الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / شرح على المتن: ديوان أغوار النفس اللوحة (33) المعلــِّـم….. (7)

شرح على المتن: ديوان أغوار النفس اللوحة (33) المعلــِّـم….. (7)

نشرة “الإنسان والتطور”

2-6-2010


السنة الثالثة

العدد: 1006photo-28-4-2010

فى فقه العلاقات البشرية: دراسة فى علم السيكوباثولوجى (68)

 لوحات تشكيلية من العلاج النفسى والحياة

 شرح على المتن: ديوان أغوار النفس اللوحة (33)

المعلــِّـم….. (7)

مقدمة:

عودة ثانية نكمل المسيرة ونحن ننطلق من السيرة الذاتية إلى العلاج النفسى

هذه الحلقة أيضا تكمل محاولة رؤيتى شخصيا لما هو “ذاتى”

ليس بالضرورة من خلال ما يسمى استبصارا كما ذكرت سالفا.

(8)‏

وساعات‏ ‏أشوفنى ‏طفل‏ .. ‏طفل‏ ..‏

إنتو‏ ‏نسيتوه‏،‏

واهله‏ ‏سابوه‏، ‏

ولا‏ ‏هوّا‏ ‏قادر‏ ‏يبقى ‏أبوه‏،‏

ولا‏ ‏انْتو‏ ‏قادرين‏ ‏تلحقوه‏،‏

يا‏ ‏ناس‏ ‏ياهوه‏:‏

يا‏ ‏تلحقوه‏ …،‏

‏ ‏يا‏ ‏تموّتوه‏.‏

… ثم بدا لى وأنا انظر فى نفسى أنه ‏وراء‏ ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏الشطارة‏، ‏والحكمة‏، ‏والحذق‏، ‏والصدق‏، ‏والمحاولة‏‏، والتجربة، والخطأ، والدهشة، والرفض، والاحتمالية، بدا لى أنه ‏يكمن‏ ‏كيان‏ ‏صغير ضعيف برئ،‏ ‏ ‏لا‏ ‏قوة له حالا، إلا أنه يملك كل قوى الحياة المتمثله فى الوعد القادر!

حين نظر “المعلم” فى نفسه لمح ذلك الكيان وهو يحاول ‏ ‏الظهور‏ ‏وسط ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏الزحمة‏ ‏ولا أحد فى الداخل أو الخارج منتبه إلى وجوده أو معترف به “انتو نسيتوه”.

حين‏ ‏تهف‏ ‏نسمات‏ ‏أمانٍ‏ ‏للحظات‏.. ‏تصل رؤيتى لذاتى‏ ‏إلى ‏هذه‏ ‏المنطقة‏ ‏الأصلية‏ ‏فى ‏الوجود‏ ‏البشرى، وهى تصلنى أيضا من بعض من يحبنى حين يرى هذا الطفل “هكذا”، ‏نعم استطعت أن أرى ‏طفلى ‏وراء‏ ‏كل‏ ‏ما سبق‏ ‏يقظا‏ ‏منتظرا‏، لكن ‏لا‏ ‏أحد‏ ‏يدرى ‏به‏ ‏وسط‏ ‏مظاهر‏ ‏القوة‏ ‏والنجاح والشطارة‏، ‏وهو لا‏ ‏يقبل‏ – ‏ولم‏ ‏يعد‏ ‏يستطيع‏ – ‏أن‏ ‏يكرر‏ ‏وجودا‏ ‏قديما‏ ‏معاداً (‏ولا‏ ‏هو‏ ‏قادر ‏يبقى ‏أبوه‏)!

كان يبدو لى أحيانا أنه لا مغيث، مادام هذا الجانب من وجودى غير مرئى

وما‏ ‏أشق‏‏ ‏هذا‏.

وحين‏ ‏يبلغ‏ ‏الألم‏ ‏أقصاه‏ ‏يكاد هذا الطفل‏ ‏يتمنى ‏الموت‏ ‏إن‏ ‏لم‏ ‏يدرك أحد‏ ‏وجوده بما هو

وكان الجوع يحتد أكثر حين ينتظر المعلم بعض ذلك من ‏أحد‏ ‏الذين‏ ‏أعطاهم‏ ‏ما عنده، فهو يأمل‏ ‏أن‏ ‏يقدر بعضهم‏ ‏على ‏الوفاء‏ ‏بمطالب‏ ‏هذا‏ ‏الطفل‏ ‏يوما‏‏، ربما ‏لينطلق‏‏ ‏إلى ‏خطوات‏ ‏نموه‏ ‏الثابته‏ القادرة ‏المطمئنة‏ بالفعل المتجدد.

وحين يحتد الألم، أكثر فأكثر يستغيث:

يا تلحقوه، يا تموّتوهْ

لست متأكدا من مدى جدية هذه الاستغاثة، صحيح أن ألم الإنكار أو التنكر لا يطاق، لكننى لا أحسب أننى تمنيت أيه نهاية لأية بداية بشكل حقيقى، ذلك أننى على يقين أنه لا توجد نهاية لأية حياة حقيقية، يبدو أن الحياة كلها بدايات، بل إن الموت (خاصة بعد رؤيتى الأخيرة له 2008 – 2010) (نشرة 10-3-2010 “فشل علاقة الموت المتبادل: عدما “1-3”) هو بداية أقوى وأعمق (نقلة الوعى – أزمة نمو) (نشرة 10-6-2009 ” صعوبات مبدئية، وخطوط عامة)،

هذه الصرخة “ياتموّتوه” انطلقت قبل بصيرتى فى الموت هكذا، فهل يا ترى كان وراءها فرض ببعث محتمل؟

أما بالنسبة لعلاقة كل ذلك بالعلاج النفسى فأنا لا أستطيع أن أجزم أين موقع طفلى هذا بالنسبة للمريض؟

فى ثقافتنا، وهو ما يجرى على لسانى كثيرا جدا، أن “الطبيب والد” بما يستتبع ذلك التأكيد على السماح بمرحلة “الاعتمادية الرشيدة”، وهذا غير الوسواس اللحوح على استقلالية الذات، وإثباتها، وتفرّدها طول الوقت (وهو الغالب فى الغرب).

فما هو دور “طفل المعالج” فى العلاج؟

العلاج “شراكة” و“مواكبة” بقدر ما هو “رعاية” و “مسئولية“،  والعلاج الذى أمارسه وأدعو له هو محاولة استعادة حقنا فى مواصلة النمو، والطفل – فينا – هو الأحق بذلك، وهو لا يواصل النمو السليم على حساب سائر الكيانات المكوّنة للذات البشرية، وإنما هو يفعل ذلك من واقع الجدل الحيوى مع سائر الكيانات (الذوات) فى النفس الإنسانية.

هذا العلاج النمائى يتطلب استيعاب المريض من جانب المعالج “بكل ماهو”، فهو يشمل قدرا غير قليل من التقمص، بقدر ما يتطلب قدرا مناسبا من الفهم والمنطق.

المريض يحضر للعلاج عادة بطفله – الداخلى – مهزوما أو مشوها، أو طفيليا أو معاقا، والعلاج يحتاج أن ينطلق من محاولة تصحيح كل ذلك أو أغلب ذلك، لإطلاق خطوات النمو من جديد، ولا يتم هذا من خلال سماح السلطة الأبوية (الطبيب الوالد) أو قدرتها على الرعاية والحماية (والنصائح أحيانا) فحسب، وإنما – يتواصل- من عمق آخر – يا حبذا فى نفس الوقت – من خلال المشاركة والمواكبة والمعية(1) وهذا قد يحتاج – كما أفترض- إلى تحريك “طفل المعالج” فعلا.

ثم إن المعالج – المفروض يعنى – تتاح له نفس الفرصة للنمو بكلٍّ مَا هُوَ، وهذا ما يطمئن المريض إلى أنه وجد والدا (طفلا) من نوع جديد، يسير “معه” بقدر ما يحيط به.

فإذا عدتُ بعد هذا التصور الفرضى المبدئى أراجع حقيقة ما هو طفلى الخاص، الذى قفز منى فى هذا المتن هكذا، فإننى أحتاج إلى إعلان الاعتراف بما جاء فى النص وأكثر، فهى فرصة أن أراجع صداقتى للأطفال (حتى الثامنة غالبا) لأجد أننى أصاحبهم سنّا بسن، فأعيد اكتشاف حضور طفلى وحيويته.

منذ أسبوع (25/5/2010) حدث الآتى:

كنت أحدث زوجتى فى الهاتف، وإذا بصغرى حفيداتى (4 سنوات) تطلب منها أن تحدثنى “عايزة أكلم جِدّى” وفرحت، وشكرتها، وأعدت عليها عرض حبى لها إنتى عارفة يا “نور” أنا باحبك قد إيه” قالت: “عارفة”، قلت: “وأنتِ؟” قالت: “أنا ما بابحبكشى” قلت: “طيب ليه طلبتى تكلمينى فى التليفون بقى؟” قالت: “كده” قلت: “طيب ليه مابتحبنيش” قالت: أنا باحب “أمى بس” (تعنى جدتها، فهى تناديها بـ “أمى”، مثلما يفعل أبوها وسائر أبنائى وبناتى فهم لا يقولون “بابا” و”ماما” وإنما أمى وأبويا) قلت لها: “طز فيكى” قالت لى: طيب.

بعد يومين وجدتها مساءً عند جدتها وبجوارها عمتها (ابنتى “منى” التى لم تكبر داخلى أبدا فهى فى عمر نور برغم أنها على وشك أن تكون استاذا بالجامعة فى خلال أسابيع) قلت لها: “لسه مابتحبنيش” يا نور قالت: “أيوه” قلت: “لكن أنا باحبك برضه” قالت: “وأنا ما باحبكش”، وكان وجهها يشرق بالبهجة برغم ذلك، قلت لها: “ولو، حافضل أحبك برضه”، قالت: “وأنا حافضل ما حبكش”، قلت لها: ” أما نشوف مين اللى حايغلب”.

ثم بعد فترة صمت قالت لى: “جدى، إنت ليه ما قلتش أنا زعلان منِّك عشان ما بتحبنيش” قلت لها: هوه انتى عايزانى أقول لك أنا زعلان منك ليه”؟ قالت لى فوراً: “عشان أقولك لك “إزعل”، وضحكتْ، وضحكتُ، وأخذتها فى حضنى وأحسست أنها ايضا تأخذنى فى حضنها، وكان موعد نومى قد أزف فقلت: … “أنا رايح أنام تعالى غطّينى” فتبعتنى دون تردد، ونمت وجذبتُ الغطاء على جسدى فأكلمتْ حبكته هى حول كتفىّ، وكأنى عروستها، ثم انصرفتْ دون أن تقبلّنى!!

فى اعتقادى أن هذا الطفل الذى ظهر فى صحبة “نور”، يظهر نشطا حاضرا قريبا، وهو يقوم بدورٍ ما فى العلاج دون أن يعلن وجوده لا ظاهرا ولا مستقلا.

نحن نعالج المرضى بما هو “نحن” “كل ما هو نحن”، وحين يتعرف المعالج على هذا الجانب من وجوده (دون حاجة إلى تسميته طفلا أو خلافه) يستطيع مطمئنا أن يمارس سلطته أبوته بثقة أكبر، وكلا النشاطين يصلان معاً إلى المريض.

فهو العلاج

ثم يعود المعلم يكتشف جانبا من وجوده يبدو عكس ذلك تماما حين يقول المتن:

 (9)‏

‏ ‏وساعات‏ ‏أشوفنى ‏وحش‏ ‏كاسر‏.‏

إلـلى ‏يخالف‏ ‏أدبحه‏ ‏من‏ ‏غير‏ ‏فصال‏.‏

ولا‏ ‏أقبل‏ ‏المنطق‏ ‏ولا‏ ‏أقبل‏ ‏جدال‏.‏

وأشك‏ ‏فى ‏النـِّسمهْ‏، ‏وفى ‏الورده‏ْ، ‏وفى ‏الطفل‏ ‏الرضيعْ‏،‏

‏ ‏لو‏ ‏ميلوا‏ ‏كده‏ ‏أو‏ ‏كده‏،‏

‏ ‏أحسن‏ ‏يكونوا‏ ‏بيعملوا‏ ‏خطة‏ ‏متينهْ ‏مُحكمهْ‏ ‏ضد‏ “‏الحياه‏” !!‏

وكأنها‏ ‏معمولهْ‏ ‏مخصوص‏ ‏لجْل‏ ‏خاطرى،‏

‏ ” ‏تبقى ‏المؤامرة‏ ‏عليها‏ ‏ضدي‏”!!،‏

‏ ‏وكأنى ‏مبعوث‏ ‏العناية‏، ‏منقذ‏ ‏البشرية‏ ‏فى ‏مركب‏ ‏تخاريفى 

اللى راح ترحم عزيزى “إبن آدم” ما لطوفان!‏!!!.  ‏

أعتقد أن هذه الرؤية هى كشف واعتراف لما هو اقرب إلى الموقف النمائى المسمى الموقف “البارنوى”، وإن رجحت نسبيا كفة “الكرّ” على كفة “الفرّ”، أو الذراع العدوانية على آلية التوجس والشك.

انطلاقا من رؤية ذلك الطفل القادر الضعيف الوديع الواعد، استطاع المعلم أن ينتقل وهو يكتشف سائر احتمالات وجوده وتركيبه، أن ينتقل إلى رصد الجانب الآخر من وجوده، وهو قدرته الفائقة على الإغارة العدوانية دفاعا عن موقفه المطلق، وتمسكا بواحدية رؤيته، وهو ما بدأ به المتن، فإذا كان المتن قد بدأ بالسخرية ممن يحيد عن الصراط من مريديه.

واللى يخالف هو حرْ، ميت صحيح، لكنه حرفْ تربته (نشرة 21-4-2010 “المعلم .. 1 من كتير)

فإن الصورة تنتهى هنا بإعلان صريح يرفض الخلاف والاختلاف من الأساس،

وهكذا استطاع المعلم أن يلتقط ذلك الجانب التوجسى الشاك فى كل شىء دون استثناء “فهو يشك “فى النسمة” وفى الوردة، وفى الطفل الرضيع)

وهو يبرر شكه هذا بأنهم ماداموا حادوا عن طريقه، فهى “المؤامرة”

“أحسن يكونوا بيعملوا خطة متينة محكمة ضد الحياهْ”،

فهو يعتبر نفسه الممثل الأول للحياة، أو صاحبها، أو أنها خلقت من أجله، فهو حارسها، ومنقذ البشر بالحفاظ عليها من الضياع والغرق بالطوفان

وكأنى مبعوث العناية، منقذ البشرية فى مركب تخاريفى.

اللى راح ترحم عزيزى “إبن آدم” ما الطوفان

وهكذا تحتد البصيرة “مركب تخاريفى” فتصبح كل هذه الرؤية كشفاً للترويض أكثر منها تقريراً للتسليم.

هل ياترى لهذا الجانب من وجود المعالج لزوم فى العملية العلاجية؟

بصراحة، اريد أن أهرب من الإجابة على هذا السؤال، لأن إجابتى سوف تتعارض مع الثقافة الغربية المفروضة علينا من ناحية، ومع الشائع عن الطب النفسى والعلاج النفسى من ناحية أخرى، لكن بما أن المتن قد قفز منى هكذا، فلا مفر من الإقرار بوجود هذا الجانب، وايضا لا مفر من محاولة فهم دوره فى العلاج النفسى كما حاولنا مع الجانب الطفلى حالا:

مرة أخرى “الطبيب والد”، والوالد فى ثقافتنا يحضر فيه هذا الجانب المهاجم الشاك الحاسم بهذا القدر وأكثر، فإذا ما اعترف المعالج بحضوره فإنه قد يحسن ترويضه من جهة، كما أنه قد يستفيد من إطلاق قدراته فى المساعدة فى اتخاذ قرارات حاسمة أو فرض شروط لازمة يرى أنها ضرورية تماما لاستمرار مسيرة العلاج فى الاتجاه الصحيح، وفى جميع الأحوال هو لا يفرض رأيه أو يلزم باتباع طريقه، ثم أن هذا الموقف الشاكّ له جانبه الإبداعى، فهو يسهل أحيانا وضع الفروض التفسيرية والتأويلية بشكل مترابط تآمرى/إيجابىّ، يعين على فهم الإمراضية Psychopathology

(10)‏

وكتير‏ ‏أشوفنى ‏كل‏ ‏ده‏ ! ‏

لكن‏ ‏هناك‏ ‏جوا‏ ‏قوى ‏فرق‏ ‏بسيط‏.‏

يفرق‏ ‏كتير‏.‏

يمكن‏ ‏يكون‏ ‏سر‏ ‏الوجود‏ .‏

(11)‏

واتمنى ‏يوم‏ ‏قبل‏ ‏ما‏ ‏اموت‏:‏

ييجى ‏حد‏ ‏منكم‏:‏

‏- ‏بس‏ ‏بيحب‏ ‏الحياة‏ ‏أكتر‏ ‏ما‏ ‏انا‏ ‏ما‏ ‏باحبها‏ -‏

ويبص‏ ‏فى ‏عيونى ‏قوى:‏

ويقولى “‏مين‏”‏

أنا‏ ‏أبقى ‏مين‏ ‏؟

والفرق‏ ‏ده‏ :‏

فرق‏ ‏بصحيح‏،‏

ولا‏ ‏كلام‏ ‏؟‏ !! ‏؟‏ ‏

من‏ ‏أراد‏ ‏رؤية‏ ‏نفسه‏ ‏حقيقة‏.. ‏فسوف‏ ‏يجد‏ ‏أن‏ ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏النوازع‏ ‏والصور والتجليات والاحتمالات‏ ‏وحالات‏ ‏الأنا‏ ‏موجودة‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏وأن‏ ‏واحدة‏ ‏لا‏ ‏تغنى ‏عن‏ ‏الأخرى، ‏وأن‏ ‏هذا‏ ‏لا‏ ‏يعنى ‏أى‏ ‏انقسام‏ ‏أو‏ ‏تفكك‏ ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يعنى ‏وعيا‏ ‏بكل‏ احتمالات حضور ‏جوانب وتجليات‏ ‏الوجود‏، ‏حتى ‏إذا‏ ‏تم‏ ‏التكامل‏ ‏لم‏ ‏يغفل‏ ‏جانبا‏ ‏لحساب‏ ‏جانب‏ ‏آخر‏..

‏ ولكن‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏الفرق‏ ‏الحقيقى ‏بين‏ ‏من‏ ‏يريد‏ ‏التكامل‏ ‏فيرى ‏هذا‏ ‏كله‏ ‏فى ‏نفسه‏، ‏ومن‏ ‏يعيش‏ ‏بسبعة‏ ‏أوجه‏، أو مائة، يتلاعب‏ ‏بها‏ ‏ويلبس‏ ‏لكل‏ ‏مقام‏ ‏وجهه‏ ‏؟‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏الإشكال المتحدّى.

لعل‏ ‏هذا‏ ‏الفرق‏ ‏هو‏ ‏بين‏ ‏مسيرة‏ ‏الوعى ‏المسئول‏ ‏وبين‏ ‏تحايل‏ وتقلب ‏الوجود‏ ‏المناوِر‏.‏‏

وبألفاظ أخرى‏:

هو‏ ‏الفرق‏ ‏بين‏ ‏التفكك‏ ‏المتصارع‏، ‏وبين‏ ‏التناقض‏ ‏المتآلف‏ ‏فى ‏جدل‏ ‏خلاق‏.

‏ وهو‏ ‏هو الفرق‏ ‏بين‏ ‏الاعتراف‏ ‏بكل‏ ‏جوانب‏ ‏النفس‏ ‏ضعفها‏ ‏وقوتها‏ ‏شرها‏ ‏وخيرها‏.. ‏للتوليف‏ ‏بينها‏ ‏فى ‏كل‏ ‏جديد‏، ‏وبين‏ ‏مواجهة‏ ‏أجزاء‏ ‏النفس‏ ‏المنفصلة‏ ‏فى ‏هرب‏ ‏من‏ ‏بعضها‏ ‏البعبض‏.

‏ وهو‏ ‏الفرق‏ ‏بين‏ ‏الرؤية‏ ‏المسئولة‏ ‏للتغيير‏، ‏وبين‏ ‏الرؤية‏ ‏‏للفرجة‏ العاجزة المكتفية بالرؤية والتأجيل،

وهو‏ ‏الفرق‏ ‏بين‏ ‏تناسق‏ ‏الوجود‏ ‏رغم‏ ‏اختلاف‏ ‏أجزائه‏ ‏وبين‏ ‏تناثر‏ ‏الوجود‏ ‏بسبب‏ ‏اختلاف‏ ‏أجزائه‏ .. ‏إلخ‏ ..‏

الإشكال الحقيقى هو فى وجه الشبه الشديد

بين معالم التكامل وألعاب النكوص،

وللتحقق من حقيقة الأمر لا مفر من تجاوز الاكتفاء برؤية الشخص نفسه مهما احتدت بصيرته،

وهذا ما ختم به المعلم  القصديدة بإعلانه الصريح لحاجته لرؤية من خارجه تنقذه من احتمال خطئه، لكنه يشترط فى حكم هذا الشاهد العدل أن “يحب الحياة أكثر”

“بس بيحب الحياة أكثر ما أنا ما باحبّها”

حب الحياة هو حب الناس فعلا قادرا متجددا طول الوقت

وتنتهى القصيدة (التشكيل) بألا تنتهى

هى تترك الباب مفتوحا

لكل احتمال،

وللمراجعة،

ولتجديد الحكم، ولاستمرار النقد.

والفرق ده: فرق بصحيح، ولا كلام؟

‏وهكذا ينهى المعلم القصيدة بإعلان‏ ‏حاجته‏ ‏لرؤية نفسه بعيون الآخر، ويبدو أنها حاجة‏ ‏شديدة‏ ‏وملحة‏، ‏ومن‏ ‏خلالها‏ – ‏لو‏ ‏تمت‏ ‏فى ‏حياته‏ – ‏سيطمئن‏ ‏ويرتاح‏،

‏فإذا‏ ‏عز‏ ‏وجود‏ ‏الآخر‏ ‏فليكن‏ ‏الحكم‏ ‏لآخرين‏ ..

‏وإذا‏ ‏عز‏ ‏وجود‏ ‏الآخرين‏ ‏فليس‏ ‏أمامه‏ ‏إلا‏ ‏الاحتكام‏ ‏للتاريخ‏

‏ولكنه‏ ‏حينئذ‏ ‏لن‏ ‏يحقق‏ ‏أمنيته‏ (‏قبل‏ ‏ما‏ ‏أموت‏).

وبعد

أخيرا انتهيت قصيدة – تشكيل – المعلم، وكنت أحسب أنها آخر ما سأضطر إليه من العروج إلى السيرة الذاتية،

لكن يبدو أن الأمر ليس كذلك كما سيتبين فى الحلقات القادمة.

[1] (أنظر مقتطف العلاج الجمعى أمس (نشرة 1-6-2010  “نصوص” و”ألعاب” من العلاج الجمعى “2”) قبل أسبوع والتأكيد به على ما هو “مَعَ”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *