الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تعتعة: تسويق “الإيمان” فى “سوبرماركت” العولمة!!!

تعتعة: تسويق “الإيمان” فى “سوبرماركت” العولمة!!!

“يومياً” الإنسان والتطور

 28-6-2008

العدد: 302

              تعتعة

تسويق “الإيمان” فى “سوبرماركت” العولمة !!!

سألنى صديق يتصور أننى أعرف: هل الشعب المصرى أحوج إلى الدين أم إلى المعرفة؟ قلت له: نحن فى ماذا أم  ماذا؟ قال: نحن فى هذا. قلت: وهل هناك فرق بين الدين والمعرفة؟  قال: كيف ذلك؟

قلت: الدين هو طريق إلى المعرفة، والمعرفة هى هدف الدين الممتد إلى وجه الحق سبحانه وتعالى، الدين الصحيح لا يكون كذلك إلا إذا ساهم فى تعميق وتوسيع الوعى البشرى الذى هو الوسط الذى تترعرع فيه المعرفة. وهذا ليس له علاقة بالتمحك فيما يسمى العلم والمعلومات الحديثة، تلك البدعة التى يسمونها التفسير العلمى للمقدس، أو الإعجاز الدينى، بما لا يدل  إلا على اهتزاز الإيمان والجهل بحقيقة العلم والدين معا،  قال: وما الفرق بين العلم والمعرفة، قلت:  المعرفة – كما تعرف- هى شحذ كل أدوات وجودنا، نعمِّق بها وعينا الذى يرتقى بنا “إليه”، قال: يعنى ماذا؟: قلت: أنت تعرف أننى أتابع الآن ما يجرى عبر العالم  للتعرف على الجهود التى تجرى للتأكيد على تعدد مناهل المعرفة مثل استعادة الجسد والوجدان دورهما فى التفكير والإرادة والحرية وغير ذلك، جنبا إلى جنب مع ما يسمى العقل. قال: ومادخل هذا بالدين؟ قلت: الدين الصحيح، يهدينا إلى التعرف “عليه”، “علينا”،  أكثر فأكثر، حين يشحذ كل هذه الأدوات ليوقظ “الوعى المشتمل”، قال: يعنى ماذا؟ قلت له: إن ما يسمى العقل ليس هو السبيل الأوحد للمعرفة، فالفن وسيلة أخرى، والدين الصحيح هو وسيلة أشمل بالجهاد الأكبر، والكدح المستمر، والإبداع المتجدد بما يمهد طريق الوصل بين الوعى البشرى والوعى الكونى، وهو طريق صعب على الكافة، ومن رحمة ربنا أن انتقى من عباده من يبين لنا بعض معالم طريقنا إليه، إلينا، قال: ألهذا تقول إن الدين هو المعرفة؟ قلت له لست أنا الذى أقول، ألم تكن أول آية نزلت على نبينا صلى الله عليه وسلم هى أمر بأن: ” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ “، ثم: ” اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ “، لقد اختزلوا كل ذلك إلى سجن المعاجم وقشور العلم كما يتصورنه، فحبسوه اتحت سقف جهلهم ، حتى أغروا  الجاهزين للإغارة  بالاستيلاء على آبار هذه المعرفة أيضا ليسمموها،  قال: من هم؟ قلت: “هم”، كل من هو بوش، ثم إننا “نحن” لسنا إلا  “هم”  بالاستسلام والتبعية والبله، قال: لست فاهما، قلت: الأرجح أنهم يخططون ضمن مخططهم العولمى للاستيلاء على آبار جواهر البشر الإيمانية  (مثلما فعلوا مع آبار البترول)،.

تذكرت هذا الحديث وأنا أتابع بعض ما دار مؤخرا فى جامعة الأزهر بين بعض قادة التصوف وثقات السلفيين، من تبادل القذف والاتهامات إلى حد التكفير (“نهضة مصر” 5 يونيو)، ثم ما لحقه فى الملف الذى نشره “الأهرام العربى” اليوم (21 الجارى)، فانتبهت أكثر إلى مخاطر الاختزال، والاستعمال، والتشويه، والتسطيح، والتهوين، من شأن التصوف المعرفى، والتصوف الشعبى، معا.

أصبح التصوف الشعبى (وهو من أعمق وأثرى ما تبقى لنا من سبل إشراك الجسد والوعى الجمعى فى الطريق إليه) عرضة لهجوم مؤسساتنا السلطوية الدينية و سخرية المثقفين المميكنين على حد سواء، كما أصبح التصوف المعرفى الإبداعى السمح الرحب، عرضة للانقضاض عليه من قوى العولمة الخبيثة ليروجوا – تحت لافتته-  تسامح استسلامى محلى وعالمى،  لصالح المافيا المتكاثرة بالأموال،  المتطاولة فى الظلم والقتل وتشويه العقل البشرى، والحس الإيمانى، جنبا إلى جنب مع إزهاق الأرواح، وسرقة الثروات، كل ذلك بمباركة ما يسمى العولمة، وتسويق الفوضى، لاستكمال السيطرة على العالم ودفعه للتسارع إلى العدم.

 سأل صاحبى: فنحن أحوج إلى ماذا الآن إذن؟ قلت نحن أحوج إلى العدل الذى يفرخ الإبداع، أرقى مستويات المعرفة، بديلا عن الشعارات والمواثيق المستوردة التى تستعمل من الظاهر لصالح مخططاتهم. قال: يعنى ماذا؟ قلت: حتى التصوف الجهاد المعرفى الأكبر، يريدون أن يسوقوه باسمهم تحت رعايتهم فى سوبرماركت العولمة، بعد أن يلصقوا عليه لافتات جديدة، مثل التسامح (الرخو)، والفوضى (إياها) وحقوق الإنسان (تبعهم)، وهم يغلفون كل ذلك فى أوراق الطاعة البلهاء باسم التصوف المعدّل، .قال: ألهذا تنفى عن نفسك دائما صفة التصوف، قلت: نعم، وقد تمنيت  مؤخرا أن نجد لهذا السعى الكدح المعرفى اسما سريا حركيا آخر، بحيث يفاجؤون وهم يرون نتائجه لنا ولهم جميعا، فلا ينقضون عليه يشوهونه قبل أن نمتلك وسائل تسويقه. هيا معا.

قال: إلى أين؟

قلت: كما خلقنا الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *