الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / وار مع مولانا النفّرى (28) مازلنا مع أ.د. توفيق رشد (6 -؟) يا للصحبة وللسماح، والحضرة!!

وار مع مولانا النفّرى (28) مازلنا مع أ.د. توفيق رشد (6 -؟) يا للصحبة وللسماح، والحضرة!!

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 18-5-2013

السنة السادسة

 العدد: 2087

  حوار مع مولانا النفّرى (28)

مازلنا مع أ.د. توفيق رشد  (6 -؟)

يا للصحبة وللسماح، والحضرة!!

مقدمة:

  بصراحة توقفت أراجع هذا الذى جمعه أ.د. توفيق رشد وأحتج على نفسى أننى فرحت، فرحبت أن يكون كل ذلك تحت عنوان “مديح الجهل والحيرة”، فى حين أن كل مواقف ومخاطبات مولانا النفرى هى مدعاة للحيرة وكل دعوته إلى التمسك بالجهل هى إضاءات معرفية تضع الجهل المعرفى دافعا للجهاد وجاليا للبصيرة فى تجديد مستمر، فعلى أى أساس جاء الانتقاء؟ اقصد ما الذى جعل صديقنا أ.د. توفيق رشد يختار هذه المواقف والمخاطبات بالذات دون سواها ليضعها تحت هذا العنوان الذى لا هو جامع ولا مانع.

ما علينا هذه إفاقة عابرة لا تحول دون استمرارى – شاكرا –  فى الاقتطاف مما انتقى الصديق الكريم بما يسمح لى بالتعليق عليه، لكن هذه الإفاقة قد تدفعنى إلى الانتقال أسرع إلى أصل المحيط الغامر لحدس مولانا واستلهاماته: “غرفا من البحر أو نهلا من الدّيـَمِ”

اختار أ.د. توفيق رشد القول التالى من “موقف التيه”

وقال لى:

           أنت صاحبى فإذا لم تَجِدْنِى فاطْلُبْنى عند أشدِّهم عليّ تمرُّداً

فقلت لمولانا:

تعلمت منك يا مولانا كيف أن الوسواس هو ذكر لله، ألم تنقل إلينا ما استلهمت أنه قاله لك فى “موقف وراء المواقف”

وقال لى:

كل شئ يصدرك إلىّ، يصدرك ومعك بقية منك أو من غيرك

إلا الوسوسة فإنها تصدرك إلىّ وحدك.

وقال لى الوسوسة ردّى إياك إلىّ بالقهر.

وكم فرحت بهذه الدعوة إلى الاقتحام الطيب حتى اطمأننت إلى ما أمارسه مع مرضاى وكتبت فى ذلك قبلاً (نشرة 29-12-2007 “الوسواس القهرى فى رحاب مولانا النفرى 1”).

  وها أنذا أتعلم أكثر، ولأبلغ من يريد أن يتعلم، كيف يطمئن، وهو يتمرد عليه مادام يواصل الكدح إليه، وكيف لا ينزعج من الوسواس مهما كان هو أشق الطرق إليه.

أما النعمة السابغة التى وصلتنى الآن من هذا الموقف فهى بدايته بقوله لك: “أنت صاحبى”، إلى هذا المدى يسبغنا بفضله ابتداء، كثيرا ما أقول لبعض مرضاى أن يرجعوا إلى الصلاة مع احتفاظهم بالوسواس إراديا “على حسابى”، بمعنى أن يحيلوا ذنب ما يتصورونه ذنبا إلى حسابى شخصيا، لأننى أثق فى عدله ورحمته، وأطمئنهم وأطمئن نفسى أن هذه الإحالة تزيد من حسناتى حتى لو صلوا دون وضوء، وذلك حتى لا يقف الوسواس حائلا بينهم وبين صلاتهم، وكانوا يقولون لى: وهل أنت شفيع لنا عنده؟ فأقول إنها ليست شفاعة خاصة، لكنها ثقة مطلقة، “فهو صاحبى وسوف أكلمه فى هذا الشأن”، ويضحكون فى تردد، وأخشى أنا أن أكون تجاوزت حدودى، لكننى أشعر فعلا أنه صاحبى وأن لى فيه عشم بلا حدود يسمح لى أن أثق فى عدله المطلق ورحمته السابغة التى تضمنى مع مريضى إليه، وكنت – ومازلت – أشعر وأنا أفضل ذلك بشىء أقرب إالى هذا اللفظ “صاحبى”، لكننى لا أتمادى فى استعمال كلمة “صاحبى” هذه حتى لا أعتادها فى غير موقعها، وإذا بك يا مولانا الآن تقدم لى/لنا هذه الهدية وهو يقول لك “أنت صاحبى”، فتطمئننى ليس هذا فحسب لكنه يسمح لك (لى/لنا) ألا نجده (ولو بعض الوقت) وهو يهدينا أن نجده ليس عند الأوصياء على كلامه، ولا عند المحتكرين لرحمته تحت زعم فهمهم الأصقل، حتى ولو وصف أى منهم نفسه بأنه “العالم الربانى”، ولكننا نجده عند أشدهم عليه تمردا، ما كل هذا الفضل يا مولانا!! هل هذا معقول؟ طبعا معقول ونصف، ولِمَ لا، لم أتوقف طويلا باحثا عن محاولة التعرف على من هو العالم الربانى سواء فى “علم الكلام” أو علوم الحرف التى أشرنا إليها فى الأسابيع الماضية، يبدو أن هذا العالم الربانى مهما كان اسمه ربانيا إلا أنه يمثل ما يحول بيننا وبين المباشرة إليه، ألم يقل لك فى “موقف محضر القدس الناطق”

لا يَصْلُحُ لحضرتي العَالِمُ الرَّبّانِيُّ

فمثل هذا العالم المسمى الربانى يا مولانا غالبا يحجبه الحرف، ويحجبه العلم الذى ضده الجهل، ويحجبه التفكير الطارد للإدراك الأشمل، ويحجبه العقل الطاغى بديلا عن بقية العقول، وكل هذه الأحجبة لا تحجبه وحده، بل تحجب أيضا كل من يقف معه أو يستمع إليه دون الأصل وهو يحسب أنه الباب إليك فيرضى منه بالوصاية والتفسير بديلا عن الاستلهام والإدراك، أليس فى هذا بعض ما يمكن أن يعنيه قوله لك فى “موقف محضر القدس الناطق” أيضا:

وقال لى:

              إذا وقفت فى حضرتى فلا تقف مع الرَّبّانى فَتُحْتَجَبَ بحجابه

أليس فى ذلك يا مولانا ما يسمح لى بقبول ما خطر لى وأنا أدرك كيف أن “القرآن هو وعى خالص” وأنه علينا ألا نضع بيننا وبينه أى حجاب سواء كان حجاب العالم الربانى أو حجاب التفسير الحرفى أو حجاب المعاجم الأصنام.

نرجع إلى حيرة أكبر لعلها تفسر عنوان انتقاءات أ.د. توفيق، إذ يوصينا ربنا أن نطلبه عند أشدهم عليه تمردا، فتقودنا الحيرة الصادقة إلى رؤية أعمق، وكيف أن الوسواس حتى لو بدا تمردا واشتد، فهو يُحضره إلى وعينا أقرب، ألم تقل لنا إن الوسواسة تقربنا إليه خالصين إلا من قرب إدراكه، أما هذا المتمرد المجاهد فإنه حتى لو طال تمرده، فسوف تغمره هدايته ما ظل كادحا إلى لقائه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *