“نشرة” الإنسان والتطور
1-2-2009
السنة الثانية
العدد: 520
التدريب عن بعد:
الإشراف على العلاج النفسى (33)
بمناسبة جمع حالات التدريب عن بعد فى كتاب أوّل سوف يصدر قريبا، اقتطفت هذا الجزء التمهيدى من فصل من فصول التقديم، ليحل محل عرض حالة هذا اليوم، وهو عن مستويات الإشراف، وقد جاء ذكر معظم تطبيقات ما فى هذا الفصل أثناء عرض الحالات الاثنين والثلاثين فى النشرة فى هذا الباب حتى الآن:
مستويات وأنواع الإشراف على العلاج النفسى
الإشراف هو نوع من المساعدة على التعليم المنظم، (بالمعنى الأشمل للتعليم)
لكن التعلــُّـم يحدث طول الوقت، طول العمر، سواء كان منظما أو غير منظم، سواء يحدث ذلك بوعى أو بغير وعى
الإشراف هوالعملية التى تساعد على أن تحدث هذه الخبرة التعــلّـمية التعليمية: بوعى، ونظام، ومسئولية، وهى تقاس بمحكات عملية، من واقع الممارسة
ويمكن أن نقسم أنواع الإشراف على العلاج النفسى على مستوى الواقع الجارى، وليس فقط على مستوى التدريب المنظم إلى ما يلى :
1- إشراف الخبير المدرِّب (“الأستاذ” فى حالتنا هنا)
يتم هذا النوع من الإشراف فى خبرتنا بأن يقوم بالإشراف رئيس (خبير أكبر، أستاذ معلم )، عادة يكون الأكبر جدا هو الذى يشرف على الأصغر جدا، وليس الأكبر للأكبر، بمعنى أن أكبر الخبراء هوالأقدر على الإشراف على المبتدئين بهدوء وخطوات محسوبة تنمى الخبرة بالإيقاع الهادئ اللازم على مدى ممتد.
وفى خبرتنا فى قصر العينى، والمقطم، يقوم بالإشراف أقدم ممارس لهذا النشاط، وأيضا لهذا النوع من العلاج ، يقوم به مع أصغر المتدربين سواء من أطباء الامتياز أو الأطباء المقيمين ، أو من الأخصائيين النفسيين المتدربين (وأحيانا من هيئات التمريض النفسى)
شروط حضور الإشراف :
يشترط (فى خبرتنا) فيمن يحضر جلسات الإشراف هذه ما يلى :
- أن يكون الممارس المتدرب ممارسا حاليا للعلاج النفسى مع أربع حالات على الأقل يحضرون أسبوعياً.
- يتطلب ذلك أن يكون لديه ثمان حالات تقريبا، إذ يُعمل حساب عدم الانتظام والانقطاع
- أن تجرى جلسة العلاج فى نفس المكان، ويا حبذا نفس الموعد
- أن تستمر الجلسة خمسين دقيقة لا أكثر ولا أقل
ولا يشترط – فى خبرتنا- أن يسبق هذه الممارسة أية توصية بقراءة خاصة فى موضوع العلاج النفسى بالذات، ولكن لا يوجد ما يمنع من القراءة والاطلاع، خاصة القراءات الاسترشادية والاستشارية، وإن كان ينصح عادة بأن تكون القراءة فى السيكوباثولوجى أكثر من القراءة فى تقنيات العلاج النفسى ذاته، وهذه النقطة تحتاج إلى شرح معين بالنسبة لخبرتنا الحالية.
إن مبررات تجنب، أو تأجيل، أو عدم الحرص على القراءة النظرية يرجع إلى الرغبة فى تأكيد أن العلاج النفسى هو علاقة إنسانية أقرب إلى العلاقات الطبيعية بين البشر، مع فارق تحديد الهدف (العلاج) والتأكيد على الالتزام.
كذلك فإننا قد لاحظنا أن ارتباط العلاج النفسى بمدارس مختلفة قد يوقع المبتدئ فى حيرة شديدة لو أنه تنقل فى القراءة – مبتدئا – من مدرسة لمدرسة بشكل قد يعطل أداءه التلقائى، ويغريه أن ينفذ المكتوب، على المتدرب أن يعرف من البداية أن التلقائية، حالة كونها محكومة بالإشراف على أى مستوى، وبالنتائج، هى الأصل فى التدريب لاكتساب الخبرة،
على أنه مع التقدم فى التدريب، وحين يبدأ التشجيع على القراءة كيفما يشاء المتدرب، سوف يجد فى ذاكرته بشكل مباشر أو غير مباشر، ذخيرة من الحالات التى تقفز له من بين سطور قراءته، فيراجعها وهو يقرأ، وينقد نفسه بنفس القدر الذى ينقد به ما يقرأ (باعتبار اختلاف الثقافات) فتكون القراءة أكثر فائدة، وأجهز صقلا.
2- إشراف الأقران Peer Supervision
يتم هذا النوع – فى خبرتنا – مرة أسبوعيا أيضا، لمدة ساعة تقريبا، ويحضره عدد يتراوح بين ستة وخمسة عشر ممارسا، ولايتم فيه تعيين مدير (أو رئيس) لجلسة الإشراف بشكل منتظم، باعتبار أن الخبرة متقاربة (وإن تفاوتت أحيانا بين سنة وعشرين سنة أو أكثر)، لكن ليس للأكبر هنا الكلمة العليا ولا الأخيرة، ومن هنا جاء تعبير “الأقران” باعتبار أن الخبرة متبادلة بين الحاضرين على نفس المستوى، مهما اختلفت المهارات أوسنوات الممارسة، ويكون رأى الجماعة (ليس بالأغلبية العددية) هو الموجِّه الأهم من أى رأى منفرد ، مقارنة بالحال مع الإشراف تحت رعاية مدرب واحد أكبر ( النوع السابق)
وتسرى على خبرة الأقران كل المواصفات العامة والاشتراطات الخاصة التى اشترطناها لحضور الخبرة تحت إشراف مدرب أكبر، مثل أن يكون كل واحد من الحضور له أربع حالات أسبوعيا على الأقل …إلخ.
وقد يلزم أن يختار الأقران من بينهم مديرا لكل جلسة، لكن يستحسن ألا يكون هو نفس الشخص فى كل جلسة، ومدير الجلسة يُختار بالدور، أو بالقرعة، أو بالصدفة، وكل مهمته، فضلا عن المشاركة مثله مثل غير، هو أن ينظم الحوار لا أكثر.
3- إشراف الشخص العادى (عامة الناس) Lay Supervision
بينّا سابقا كيف أن العلاج النفسى هو علاقة إنسانية هادفة بين مهنىّ له خبرة ، ومريض يحتاج هذه الخبرة، وأنها مثل أية علاقة بثقافة الأثنين ارتباطا وثيقا، وانطلاقا من أن المريض النفسى ليس إلا أحد أفراد هذه الثقافة، وأن الغالبية الغالبة مما يسمى مرضا أو عرضا أو إشكالة تحتاج إلى علاج، موجود مثلها بدرجة أخف بشكل أو بآخر فى الحياة العادية فى نفس الثقافة، انطلاقا من هذا الافتراض الأساسى، وأيضا بما أن العلم هو ليس إلا تنظيم للمنطق السليم، ثم إن وظيفة الطبيب النفسى كان يقوم بها فى بداية البداية شخص حكيم عادى عركته السنون، وعلمته الخبرة، انطلاقا من كل هذا، قد يلجأ المعالج النفسى ، طبيبا أو غير ذلك، إلى الاستهداء برأى شخص عادى، يعتقد أن له منطق مفيد، أو خبرة مشابهة:
قد يعرض المعالج على صديقه، أو زوجته، أو زميله، أو ابنه ، مأزقه فى علاج حالة ما، دون ذكر اسمها طبعا، أو ذكر أية معلومة يمكن أن يتعرف بها عليها، فيروح “يحكى” ما شاءت له الطلاقة أن يذكره بشأن المأزق الذى يمر به مع مريض ما، مما رأى معه أن يطلب المشورة من حكيم عادى أو صاحبة خبرة، وهو يستمع إلى الرأى من هذا الشخص العادى ويضعه فى الاعتبار لا أكثر ولا أقل، ذلك أنه يترك الرأى وآثاره تنساب مع معلوماته الأكثر إحاطة بحالة المريض، فتتفاعل كل تلك المقومات مع رأيه السابق على خلفية رأى المريض وحالته، وقد يصل إلى رؤية أوضح تنير له الطريق بشكل أو بآخر.
هذه الطريقة فى الإشراف لا ينصح بها كجزء أساسى فى التدريب، لكن لها فوائد كثيرة، ويمكن أن تتم دون ذكر أن هذه حالة مريض بذاته، كأن يسأل المعالج زوجته عن تفسيرها الخاص جدا لغيرة نسائية شبه غرامية تمارسها أخت تجاه زوجة أخيها، أو مثل أن يسأل المعالج أخاه الموظف فى بنك عن بعض طبيعة عمل البورصة، فيستهدى برأيه فى حجم تفاعل مريضه الذى خسر خسارة متوسطة ، لكن تفاعله بلغ أقصاه حتى مرض، وقد يخطر الطبيب أو المعالج أخاه البنكى بماذا نصح صديقه (أو مريضه)، وإلى أى مدى كانت نصحية موضوعية، ….إلخ
وهكذا
استشارة الشخص العادى فى أمور تبدو متخصصه لها سابقة جيدة فى نظام القضاء الإنجليزى ، حين يكون الرأى فيما إذا كان المتهم “مذنبا” أم “غير مذنب” فى أيدى المحلفين،وهم أناس عاديون، ويكون دور القاضى هو فى ضبط المحاكمة، ثم صياغة الحكم من خلال رأى هؤلاء المحكمين.
كذلك هناك نموذج جيد لدور الشخص العادى حين يمارس عندنا ما يسمى مجالس التحكيم الأهلية (العرفية) التى تُنظم تلقائيا حسب تقاليد القرية أو البادية، أو ينظمها القانون.
هذا وذاك ليس إشرافا بمعنى الإشراف، لكنها أمثلة تطمئن المعالج الذى يستشير الشخص العادى فى بعض ما يعن له فى مهنته، فيأخذ رأيه فى الاعتبار، يأخذه كمشروع للتفكير فيه من جانب المعالج، يضيف إلى معلوماته وخبرته ما يعينه فى مساعدة المريض.
4- الإشراف الذاتى Self Supervision
يتم هذا النوع بشكل تلقائى، على مستوى شعورى أو لا شعورى، وهو نوع من التعلـُّـم المستمر.
نعرف أن تعريف التعلم هو التغير فى السلوك أو التركيب نتيجة للخبرة الممارسة.
التدريب على العلاج النفسى ما هو إلا نوع من التعلم،
المتعلم الشاطر هو الذى يشرف على نفسه باستمرار بشكل تلقائى،
من أكثر أنواع هذا الإشراف الذاتى معنى الآية الكريمة ” بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيرة”، والآية الكريمة : “وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه” إلى “كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا”، هذه البصيرة، وذلك الحسيب هو المشرف الذاتى،
وهنا نود أن ننفى أمرين :
الأول: أننا لا نعنى بالإشراف الذاتى دور الضمير الشائع بالمعنى الأخلاقى، فالعلاج ليس إثما – حتى بما قد يحدث فيه من أخطاء – بحيث نحاسب أنفسنا عليه كأنه ذنب،
والثانى : هو أننا لا نطلب من خلال ذلك أن نوصى المعالج بأن يحاسب نفسه شعوريا أية محاسبة واعية طول الوقت، وإلا أعيق تماما.
الحكاية أن المعالج حالة كونه متعلما، عادة ما يحمل همّ مريضه ويفكر فى أمره بعد انتهاء الجلسة العلاجية، يحدث ذلك فى أى وقت ولأى مدة، بشكل إنسانى مباشر غير معطل عادة، وحين يتدرب المعالج ويعرف أن هذا جزء لا يتجزأ من مسئوليته الإنسانية والمهنية، وحين يعرف كيف يضبط الجرعة بحيث لا تغير محاسبته تلك على مسئولياته الأخرى وعلى حياته الخاصة، فإنه يستطيع أن يحقق نوعا من المراجعة لبعض مشاكل ومآزق مهنته من خلال بصيرته الإنسانية الواعية، التى تحفز مسئوليته الممتدة.
ونظرا للاختلافات الفردية، وتحقيقا لما أسميناه حالا “ضبط الجرعة“‘ فإننا نحذر من الإفراط فى الاعتماد على هذا النوع من الإشراف خشية التمادى فى المثالية من ناحية حتى ينقلب الشعور بالمسئولية إلى الشعور بالتقصير إلى الشعور بالذنب، وكل هذا معطل معطل، وأيضا نحذر من الاعتماد على الإشراف الذاتى وحده متى أتيح للمتدرب إشراف مساعد آخر،
ذلك أن الإشراف الذاتى يحمل خطر تأثير ما نسميه “النقطة السوداء” فى رؤية الممارس لنفسه. إن لكل واحد فينا منطقة (أو مناطق) فى تركيبه لا يراها (أو لا يحب أن يراها) فى نفسه، وفى أدائه، وحين لا يرى هذه المناطق نعتبره أنهأعمى عنها، ومن ثم تسمية “النقطة السوداء“، هذه النقطة إذا كانت تشمل مساحة كبيرة، أو تعددت فى مناطق مختلفة لا شك سوف تكون عائقا يحول دون كفاءة الإشراف الذاتى، وبرغم ذلك، فإن استمرار الخبرة، واضطراد النمو خليقان أن يقللا من مساحة هذه النقط السوداء باستمرار.
وقد تظهر آثار الإشراف الذاتى الإيجابية فى نمو المعالج نفسه دون أن يلحظ ذلك واعيا فى وقت بذاته، ذلك أنه باستمرار الممارسة ، وتلقائية التلعلم تحتد البصيرة ، ويتواصل نفسه تلقائيا، فتزداد فرص وجدوى الإشراف الذاتى باستمرار
إن مجرد التغير الإيجابى من خلال الممارسة، هو دليل على أن الإشراف الذاتى قد أدى دوره بكفاءة، ولو من وراء صاحبه.
5- إشراف المريض Patient’s Supervision
ذكرت فيما سبق من نشرات حادثتين مرا بى مع مريضين استفدت منهما بشكل جعلنى أكرر تذكرهما، فذكرهما، كلما أتيحت الفرصة لذلك :
الحادثة الأولى: هى ما قاله لى مريض أثناء محاولاتى دفعه على مسار خطوات نموه بما فى ذلك من مآزق وصعوبات تبدو أحيانا شبه مستحيلة، قال لى هذا المريض: ” هو انت عايزنا نحقق حتى لنفسنا اللى انت ما قدرتش تحققه بنفسك (أو لنفسك – لا أذكر، وربما قالها مرة لنفسك ومرة بنفسك) ؟”
الحادثة الثانية : هى ما قاله لى مريض آخر من أننى لا أصلح لعلاجه، لأن رؤيتى – الناتجة من طول ممارستى غالبا – قد جعلت مساحة وعيى تتسع حتى تحتوى مساحة وعيه (وعى المريض) فهو – على حد قوله- لا يملك إزاء ذلك أن يتحرك معى إلا داخل دائرة وعيى التى تحيط بوعيه تماما، وهذا يعوق نموه كما يعوق حركية علاجه، وطلب منى هذا المريض أن أحوله لطبيب أصغر تسمح دائرة وعيه أن تتداخل مع دائرة وعى المريض، فتتحرك الدائرتان تقاربا وابتعادا بما يفيد الاثنين”
كان هذا الصديق (المريض!) يعمل مخرجا مبدعا، وراح يشرح لى ما يعنى فى صورة دوائر كما بالشكل الموضح:
هذين المثالين كانا بمثابة إشراف المريض على أدائى، وقد نبهانى إلى ضرورة ضبط جرعة حفز إيقاع النمو، وأيضا تعلمت منه أن فرط الرؤية من جانب المعالج، حتى وإن كانت هى الرؤية الصحيحة، قد لا يساعد حركية أو تلقائية المريض بالقدر الذى يفيد العلاج بمعنى النمو
إشراف آخر يتم من جانب المريض، وإن لم يكن يصلح معه استعمال كلمة إشراف هكذا:
حين يتجاوز نمو المريض درجة نمو الطبيب، وهذا وارد ، لأسباب كثيرة ليس هنا مجال لذكرها تفصيلا، فى هذه الحالة ، ومع افتراض مرونة الطبيب واستعداده للتعلم بشكل مباشر أو غير مباشر، يحفز نمو مثل هذا المريض الذى تجاوز مرحلة نمو طبيبه، يحفز الطبيب أن يلحق به، وقد يتجاوزه الطبيب بدوره معه، أو مع مريض آخر، ويضطرد التواصل والتجاوز مع مريض ثالث وهكذا.
قلت إن هذا ليس إشرافا مباشرا، لكنه ناتج إشراف ضمنى بشكل أو بآخر.
6- إشراف النتائج Results Supervision
يتم هذا النوع من الإشراف من خلال كل أنواع الإشراف الأخرى بشكل أو بآخر، ذلك أن نتيجة العلاج، المقيـَّمة نوعيا بمحكات موضوعية ، ليست مجرد اختفاء الأعراض، سواء كانت هذه النتائج هى نتائج تحقيق الأهداف المتوسطة السلوكية الواقعية المتفق عليها عادة أولا بأول، أو كانت لنتائج القصوى غير محددة المعالم تماما، والتى ترتبط أساسا بإطلاق حركية النمو، واستعادة تنشيط الحياة بطزاجة واقية.
لعل كل نشرات الإشراف التى عرضناها وسنعرضها، كانت متضمِّـنة تقييم النتائج كنوع من مقومات الإشراف الهامة
النتائج تشرف على أدائنا من منطلق ما يسمى “التغذية المرتجعة” Feed-Back ، فلا يقتصر الإشراف الضمنى من واقع النتائج على النتائج الإيجابية، وإنما يشمل أيضا بعض النتائج السلبية المؤقتة التى قد تكون أقدر على تصحيح الخطأ من خلال أى من وسائل الإشراف السالفة الذكر ، وبمناقشة النتائج أولا بأول : على مستوى المدرب الأكبر، أو الأقران، أو الشخص العادى، أو حديث ووعى الذات، أو التغير الناتج عن مواجهة النتائج الإيجابية أو السلبية ولو بنصف وعى، من خلال كل هذا نعتبر النتائج مشارِكة فى الإشراف بشكل أو بآخر.
7- إشراف الزمن والتاريخ Test of time &
أضفت هذا النوع من الإشراف لأسباب تتعلق بتطور العلوم ، بل بتطور الأحياء.
بالنسبة لموضوعنا الخاص هنا، الأمر يتعلق أساسا بالمدارس النفسية، وبما توصى به من طرق علاج (نفسى) يستلهم قواعده وتفسيراتها وتقنياته العلاجية، من هذه المدارس.
إن ما يسمى “اختبار الزمن”، هو نوع من الإشراف لا بد من وضعه فى الاعتبار.
لا تظهر نظرية جديدة من عباءة نظرية قديمة إلا من خلال إشراف الزمن، وهذا يعنى هنا ضرورة النظر ببصيرة نقدية لجماع ممارسة تطبيقية لنظرية من النظريات (هنا: نظرية نفسية) لعدد من السنين قد يمتد إلى قرون (بلغة التطور)، إن كل من يسمى “الفرويديون المحدثون” ، “واليونيجيون المحدثون”، وحتى تطورات حركات العلاج المعرفى المتتالية، هى نتيجة هذا الإشراف الملاحق، إشراف الزمن الذى يفرز العملى من الطوبائى، ويفرز الصحيح من الزائف، ويفرز ما ينفع الناس من الزبد، ويفرز النظريات ألاكثر تلاؤما مع مسيرة الإنسان من النظريات الأخبث أهدافا .
إنه هذا النوع من الإشراف هو نتاج جماع الممارسة على فترات زمن طويلة تتبع مبادئ تطورية هامة : مثل أن البقاء للأنفع، وأنه لا يصح إلا الصحيح، وأن كل ما، ومن، يدعم التكافل والتكامل بين الأحياء عامة ، وبين أفراد نوع بذاته، هو الأبقى والأصلح …. إلخ.