الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / نشرة ليست للقراءة (فإذا أصررت فعلى مسئوليتك)

نشرة ليست للقراءة (فإذا أصررت فعلى مسئوليتك)

“يومياً” الإنسان والتطور

4-6-2008

العدد: 278

نشرة ليست للقراءة

(فإذا أصررت فعلى مسئوليتك)

تنويه مبدئى:

هذه النشرة اليوم كانت تكملة لنشره أمس، لكننى فصلتها لأحذفها وأعدل عن نشرها أصلاً، لما لقيته بها من فرط التكثيف والغموض، بما قد لا يفيد، أو حتى قد يشوه  المراد توصيله، لكننى عدت وعملت هذه العملة، كالتالى:

على من يغامر بقراءة نشرة اليوم أن يقبل الشروط التالية:

أولاً: أن يبدأ بالنظر فى نشرة أمس، ويعيد قراءتها.

ثانياً: أن يتذكر أنها مجرد فروض (احتمالات فاعلة قابلة للاختبار).

ثالثاً: ألا يتوقف عند أية فقرة بذاتها حتى يكمل القراءة كلها.

رابعاً: ألا ينتظر منى أن أرد على تساؤلاته فى بريد الجمعة (إلا إذا رجعت فى كلامى، حسب التساؤل!!).

خامساً: أن يعتبر ذلك فهرس العمل الذى يشغلنى، مجرد عناوين.

سادساً: أن يسامحنى.

برامج بقائية؟ أم غرائز وعواطف وعقول؟

حاولنا أمس أن نعرض كيف أن “طريقة” تناول أى موضوع هى الأصل، وأنها تشكل محتواه الأعمق بشكل أو بآخر، كما علمنا “جاك لاكان” وهو ينقد قصة “الرسالة المفقودة” لإدجار آلان بو.

عاودنى أمل ضعيف أن تصل بنا هذه التجارب والمراجعات إلى حفز إتمام ما أريد انجازهْ لو سمح ربى لى بعمر يكفى لتغطية موضوعين يقعان فى موقع جوهرى بالنسبة لما وصلنى، فحملتهُ أمانة.

الأول هو “ماهية الوجدان وتطوره”، وهو ما قدمته بعض مقدمته فى يوميات 14/11/2007، 17/11/2007، 18/11/2007. وأشرت إليه أمس تجارب تحريك الوجدان لإعادة النظر

والثانى “عن تطور الفطرة وتصعيد الغرائز” وتحديدا: غرائز الجنس والعدوان ثم الغريزة التى اسميتها من قبل (ثم عدلت) الغريزة الإيقاعية التوازنية (الإيمان = حركية الفطرة التوازنية الخلاق).

قد يكون الدافع الأخير الذى دفعنى لأن أربط بين الموضوعين هو ما جاء فى ملاحظات د.عصام اللباد فى تعقيبه على موضوع الكراهية مقتطفا أفلاطون: “يقول أفلاطون إن المشاعر تقع فى منطقة بين الغرائز والعقل، وأنها تقوم بخدمة أحدهما على حساب الآخر … الخ”.

وسوف أغامر الآن بتقديم أغلب الخطوط العريضة التى فيها بعض محاولات الإجابة على الأسئلة الخمس وعشرين التى وردت أمس، وأخص بالذكر أسئلة رقم 4 ،5، 7 ، 8 ، 9 ، 11، 14 ، 16 ، 17،20 وغيرها .

تداعيات الفرض الشامل

(تذكرة: الفرض هو الفرض، ليس سؤالا ولا حقيقة)

 الفرض: إجابات محتملة

تطُّور هذا الفرض الشامل من خلال الممارسة منذ خطر لى حتى الآن طوال 34 سنة (من 74 إلى 2008)، وهو أكبر من أن يوجز فى خطوط عريضة، لكن يبدو أنه لا مفر من تحديد بعض معالمه، فى محاولة أولى:

1) الإنسان هو مجموع تاريخه الحيوى شاملا الأنواع المتصاعدة، وهو مزود بكل البرامج الحيوية البقائية التى حفظت بها الأنواع بقاءها من ناحية، وتطورت بها إلى ما بعدها من ناحية أخرى. (أنظر نشْرة: أنواع العقول العدد:124 بتاريخ 2-1-2008 ).

2) يبدو أنه لا يوجد شئ اسمه “العواطف” أو “الغرائز” أو حتى “العقل”، بشكل مستقل كما شاع بيننا للتنظير والتدريس والتواصل، ونحن نتحدث عنها أو نبحث فى ماهيتها أو حتى ونحن نحاول تصنيفها بما تيسر.

3) نحن نضع هذه التسميات (العواطف – الغرائز – العقل) مضطررين، لنتجاوزها.

4) هذه التسميات بما يتبعها من تنظير وتقسيم تسّهل علينا مرحليا حركة التواصل، لكن التوقف عندها منفصلة تعرقل حركية المعرفة.

5) كل هذه التسميات ينبغى أن تعتبر مؤقتة، وأنها مرحلية، مرتبطة بزمنها فقط.

6) تبقى هذه الألفاظ فاعلة ومفيدة بما شاع عنها، لكن مضمونها ودلالاتها، تتغير بتغير الزمن والمحيط على مسار التطور.

7) إذا ما انفصلت إحدى هذه البرامج البقائية (سواء سميت غريزه أو عاطفه أو غير ذلك) عن “حركية الكل” جاز لنا أن نصفها مستقلة بما انفصلت إليه، بأى من الأسماء الشائعة عنها.

8) كلما اشتركت هذه البرامج البقائية فى حركية النمو تآلفت جدلا إلى وحدات أكبر، ربما تحتاج لتسميات جديدة من منطلق جديد، وبتكرار نص Script  “التصنيف – التسمية – الوصف – التجاوز” فى مراحل التطور المختلفة يضطرد التطور إلى نهاية مفتوحة لايمكن إدراكها حالا.

9) هذه البرامج البقائية (بلغة التطور والهندسة الوراثية) هى إيجابية كلها من حيث المبدأ، إذا عملت فى حينها لغائيتها معاً وبالتناوب (الإيقاع الحيوى).

10) ما يسمى “غريزة” يشير عادة إلى البرنامج البقائى الأولى، وحين يصّاعد إلى أن يصل إلى الوعى به كما هو نتعامل معه باعتباره بدائيا لأننا نفصله بمجرد تسميته غريزة، وهذه مرحلة مقبولة كما ذكرنا لكنها ليست نهائية، مع احتمال الإعاقة لو توقفنا عندها (كما ذكرنا).

11) على قدر ارتباط أية غريزة بأية درجة من الوعى فالمعرفة فى مستوى بذاته يصبح الحديث عن “وجدانٍ ما” محتملاً،  وله معالمه المرحلية، التى تختلف عن ارتباط نفس الغريزة بمستوى آخر، فى وقت آخر، لغرض آخر، حتى لو سميت بنفس الاسم (لاحظ فى لعبة الكراهية تعبير “بصراحة.. مش كل كره كره” (اللعبة الثالثة)

12) كل من هذه البرامج البقائية/التطورية هى ذات شق معرفى (إدراكى) وشق فاعلى وكلاهما يخدم كلا من التلاؤم والنمو فالإبداع التطور فى النهاية.

13) تظل هذه البرامج محتفظة بشقها المعرفى مستقلة، ومتضفرة مع ما بعدها، ومع ما هو بمحاذاتها، فى تناوب إيقاعى، وأيضا فى انتقاء تكيفى حسب المرحلة والموقف.

14) الوعى المعرفى بالغرائز يعطيها تشكيلات متعددة فى ذاتها، كما يصنف كلا منها بما تتصف به بدءًا بوظيفتها البقائية الأساسية، دون التوقف عندها، كذلك الحال فيما يسمى العواطف أو أية برامج بقائية أخرى (عقول – مستويات وعى – ذوات – …) حسب أبجدية المدرسة التى تتناولها، ومدى شموليتها وإحاطتها.

15) على مسار رحلة التطور المستمرة – فى الأحوال الإيجابية- نتواصل من الكلية (الواحدية الأولية) إلى التميز التخصصى (التشكيل التنوعى) عوداً إلى الواحدية (الكلية التناغمية) مع يقين استحالة الواحدية “الآن”، التى لو تحققت لتوقف جدل النمو أصلا، وإنما الإشارة هى إلى سلامة التوجه، وليست إلى إمكانية التحقيق (الآن).

يحدث ذلك على مسار كل برنامج بقائى على حدة، وعلى مستوى تفاعل وتضفر وجدل البرامج معاً.

16) تمتد حركية التناغم بين المستويات إلى احتمال التناغم بين مستويات تتجاوز الانسان الفرد، ثم الإنسان النوع إلى تنظيمات أخرى فى الكون عرضا وطولا مما لا نعرف (الغيب).

17) مع تواصل النمو، واستمرار نجاح الجدل الخلاق، وفاعلية الإيقاع الحيوى، تتكون توليفات جديدة ليس لها أسماء حاضرة الآن، لكنها سوف تعبر عن نفسها بتشكيلات خاصة، وقد تسكن مرحليا فى ألفاظ ما، لنتجاوزها بأية وسيلة، وكل وسيلة (فى الشعر مثلا وفى الإبداع عامة).

18) مع هذا التقارب التكاملى الجدلىّ المضطرد يصبح كل برنامج بقائى قادراً على احتواء وخدمة ودعم البرنامج الآخر بما يسمح بتداخل الوظائف والمعالم (الجنس – المعرفة – الإيمان – الإبداع.. الخ)، وفى هذه الحال يصعب تسمية الجنس مثلا: – غريزة- فما بالك بحركية الفطرة التوازنية الخلاقة (الإيمان)!!

19) يحدث كل ذلك فى مجال الجسد المشارِك وليس الجسد الأداة، الجسد يشارك فاعلا طول الوقت وفى كل المراحل (فى الأحوال السليمة).

20) لا يحتاج الأمر إلى التأكيد على حتمية الأساس “البيولوجى” لكل ذلك بالمعنى الأوسع.

أهمية تنويع المنهج

الحاجة الآن أشد إلحاحا إلى العناية بالبحث عن تنويع المنهج القادر على الإلمام ببعض ذلك، مثلا: بالبدء من التجريب إلى التنظير وبالعكس

بحفز الاستمرار بأكبر قدر من المرونة والإبداع

 حتى نحافظ على دافعية التطور بما يؤهله لنا تاريخ الإنسان.

هذا بعض ما وصلنى من “تجارب تحريك الوجدان لإعادة النظر” بديلا عن مناقشات تحديد المعالم، ومشاكل التعريف لإثبات الرأى.

بعض الملامح التى وصلتنا من خلال التجربة

لعلنا استطعنا بدرجة متواضعة أثناء هذا التجريب الحالى فى الألعاب عامة، وبالنسبة للألعاب التى ذكرناها فى نشرة أمس بشكل خاص (كأمثلة) لعلنا استطعنا بعض يلى:

1- أن نفهم الفرق بين حالنا وموقفنا ونحن نضع تعريفا لعاطفة ما (بالألفاظ) وبين حالنا ونحن نمارسها أو نمارس نتائج تشعبها من واقع استدراجنا إلى ما لم نتوقع (راجع تجربة د.أميمة أمس).

2- أن نفهم السبب فى إنكار إيجابيات غريزة بأكملها (مثل العدوان) لعجزنا عن استيعاب موقعها الإيجابى إذ تتضّفر فى كلّيات جديدة.

3- أن ندرك – مثلا- كيف أنكر أغلبنا الكراهية قبل اللعب حين لم يصلنا من اللفظ إلا الصورة السلبية للعدوان البدائى

4- أن نفهم ضرورة احتواء ما يبدو تناقضا ظاهريا بين ظاهرتين (عاطفتين مثلا) بالنظر إلى المستوى الأعمق لنشأتهما من مستوى واحد من جهة، وأيضا تضفر إيجابياتهما فى حركية التواصل من جهة أخرى (وهو بعض ما ظهر فى لعبة الكراهية أيضا، كمثال).

5- أن نفهم تناوب التنشيط بين المستويات (الإيقاع الحيوى) كحل طولىّ يخفف من التركيز على جدل عرضىّ، قد يحول دون استيعاب حركية تناقض ظاهرى.

آسف.

لكنك أنتَ الذى غامرت بالقراءة برغم التحذير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *