الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقتطف من كتاب: دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من “قصر العينى” (3)

مقتطف من كتاب: دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من “قصر العينى” (3)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 20-1-2019

السنة الثانية عشرة

العدد:  4159

مقدمة:

توقفنا فى نشرة السبت 1/12/2018  عند مقتطف من كتاب قديم (مهم) عند سؤال يقول:

الطالب‏: ‏فما‏ ‏هو‏ ‏الفرق‏ ‏بين‏ ‏الوظائف‏ ‏النفسية‏ ‏البدائية‏ ‏والوظائف‏ ‏النفسية‏ ‏الإنسانية‏ ‏الأرقى؟

ووعدنا أن نكمل بعد ذلك، لكن فى زحمة وتنافس المقتطفات فاتنى أن أفى بوعدى فى حينه، وهأنذا أفعل.

*****

مقتطف من كتاب:نشرة الاحد 20-1-2019

دليل الطالب الذكى فى: علم النفس

انطلاقا من “قصر العينى” (1)

 ……………..

الطالب‏: ‏فما‏ ‏هو‏ ‏الفرق‏ ‏بين‏ ‏الوظائف‏ ‏النفسية‏ ‏البدائية‏ ‏والوظائف‏ ‏النفسية‏ ‏الإنسانية‏ ‏الأرقى؟

المعلم‏: ‏إن‏ ‏ترتيب‏ ‏المخ‏ ‏من‏ ‏الأدنى ‏إلى ‏الأرقى ‏هو‏ ‏ترتيب‏ ‏معروف‏ ‏فى ‏علم‏ ‏التشريح‏، ‏وعلم‏ ‏الفسيولوجيا‏ ‏العصبية‏، ‏وهو‏ ‏نابع‏ ‏من‏ ‏فروض علوم‏ ‏التطور‏ ‏وعلم‏ ‏الأجنة المقارن‏ ‏والتشريح،‏ و‏علم‏ ‏الفسيولوجيا‏ ‏النفسية‏ (2)، ‏وعلى ‏ذلك‏ ‏يمكن‏ ‏تقسيم‏ ‏الوظائف‏ ‏النفسية‏ ‏ارتقائيا‏ ‏على ‏الأسس‏ ‏التالية‏: ‏

(أ‏) ‏كلما‏ ‏كانت‏ ‏الوظيفة‏ ‏انعكاسية‏ ‏ميكانيكية‏ ‏كانت‏ ‏أدنى ‏وأكثر‏ ‏بدائية‏، ‏مثال‏ ‏ذلك‏ ‏دافع‏ ‏الجوع‏ ‏وإرضاؤه‏ ‏بالأكل‏، ‏وأبسط‏ ‏من‏ ‏ذلك‏ ‏إدراك‏ ‏الألم‏ ‏من‏ ‏مثير‏ حسىّ ‏مؤلم‏ ‏للجلد‏ ‏وسحب‏ ‏اليد‏ ‏انعكاسيا‏ ‏ميكانيكيا‏ استجابة للغزّ ‏وهكذا‏.‏

‏(‏ب‏) ‏كلما‏ ‏كانت‏ ‏الوظيفة‏ ‏نابعة ‏من‏ ‏عدد‏ ‏قليل‏ ‏محدود‏ ‏من‏ ‏النيورونات‏ Neurones ‏ كانت‏ ‏بدائية‏ أكثر، ‏والعكس‏ ‏صحيح‏، ‏ومثال‏ ‏ذلك:‏ ‏أن‏ ‏خفقان‏ ‏القلب‏ ‏عند‏ ‏الخوف‏ ‏يشمل‏ ‏مسارات‏ ‏نيورونية‏ ‏محدودة‏، ‏فى ‏حين‏ ‏أن‏ ‏التفكير‏ ‏للبحث‏ ‏عن‏ ‏تعريف‏ ‏شامل‏ ‏لماهية‏ ‏الحرية‏ – ‏مثلا‏ – ‏يشمل‏ ‏أغلب‏، ‏إن‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏كل‏، ‏خلايا‏ ‏المخ‏.‏

‏(‏حـ‏) ‏كلما‏ ‏كانت‏ ‏الوظيفة‏ ‏معبراً‏ ‏عنها‏ ‏بالتعبير‏ ‏الجسدى ‏أو‏ ‏الحشوى ‏أساسا‏ ‏كانت‏ ‏أكثر‏ ‏بدائية‏ ‏والعكس‏ ‏صحيح‏، ‏ومثال‏ ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏السلوك‏ ‏الانفعالى ‏الذى ‏يظهر‏ ‏فى ‏سورة‏ ‏الغضب‏، ‏وكذا‏ ‏احمرار‏ ‏الوجه‏ ‏أو‏ ‏القئ‏، ‏هو‏ ‏أكثر‏ ‏بدائية‏ ‏من‏ ‏سلوك‏ ‏الأسى ‏المؤلم‏ ‏والتوجع‏ ‏لقلة‏ ‏الوفاء‏، ‏والالتزام‏ ‏بين‏ ‏بنى ‏البشر‏.. ‏وهكذا‏ ‏ ‏نجد‏ ‏أن‏ ‏الوظائف‏ ‏تترتب‏ ‏تصاعديا‏ ‏حسب‏ “مدى” ‏ما‏ ‏تشمل‏ ‏من‏ ‏نيورونات مساحةً وتشابكاتٍ‏.‏

الطالب‏: ‏ولكن‏ ‏هل‏ ‏المدى ‏وحده‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏يحدد‏ ‏ارتقاء‏ ‏الوظيفة‏ ‏أو‏ ‏بدائيتها؟

المعلم‏: ‏لا‏.. ‏بل‏ ‏يوجد‏ ‏أيضا‏ ‏النسق‏، ‏ولكن‏ ‏هذا‏ ‏أمر‏ ‏أشد‏ ‏تعقيدا‏، ‏ولم‏ ‏يستقر‏ ‏عليه‏ ‏العلماء‏ ‏بالنسبة‏ ‏لكل‏ ‏وظيفة‏، ‏ولا‏ ‏مجال‏ ‏فى ‏هذا‏ “‏الدليل‏” ‏للإفاضة‏ ‏فيه‏، ‏كل‏ ‏ما‏ ‏أرجو‏ ‏إيضاحه‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏الوظائف‏ ‏النفسية‏ ‏الإنسانية‏ ‏الأرقى ‏بالذات‏ ‏يصعب‏ ‏تحديد‏ ‏موضعها‏ Locality ‏ فى ‏المخ‏، ‏لأنها‏ ‏منتشرة‏ ‏تماما‏ ‏وهى وظائف كلية‏ ‏لايربطها‏ “‏موضع‏” محدد ‏بل‏ “تنظيم”، ‏وعلى ‏نفس‏ ‏المبدأ‏ ‏فإن‏ ‏تحديد‏ ‏مواضع‏ ‏بذاتها‏ ‏للاضطرابات‏ ‏النفسية‏ ‏المختلفة‏ ‏يصبح‏ ‏أمرا‏ ‏منافيا‏ ‏لطبيعة‏ ‏ماهية‏ ‏النفس‏.‏

الطالب‏: ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏شأن‏ ‏ترتيب‏ ‏وظائف‏ ‏المخ‏، ‏أو‏ ‏الوظائف‏ ‏النفسية‏، ‏فما‏ ‏هو‏ ‏موقع‏ ‏ما‏ ‏يسمى ‏باللاشعور‏ ‏أو‏ ‏العقل‏ ‏الباطن؟‏ ‏هل‏ ‏هو‏ ‏أيضا‏ ‏فى ‏المخ؟

المعلم‏: ‏لاشك‏ ‏أن‏ ‏العقل‏ ‏الباطن‏ ‏ليس‏ ‏فى “‏البطن”‏، ‏وأن‏ ‏اللاشعور‏ ‏ليس‏ ‏مفهوما‏ ‏مجردا‏ ‏فى ‏الهواء‏ ‏الطلق‏، ‏وأن‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏يتعلق‏ ‏بالنفس‏ ‏هو‏ ‏فى ‏المخ‏ .. ‏والعقل‏ ‏الباطن‏ ‏أو‏ ‏اللاشعور‏ ‏هو أساسا‏ ‏نشاط‏ ‏تنظيم غائر فى المخ أيضا‏ ‏ ‏ ‏بعيدا‏ ‏عن‏ ‏وعى ‏الإنسان‏ ‏فى ‏لحظة‏ ‏بذاتها‏، ‏ولكن‏ ‏هذا‏ ‏النشاط‏ ‏قد‏ ‏يظهر‏ ‏فى ‏أحوال‏ ‏أخرى ‏مثل‏ ‏الحلم‏، ‏أو‏ ‏بالتنويم‏، ‏أو‏ ‏بتأثير‏ ‏بعض‏ ‏العقاقير‏، ‏وأحيانا‏ ‏بالإثارة‏ ‏الكهربية‏ ‏بقطب‏ ‏دقيق‏ Micro Elcctrode ‏لبعض‏ ‏أجزاء‏ ‏المخ‏ ‏لشخص‏ ‏واع‏ ‏متطوع‏ ‏ومخدر‏ ‏تخديرا‏ ‏موضعيا‏ ‏فقط‏، ‏والحقيقة‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏التجارب‏ ‏الأخيرة‏ ‏قد‏ ‏قام‏ ‏بها‏ ‏عالم‏ ‏جراح‏ ‏رائد ‏هو‏ “‏بنفيلد”‏ Penfield ‏واستعاد‏ ‏الشخص‏ ‏المتطوع‏ ‏بهذه‏ ‏الإثارة‏ ‏الكهربية‏ ‏الدقيقة‏ ‏ذكريات‏ ‏قديمة‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏يتصور‏ ‏أنه‏ ‏ممكن‏ ‏أن‏ ‏يتذكرها‏، ‏بل‏ ‏إن‏ ‏نفس‏ ‏الفكرة ألهمت‏ ‏عالما‏ ‏آخر‏ (‏إريك‏ ‏بيرن‏) ‏أن‏ ‏يثبت‏ ‏فرض‏ ‏وجود‏ ‏عدة‏ ‏تنظيمات‏ ‏فى ‏المخ‏ ‏تقابل حالات‏ ‏أشخاص‏ ‏متعددة‏ ‏فى ‏ذات‏ ‏الشخص‏ ‏الواحد‏‏ (3)

الطالب‏: ‏كيف‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏المخ‏ ‏الواحد‏ ‏به‏ ‏أشخاص‏ ‏متعددين‏ ‏فى ‏ذات‏ ‏الشخص‏ ‏الواحد؟‏ ‏هل‏ ‏هذا‏ ‏كلام؟

المعلم‏: ‏لا‏ ‏هذا‏ ‏ليس‏ ‏كلاما‏، ‏ولكنه‏ ‏علم‏، ‏وليس‏ ‏هنا‏ ‏مجال‏ ‏تفصيل‏ ‏هذا‏ ‏الفرض‏، ‏وإن‏ ‏كانت‏ ‏الفكرة‏ ‏الأساسية‏ ‏فى ‏غاية‏ ‏البساطة‏، ‏وتفيد‏ ‏الطبيب‏ ‏بوجه‏ ‏خاص‏ ‏فى ‏تعامله‏ ‏مع‏ ‏مرضاه‏، ‏ولا‏ ‏أعنى ‏الطبيب‏ ‏النفسى ‏بل‏ ‏أى ‏طبيب‏، ‏ومايهم‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏النقطة‏ ‏هو‏ ‏عدة‏ ‏حقائق‏ ‏يستحسن‏ ‏إيضاحها‏ ‏فى‏:‏

‏ ‏إن‏ ‏وجود‏ ‏تنظيمات‏ ‏هرمية‏ (‏هيراركية‏) Hierarchieal ‏فى ‏المخ‏، ‏هو‏ ‏مفهوم‏ ‏عادى ‏يساير‏ ‏مفهوم‏ ‏التطور‏ ‏ويساير‏ ‏وجود‏ ‏نفس‏ ‏التنظيمات‏ ‏الهيراركية‏ ‏فى ‏الوظائف‏ ‏الأخرى ‏مثل‏ ‏الإحساس‏ ‏والحركة‏، ‏فإذا‏ ‏كانت‏ ‏الثالاموس ‏ Thalamus‏هى ‏مركز‏ ‏الإحساس‏ ‏البدائى، ‏وإذا‏ ‏كانت‏ ‏العقد‏ ‏القاعدية ‏ Basal Ganglia‏هى ‏المركز‏ ‏البدائى ‏للحركة‏، ‏فـَـلـِـمَ‏ ‏لايوجد‏ ‏مستوى (‏أو‏ ‏مستويات‏) ‏بدائية‏ ‏فى ‏التركيب‏ ‏النفسى؟

وكل‏ ‏مستوى ‏تنظيمى ‏فى ‏المخ‏ ‏يمثل‏ ‏كيانا‏ ‏متكاملا‏ (‏يمكن‏ ‏اعتباره‏ ‏شخصا‏)، ‏ولكنه‏ ‏فى ‏حالة‏ ‏اليقظة‏ ‏يعمل‏ ‏ضمن‏ ‏الوحدة‏ ‏الكلية‏ ‏الممثـِّلة‏ ‏للشخصية‏ ‏أو‏ ‏للنفس‏.‏

وفى ‏الاحلام‏ ‏تتفكك‏ ‏هذه‏ ‏الوحدة‏ ‏وتظهر‏ ‏هذه‏ ‏التنظيمات‏ ‏فى ‏حركة‏ ‏مستقله‏ ‏ورمزية‏ ‏ومحورة‏.

وفى ‏الجنون‏ ‏تتفكك‏ ‏هذه‏ ‏الوحدة‏ ‏ويتعدد‏ ‏الوجود‏، ‏أى ‏تعمل‏ ‏التنظيمات‏ ‏المختلفة‏ ‏مزدحمة‏ ‏فى ‏تنافس‏ ‏وتصادم‏، ‏وذلك‏ ‏فى ‏حالات‏ ‏اليقظة‏ ‏وليست‏ ‏أثناء‏ ‏النوم‏ ‏فى ‏الحلم‏ فقط، ‏وأظن‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏الإشارات‏ ‏العامة‏ ‏تكفى ‏بما‏ ‏يسمح‏ ‏به‏ ‏حجم‏ ‏هذا‏ ‏الدليل‏ ‏وهدفه‏، ‏وهو أن‏ يدرك‏ ‏الطالب‏ ‏الذكى ‏أن‏ ‏المخ‏ ‏هو‏ ‏الحاوى ‏لكل‏ ‏هذه‏ ‏التعبيرات‏ ‏والمفاهيم‏ ‏من‏ ‘‏لاشعور‏’ ‏إلى “‏عقد‏” ‏إلى “‏عقل‏ ‏باطن‏” ‏التى ‏أسئ‏ ‏فهمها‏ ‏وأسئ‏ ‏استعمالها‏ ‏معا‏.‏

 ومرة أخرى: لتعلم يا بنىّ أننى ‏فى ‏قرارة‏ ‏نفسى ‏أرفض‏ ‏تعبير‏ “‏اللاشعور‏“‘unconscious هذا‏، ‏لأنه‏ ‏تعبير‏ ‏بالنفي‏، ‏وكنت‏ ‏أفضل‏ ‏أن‏ ‏نقول‏ ‏الشعور‏ “‏الأعمق”‏ ‏أو‏ “‏الأبعد”‏ ‏أو “الأخفى” ‏أو‏ “‏الآخر”‏ ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏الكلمة‏ ‏التى قد تحمل معان غامضة بل ملتبسة‏.‏

الطالب‏: ‏إذا‏ ‏كانت‏ ‏هذه‏ ‏هى ‏علاقة‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏بعلم‏ ‏وظائف‏ ‏الأعضاء‏ ‏فما‏ ‏علاقته‏ ‏بعلم‏ ‏الكيمياء؟

المعلم‏: ‏إذا‏ ‏كانت‏ ‏الوظائف‏ ‏النفسية‏ ‏تتغير‏ ‏وتتحول‏ ‏تحت‏ ‏تأثير‏ ‏الكيمياء‏، ‏حتى ‏فى ‏الأحوال‏ ‏العادية‏: ‏مثل‏ ‏تأثير‏ ‏المشروبات‏ ‏الكحولية‏، ‏فإنه‏ ‏من‏ ‏الطبيعى ‏أن‏ ‏ندرك‏ ‏للتو مدى ‏تداخل‏ ‏الكيمياء‏ ‏بنسب‏ ‏معينة‏ ‏فى ‏التوازن‏ ‏الوظيفى ‏الكلى ‏للمخ‏.‏ ‏والحقائق‏ ‏البسيطة‏ ‏التى ‏توضح‏ ‏هذه‏ ‏العلاقة‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نوردها‏ ‏كما يلى: ‏

‏(‏أ‏) ‏هناك‏ ‏عقاقير‏ ‏إذا‏ ‏أعطيت‏ ‏تفككت‏ ‏مستويات‏ ‏المخ‏، ‏فاختلت‏ ‏وظائف‏ ‏النفس‏ ‏لدرجة‏ ‏الهلوسة (4)Hallucination ‏ والخلط‏، ‏وتسمى ‏هذه‏ ‏العقاقير‏ ‏المـُـهـَـلـْـوِسات‏، ‏مثل‏ ‏الحشيش‏ ‏وعقار‏ ‏ل‏ ‏س‏ ‏د‏ 25 LSD 25.‏

‏(‏ب‏) ‏هناك‏ ‏عقاقير‏ ‏إذا‏ ‏أعطيت‏ ‏لمرضى ‏يعانون‏ ‏من‏ ‏مظاهر‏ ‏اضطراب‏ ‏النفس‏، ‏زالت‏ ‏هذه‏ ‏المظاهر‏، ‏فإذا‏ ‏كانوا‏ ‏يهلوسون‏ ‏مثلا‏، ‏كفوا‏ ‏عن‏ ‏الهلوسة‏ .. ‏وهكذا‏، ‏ومن‏ ‏هذا‏ ‏وذاك‏ ‏ظهرت‏ ‏نظريات‏ ‏تقول‏ ‏إن‏ ‏المرض‏ ‏النفسى ‏هو‏ ‏نتيجة‏ ‏لزيادة‏ ‏هذه‏ ‏المادة‏ ‏الكيميائية‏ ‏أو‏ ‏نقص‏ ‏تلك‏ ‏المادة‏، ‏والحقيقة‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏استنتاجات‏ ‏متعجلة‏ ومختـَزِلة، ‏فوجود‏ ‏مادة‏ ‏بالزيادة‏ ‏أو‏ ‏النقص‏، ‏لا‏ ‏يعنى ‏أن‏ ‏ذلك‏ ‏هو‏ ‏السبب المباشر‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الاضطراب‏ ‏أو‏ ‏ذاك‏، ‏بل‏ ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏نتيجة‏ ‏للاضطراب‏ ‏ذاته‏، وغالبا يكون السبب هو خلل فى التنظيم الكلى نتيجة هذه الزيادة أو ذلك النقص.‏

وكل‏ ‏الفروض‏ ‏المتعلقة‏ ‏بالأسباب‏ ‏الكيميائية‏ ‏البحتة‏ ‏للأمراض‏ ‏النفسية‏، ‏وهى ‏فروض‏ ‏متواضعة‏، ‏لاينبغى ‏التسرع‏ ‏فى ‏الاستناد‏ ‏اليها‏ ‏وحدها‏ ‏كحل‏ ‏استسهالى ‏مباشر‏ ‏يفسر‏ ‏المرض‏ ‏النفسى ‏وعلاجه‏ .‏

الطالب: واحدة واحدة، لقد بدأت المعلومات تزدحم فى مخى، فقل لى بهدوء ما علاقة النفس بالمخ.

المعلم‏: ‏إذا‏ ‏كانت‏ ‏النفس‏ ‏هى ‏النشاط‏ ‏الكلى ‏للمخ‏، ‏فإن‏ ‏تركيب‏ ‏المخ‏ ‏له‏ ‏علاقة‏ ‏مباشرة‏ ‏بوظيفة‏ ‏النفس‏، ‏ومخ‏ ‏ضعاف‏ ‏العقول‏ ‏مثلا‏ (‏الدرجة‏ ‏الشديدة‏ ‏منهم‏) ‏أقل‏ ‏وزنا‏ ‏وأقل‏ ‏فى ‏عدد‏ ‏خلايا‏ ‏اللحاء‏ ‏من‏ ‏مخ‏ ‏الشخص‏ ‏العادى ..‏

الطالب: وما علاقة كل ذلك بحكاية البدائى والأنضج التى تلوح فى معظم كلامك أعنى علاقتها بالتطور.

 المعلم: إن‏ ‏علم‏ ‏التشريح‏ ‏المقارن‏ ‏وعلم‏ ‏الأجنة‏ Embryology ‏المقارن‏ ‏هما‏ ‏من‏ ‏أهم‏ ‏العلوم‏ ‏التطورية‏، ‏وهما‏ ‏يؤكدان‏ ‏نظرية‏ ‏التطور‏ ‏التى ‏هى ‏أساسية‏ ‏فى ‏فهم‏ ‏الترتيب‏ ‏الهرمى ‏للمخ‏، ‏ومن‏ ‏ثم‏ ‏للوظائف‏ ‏والمستويات‏ ‏النفسية‏، لكن تؤجل تفصيل ذلك الآن، ثم ‏دعنا‏ ‏نؤكد‏ ‏ثانية‏ ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏توجد‏ ‏منطقة‏ ‏بذاتها‏ ‏أمكن‏ ‏تحديدها‏ ‏تماما‏ ‏لوظيفة‏ ‏بذاتها‏ ‏من‏ ‏الوظائف‏ ‏النفسية‏.‏

الطالب‏: ‏وهل‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏مفهوم‏ المخ والوظائف النفسية ‏عبر‏ ‏التاريخ‏ ‏؟

****

وبعد

دعونا نأمل أن نجيب على هذا السؤال وغيره فى نشرة قادمة ولا نقصّر كما فعلنا بالنسبة لهذه النشرة

 

[1] –  المقتطف: من كتاب (دليل الطالب الذكى فى علم النفس انطلاقا من “قصر العينى”) (من 69 ص إلى 73) ( الطبعة الأولى 1980)، (الطبعة الثانية 2018)  منشورات جمعية الطب النفسى التطورى، والكتاب موجود فى الطبعة الورقية  فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط  www.rakhawy.net 

[2] – هذا التعبير الفسيولوجيا النفسية Psychic physiology غير التعبير الشائع عن علم النفس الفسيولوجى Physiological psychology آخذين فى الاعتبار المفهوم الخاص الذى قدمناه هنا باعتبار علم النفس هو جزء لا يتجزأ من علم الفسيولوجيا أو هو أرقى فروع الفسيولوجيا بالمعنى التطورى.

[3] – ولاحقاً أصبح الحديث باعتبار أنها عدة “أمخاخ” أو “عقول” وليس فقط “حالة ذات” أو “حالات ذوات”

[4] – سيأتى تعريف الهلوسة فيما بعد.

النشرة السابقة 1النشرة التالية 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *