الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (121) الفصل‏ ‏الثالث “‏إبن‏ ‏حظ”: ‏طفل‏ ‏تائه‏ (‏يا أولاد‏ ‏الحلال‏) فى‏ ‏ثوب‏ ‏كهل‏ ‏يعبد‏ ‏ربه

تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (121) الفصل‏ ‏الثالث “‏إبن‏ ‏حظ”: ‏طفل‏ ‏تائه‏ (‏يا أولاد‏ ‏الحلال‏) فى‏ ‏ثوب‏ ‏كهل‏ ‏يعبد‏ ‏ربه

نشرة الإنسان والتطور

الخميس: 13-4-2023   

السنة السادسة عشر

العدد: 5703

تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) [1]

وهكذا نواصل نشر “الأصداء” مع “أصداء الأصداء”

 بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (121)

 الفصل‏ ‏الثالث

“‏إبن‏ ‏حظ”: ‏طفل‏ ‏تائه‏ (‏يا أولاد‏ ‏الحلال‏) ‏

فى‏ ‏ثوب‏ ‏كهل‏ ‏يعبد‏ ‏ربه

الأصداء عودة إلى النص:

‏121- ‏التعارف

وكان‏ ‏لى ‏صديق‏ ‏خطاط‏ ‏ومن‏ ‏مريدى ‏الشيخ‏، ‏فرجوته‏ ‏أن‏ ‏يقدمنى ‏إليه‏ ‏فمضى ‏بى ‏إلى ‏الكهف‏ مخترقين‏ ‏صحراء‏ ‏المماليك‏، ‏وهناك‏ ‏رأيته‏ ‏وسط‏ ‏صحبه‏ ‏يتبادلون‏ ‏أنخاب‏ ‏المناجاة‏ ‏فى ‏نشوة‏ ‏هادئة‏ نقـية‏، ‏فقدمنى ‏صديقى ‏بين‏ ‏يديه‏ ‏ولكنه‏ ‏استمر‏ ‏فيما‏ ‏كان‏ ‏فيه‏ ‏غير‏ ‏ملتفت‏ ‏إلى ‏مما‏ ‏أضرم‏ ‏الحياء‏ ‏فى قلبى، ‏ولكن‏ ‏صديقى ‏أخذنى ‏من‏ ‏يدى ‏وجلسنا‏ ‏فى ‏آخر‏ ‏الصف‏، ‏وهمست‏ ‏فى ‏أذنه‏:‏

‏- ‏الأفضل‏ ‏أن‏ ‏نذهب‏…‏

فهمس‏ ‏فى ‏أذني‏:‏

‏- ‏لقد‏ ‏قبل‏ ‏صداقتك‏، ‏ولو‏ ‏كان‏ ‏رفضك‏ ‏لطردك‏ ‏بإشارة‏ ‏من‏ ‏يده‏ ‏

وختمت‏ ‏الليلة‏ ‏بغناء‏ ‏طويل‏ ‏جميل‏، ‏ولدى ‏العودة‏ ‏سألنى ‏صاحبي‏:‏

‏- ‏ما‏ ‏رأيك‏ ‏فى ‏المكان‏ ‏وأهله؟

فقلت

‏- ‏دخلوا‏ ‏قلبى ‏بلا‏ ‏وسيط‏، ‏عروتهم‏ ‏ساحرة‏، ‏أصواتهم‏ ‏عذبة‏، ‏والمكان‏ ‏جذاب‏ ‏هادىء‏ ‏ورائحته‏ ‏زكية‏..‏

 أصداء الأصداء

هكذا‏ ‏يتأكد‏ ‏التصالح‏ ‏الذى ‏تم‏ ‏بين‏ ‏الذوات‏ ‏الثلاثة‏، ‏وقد‏ ‏أكد‏ ‏إريك‏ ‏بيرن‏ ‏أن‏ ‏المعركة‏ ‏لا‏ ‏تنتهى ‏بانتصار‏ ‏ذات‏ ‏على ‏أخرى، ‏وإنما‏ ‏بتصالح‏ ‏خلاّق‏. ‏

للتصالح‏ ‏شكلان‏ ‏أساسيان: (وإن كان يمكن أن يكمل أحدهما الآخر، وهذا ما يحدث عادة طول الوقت فى النمو السليم)‏:‏

‏(‏أ‏) ‏

تصالح‏ ‏بالتبادل‏ ‏التوافقى‏، ‏إذ‏ ‏يحل‏ ‏الطفل‏ ‏فى ‏الوعى ‏الظاهر‏، ‏ويمسك‏ ‏الدفة‏ ‏فى ‏الوقت‏ ‏المناسب‏ ‏لظهوره‏، ‏وفى ‏الموقف‏ ‏السامح‏ ‏لشطحة‏، ‏وبين‏ ‏الجو‏ ‏المحتمل‏ ‏لشقاوته‏، ‏فى ‏حين‏ ‏يحل‏ ‏الوالد‏ ‏فى ‏الشعور‏ ‏الظاهر‏ ‏ليقود‏ ‏الدفة‏ ‏حين‏ ‏يحتاج‏ ‏الأمر‏ ‏إلى ‏الرعاية‏ ‏والحكمة‏ ‏أو‏ ‏إلى ‏النهر‏ ‏والكف‏، ‏أما‏ ‏الناضج‏ ‏فيقود‏ ‏ويحل‏ ‏فى ‏الوعى ‏حين‏ ‏يحتاج‏ ‏الأمر‏ ‏إلى ‏حاسب‏ ‏واقعى ‏لا‏ ‏ينفعل‏ ‏إلا‏ ‏للمصلحة‏ ‏ولا‏ ‏يتمنطق‏ ‏بإطلاق‏ ‏الحكم‏ ‏المثالية‏ ‏أو‏ ‏إظهار‏ ‏التضحية‏، ‏وهذا‏ ‏التصالح‏ ‏بالتبادل‏ ‏يحدث‏ ‏عند‏ ‏أغلب‏ ‏الناس‏ ‏الأصحاء‏، ‏وهو‏ ‏يتم‏ ‏تلقائيا‏ ‏دون‏ ‏تفكير‏ ‏أو‏ ‏قرار‏، ‏ولكن‏ ‏مع‏ ‏مضى ‏الزمن‏ ‏والتقدم‏ ‏فى ‏العمر‏ ‏يصبح‏ ‏التبادل‏ ‏محسوبا‏ ‏وإراديا‏ ‏أكثر‏ ‏وأكثر‏، ‏دون‏ ‏أن‏ ‏تختلط‏ ‏الأدوار‏ ‏أو‏ ‏تتداخل‏. ‏ثم‏: (‏ب‏)

‏تصالح‏ ‏بالاندماج‏ ‏النامى ‏أو‏ ‏التكاملى: ‏مع‏ ‏مرور‏ ‏الزمن‏، ‏وسلامة‏ ‏التبادل‏، ‏يتم‏ ‏تصالح‏ ‏أعلى ‏تذوب‏ ‏فيه‏ ‏الصفات‏ ‏الطفلية‏ ‏فى ‏صفات‏ ‏الوالدية‏ ‏ويتداخلان‏ ‏بدورهما‏ ‏فى ‏ذات‏ ‏أنضج‏ ‏وأقدر‏، ‏ويصبح‏ ‏الإنسان‏ ‏شيخا‏ ‏طول‏ ‏الوقت‏، ‏يطل‏ ‏من‏ ‏بين‏ ‏ثناياه‏ (وهو‏ ‏شيخ‏) ‏طفل‏ ‏ظريف‏ ‏ذكى ‏حاضر‏ ‏فنرى ‏فى ‏عينيه‏ -‏شيخا‏- ‏نظرات‏ ‏الطفل‏ ‏وضحكته‏ ‏وبراءته‏ ‏وإبداعه‏، ‏ويظل‏ ‏الطفل‏ ‏حاضرا‏ ‏فى ‏تصرف‏ ‏الشيخ‏ ‏بحيث‏ ‏لا‏ ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏نكوص‏ ‏خاص‏ ‏به‏، ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏ممارسته‏ ‏إلا‏ ‏فى ‏مجال‏ ‏طفلى ‏مناسب‏. ‏كل‏ ‏هذا‏ -‏كما‏ ‏أشرنا‏- ‏فى ‏حضور‏ ‏وســماح‏ ‏وإحاطــة‏ ‏ما‏ ‏يسمى “‏الناضج‏ ‏المتكامل” Integrated Adult ‏ وما‏ ‏رأيناه‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الفقرة‏ ‏هو‏ ‏تأكيد‏ ‏على ‏أن‏ ‏التصالح‏ ‏الذى ‏وصل‏ ‏إليه‏ ‏محفوظ‏ ‏قد‏ ‏تم‏ ‏بين‏ ‏الطفل‏ ‏التائه‏ ‏وبين‏ ‏الشيخ‏ ‏الذى ‏قبل‏ ‏الطفل‏ ‏والناضج‏ ‏معا‏، ‏هو‏ ‏تصالح‏ ‏أقرب‏ ‏إلى ‏النوع‏ ‏الثانى، ‏وقد‏ ‏تم‏ ‏دون‏ ‏إعلان‏ ‏صريح‏، ‏وهذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏التصالح‏ ‏لا‏ ‏يقتصر‏ ‏على ‏الداخل‏، ‏فهو‏ ‏يظهر‏ ‏فى ‏السلوك‏، ‏فيبدو‏ ‏الشيخ‏ ‏طفلا‏ ‏رائعا‏ ‏دون‏ ‏طفولة‏، ‏

 ويقفز‏ ‏الطفل‏ ‏بريئا‏ ‏مبدعا‏ ‏دون‏ ‏عبث‏، ‏ويذوب‏ ‏الناضج‏ ‏فيهما‏ ‏فلا‏ ‏يتميز‏ ‏بذاته‏، ‏إذن‏ ‏فهو‏ ‏تصالح‏ ‏أقرب‏ ‏إلى ‏الاندماج‏ ‏النامى ‏الذى ‏لم‏ ‏يعد‏ ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏تعدد‏ ‏ذوات‏ ‏وتبادل‏ ‏أدوار‏ (‏اللهم‏ ‏إلا‏ ‏فى ‏تبادل‏ ‏النوم‏ ‏واليقظة‏)، ‏وهذا‏ ‏هو‏ ‏تفسيرى ‏لماهية‏ ‏الشيخ‏ ‏عبد‏ ‏ربه‏، ‏لكنه‏ ‏تفسير‏ ‏غير‏ ‏مطلق‏، ‏فاعتراضاتى ‏على ‏حكمة‏ ‏الشيخ‏ ‏المباشرة‏ ‏والسطحية‏ ‏فى ‏بعض الأحيان‏ ‏ – ‏مثلا‏- ‏تنفى ‏هذه‏ ‏الدرجة‏ ‏المباشرة‏ ‏من‏ ‏التصالح‏.‏

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية  2018  – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح  فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *