25) مديح الجهل المعرفى، والتحفظ على العلم الشكلى (3 -؟) عن “الحرف” وعجزه

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 27-4-2013

السنة السادسة

 العدد:  2066

  حوار مع مولانا النفّرى (25)

مديح الجهل المعرفى، والتحفظ على العلم الشكلى (3 -؟)

عن “الحرف” وعجزه

مقدمة:

يلاحظ من يتابعنا أننى غيّرت العنوان فاستبدلت العلم “الشكلى” بالعلم “الزائف” لأن بعض الأصدقاء سألونى عن تعريف للعلم الزائف فلم أجد إجابة جامعة مانعة، ومولانا لم يستعمل كلمة الزائف أبدا، وإن كان قد وصلنى منه كل ما يعرى الزيف حتى لو كان علماً، وبالذات لو كان علما، ثم إن العلماء المتحكمين فى العلم المؤسسى التكاثرى (1)، باهظ التكاليف يسمون كل ما لا يتبع منهجهم ولا يقبل القياس بمقاييسهم: بالعلم الزائف أيضا، لهذا فضلت كلمة “الشكلى”

مولانا يحذرنا، من الاكتفاء بـ “الحرف” أو الانبهار به، وذلك وحى ما استلهمه من ربه، وقد جاء هذا التحذير فى الكثير الكثير من مواقفه ومخاطباته، ومهما تغير استقبالى لاستعمالاته المتنوعة من مختلف الزوايا، إلا أنه قد ظل ما يصلنى عنه من قاسم مشترك أعظم هو أن الحرف هو: “الشكلً الذى لا يقدر أن يحمل مضمونه، ولا أن يبلغ رسالته، ولا أن ينبض بمحتواه، ولا أن ينطبق مع ما يلوح به من فعل مسؤول وحركة واعدة:، وبالتالى يمكن أن يشمل الكلام وكل الرموز من أرقام ومعادلات، وكل الرطان من أحكام وتهويمات، وكل الحركات المنغلقة من إشارات وإيماءات، قلت أنتقى اليوم من انتقاءات أخينا المغربى الجميل د. توفيق رشد بعض ما يعيننا على التعرف بأية درجة ممكنة على ماهية ما يعنيه مولانا  بما هو “حرف”

(1) وقال لمولانا النفرى من “موقف ما لا ينقال”

وقال لى:

الحرف يعجز أن يخبر عن نفسه فكيف يخبر عنى

فقلت لمولانا:

الحرف يا مولانا، كما تعرفت عليه من خلال سياحتى فى محيط الإدراك، لاحق لآليات معرفتك التى لا تحتاجه إلا للإحاطة بما تمت معرفته مما يحتاج للتقرير وربما التوصيل، لكن الحرف فى ذاته أعجز من أن يخبر عن نفسه، إذا ما انفصل عن أصله أو تنكر لما يحتويه مكتفيا بتعريف شكله.

هل هذا ما تعنيه يا مولانا بالحرف.

الطفل يا مولانا يخبر عن ربه قبل أن ينطق أى حرف، هذا ما جاء فى مالف الإدراك فى البند (11) من سلسلة الفروض كالتالى:

  • فلابد أن الإدراك هو بداية المعرفة وأساسها وليس المعرفة، فهل يعنى هذا أن الإنسان يولد وهو يقدر أن “يدرك” قبل أن تصله إيه أشارات أو ينال أى تعلم؟ ألا يعنى هذا – إذا كان الفرض صحيحا – أن هناك ما يدركه الطفل بلا معرفة حسية أومثيرات اوتفكير حسابى أوغيره كإدراك الخالق مثلا .. إدراك الله.

كما قلت أيضا:

  • إن إدراك الطفل للخالق، وهو بالنسبة لى حقيقة أصدق وأقرب من إدراك اليافع أو المسن، ربما يرجع لأن كل برامج إدراكه قادرة على استقبال البيئة المحيطة والداخلية الممتدة، هذه وتلك، إلى ما لا نعرف حتى وجهه تعالى، وأنها لم تنطمس بعد بالأحاسيس الاختزالية المتميزة والعقلنة الحسابية والتفكير المنطقى المسطح، وعلى ذلك فالعودة إلى هذه المرحلة دون نكوص هى الباب إلى معرفة الله بكلية الادراك وليس باثباتات العقل.

إن السعى كدحا يا مولانا يشمل تحريك مستويات الوعى بالتبادل وبالتكامل ثم بالجدل وبكل ذلك، والنجاح فى تحريكها “معا” هو الذى “يخبر عنك” فى لمحات تضىء وتهدأ، لنعود ثم نرى ثم نعود وهذا أيضا جاء فى البند 20 من فروض الإدراك من نفس السلسلة:

  • كما أن صلة تحريك مستويات الوعى وعلاقتها بإدراك الله هى ضمن أهداف هذه الفروض وهذه الأطروحة بشكل أو بأخر، ثم أضيف لفظ “معا” أى تحريك مستويات الوعى “معا”.

فهل هذا يا مولاى هى فى إطار ما تشير إليه وأنت تنبهنا عنه بالحذر من التسليم للحرف وهو بكل هذا العجز؟

 (2) وقال لمولانا النفرى من “موقف بين يديه”

وقال لى:

الحرف حجاب وكلية الحرف حجاب وفرعية الحرف حجاب.

فقلت لمولانا:

ربما هذا يا مولانا ما جعلنى أقف مما يسمى “علم الكلام” موقف الرفض جملة وتفصيلا ودعنى أعترف لك أننى كنت كلما قرأت فيه تكشفت الحجب من حروفه، كليتها وفروعها حتى حالت بينى وبين ما يدعى هذا العلم، وهذا بعض ما أثبته فى ذلك، فى ملف الإدراك أيضا، قلت:

  • ….وأنا أطلع اليوم على ماهية “علم الإدراك” كعلم مستقل، فوجئت بعلاقته العكسية “بعلم الكلام” الإسلامى، المتعلق بعقلنة الطريق إلى إثبات صحة العقيدة بما فى ذلك وجود الله، وكنت قد أشرت سابقا إلى خبرتى وأنا بعد طالبا حين أراد صديق أكبر أن يعرّفنى “من كان قبل الله” بنظرية تنتمى إلى هذا العلم تسمى “الدور والتسلسل” على ما أذكر، وأننى فزعت منها حتى كدت أنكر ما سألت عنه، ومؤخرا تأكد لى : أن علم الكلام التقليدى، هو عكس ما نحاول تقديمه عن الإدراك تماما، مع أننى ما تحمست للإطالة فى تناول الإدراك إلا حين بلغنى أنه الوسيلة الأولى (وليس بالضرورة الأخيرة) لمعرفة الله، مع الإشارة إلى عجز التفكير عن إثبات هذا الوجود (بما فى ذلك أغلب ما ذهبت إليه المعتزلة).

يخيل إلىّ يا مولانا أيضا أن هذا التلفيق العاجز الذى يسمونه التفسير العلمى للقرآن إنما يتمحك فى هذا العلم الشكلى المختزل، الذى نبهك إليه حين استلهمتك فقال لك:

 (3) وقال لمولانا النفرى من “موقف بين يديه”

وقال لى:

لا يعرفنى الحرف ولا ما فى الحرف ولا ما من الحرف ولا ما يدل عليه الحرف.

 (4) وقال لمولانا النفرى من “موقف بين يديه”

وقال لى:

العلم الذى ضده الجهل؛ علم الحرف، والجهل الذى ضدّه العلم جهل الحرف.

 فاخرج من الحرف تعلم علماً لا ضدّ له. وتجهل جهلا لا ضدّ له.

فقلت لمولانا:

بالله عليك يا مولانا كيف يصل إلى علماء اليوم أن ثم “علما” لا ضد له وبالذات أنه ليس ضد الجهل، وأن ثم جهلا لا ضد له لأنه هو هو المدخل الأرحب إلى العلم الحقيقى لا العلم الشكلى؟ إنهم لكى يغامروا فيتقبلوا هذا الاحتمال لابد أن يخرجوا من سجون علمهم الذى أصبح دينا بديلا مغلقا ، وأحيانا يا مولانا أشفق عليهم من فرط غرورهم، وأحيانا أدعو لهم أن يخرجوا مما هم فيه بفضلك وأنت أرحم الراحمين، ألم يفتح لهم ربنا باب الخروج من الحرف حين قال لك فى  “موقف المحضر والحرف” (5)

وقال لى:

الخارجون عن الحرف هم أهل الحضرة

فقلت لمولانا:

….الحضرة يا مولانا هى معرفة تشمل العلم الذى لا ضد له والجهل الذى لا ضد له معا، فهى تخبر عنك دون الحاجة إلى الحرف، ومن حضرها لجزء من ثانية لن يرضى عنها بديلا، ولن تحجبه الحجب مهما تكثفت، ومهما لبست من أسماء حديثة أو تمحكت فى حروف براقة.


 [1] – من التكاثر “ألهكم التكاثر”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *