.. وقبل أن أستغرق فى انسحابى الحالم آمِلاً، لاحظت أن كوم القمامة كان يتضخم في أكثر من اتجاه الناحية الأخرى وذلك مع كل ضربة يخرج منها الوجهاء من بين شقوقه وقد تملكهم الفزع، لا أعرف ما الذى أوحى إلىَّ أن تحت كوم القمامة هذا كنز ثمين، وربما خاتم سليمان الذى يتيح لمن يجده فرص انتقاء أى الأمانى تتحقق أولا. واصلت عملى وكأنى أوفى بوعدٍ ما لصديقى الراحل شهيد الوطنية.
استحليت اللعبة لكننى لاحظت أن مع كل ضربة جديدة تتراجع نظافة ووجاهة وفخامة الرجال والنساء البازغين من الكوم، وتتغير أشكالهم حتى صار الذين يخرجون من الشقوق أقزاما، مهرجون، ثم خرجت بعدهم قردة تلبس فساتين وقبعات فاقعة الألوان.
جاءت عربة القمامة العملاقة، وجمعتْ من تبقى من الرجال والنساء والأقزام والقردة والقمامة فى كومة واحدة، ورفعتهم آلتها الضخمة إلى صندوقها، فرعبت لأننى كنت قد سمعت عن مصير حمولة هذه العربات، وكيف سيحولونها إلى طاقة حيوية يستعملونها فى حفر مزيد من قبور الشهداء، وآبار البترول.
تزايد الرعب حتى كاد الشلل يعجزنى، فأسرعت الخطى مبتعدا أشرت إلى عربة ميكروباص سوداء لامعة قادمة، وما اقتربت حتى تمكنت من قراءة ما كتب عليها ” تكريم الإنسان”، فركبتها دون تردد، وإذا بها تتجه إلى حديقة الأورمان بدلا من مقابر الإمام الشافعى.