الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / “نصوص” و”ألعاب” من العلاج الجمعى (2)

“نصوص” و”ألعاب” من العلاج الجمعى (2)

نشرة “الإنسان والتطور”

1 -6- 2010

السنة الثالثة

العدد: 1005

“نصوص” و”ألعاب” من العلاج الجمعى (2)

التعامل مع “الخوف”: مواجهة أم معايشة أم تحمّل (استحمال)؟

(سوف نكرر فى كل مرة: أن أسماء المرضى وأية بيانات قد تدل على المريض هى أسماء ومعلومات بديلة، وأنه قد تم أخذ موافقة صريحة مستنيرة من كل المرضى أكثر من مرّة على التصوير والتسجيل، وحضور الدائرة الأكبر من الدارسين للتدريب).

مقدمة:

قلت فى مقدمة الحلقة السابقة ما يلى بالحرف الواحد:

 “…آمل ونحن ننتقل بهذا الباب -لفترة لا أعرف مداها- إلى منطقة العلاج الجمعى، أن نضيف بعد عرض “النص” المختار، بعض إشارات تدريبية ….”

وقد وصلنى بعد نشر المتن (المقتطف من جلسة علاج جمعى) الأسبوع الماضى ترحيب محدود، واحتجاجات كثيرة: أن نشر المتن هكذا، دون شرح أو تفسير، أو قراءة، جعل المادة مكثقة، والحوار متداخلا بحيث عزف البعض عن تكملته، فى حين غمُض الأمر على من أتم قراءته، ولم تصل الرسالة المرجوة فى أغلب الأحيان، وحين فسرتُ لماذا نشرت النص مستقلا بأننى تجنبت الشرح والقراءة والتأويل ابتداءً خشية أن أكون وصيا على التفاعل التلقائى من جانب المتلقى، أجابنى المحتجون أنه حتى لو كان هذا المبرر كافيا، فإن ذلك قد تم على حساب الوضوح، والأهم، على حساب الهدف من هذا الباب وهو “التدريب عن بعد“.

والآن: أنا فى حيرة وسوف أطرح أسئلة فى البداية، أنتظر الإجابة عليها من الأصدقاء (برغم ندرة التعقيبات حاليا على كل النشرات، وهى تصل من صفر إلى ثلاثة على أحسن الفروض- غير الاستجابات المفروضة على أصحابها !!!!!)

ثم دعونى أهدد (وهذا حقى، وإن لم أستعمله بالنسب للنشرة حتى وصلنا العدد 1005 اليوم) أنه إن لم تصلنى إجابات كافية هادية، فسوف أعفى نفسى من مواصلة ما لا يفيد مادام لا أحد يقول!!، أو سوف أفرض ما أرى !!.

ومن هذه الأسئلة البادئة:

  1. هل أواصل تقديم النص مستقلا وفى الأسبوع التالى (مثلما يحدث اليوم) أقوم بالتفسير؟
  2. هل أنشر النص مستقلا، وفى نفس الحلقة أعيد نشر النص على عمودين مع التفسير، بحيث أترك الفرصة لمن شاء أن يقرأ النص ابتداءً، ثم يعيد قراءة التفسير، أن يأخذ الفرصة لقراءة النص أولا إن شاء، علما بأن هذا سيضاعف حجم النشرة تقريبا (بداهة)؟
  3. هل أنشر النص من البداية مع التفسير؟
  4. هل أكتفى بنشر مقتطفات أكثر اختصارا مع التفسير والتنظير المناسبين، ربما تكون المسألة أقرب إلى ما كان ينشر فى هذا الباب من حلقات الإشراف، حيث كنا نناقش الجزئية التى يعرضها الممارس المعالج، ولا نناقش إلا ما جاء بها، بل قد لا نناقش إلا الأسئلة التى يطرحها المتدرب؟
  5. هل أخصص الأسبوع الثالث (بعد نشر المتن، ثم الشرح) للرد على التساؤلات والاستيضاحات الخاصة بالشرح، وخاصة أننى شعرت اليوم أنه يحوى “مادة مكثفة نوعا”، تحتاج إلى دعم تنظيرى غالبا؟
  6. هل أتوقف عن نشر مقتطفات من العلاج الجمعى، وأعود إلى نشر حلقات الإشراف؟
  7. هل ألغى هذا الباب تماما (التدريب عن بعد) لأقدم مكانه بابا آخر مثل ما وعدت عن “إشكالة الإدمان: اضطرابا وثقافة “
  8. هل أتوقف عن هذا وذاك؟
  9. هل آن الأوان أن أتوقف عن إصدار النشرة أصلا؟
  10. هل عندك اقتراحات أخرى؟ (تُذكر!!)

إعادة تعريف

المكان: قسم الطب النفسى. كلية الطب. مستشفى المنيل الجامعى

 الجلسة: الشهر العاشر من عمر المجموعة (سنة كاملة)

الحضور: أربعة مشاركات، وطبيبة واحدة متدربة، بالإضافة إلى المدرب، ولم يحضر ولا مريض واحد من الذكور أعضاء المجموعة، برغم أنهم أربعة على الأقل حتى الشهور الأخيرة)

تقديم

بدأت الجلسة فى السابعة والنصف صباحا تماما، وكانت الحاضرات هما هيام ونادية فقط، ثم لحقتها بعد دقائق سناء، وأخيرا رباب. هيام فى أوائل العقد الثالث، لم تتزوج بعد، شهادة متوسطة، تعمل أحيانا، نادية متزوجة ولها أولاد خمسة، وكذلك سناء، إلا أن الأخيرة لها اثنان من زوجها الأول لا تراهم كثيرا، وأولاد حاليين، والاثنتان غير متعلمتان، وتبدوان اصغر من سنهما كثيرا، أما رباب فهى مدرسة فى أوسط العقد الثالث، مدرسة، ولم تتزوج بعد مثل هيام (دبلوم متوسط)، التشخيصات تتراوح بين الانشقاق، واضطرابات التكيف العصابية، والرهابات، والاضطراب الوجدانى الدورى الجسيم مع أعراض ذهانية وغلبة الاكتئاب

هذا، وقد تعمدنا ألا نخص كل مريضة باسم مرضها تحديدا للتأكيد على أن التشخيص – برغم أهميته – يلعب دوراً ثانويا بشكل أو بآخر.

(استدراك: قد أرجع عن هذا التعتيم، فأقدم موجزا لكل حالة مع التشخيص، إذا أتيحت الفرصة لنشر هذا العمل فى صورة ورقية يوما ما، وقد أتمسك به، فالمهم الآن هو تقديم “آلية التناول”، وليس الحكم على الموجود من سمات أو أعراض أو أسماء أمراض)

القراءة

قبل المتن:

هل المرأة هى الأصل، وهى الأمل!!

يلاحظ أن كل الحضور هم إناث فيما عدا المعالج الأساسى (المدرب)، وقد أشرت فيما سبق نشرة إلى دلالة ذلك، وأعيد التنويه إلى أننى لاحظت عبر أكثر من ثلاثين عاما، من خلال ما أسميه “الانتقاء الطبيعى” أن المرأة هى الأحرص على العلاج، والأكثر انتظاما فى الحضور، والأكثر قدرة على التغيير، وهى نفس الملاحظة التى لاحظتها فى التدريب الإكلينيكى (المرور) الذى أقوم به فى نفس المؤسسة، (قصر العينى) حيث الحضور اختيارى، وغير مرتبط تماما بالامتحانات التقليدية، ولا بأى حافز آخر، أقول إننى لاحظت أن الزميلات الأصغر (المتدربات وطالبات الدراسات العليا والطبيبات المقيمات) هن أيضا أكثر حرصا على الحضور، وقدرة على الاستيعاب، وقابلية للتغيّر والنمو إن صح التعبير، وهذا يتفق مع رؤيتى للمرأة المعاصرة عامة (وربما المرأة عبر التاريخ)، وهو ما أثبته فى أول عمل لى (عندما يتعرى الإنسان) ثم فى أعمال كثيرة لاحقة، علما وأدبا، وليس هذا مكان تفصيل ذلك.

الحضور كله فى هذه الجلسة، التى منها هذا المقتطف، يمثل المرأة، بغض النظر عن المستوى التعليمى أو الاجتماعى الاقتصادى، وهذا أيضا يسرى على حضور الزميلة المتدربة، فقد تصادف أن اعتذر زميلها فى هذه الجلسة، علما بأنه أيضا اقل انتظاما منها، مع أنها متزوجة وتعول!، وهو ليس بعد، وكلاهما من كلية بعيدة فى الصعيد الأقرب، يحضران –منتدبين – للتدريب أساسا…إلخ.

 

النص مع القراءة:

يدخل د. يحيى متأخراً دقيقة الساعة 7.31

د.يحيى: أنا غبت الأسبوع اللى فات، أنا متأسف، ومتأسف كمان على الدقيقة دى، يالاّ كملّوا اللى بدأتوه.

  • هذا الالتزام بالاعتذار، ولو دقيقة واحدة يعطى جرعة مهمة لما نسميه “حبكة الإطار”
  • وهنا إعلان أيضا أن المجموعة تبدأ فى نفس الموعد بالثانية، حتى لو لم يحضر المعالج الرئيسى (وهوالمدرب هنا).
  • ويمكن بعد فترة ليست طويلة، أن يبدأ أفراد المجموعة فى الموعد بالضبط حتى بدون معالج أو طبيب حتى يحضر.

د.منى (نكمل): خايفة من إيه يا هيام

  • د. منى تواصل فورا، دون انتظار المعالج الرئيسى أن يتولى القيادة

هيام: أنا خايفه من حاجات كتير

د.منى: هيام، إختارى حاجه واحدة خايفه منها، هاتيها “هنا ودلوقتى” نشتغل فيها

هيام: مش عارفه أجيبها ازاى، أنا خايفه أوى

  • مع أن إعلان الخوف من جانب هيام هو “هنا ودلوقتى” إلى أن طلب د. منى هكذا يساعد على”تعيين الخوف ” بدلا من أن يظل متماوجا غير محدد
  • هنا إشارة إلى أن عدم تحديد (تعيين) الخوف قد يكون ميكانزما للإبقاء عليه،
  • فأن تعلن هالة أنها “تخاف من كل شىء”، يبدو مبررا لأن تهرب من كل شىء، ثم أن تنسحب، وتستغنى عن كل شىء

نادية: إختارى أى حاجه وشوفيها قدامك، هاتيها هنا ودلوقتى

هيام: أنا رافضاها أصلا، أنا خايفه من كل حاجة، فاباهرب من كل حاجه، ومش عاوزه أى حاجه

د.منى: يانادية مش تساعديها “هنا ودلوقتى”؟!

  • لاحظ مبادرة نادية دون طلب
  • طلب د.منى المساعدة من مريض آخر، لا يعنى بالضرورة التركيز على حالة هذا الآخر المحتاج للمساعدة، بل إنه إشراك للمطلوب منه المساعدة، لصالحه أيضا، ونادية مريضة يقظة، حاضرة طول الوقت، تخلصت من حالة انشقاق (كان راكبها جنّى) منذ الجلسة الثالثة (عمر المجموعة الآن عشرة شهور) ولم تعاودها إرهاصات الانشقاق إلا منذ اسبوع وبطريقة فيها تعرية لطبيعته الانشاقية ولمدة قصيرة جدا (أسميناه نادى لأن اسمها نادية، وليس بطرس، وذلك بعد أن اتقفنا أنه بداخلها وليس مفروضا عليها من الخارج).

نادية: ما أنا با قول لها

هيام: أعمل إيه؟

نادية: إعملى أى حاجه

  • تعبير نادية “إعملى أى حاجة” هو تعبير غير مألوف فى الحياة العادية، لكن نادية لقطته من الجروب، واستعملته بتلقائية مفيدة.

د.منى: ماتجربيها هنا ودلوقتى مش يمكن ماتخافيش منها

هيام: ما أنا مش عارفه أجيبها هنا ودلوقتى

د.منى: ماتعرفى ياهيام

نادية: لو حسيتى بيها مش حاتخافى منها

  • توضح د. منى فكرة “تعيين الخوف”، واحتمال أن ترى من واقع الممارسة أنه بلا مبرر، وأن ما يخيف: لا يخيف

هيام: أنا خايفه من المسؤولية

  • “المسئولية” مفهوم “مجرد”، وكثيرا ما يكون “الشغل” فى المجردات أضعف من الشغل فى المحسوسات المتعينة، ومع ذلك، فإن استجابة هيام لطلب د.منى حرك التفاعل بشكل ما.
  • ثم إن الخوف من المسئولية هو إعلان عن تحريكٍ ما فى اتجاه الوعى بالواقع، وعلى نضج تحمل آثار اتخاذ القرار، فهو- غالبا- ليس الخوف الذى بدأت به هيام الجلسة

د.يحيى: …، مالك يا هيام بتتكلمى على الخوف كده بالبساطة دى، وانتى وشك بيقول إنك فى غاية السعاده! ده ينفع؟ إنتِ لو تشوفى صورتك فى التصوير ده (يشير إلى الفيديو)، صورة من غير صوت، وتسألى نفسك أو أى واحد من اللى قاعدين برة دول (يشير إلى حلقة المشاهدين المتدربين الأبعد) عن التعبير اللى يوصل لهم، لا يمكن تقولى، ولا يقول أى واحد منهم دى واحدة خايفة، أو بتتكلم فى الخوف، دا يمكن حد منهم يقول إيه الهنا ده، أنا نفسى أبقى زيها، وبعدين لو شغلتى الصوت وسمعوا الكلام حايلاقوه مش لابس على وشك خالص، ما تشوفى لنا حل فى الموضوع ده، يا كلامك يبقى زى تعبير وشك، يا تعبير وشك يبقى زى كلامك.

  • من أهم آليات العلاج، محاولة توافق مختلف قنوات التعبير والتواصل مع بعضها البعض لتعميق الحضور الآنى، فإن لم تنجح المحاولة، يمكن أخذ كل قناة على حدة لتعميق احتمال تداخل المواقف.
  • طلب د. يحيى هنا من هيام أن تستجلب تعبير الخوف إلى وجهها يمكن أن يكون له وظيفتنان: الأولى هى ما ذكرنا حالا، والثانية هى تعميق اللحظة بكل ثقلها فى وعى المريضة حتى تكون خبرة الانفعال معاشة، وليس فقط “محكية”.
  • يمكن للبحث العلمى أو التدريب أو كليهما إجراء مثل هذه التجربة أمام مشاهدين، ورصد رأيهم فى وصف تعبير الوجه منفصلا (صورة بدون صوت) ومقارنته بالصوت مستقلا (صوت بدون صورة) ثم الاستنتاج.
  • لاحظ تعبير “مش لابس على وشك”

هيام: حاسه إنى أنا مش أنا

  • هذا التعبير “أنا مش انا” كثيرا ما نسمعه فى بداية الذهان (وأحيانا فى المراهقة العادية، وأيضا فى بداية الاضطرابات الوجدانية الجسيمة) وهو ما يسمى اضطراب تغيير الذات Depersonalization أما دلالة ظهوره فى الجروب، فهى شديدة، أولا من حيث المبدأ
  • ثانياً: لأنه يعلن – عادة – نقلة نوعية ـ نتيجة – غالبا- لتراكم خبرات كمية أثناء العلاج تمهد لنقفة نوعية
  • أما دلالة ظهور هذه العبارة فى هذه اللحظة فيمكن أن تكون: أن الانشقاق العادى بين تعبير الوجه والكلام، يجعل الذات اقرب إلى ما تعودنا (هو ما تعودت هالة عليه) أما حين تتفق قنوات التوصيل (وهو أمر أقرب إلى “الطبيعية”، وإن كان أبعد عن “العادية”) فإن الشعور بالغربة (أنا مش انا) يمكن أن يتحرك نتيجة لهذه المحاولة لتقول كل القنوات نفس المعنى، مع أن المحاولة لم تنجح إلا جزئيا ومؤقتا.

د.يحيى: يابنت الحلال ده مش عيب ولا غلط، بس ده مهواش تبع “هنا ودلوقتى” اللى نادية كانت بتشاور عليه وهى بتقول لك تجيبى خوفك “دلوقتى”، يعنى شوفى لك صرفة، ياوشك يخاف، ياخوفك يسكت، إيه رأيك؟

  • مزيد من التركيز على محاولة توافق قنوات التوصيل والتواصل (تعبير الوجه مع الكلام)

هيام: الخوف هو اللى لازم يبان

د.يحيى: خلاص خلى وشك يخاف

  • طلب غريبا نوعا (خلى وشك يخاف)، لكنه مألوف فى التمثيل (فى تجارب بروفات التمثيل العادى يطلبه المخرج من الممثل)، وفى السيكودراما كذلك، لكن يمكن أن يكون طلبا مستقلا هكذا.

د.يحيى: كده كويس، بس كده وشك مش خايف، إللى وصلنى زعل مش خوف، خلى وشك يخاف، على فكرة صعب جدا إن وشك يخاف، يعنى يجيب التعبير هنا ودلوقتى، المهم، ماشى، نبتدى باللى موجود، بشوية حزن، إنما يعنى نسيب الخوف يقرب سِنه صغيره، بصراحة الظاهر إنها صعب فعلا، (يلتفت للدكتورة منى) تعرفى يادكتورة منى تخلى وشك يخاف

  • هنا يبدو دور المعالج مثل المخرج فعلا، ولكن لا بد من الحذر من خطأ المعالج، وأيضا من المبالغة، ويتدرب المعالج ليس فقط على رصد المشاعر، وإنما على وضع الفروض مثل إعلانه “أن هذا التعبير هو أقرب إلى كذا أو كيت، كذلك عليه أن يكون مستعدا تماما للتراجع عن انطباعه الأول إذا ثبت أنه ليس هو.
  • تبادل المشاعر على تعبير الوجه، وتداخلها وارد تماما كلما كانت المحاولة صادقة.
  • حين نكتشف صعوبة ما نطلبه من المرضى، قد يكون مناسبا ومشجعا أن ننتقل إلى أحد المعالجين، بما فى ذلك المعالج الرئيسى إذا لزم الأمر، ونطلب منه نفس الطلب، وهذا ما فعله د. يحيى مع المتدربة زميلته د. منى).

د.منى: أحاول

(د.منى: تحاول)

  • الدكتورة منى هنا تحاول صادقة، وتعلن الصعوبة، وهذا يشجع المرضى على إعلان صعوباتهم، وأيضا يشعرهم بمعاملة المثل فى حدود المـتاح.

د.يحيى: حاسه إنه صعب؟

د.منى: صعب جدا

  • فإذا أضيف إلى ذلك محاولة المعالج الأكبر (المدرب) الذى يبدوا أنه حاول بدوره دون أن يعلن (أن يجعل وجهه “يخاف”) دون أن يطلب منه، فوجد نفس الصعوبة.

د.يحيى: وأنا كمان حاسس إنه صعب، إمال احنا عمالين نضغط على هيام كده ليه؟ مش برضه ده ضغط زيادة ولا إيه يا منى؟

د.منى: شكلنا كده

  • ثم إنه حين وجد الصعوبة عامة هكذا أعلن الاعتراف بزيادة جرعة الضغط
  • فتوافقه زميلته

د.يحيى: يا خبر!! إيه الهبل ده؟ تعرفى تخلى وشك يخاف يانادية

نادية: آه

  • يعلن المعالج دون تردد أن الجرعة زادت ويعترف بذلك لزميلته أساسا، وأيضا أمام المرضى أن هذه الجرعة زيادة “إيه الهبل ده”؟! لكنه يلتقت لنادية ويطلب منها ما عجز عنه هو زميلته، وهو يفعل ذلك لا لأنه يتصور أنها أقدر، وإن كان ذلك وارد أحيانا لكن يبدو أنه يعرف عنها المبادرة الجاهزة دون تردد أواستصعاب. وفعلا تبادر نادية بالاستجابة (السطحية نسبيا)
  • فينبهها د. يحيى كما توقع

د.يحيى: إشمعنى أنا عندى صعب وعند منى صعب وعند هيام برضه، وإنتى عندك سهل يعنى

نادية: ممكن أخاف من حاجه

د.يحيى: لأه ما فيناش “من حاجه”، اللى يخاف يخاف وبس

نادية: أهه (تحاول أن تقطب)

  • أن نطلب من المريض أن “يخاف من حاجة” (وهو ما بدأنا به هذه الجلسة)، ليس هو المطلوب باستمرار، أحيانا يكون المطلوب هو التعبير نفسه، دون ربطه بسبب أو مثير، ويكون هذا اصعب حين نطلب من مريض ما تحريك حزنه دون ربطه بسبب أو موقف، ومع كل الصعوبات التى لاقيناها فى هذه المحاولات، فإن النتائج تشير إلى أن النجاح فى ذلك، يضعنا أمام الوجدان الأصل (الذى قد نسميه كثيرا فى سياق المجموعة “خلقة ربنا”) وسوف نرجع إلى ذلك غالبا.

(تدخل سناء متأخرة سبع دقائق و 14 ثانية)

د.يحيى: ورينا كده، يا نادية، أهى سناء جت أهه، جايه جاهز، أهه، ياللا ياسناء مستنيينك فى اللحظه دى، شوفى جايه هشّك بيشك ولا بسه أحمر وحاجات (يقول لها بسرعة وقبل أن تسمع أى حرف من الجارى، وهى تهم بالجلوس)، ياللا ياسناء خلى وشك يخاف

سناء: وشى؟؟ إيه؟!!

د.يحيى: آه وشك يخاف، يترعب، ….

(يظهر على وجهها مباشرة دون تفكير أو تردد تعبير خوف أعمق نوعا من محاولات هيام، وصعوبة د. منى، ود. يحيى)

  • حضور المريض متأخرا ما زال مسموح به فى معظم الأحوال، ربما لأن ثقافتنا تسمح بذلك، (عدم احترام المواعيد غالبا)، وأيضا لأن ظروف المجموعة اجتماعيا واقتصاديا فى مستشفى بالمجان شديدة القسوة، وكذلك لظروف خلل المواصلات، على أن هذا القبول المضمون يقوم أحيانا بوظيفة تبليغ المريض أنها “ليست مدرسة”، وأيضا أن المجموعة (بما فى ذلك المعالجين) تقبله بأى شكل فى أى وقت، لكن هذا لا يمنع من مؤاخذته كل مرة، والتوصية بعدم تكرار ذلك.
  • كثيرا ما يلجأ المعالج إلى إشراك المريض الذى يحضر متأخرا فى التفاعل الجارى فورا، ودون شرح ماذا كان يجرى أو كيف، و يبدو هذا التكنيك مفاجأة غير مألوفة، إلا أنه بتكراره ثبت أنه يقوم بدور مفيد، فمن ناحية هو يشعر القادم أنه “كان معنا”، ومن ناحية أخرى هو يبلغ المجموعة بشكل ما أن التركيز هو على الآلية (العملية) أكثر منه على المحتوى تفصيلا.
  • وهذا ما فعله د. يحيى مباشرة
  • والعجيب (ليس على المجموعة بوجه خاص ولكن على المشاهدين من الخارج) أن سناء استجابت، وفورا، ونجحت أكثر.

د. يحيى (يكمل): شوفى يا نادية، سناء أحسن منكم كلكم، (تبتسم سناء ثم تضحك فى خجل -يكمل د. يحيى) لأه يانهار إسود لسه كنا بنعايب على اللى بيضحكوا وهما بيخافوا، خلى وشك يخاف، طب بلاش، حاسهلها لك: إسمحى لوِشك يخافْ، إسمحى له يعبر عن الخوف اللى موجود فعلا

  • ويعقب د. يحيى أنها أتقنت التعبير اكثر برغم حضورها المتأخر وعدم إلمامها بالجارى
  • يبدو أن الحفاظ على التعبير الأعمق والأدق هو أصعب من مجرد إظهاره، فسرعان ما ابتسمت سناء، ثم ضحكت، فتكرر ما حدث مع هناء. ونبهت إلى ذلك.

د.يحيى: هوه فيه خوف ولا ما فيش الأول؟

سناء: آه، فيه، على طول

د.يحيى: طيب خلاص، مش حانجيبه من بره، إسمحى لوشـّك يعبر عن اللى موجود، أنا شايف الخوف بيقرب شويه شويه، بس الضحكه على طول بتلحقه فبتبوظه، لو تبعديها شويه، شوية، ولو ثوانى حا يكمل ويطلع

نادية: مش صعبة قوى

  • الفرق بين “خَلِّى وِشِّك يخاف” و”اسمَحِى لوشِّك يخافْ” هو فرق مهم، التعبير الأخير يفترض أن هذه التعبيرات كلها موجودة وجاهزه، وأنها مختفية بشكل ما وراء التعبيرات المعتادة والمطلوبة أجتماعيا أكثر، وهذا هو ما يتأكد بالجملة التالية “أسمحى له يعبر عن الخوف اللى موجود فعلا،
  • الاستدراك هنا يسمح للفرض الذى بدأ به المعالج أن يصل إلى المريض، بل وأن ينبع منه من جديد
  • سناء تقر أن الخوف موجود “على طول”، إذن لم يبق إلا السماح به.

يحيى: إنت استسهلتيها كده ليه يانادية؟ إنت مش لاحظتى انها صعبة، حتى دكتوره منى برضه لقيتها صعبة، وهيام ما عرفتشى، وأنا، اشمعنى الحكاية عندك سهلة وجاهزة كده يا نادية؟

نادية: بعض الأحيان يعنى بس

  • هذه الملاحظات مهمة ومفيدة، لكنها مغامرة لاحتمال خطئها، والوسيلة الوحيدة التى تجعلها مأمونه، هو أن يكون التراجع عنها جاهز كما ذكرنا.
  • مازالت نادية – المتهمة نسبيا من قبل المعالج أنها تستسهل، جاهزة بالمبادأة دون إلحاح أو تطفل، لكن يبدو أنها تؤدى ما يطلب منها بسهولة فعلا.
  • فينبهها د. يحيى من جديد إلى استسهالها، فتقر به بطيبةٍ ما

د.يحيى: طيب جربى يمكن أطلع غلطان، وأصدق إنك قادرة على اللى احنا مش قادرين عليه، جربى إن وشك يخاف، وصّلى لنا إن وشك خايف، وصلى ده لأى حد مننا إحنا الأربعه،… غريبه يامنى، أنا لما طلبت من هيام وسناء يعبروا عن الخوف ولو نص نص، بصيت لقيت الحزن هو اللى طل لوحده، نط قدام الخوف وغطاه شوية أو كتير، برضه نادية وشها جه يخاف راح مغطيه حزن غريب، إيه الحكاية؟

  • برغم إقرارها، يتراجع الدكتور يحيى عن رأيه ليجرب، ربما، وهذا أسلوب مطلوب أيضا، ذلك لأن المفروض فى العلاج الجمعى خاصة، أن المريض يتغير باستمرار، المسألة ليست صفات ثابتة، نبدأ بها لننتهى بها، فالمعالج هنا يعطى الفرصة لنادية أن تجرب ” جربى إن وشك يخاف”، مثلها مثل هيام وسناء،
  • نرجع مرة أخرى لمحاولة تمييز تكاثف الوجدان معا وتدخله، وهو أمر يحتاج لخبرة خاصة، لكن مهما بلغت خبرة المعالج، فعليه أن يتأنى فى أحكامه، لكن لا يتردد فى إطلاقها ما دامت قابلة للتجربيب والاختبار

د.منى: فعلا، نادية برضه … (لم تكمل)

د.يحيى: آه، بدل الخوف راح طالع حزن

نادية: نعمل إيه في ده

د.يحيى: والله ما أنا عارف، أهه ده موجود، وده موجود، وده موجود، وبيتبادلوا باين، يعنى ساعات اللى على السطح خوف، إنما الحزن يغلب

نادية: ما هى ديه كفايه لوحديها

  • موافقة د.منى على رأى أو رؤية المعالج الأكبر تبدو أنها تؤيد ما ذهب إليه المعالج الأكبر، بل إن موافقتها امتدت لتشمل نادية المتهمة بالاستعجال والسطحية، د.منى استطاعت أن تلمح ما ظهر أولا، وكيف تغطَّى بسرعة، وهنا نؤكد أن التدريب يشحذ هذا النوع من الانتباه التفصيلى لوحدات الزمن المتناهية الصغر وما يحدث فيها من تعبيرات مهما كانت عابرة أو خفية.

د.يحيى: بصراحة مش فاهم، الظاهر أنا لخبطتها، أنا شخصيا خايف حد يطلب منى الحكايه دى نفسها، أنا من حقى إنى أنا أفشل وما اعرفشى زيى زيكم، طيب إفرضى ياهيام سمحتى لوشك إنه يخاف زى كلامك، تفتكرى يحصل إيه بعدين؟ بعد مايخاف حانعمل إيه؟

  • مرة أخرى يعلن المعالج الأكبر استعداده للمشاركة، وقبوله احتمال أن يسرى عليه ما جرى للمرضى بدءا من الصعوبة إلى تكثيف الوجدانات ونقلاتها

هيام: هى ديه المشكله؟

  • عودة إلى هيام التى بدأت الجلسة بإعلان خوفها، والتى طلب منها أن تحاول أن توفق بين قنوات التعبير والتواصل، (تعبيرات الوجه والكلام)، هذه العودة إلى نقطة البدء تكون مفيدة عادة، لكنها ليست ملزمة على أية حال.
  • ما نطلبه من المريض لا يكون له هدف معين حين نطلبه، وإلا فسد كل شىء، القواعد هى التى تحكم الحركة، والنتائج هى التى تحدد النقلات، هنا طلب المعالج من هناء تصور نجاحها فى أن توفق بين تعبير وجهها، وحكيها عن الخوف، فهل هذا هو المراد فى ذاته، أم أن هذا هو السبيل لمواجهة خوفها بحجمه، بدلا من تخفيفه او تغطيته بابتسامة لا تتناسب معه، هناء حددت بردّها هنا أنها تعيش مشكله أن تواجه خوفها بحجمه، نتيجة هذا التوافق.

د.يحيى: لأه، أنا مش قصدى نبقى أوصياء على مشاعرنا، يعنى ما نطلعشى الخوف إلا لما نعرف حا نعمل بيه إيه، دى تبقى مصيبة سودا، لأه اللى موجود يطلع وبعدين نشوف، الله!!، اللى يطلع يطلع يمكن يقربنا من بعض وبعدين تُفرج، قلتى إيه يا هيام، حانعمل بالخوف إيه لو طلع يعنى

  • استدراك هام، ذلك أنه لو طلبنا من أى منا أن يعرف فائدة ونتيجة إطلاق سراح مشاعره قبل أن يطلقها، وكان هذا هو المراد، فإننا بذلك نعرقل التلقائية ونصبح أوصياء على وظيفة التفاعل الوجدانى والطلاقة العاطفية مما قد يكون أكثر طلاقة وتلقائية من الوصاية الفكرية، والفائدة المتصورة. وربما هذا التخوف هو الذى جعل المعالج يعتبرها “مصيبة سودا” أن نصبح أوصياء على مشاعرنا،
  • ثم يعود المعالج لهيام بعد هذا التوضيح، ليواصل التفاعل فى فحص الخوف وكيفية التعامل معه: فيسأل هيام بعد كل هذا التحريك عن موقفها منه.

(تدخل رباب متأخرة 11 دقائق و 55 ثانية)

هيام: إحنا نواجهه

د.يحيى: نواجهه علشان نلغيه، ولا نعمل بيه إيه؟ ما دام موجود موجود ….

  • نفس الملاحظة بالنسبة للحضور بعد الموعد، لكن المعالج لم يشرك رباب مباشرة فى الجارى، مثلما فعل مع سناء، وهذا ينبنهنا أنه لا توجد قاعدة ثابتة، ثم إن التفاعل كان قد أخذ خطوات أكثر تفصيلا وتعقيدا مما كان لحظة دخول رباب. فيكمل المعالج مع هناء دون التعليق على دخول رباب
  • تبدأ من هنا تشكيلات التعامل مع الخوف، وهو عنوان النشرة، هيام تعلن أننا يمكن أن “نواجهه” ولا يتبين معنى المواجهة التى تعنيها، مما يدعو المعالج أن يطلب منها ذلك، وهل المواجهة هى خطوة نحو الإزاحة أو الإخفاءـ ثم إن الأرجح أنه ليس سؤالا بقدر ما هو تحذير ضد أن نعود لنقطة الصفر (حيث بدأنا) بعد كل هذا التحريك.

هيام: أنا مش عاوزاه يبقى موجود

  • لكن هيام – بأمانة وبساطة – تقر برغبتها، حتى بعد الإقرار بالمواجهة، فى أن تتخلص من الخوف أصلا “مش عايزاه يبقى موجود”

د.يحيى: هو طلع شويه عن ما ابتدينا، عن ما كنتى بتضحكى عمال على بطال، طيب لما هوه طلع شويه وبتقولى نواجهه، تقصدى نعمل بيه إيه؟ خصوصا لو استعملنا لغة الجروب “هنا ودلوقتى” نواجهه ازاى؟ نعمل فيه إيه؟

  • يغفل المعالج هذا الإعلان ويواصل التساؤل (الذى يحمل التحذير أيضا) وذلك بالتذكرة بأنه (الخوف) موجود “هنا والآن”، فكيف يمكن أن يتم التخلص منه هكذا، حتى بعد الاعتراف به، وقرار مواجهته؟

هيام: مش عارفه

د.يحيى: لأه بقى، إحنا قدِمِنْاَ وبطلنا نقول مش عارفة و”مش قادرة” (يلتفت إلى رباب): إنتى حاتعملى إيه فى خوفك إيه يارباب

رباب: مش عارفه

  • الانتقال إلى رباب هذه اللحظة ربما كان مهما لتخفيف المواجهة اللحوح بالأسئلة عل هناء، حتى لا يكون التفاعل أقرب إلى “الامتحان”، منه إلى الدعوة للمعايشة اللحظية.
  • إجابة رباب التلقائية المباشرة تدل على متابعتها الأمينة للتفاعل مع هناء.

د.يحيى: تانى؟ ما احنا لسه بنقول لهيام مافيش حاجة إسمها مش عارفه

رباب: حاعيش بيه

د.يحيى: شوفتى يا هيام رباب بتقول إيه، حاعيش بيه، نواجهه، طيب يا رباب بصراحة فعلا: نواجهه غير نعيش بيه، إنتى شطورة طب، طب ولما الدكاترا بقى يسموه قلق واكتئاب، وانت تقلبيها عايزة استريح وكلام من ده، وهات يا بلابيع،، حا تقدرى تعيشى بيه زى ما بتقولى؟

  • البديل المطروح الذى بادرت به رباب هو أن “نعيش بيه”، وقد بدا الفرق واضحا منذ أول وهلة بين أن “نواجهه” وأن “نعيش بيه”، وهذا ما سارع المعالج إلى التقاطه والتأكيد عليه.
  • هذا الموقف الناقد للطب النفسى التقليدى كثيرا ما يثار فى المجموعة، وهو يثار بحذر حتى لا يشجب العلاجات الأخرى الأكثر اقتصادا للوقت، وربما أنجح تعاملا مع الأعراض، لكن فى العلاج الجمعى يكون نقد هذا الموقف المقابل مُهِمًّا، ففى حين وجدنا فى هذه التفاعلات رغبة فى استحضار الخوف، والتعامل معه بمختلف الطرق كما تبين وسوف يتبين، نجد أن الطب التقليدى يحرص على تسمية أى خوف باسم مرضى، ومن ثم يحرص على التخلص منه بأسرع ما يمكن، وهذا هو ما ورد صراحة فى هذا الحوار مع رباب

د.يحيى:..بصراحة لو انتى قد كلمة “أعيش بيه” دى يبقى عملنا عمل مجيد، بس قولى لى حاتعيشى بيه وانتى لوحدك؟ ولا وانتى مع منى؟ ولا وانتى مع سناء؟ ولا وانتى معايا؟ ولا مع نادية؟ ولا وانتى مع هيام، ولا وانتى مع أحمد؟ (ينظر د. يحيى للكراسى الخالية وكان أحمد ومحمود يجلسان عليها) ولا وأنتى مع محمود؟ حاتعيشى بيه وأنتى لوحدك ولا وانتى مع حَدّ

  • واضح هنا ترحيب المعالج بالتعامل مع الخوف بأن “نعيش به” أفضل من أن “نواجهه” (ثم نتخلص منه غالبا)، “عمل مجيد”، لكن المعالج لا يكتفى بذلك، بل هو ينتقل بسرعة إلى بُعٍد آخر، هو من أهم وظائف العلاج الجمعى خاصة، وهو التأكيد على “المعية” (المواكبة)، فهو يسارع بالتبيه على رباب إلى ضرورة (أو تلقائية) النقلة إلى معايشة الخوف “مع” آخر،، حتى لو كان هذا الآخر غير موجود عيانا بيانا (الكراسى الخالية الدالة على الأعضاء الغائبين)

رباب: وأنا مع حَدّ

  • وهكذا يعرض المعالج على رباب بشكل مباشر: أن تعيش بخوفها مع “آخر”

د.يحيى: عالبركة، باسم الله، ياللا ورينا ازاى حا تعيشى خوفك وانتى مع منى، أو تعيشى خوفك وانتى مع نادية، ياه!! كتر خيرك !! دى حاجة تبقى عظمة بشكل لو عرفنا احنا نقبل خلقة ربنا ونتونـّس ببعض لحد ما تـفرج، بدل ما نعقد نحارب ونواجه ونشتكى ونبلبع

  • هنا تبرز فكرة هذا العلاج، وربما كل علاج: وهو العمل على تصحيح أخطاء الانحراف عن أصل التكوين البشرى الطبيعى “خلقة ربنا “، وهو تعبير له علاقة بثقافتنا أكثر من أنه تعبير دينى أو علمى أو أيديولوجى (وهو ما أسميه كثيرا: الفطرة)، وقد تناولنا مناقشة هذه القضية (الفطرة) مرارا فى هذه النشرات من قبل. “نشرة: 4/11/2007، ونشرة: 6/11/2007

رباب: طب ازاى؟

د.يحيى: لأه بقى، دا أنا اللى أقولك إزاى؟ مش احنا عندنا قاعده بسيطة بتساعدنا، وفى نفس الوقت بتحرجنا، القاعدة بتاعة “هنا ودلوقتى“، ياللا ورينا شطارتك وعيشى خوفك مع حد.

رباب: مش عارفه

  • إعلان رباب عجزها عن أن تعيش خوفها مع آخر يحمل معنى الأمانة والصعوبة معا، ورفض اعتذارها لا يعنى لومها بقدر ما يعنى حثها على مواصلة المحاولة، خاصة وعمر المجموعة قارب العشرة شهور.

د.يحيى: ما احنا قلنا بلاش مش عارفه دى، إحنا قِدِمناَ قوى، برضه بعد 10 أشهر نرجع نقول مش عارفة؟

رباب: ماشى، بس…..

د.منى: ….. ابتدى يا رباب، إنك تسمحى إنك تخافى، وفى نفس الوقت تتونسى بحد مننا….، يلا يا رباب

  • هذا الجمع بين “السماح” (لنفسها/لداخلها) أن يتحرك، جنبا إلى جنب مع الائتناس بآخر، هو من أرق قواعد العلاقة الإنسانية التى نأمل عادة أن يوفرها مثل هذا العلاج (وعموما) والتعبير الصادر عن د.منى هنا يشير إلى تقدم مرحلة تدريبها بشكل جيد.

رباب: انتى قولتى إبتدى خافى وبعدين إيه؟

د.منى : … وفى نفس الوقت وانت متونسة بحد

د.يحيى: انتى يا رباب استعملتى كلمة مهمة جداً، لو اشتغلنا فيها انّهارده لوحدها، ربنا حا يكرمنا لو نتعلم منك ازاى نعيش بخوفنا، وإيه الفرق بين ده وبين اللى قالته هيام يبقى تمام، انتى فاكرة هيام قالت: “نواجهه”، دى غير دى، أنا حاسس إن نواجهه فيها خناقة، إنما نعيش بيه أقرب للطبيعة، مش كده ولا إيه ؟ يتهيأ لى المواجهة حا تخلينا فى الآخر نحاول نخبيه، قال إيه بنتخلص منه، يبقى نجرب حكاية نعيش بيه دى اللى انت يا رباب استخرعتيها لينا النهارده، فاضل بقى الإضافة اللى انتى أضفتيها بتاعة حكاية “مع حد”، ما هى تفرق “لوحدك” غير “مع حد”، مع حد مين بقى يا رباب”هنا ودلوقتى”؟ خلى بالك إن احنا لنا أسامى، وإن احنا قاعدين مع بعض، وإن الساعة 8 إلا ربع، وحاجات كده …

  • التفرقة بين “لفظين” استُعْمِلاَ فى الحوار لا ينبغى أن تأخذ أية أهمية تنظيرية فى ذاتها حتى لا تجرنا إلى مناقشة عقلية، لكن هنا كانت التفرقة هى تأكيد لما حدث فى الدقائق السابقة، حيث لحقت “المواجهة” محاولة إلغاء أو إخفاء، فى حين جرجرت “المعايشة” احتمال الائتناس بآخر.
  • تأكيد جديد على قاعدة “أنا – أنت” مع التنبيه على تجنب أن ينقلب التفاعل (الحوار) إلى قضية عامة، أما التذكرة بالساعة والوقت فهو تذكرة بـ “هنا ودلوقتى”.

رباب: طب أنا مش عارفه ازاى، ما هو ….

د.يحيى: مش احنا قولنا ألف مرة بلاش بقى “مش عارفة” دى، وإن احنا بنشتغل فى اللى مش عارفينه، أكتر من اللى عارفينه،

إحنا بقينا فى سنة تالتة، ولا حتى سنة رابعة، إيه رأيك ياهيام؟ سنة كام

  • فكرة أن “نشتغل فيما لا تعرف” (فى اللى مش عارفينه) من أهم آليات هذا العلاج لان بها من المحاولة والكشف ما يساعد حركية النمو

هيام: رابعة

د.يحيى: رابعة ولا تالتة يا رباب؟

رباب: السنة الأخيرة وخلاص

د.يحيى: فعلا السنة الأخيرة، إنتى عفريته، فاضل شهرين ونتخرج

رباب: عفريته ازاى، ما هو أنا الإحساس حاساه، بس مش عارفة بعد كده بقى …

  • هذه المجموعة تتفاعل وفى وعيها قرب انتهاء عمرها حسب التعاقد المبدئى (عاما كاملا= اثنى عشر شهراً لم يبق سوى شهران)

د.يحيى: يابنت الحلال ما احنا لسه قبل كده، مش بعد كده، مش احنا “هنا..ودلوقتى“؟

رباب: خلاص OK أنا عايشة بخوفى اهه

د.يحيى: لوحدك، ولا معاكى حد

رباب: مع هيام، أنا خايفة وهيام معايا

  • المحاولة جادة، لكن صعبة مما أدى إلى لجوء رباب إلى الابتسام، فالابتسام الأوسع، مما دعا د.يحيى إلى الدعوة من جديد إلى محاولة توافق قنوات التواصل كما بدأت المجموعة مع هيام

د.يحيى: قبل ما تيجى يا رباب بسبع دقائق ولا عشرة، كنا بنتخانق مع هيام أنها بتتكلم عن خوفها وفى نفس الوقت كانت فاشخه ضبها وبتضحك، أهو انت عايشة خوفك وبتضحكى اهه بس مش قوى

 رباب: أنا ضحكت لما شفتها ضحكت

  • يبدو أن لجوء رباب إلى الابتسام/الضحك مع محاولتها السماح بظهور خوفها كان أقل دفاعية وانشقاقا عن ما بدأت به هيام الجلسة
  • هنا تفرقة بين “الابتسام الاجتماعى” “عمال على بطال” وبين محاولة التفاعل فى المجموعة على مستوى أعمق

د.يحيى: ما هو ده ماينفعش بيبعدنا عن بعض، يعنى مع إنه بيونس، بس مش لدرجة إنه يخلى الخوف يختفى، وهات يا ضحك

  • السماح بالدفاعات، إلا قليلا، طبيعة بشرية، لا ينبغى رفضها إلا تدريجيا وعند الضرورة إذا أعاقت أوشوهت

رباب: صحيح الضحك بيبعدنا، (تلتفت نحو هيام) أنا خايفة وأنتى معايا ياهيام (تقولها دون ضحك، ولا هيام ضحكت)

د.يحيى: بس…!!، كده كفاية أوى

سناء: (تتداخل فى التفاعل تلقائيا) ساعات باحس بخوف وأنا فى البيت برضه

  • من أصعب مهام المعالج “ضبط الجرعة” وبرغم أن الألفاظ هنا تبدو كأنها آمِرَة، إلا أن الحاصل أنها كانت “رضا” بالجرعة خشية ظهور الابتسام اللاغى للخوف والمُضْعِف للتواصل

رباب: بتكلمى مين يا سناء؟

د.يحيى: دلوقتى يا سناء إنت اتكلمتى عن خوفك فى البيت، واحنا هنا، رباب كانت مع هيام دلوقتى،”هنا ودلوقتى”، كانت عايشة مع خوفها على قد ما قدرت، قالت لها أنا خايفه وأنتى معايا ياهيام، ده عمل إيه فى خوفك يا هيام؟ مش فى خوف رباب

  • رباب وليس المعالج تعيد سناء إلى “أنا <==> انت” تلقائيا، فالمرضى عادة يتعلمون القواعد ثم هم يلتزمون ويُلزمون زملاءهم بها بعد حين

هيام: لقيت نفسى فى نفسى باقول لها نفس الكلام

  • تعبير “لقيت نفسى” دون أن ننطق هو إقرار بتواصل الحوار بالداخل دون كلام، وهو مفيد عادة، وليس بالضرورة “استبطانا راجعا”.

د.يحيى: يعنى إيه

هيام: لاقيت نفسى بابادلها نفس الشعور

  • هنا توضيح لآلية أخرى فى هذا العلاج وهو أن المبادرة فى تنمية العلاقة لا تتوقف عند الشفقة أو التعاطف أو التطمين، بل إن هذا كله قد يبدو ضد مسيرة العلاج، وإنما هى مشاركة بما عندى مع ما يقابل ما تحرك عند الزميل أو المعالج وهكذا (طلع جنب خوفك).

د.يحيى: شفتى بقى، إنت كنت بتقولى “نواجهه“، فرقت عن “نعيش بيه“، وفرقت أكتر “نعيش بيه مع حد”، كتر خيرك يارباب، بصراحة فيه حاجات بسيطة حصلت أنا مصدقها زى العادة، يعنى مصدق إن خوف هيام طلع، جنب خوفك، وبدال ما نتصور إن ده حا يزود خوفكم إنتم الاتنين، العكس حصل، دى حدوته كده ربنا أكرمنا بيها النهارده، يمكن تفرق لوعرفنا نحافظ عليها، بس برضه هى مش سهلة، بصراحة باين عليها حكاية جد، ومزعجة فى نفس الوقت

  • وهذه المشاركة لا تضاعف الخوف وإنما تسمح “بالمواكبة” “المؤانسة” كما ذكرنا
  • أن نصل إلى هذا المستوى الصعب (باين عليها حكاية جد) بعد إزاحة الابتسام الدفاعى أو التخفيف منه، هو أمر مطلوب، لكن الاعتراف بأنه مزعج يشير إلى أنه “جديد” و”مهم” و”غير مألوف”، وليس أنه غير مطلوب

رباب: مزعجة أوى

د.يحيى: مزعجة مزعجة، ما هو اللى بدالها ألعن، مزعجة عشان صعبة بس اللى بدالها عبارة عن استغماية وتأجيل، تعرفى تكملى مع رباب يانادية؟ بس وانت مش مستعجلة

  • قبول هذا النوع “الإزعاج” هكذا هو بمثابة تنمية للبصيرة تدريجيا تخفيفا لجرعة الميكانزمات

نادية: مش مستعجلة ازاى؟

د.يحيى: أصلك أنتى دايماً مستعجلة، كل ما أسألك حاجة تقومى ردّه على طول، باحس إنك بتبقى جاهزة كده

  • التفات جديد إلى نادية، مع التأكيد على نفس الملاحظة “أنها جاهزة، ومستعجلة” مما يقلل من تعمق مشاعرها

نادية: لأ مش مستعجلة،

د.يحيى: تصدقى إن أنا شفت الخوف فينا، كلنا تقريبا، أثناء الشغل بس دورت عليه عندك يا نادية ما عرفتش هوه طلع ولا لأه، ولا شفته عندك يا منى برضه ؟

  • مرة أخرى: ملاحظات المعالج ليست حكما تقريريا بقدر ما هى “فرض” يستحسن إعلانه، ثم نرى، والمعالج هنا يجمع نادية، مع المتدربة د. منى، وهذا يفيد فى كسر الحواجز

د.منى : انا كنت مركزة مع هيام، أنا شفته عند هيام دلوقتى

  • تفسير منى لملاحظة المعالج هو فى محله

د.يحيى: يتهيأ لى يا منى اللى طلع عندك بداله هو حزن

د.منى: لأ باخاف

  • معارضة د. منى مفيدة، لكن تعبير “باخاف” غير “أنا خايفة” (الآن)

د.يحيى: لأ هىّ مش مسألة باخاف ولا ما باخافشى، المسألة هو فيه خوف طلع دلوقتى ولا لأ، يعنى شفتى رباب وهى بتشتغل: أنا خايفة وأنتى معايا وحاجات كده

د.منى : ما هو صعب فعلا

  • اعتراف د.منى بالصعوبة يقرب أكثر المسافات بين المعالجين والمرضى

د.يحيى: طبعا صعب، يا نستحمل الصعوبة يا نلصّمها، مش دى فرصتنا يارباب، دى فرصتنا إننا نتعلم، هوه بعد الجروب ما يخلص حانعرف نجيب أى حاجة هنا ودلوقتى، هوّا احنا حانلاقى حد نخاف معاه، إحنا بنتعلم هنا عشان نحتفظ بحاجات يمكن نقدر ننقلها وتكبر حتى بعد ما نخلص

  • تأكيد جديد على الصعوبة، جنبا إلى جنب مع تذكرة ببعد “التعلم” من خلال تغيير نمط العلاقات. كما نلاحظ هنا أن جرعة التنظير (والتوجيه) زادت نسبيا، وهذا من ضمن صعوبة هذه المجموعة إذ تضع فى الاعتبار (أ) تدريب الأصغر (ب) كشف الإمراضية (السيكوباثولوجى) (ج) علاج المرضى وتختلف جرعة خدمة هذه الأهداف بين جلسة وجلسة، وأحيانا بين لحظة ولحظة، وقد زادت هنا جرعة التنظير والتوجيه

رباب: طب نعمل إيه، ما احنا حانخاف بّره، يبقى نخاف لوحدينا ؟

  • اعتراض مهم من رباب بنية أن ما نتعمله هنا هو غير قابل للتطبيق كما هو بعيدا عن المجموعة، وتساؤلها شديد الدلالة والواجهة “طب نعمل إيه”

د.يحيى: مش قوى كده، ربنا موجود

  • استعمال تعبير “ربنا موجود” مثل استعمال “خلقه ربنا التى أشرنا إليها حالاً، وهذا يحتاج إلى تفصيل مستقل، لاحق، فيكتفى بالتنبيه بأنه ليس مجرد استعمال دينى تواكلى بقدر ما هو إشارة إلى معايشة العلاقة الواصلة التى تجمعنا معاً بفضل القاسم المشترك الأعظم بين البشر

رباب: يبقى حانخاف لوحدينا أو حانخاف مع اللى مش لاقيينهم دول ولا إيه

  • تأكيد جديد للفرق بين المجموعة وخارجها (الفرق المهم دون تفضيل سطحى)

د.يحيى: إحنا الأول نعترف إن إلغاء الخوف صعب وغلط، أصل واحنا بنلغيه بنستعمل حاجات ألعن منه، بنلغيه بوسائل أقبح تعطلنا وتضحك علينا، ونعيش كإننا مش خايفين، واحنا جوانا بلاوى

  • تأكيد على التخفيف بين الميكانزمات

رباب: ماشى، الخوف حايبقى جوانا مش حايبقى مع حد

د.يحيى: بالذمة ده كلام، فرقت إيه؟ طب إحنا بنعمل إيه بقى لنْا سنة؟

رباب: لأ فَرَقِت، حضرتك بتغيـّرنا احنا

د.يحيى: لأ عندك، أنا ما بغيّرشى حد، أستغفر الله، دى مجرد فتح فرص، واللى يتغير يتغير

رباب: بس برضه فيه حاجات كتير اتغيرت

د.يحيى: أصل انا باكْرَه حكاية بتغيرنا دى، إحنا بنتيح لنفسنا فرص يمكن يتصحح اللى احنا بوظناه، أو هما بوظوه فينا، يمكن نرجع أقرب لخلقة ربنا.

  • التنظير هنا يعلن أن ما نتعلمه فى هذا العلاج هو عينة لنوع آخر من التفاعل الصحى والواقى، نطعّم به طريقة تعاملنا عامة حتى بعد انتهاء عمر المجموعة، لكنه ليس مطلوبا أبدا أن يكون هو نفس نوع التعامل الذى نتعامل به “خارج المجموعة” أو بعد انتهائها (بعد عام)، فهذا مستحيل، كل المأمول هو “تطعيم” نوع تعاملنا العادى بما اكتسبناه فى المجموعة.

رباب: أصل احنا هنا واحدة واحدة بنختلف عن قبل كده، لكن بره ما فيش

  • بعد عشرة أشهر تعلن رباب حقيقة ما يجرى، وهو المأمول من هذا العلاج “التغيّر”، وليس بالضرورة التغيير بفعل فاعل (الذى هو المعالج الأساسى)

د.يحيى: إحنا بنأخذ فرص إن ربنا يصحح اللى إحنا بوظناه

  • العامل المغيّر فى هذا العلاج ليس هو المعالج، وإن كان هو “مدير عجلة التغيير” لكنه ليس فاعل التغيير، يتم التغيير الذى تعبر عنه رباب بوضوح (برغم أغلب أعراضها) من خلال المجموعة ككل، وهو يتحقق أكثر كلما التزمت المجموعة بقواعدها “أنا – أنت، هنا والآن”

رباب: هوه احنا اللى بوظناه؟ّّ

  • هذا التساؤل مشروع من حيث المبدأ، لكن المبالغة فيه (كما يوحى التحليل النفسى التقليدى) هو تبرير أكثر منه حفز للمشاركة فى مسئولية “ما لحق بنا، وهذه البداية لحفز القدرة على التصحيح بدءًا من هذه المسئولية، تصحيح لاحق إن صح التعبير

د.يحيى: … إحنا بوظناه يعنى على الأقل شاركنا فى تبويظه، يعنى نرجع على قد ما نقدر زى خلقة ربنا، مش كل اللى بنعمله ده، بنعمله عشان كده، هو مش ربنا حلو ولا إيه

  • تنظير جديد يستعمل لغة شبه دينية، مع أنها ليست كذلك، فهى مرتبطة بثقافتنا أكثر، ونؤجل هنا أيضا تفسير وتبرير كيفية استعمالها فى هذه المرحلة كما أشرنا فى الملاحظة قبل السابقة.

رباب: آه

د.يحيى: يبقى إحنا حلوين، ولا إيه رأيك، هوه ينفع الواحد يبقى حلو وهو خايف؟ بلاش الواحد نرجع “أنا وانت” و”هنا ودلوقتى:، ينفع إنتى تبقى حلوه وإنتى خايفه، وأنا أبقى حلو وأنا خايف؟

رباب: ماعرفش

د.يحيى: لأ حاولى والنبى: ينفع ولا ماينفعش؟

رباب: ينفع

د.يحيى: بس خلاص، ورينا بقى

د.منى: وقّـعتى نفسك يا رباب

د.يحيى: حاسبى يا منى، طب ينفع يا منى ؟

د.منى: يبقى حلو وخايف ؟

د.يحيى: آه!؟

د.منى: أنا لو سمحت لنفسى بالخوف أبقى حلوه

  • قبول “خلقة ربنا” بما فى ذلك الخوف والحزن وغيرهما، بما هى، يجعل الإنسان أقرب إلى طبيعته، ولعل هذا هو معنى “يبقى حلو”، وهذا السبيل إلى تحمل التناقض الظاهر هو ضمن خطوات نفى الاستقطاب (إما .. أو) فى اتجاه “تحمل الغموض” أيضا، وهو ليس مألوفا ولا متواترا فى الحياة العادية
  • تدخل د.منى هنا شديد الدلالة، فهو من ناحية دليل على المشاركة المواكبة، ومن ناحية أخرى هو يؤكد تلقائية المتدربة مما يشير إلى أن التدريب يسمح بتحريك مثل هذه المشاعر المقابلة لخبرات المرضى بما يسمح لنا بفهمهم فهما أرحب وأعمق، على أن تعبير د.منى له دلالته النظرية أيضا” “إن السماح بما هو أصل وطبيعة، هو المقابل لكلمة “حلوة” فى ثقافتنا وليس بالضرورة مرادفا له

د.يحيى: إذن ينفع يعنى، علشان كده كلنا احلوّينا (ضحك من الجميع تقريبا) أنا مش عايز أشتغل بعد كده، ياللا نروّح قبل ما نِوْحَشّ

د.منى: هى سناء كانت عاوزه تشتغل فى الخوف اللى جواها، ياللا يا سناء خدى فرصة

د.يحيى: سناء ظروفها صعبة، وهى أم جميلة، ياللا يا سناء

سناء: أعمل إيه ؟ (تنفعل سناء متألمة حتى تتوقف، وتنظر فى الأرض)

  • إعلان الرغبة فى الوقفة هنا (أو التوقف) هو بمثابة دعوة إلى تعميق ما كان (أيّا كان) وهو أيضا يشير إلى رضا المعالج بما توصل إليه التفاعل الجارى

د.يحيى: إنتى جدعه يا سناء، طيب بلاش، باقول لك إيه يا منى، ما كفاية كده، وياللا نغير الموضوع، إحنا باين علينا صعّبناها قوى،

د.منى: أنا باقول نشوف سناء لو حبت تشتغل يعنى تكمل شغل ده حقها، يا إما ننتقل لأى حاجه تانيه، إيه رأيك يا سناء؟ إنتى عاوزه تكملى شغل ياسناء فى نفس الموضوع؟

  • انتباه د.منى إلى حضور سناء، (الأم لأربعة اثنان من زوجها الأول لا تراهما إلا نادرا)، والمنتظمة فى الحضور، والمعانية من صعوبة الحياة بكل معنى الكلمة)، انتباه منى إلى حضور سناء دون مشاركة نشطة له دلالة طيبة على يقظة المتدربة، ومحاولة تذكرة المعالج بمن يكون أقل خطأ فى المشاركة.

سناء: نشتغل فى حاجه تانيه

د.يحيى: بصراحة أنا كنت بادعى إنك إنتى ترفضى عشان فعلا نشتغل فى حاجه تانيه

د.منى: ده برضه كان نفس إحساسى

د.يحيى: كنتى عايزه تغيرى الموضوع يعنى ؟

د.منى: أيوه، كنت عاوزه أغير الموضوع

د.يحيى: طب انا خواف، إنتى كنتى عايزة تغيريه ليه، جبانة زيى؟

  • هذا الحوار بين المعالج المدرب والزميلة المتدربة مهم، فمن ناحية هو دعوة للاختلاف، ومن ناحية، أخرى يظهر مرة أخرى محاولة المعالج الأكبر “ضبط الجرعة”، إذ يبدو أنه يراعى ظروف سناء وألمها المتكاثف، ولا يريد أن يعرضها –فى هذه اللحظة– لمزيد من التقليب
  • لكن د.منى تبدو أكثر حرصا على دعوة سناء، أو على الأقل على اخبارها أنها لم تُنْسَى

د.منى: الله يسامحك يادكتور يحيى

د.يحيى: ما أنا اللى إبتديت جبن هو لو كملنا كان حايحصل إيه يعنى

د.منى: مش عارفه

  • كل هذا الحوار يؤكد الملاحظة السابقة، وهو أيضا يشير إلى ضرورة الالتزام بـ.. “ضبط جرعة التفاعل” من جهة، وقبول الاختلاف فى الرأى بين المعالجين من جهة أخرى.
  • ثم إن وصف هذا التراجع بالجبن هو مجرد تحذير من المبالغة فى حسابات الكف عن التمادى فى الانسحاب من إكمال تفاعل قد يكون مفيدا.

د.يحيى: أنا خايف من الكذب لما بنخش فى مستوى أعلى من اللى نقدر عليه، ساعات بنضطر نكذب.

  • تنبيه إلى أن تجاوز جرعة التعرية يستجلب تلقائيا ميكانزمات أقوى للتغطيه وهذا ما يعنيه “الكذب” هنا غالبا.

د.منى: أنا خفت من تضييع الوقت

د.يحيى: اسم الله، هوه فيه حاجة اسمها تضييع وقت ما دمنا “هنا ودلوقتى”؟

د.منى: … قصدى زى ما حضرتك بتقول كده، نكذب، يبقى بنضيع وقت.

  • تلتقط المتدربة هنا أن الكذب (فرط استعمال الميكانزمات) هو بمثابة “تضييع الوقت، فى حين يطمئن المعالج الأكبر زميله إلى أن صمام الأمن ضد تضييع الوقت هو القاعدة الأساسية للمجموعة “أنا – أنت & هنا – الآن”.

د.يحيى: مش إنتوا إبتديتوا قبل ما آجى بدقيقة بخوف هيام، ما تياللا نشوف وصلنا لحد فين بعد المشوار ده، يا ترى يا هيام خوفك الأولانى، قلّ؟ ولاّ زاد؟ طلع؟ نزل؟ استخبى؟ الخوف ياهيام اللى إنتى إبتديتى فيه مع نادية ومع منى قبل ما أنا آجى، إيه اللى حصل فيه بعد ما اشتغلنا كل الوقت ده فى الخوف بتاعنا كلنا

هيام: كان كبير أوى

د.يحيى: كان، إحنا فْ دلوقتى، إيه اللى حصل بعد ما وصلنا لحد “أنا أعيش مع خوفى“، “مع فلان“، وانتى قلتى لرباب فى نفسك أنا أعيش بيه معاكى واللى جرى ده كله، يا ترى الخوف الأولانى حصل فيه إيه دلوقتى؟ رجع تانى كبير أوى؟ هوّا هوا بنفس حجمه واللا إيه،؟ بانِتْ له معالم تانيه؟ أخذتى منه موقف؟ يا ترى حا يفضل من ده كله إيه والجروب حايخلص بعد شهر ولا اتنين؟

  • هذه الأسئلة لا تطرح طلبا للإجابة، بقدر ما هى تقاسيم على التحريك المحتمل.

هيام: باحاول أكون مع ربنا

  • استعمال هيام لكلمة “ربنا” ليس بالضرورة هو نفس الاستعمال الذى أشرنا إليه سابقا، لكن قد يكون كذلك مما يحتاج إلى تأجيل مناقشته أيضا مثل سابقِهِ

د.يحيى: بلاش كلمة باحاول مش احنا اتفقنا ؟

هيام: باجتهد أكون مع ربنا

د.يحيى: باجتهد، ما هى هيه باين، باحاول زى باجتهد، إحنا بنتعلم، يبقى بنتغير، زى ما رباب خدت بالها، لو احنا اتعلمنا حاجة جديده هى ديه اللى بتغيرنا، إيه رأيك يا نادية، إنتى اللى اشتغلت فى خوف هيام فى أول الجروب، يا ترى شايفه إيه اللى حصل؟

نادية: نِقِص، وهى بقت قريبة

د.يحيى: أنا شايف كده برضه

هيام: يمكن ..

  • الخوف الذى يشار إلى احتمال نقصانه الآن ليس هو الخوف الذى حاولنا تحريكه فى المجموعة، مرضى ومعالجين، لكنه الخوف المكتوم الثقيل الذى بدأت هيام الجلسة بالشكوى منه.

د.يحيى: باقول لك إيه يا هيام، إذا كان ده صحيح، يبقى لازم يترتب عليه حاجة دلوقتى، وإلا حايبقى كلام حاتلغيه بعد ثانيه، يا إما بعد الجروب، يعنى النهارده بعد الضهر مثلا، أو حتى بعد نهاية الجروب كله الشهر اللى جاى، بس خلى بالك ما فيش حاجة “بتوصل” بحق وحقيق ممكن تتلغى مهما كان

 هيام: يعنى أعمل إيه؟

  • هذه الإشارة تعلن فرض (أو حقيقة) أن التغيير النوعى، الذى يحدث فى هذا العلاج مهما كان ضئيلا أو قصير المدة (ولو ثوانٍ) يستحيل محوه، وإن كان يمكن اخفاؤه” أو إبطال أثره لمدد متفاوته.

د.يحيى: يابنت الحلال ما احنا إتفقنا مع رباب

هيام: أعمل إيه؟

د.يحيى: تعملى حاجه ماكنتيش قادره تعمليها قبل كده، إنك تشخطى فى سناء مثلا رغم كل همومها دى إنها تقرّب، شوفى سناء باصّة فى الأرض ازاى زى ما تكون مش معانا، شديها ناحيتنا

هيام: (بصوت عال على غير عادتها) ياسناء

د.يحيى: من غير سؤال ولا نصيحه

هيام: أنا “قادرة” دلوقتى أكتر من الأول

  • هذا الطلب، برغم أنه يعيد نسبيا عن القضية المثارة (التعامل مع الخوف) هو مألوف ويشير إلى أن الرسالة العلاجية إذا وصلت، والتغير النوعى إذا تحقق بأى نسبة ضئيلة لايقاس بالاعتراف به، بل يقاس بما ترتب عليه كما عرض فى طلب “تعملى حاجى ماكنتيش قادره تعمليها قبل كده”.
  • “من غير سؤال ولا نصيحه” !
  • هذه قاعدة فرعية شديدة الاهمية، لكنها ليست مُلزمة (مثل: “أنا وانت وهنا ودلوقتى”) ولا مطلقة، لكنها مفيدة تماما، حيث ألفنا فى الحياة العادية أن يكون حوارنا إما نصائح وإرشادات، وإما أسئلة (خاصة عن الأسباب) تصل لنا غالبا إلى موقف تبريرى.

د.يحيى: أنا مصدقك، كتر خيرك، حتى لو ما قلتيش قادرة على إيه. مجرد شعور “القدرة” يابنتى وشك بقى أحلى جدا، بصحيح

  • تعبير “أنا قادرة” دون تحديد، قادرة “على كذا”، له دلالته الخاصة، إذ أن تحريك “القدرة” فى ذاتها هو من ضمن أهداف وطموحات هذا العلاج

تفتكرى خوفك الأولانى اللى إبتدينا بيه الجروب النهارده حايتنيه زى ماهو؟

هيام: لأه، لأه

د.يحيى: إحمدى ربنا بقى بحق وحقيق هو اللى عمل كده، هو اللى بنتغير بفضله، مش أنا اللى باغيّر زى ما بتقول رباب

هيام: الحمد لله

  • عودة حذرة إلى اللغة الدينية (ثقافيا) مع التحذير من التمادى فى سوء الاستخدام والتوكل، ومع الخوف من اختلاف التأويل لهذه التعبيرات التى تحمل جرعة التقديس واحتمال الاغتراب

د.يحيى: ونِعْم بالله، طيب إنتى ليكى الفضل يا رباب إنك إنتى جيبتى لنا التعبير بتاع “أعيش بيه” كان تعبير أولا “هنا ودلوقتى”، ثانيا كان بسيط خالص، وفى نفس الوقت صعب، بس بصراحة وصل لهيام وعملنا شوية شغل، يبقى من حقك يعنى إنك إنتى بقى يوصلك حاجه زى هيام، إنت صاحبة الفضل فى التحويدة دى بعيد عن “نواجهه” و”نخبيه” و”نهرب منه“، والكلام ده

  • هذا التجمع الختامى لهذا التفاعل النشط ينبغى أن يقوم بجرعة غير جازمة، وإعادة الفضل إلى صاحبة المبادأة بتنويع طرق التعامل مع خوفنا هو إقرار بالتغيير الحادث، ومراجعة لزعم رباب (بالذات) “انتَ بتغيّرنا

رباب: أنا واصلنى الإحساس نفسه يعنى

د.يحيى: بصراحة أنا ما بادقش قوى على الإحساس اللى واصل، أنا بادوّر على الفعل اللى قدر الإحساس يحركه، إنت شوفتى لما هيام إشتغلت مع سناء كان فيه حاجه شكل تانى غير بتاعة أنا واصلنى إحساس ولا ما واصلنيش

  • لو اقتصرنا على الاعتراف بالفضل، إذن فقد سمحنا للمريضة صاحبة الفضل أن تقوم بدور “المعالج” أكثر، مما يثير احتمال أن هذا قد يحرمها حقها من عائد فضلها

رباب: بس انا عملتها مع هيام

د.يحيى: عملتيها بصدق شديد، بس زى ما يكون هيام خدت، وانت لأه، خدى حاجة إنتِ لِكِ

رباب: ليّا؟ مش حاعرف

د.يحيى: مش ده حقك برضه، هوه انت بتبقششى ؟

رباب: لأه مش بابقشش، أعمل إيه؟ ليَّا ازاى يعنى؟

د.يحيى: حاجة تبع علاقتك بينا، قارنى باللى جيتى بيه الجروب الأول خالص، مش انت بتقولى بنتغير

رباب: طب حاجة ليّا ازاى؟ يعنى أعمل إيه؟

د.يحيى: خدى حقك

رباب: إزاى ؟

  • كل هذا المقطع تأكيد للملاحظة فى الفقرة السابقة

د.يحيى: مش انت بتقولى اتغيرنا، أنا مش شايف تغيير فى رباب غير رؤيتها وشجاعتها، ياترى إيه أخبار الخوف مثلا؟

رباب: زاد

  • تنبيه خشية أن يكون أغلب التغيير هو رؤية معقلنة، مع أن التفاعل يستبعد أن يكون كذلك فقط، غلبة البصيرة المعقلنة لاح بالدعوة إلى موقع “خوف” رباب نفسه بعد هذا التفاعل

د.يحيى: لأه بقى ولا يهمك، ماهو ده مشروع إنه يزيد، ينقص، أحسن مايكون ثابت واحنا نقعد نتكلم عنه وخلاص، طيب وبعد مازاد حاتعيشى بيه زى ماقلتى، ولا حاتعملى إيه، واحنا هنا ودلوقتى، يالاّ نشوف حانعمل إيه، وده حقك برضه، إنه يزيد حقك مادام هو موجود يزيد يزيد، هوّا انتى بتجيبيه من بره؟

  • زيادة الخوف هنا وصلنى على أنه “الجرأة على السماح” ويمكن مقارنته ببعض الخوف (الآخر) عند هيام (انظر سابقا)، بمعنى أن زيادة الخوف الفطرى هو تحريك إيجابى، كما أن نقص الخوف المكتوم هو تحريك ايجابى أيضا.

رباب: طب وكلمة “أنا أعيش بيه” دى، مافيش كلمة تانية؟

رباب: مش عارفه

د.يحيى: لأه إنتى جايه بيها يابنتى من أول ما دخلتى، إحنا ماعملناش ليكى حاجه، التعبير ده هو اللى إبتدى منك إنتى، يعنى جايه بيه، ورحتى رامياه فى وشنا، طلع هوّه، لازم تأخذى حاجه حلوة بقى

رباب: أنا عاوزه أسأل حاجه هو “أعيش بيه” زى “أستحمله”؟

د.يحيى: إنت عارفة الإجابة، أنا متصور كده

رباب: أنا باسأل، يبقى مش عارفه

د.يحيى: لأه عارفه ؟

رباب: مش عارفه

د.يحيى: لأه عارفه، بس جربى، هوّ أعيش بيه” زى “استحمله”

رباب: لأ مش زى بعض

  • برغم القاعدة الفرعية “من غير سؤال ولا نصيحه” إلا أن مثل هذه الأسئلة لها دلالتها الخاصة، وخاصة أنها تحمل إجاباتها فى ذاتها، هذا ما يمكن أن يسمى “السؤال/الجواب” وهو أقرب إلى آلية “بيرلز” “إرفع علامة الاستفهام” حين يطلب من السائل أن يعيد صياغة سؤاله فى شكل إجابة،
  • وهذا ما حدث مع تطور الحوار حين انتهت رباب إلى الإجابة على سؤاله أنه “لأ.. مش زى بعض”.

د.يحيى: هيه شفتى ازاى!! أديكى طلعتى عارفه

رباب: ما كنتش عارفه قوى، لأنى لو كنت عارفه ماكنتش سألت، يعنى انا قلت إن فيه فرق بس مش عارفه إيه هوه

د.يحيى: إيه رأيك يا منى؟

د.منى: يمكن أقدر أقول الفرق بس مش متأكدة

د.يحيى: طيب قولى لنا الفرق، لأه مش “قولى لنا” علشان يبقى جروب، “ورينا” الفرق

د.منى: ما هو لازم أقول الفرق وده حايساعدنى إنى أنا أعرف أعمله

د.يحيى: أنا بصراحة عارف إن فيه فرق بس زى ما يكون مش عايز أوصفه، حاجة زى رباب كده، فيه فرق وخلاص بين “أعيش بيه“، و”استحمله

  • المناقشة بين المعالج الأكبر والزميلة المتدربة مفيدة، لكن يخشى أن تنقلب إلى محاولة عقلية، فجاء امتناع د.يحيى عن محاولة تحديد الفرق بين “أعيش بيه”، و”أستعمله” بمثابة محاولة تجنب ذلك
  • ويمكن اعتبار طلب د. يحيى من د.منى أن تظهر الفرق تفعيلا (ورّينا الفرق) هو أيضا لتجنب التنظير بالألفاظ أكثر منه طلبا محتمل التنفيذ.

د.منى: أيوه هو فيه فرق، وصلنى فرق من خلال هيام ورباب

د.يحيى: طيب مانشتغل فيهم الاتنين بدال ما نتكلم عنهم، إحنا خلاص زقينا على جنب حكاية “أواجهه”، و”أغطيه”، فضل أعيش بيه ولا أستحمله، أنا حاسس إن فيه وصله بينهم

رباب: آه فيه وصْلَه

  • مداخلة رباب التى طرحت السؤال، وأجابت عليه يعد قبول الدعوة إلى ذلك أن “فيه فرق”، تأتى بعد استبعاد التعامل مع الخوف بالإلغاء حيث ينقلب خوفا مكتوما ومصنوعا بديلا عن الخوف الطبيعى المسموح به، فتأتى إجابة رباب فى هذا الاتجاه

د.يحيى: أظن الواحد لما يستحمله مش حايلغيه

رباب: وهو لما يعيش بيه ماهو مش حايلغيه برضه؟

د.يحيى: أيوه مش حا يلغيه، بس مش كل شوية حا يقول آه آه أنا مستحمل

رباب: عشان كده أنا مستعدة أعيش بيه لكن مش موافقه إنى أستحمله، أعيش بيه يعنى موافقة عليه، لكن أستحمله زى ما يكون شايلة شيلة

  • هذه نقلة تلقائية مبدعة من جانب رباب تؤكد الفرق، كما أنها توحى لنا بطرح احتمال أننا لا نسمح بخوفنا الطبيعى خشية أن يكون ثقلا معوقا (على حد تعبير رباب “شايله شيله”)، فى حين أننا لو تعلمنا كيف “نعيش به“، فهو نوع من التصالح وتحمل التناقض الذى فسر لنا من قبل “حلاوتنا” مع وجوده، والذى تعبر عنه رباب هنا بـ “موافقه عليه”

د.يحيى: الله يخرب عقلك يا رباب، إنتى بتجيبى الكلام ده منين!! مع إنك إنتى اللى سألتى كأنك مش عارفه، بس كفاية كده إحنا بنصعبها علينا والحكاية زى ما تكون حا تتقلب كلام ومناقشات

  • اعتراض رباب هو الأصح، ومع ذلك فالتحذير واجب

رباب: لأه مش كلام بس، إحنا بنقول اللى عايشينه

د.يحيى: برضه حاسس إننا صعبناها قوى، أنا مش قادر أوقّف نفسى، والحكاية عمالة تصعب تصعب بس صح حا نعمل إيه بقى، نغير الموضوع، ندور على حاجة تانية

هيام: نكبّر الحب اللى جوانا

  • هيام هى التى بدأت هذه الجلسة بالحديث عن خوفها الأول، وهى التى التقطت الحاجة إلى تغيير الموضوع، ليس هربا من مزيد من المواجهة بقدر ما هو سعى إلى “ضبط الجرعة” مرة أخرى.
  • أما اقتراحها بتكبير الحب، وبالذات اللى جوه، بعد السماح بالخوف، أو مع السماح بالخوف فكان فى محله برغم التحفظ اللاحق على استعمال كلمة “حب”

د.يحيى: نكبر الحب؟؟!! بصراحة كلام حلو، بس انا باخاف من استعمال كلمة “الحب” دى فى الجروب بالذات، الكلمة دى بقت ممهمطة قوى، يا للا نعمل اللى انت عايزاه يا هيام، بس بكلمة تانية .

هيام: مش فاهمة، ما هو الحب هوه اللى يمكن عكس الخوف

  • تفسر هيام هنا اقتراحها بتكبير الحب اللى جوانا، لمعادلة الخوف، وهذا ما اعترض عليه د.يحيى

د.يحيى: لا يا شيخة،؟ مش قوى كده، إحنا كنا حالا عمالين نصاحب الخوف، مش بندور على عكسه، وبعدين حكاية الحب عكس الخوف مارنّتشى عندى قوى، يعنى مثلا تقولى لمنى: يا د. منى لو بتحبينى قوى قوى الخوف يمكن، …. “يروح”، يا شيخة صلى على النبى، ندور على حاجة بدال كلمة الحب دى، أنا فاهم قصدك يا هيام

رباب: ما احنا كنا بنخاف مع، مش كلمة “مع” دى يعنى حب؟

  • قفزة ثالثة، ومبادأة دالة، فاقتراح رباب أن يقوم حرف “مع” بالدور الذى نرجوه من تنمية العلاقات البشرية من خلال هذا العلاج، يقوم حرف مقام كلمة “حب”: حرف “مع” بديلا عن كلمة “حب”، هو اقتراح بدا لى أنه يؤكد طبيعة هذا العلاج وأنه يؤكد على “العملية” Process أكثر بكثير من تعامله مع المحتوى Content “مع” ما فيها من آخر وحركة، أما كلمة “حب” فهى كلمة محملة بتاريخ ملتبس واستعمالات متضادة فى كثير من الاحيان
  • أما كيف وصلت رباب إلى هذا الإبداع فهذا ما أدهشنى

د.يحيى: الله ينوّر عليكى يا بت يا رباب، إيه حكايتك النهارده، هى فعلا كلمة “مع” دى أجدع كلمة، يمكن أحسن ميت مرّة من كلمة” حب”، إنتى مع مين دلوقتى يامنى هنا ودلوقتى، وما تنسيش زملاتنا الغايبين ما هما قاعدين على الكراسى أهم (ويشير د. يحيى إلى الكراسة الخالية)

  • حضور الغائبين (أو احضارهم) من أفراد المجموعة إلى الجلسة هو أمر وارد فى “تكنيك” العلاج، وله أثاره المفيدة حتى بعد انتهاء الجلسة أو انتهاء المجموعة، لأن هناك احتمال أن هذا من أهم ما يتبقى من إيجابيات.

د.منى: أنا مع هيام ورباب

د.يحيى: واحده واحده

د.منى: مع هيام

د.يحيى: معاكى ياهيام

د.منى: أنا معاكى ياهيام

د. يحيى : أنا جت لى فكرة لعبة دلوقتى

كل واح يقول للتانى :

أنا معاكى يا فلانه حتى لو….(ويكمل)

وبعدين:

أنا خايف أكون معاكى يا فلانه بحق وحقيق لحسن (ويكمل) ……

……..

……..

وبعد

سوف نعرض فى الأسبوع القادم:

أولاً: نص الاستجابة لهذه اللعبة التى لعبتها هذه المجموعة.؟

ثانياً: استجابة زملاء أسوياء متدربين مع نفس المعالج لنفس اللعبة فى مجموعة التدريب.

دعوة

 صديقنا العزيز زائر الموقع (المجهول خاصة)

ندعوك معنا للاستجابة لهذه اللعبة

إما بتوجيه الخطاب لمجهول متخيل

أو بتوجيه الخطاب لشخص بذاته باسمه أو باسم مستعار

أو بتوجيه الكلام لشخص مطلق (مجرد أو متعين)

فإذا وردتنا استجابات كافية، فقد نتمكن من المقارنة بين المجموعات الثلاثة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *