الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / نجيب محفوظ: قراءة فى أحلام فترة النقاهة نص الحلم (4)

نجيب محفوظ: قراءة فى أحلام فترة النقاهة نص الحلم (4)

“يومياً” الإنسان والتطور

1 – 11- 2007

نجيب محفوظ: قراءة فى أحلام فترة النقاهة

نص الحلم (4) 

بهو مترامى الأركان متعدد الأبواب خال من كل شئ فوقف ثلاثتنا فى ركن مكنون، صاحباى يرفلان فى كامل حليتهما حتى رباط العنق على حين اكتفيت أنا بالجلباب المغربى ودون شعور بأى حرج لشدة الألفة التى تجمعنا، سمعت حركة، نظرت فرأيت رجلا لا أدرى من أين جاء فى ملابس رسمية توحى بأنه ممن يشرفون على الحفلات تلففت فى جلبابى وقلت لصاحبى:

أخاف أن تقام حفلة!

فقالا بالتتابع

لا أظن

لا أهمية لذلك..

وجدت حركة أخرى فنظرت فرأيت رجلين ماثلين للأول قد انضما إليه فزال كل شك وهربت إلى أقرب باب وفتحته وكأنى (ولكنى؟) وجدت وراءه سداً من جدار البهو فكررت المحاولة مع الأبواب جميعا وخاب مسعاى كالمرة الأولى رجعت إلى صاحبىّ واندسست بينهما كأنما أستتر بهما.

وطمأننى بعض الشئ أن الرجال الثلاثة لم يعيرونا أى التفات

 وتتابعت الحركات وانهمر سيل من المدعوين من كافة النواحى.

وأخذوا يملأون المكان دون أن ينظر نحونا أحد مركزين أبصارهم فى ناحية واحدة فلم نملك إلا أن نفعل فعلهم وبدأ فجأة شخص جليل فى هيئة الزعامة فتعالت قعقعات الهتاف. وكلما تقدم الرجل خطوة اشتد الهتاف ولكنهم حذروه فى الوقت نفسه من السير نحو الباب الذى بدا أنه يقصده وقلت لصاحبى:

سيفتح الباب عن سد لا منفذ فيه.

وتقدم الزعيم وسط هتاف متصاعد وتحذير مستمر حتى فتح الباب ودخل مختفيا عن الأنظار.

القراءة

صعبُ هذا الحلم

 (أحسن)

لا أريد أن أقرأه ناقدا

(من حقك)

من يقرؤه إذن

(أنت مالك – دعه يصل إلى أصحابه بدون نقد).

لكن محفوظ لم يكن ليوافق على ذلك:

على  أن تهمل أعماله تحت زعم أنها عصيّة على النقد.

لا يحيى النص إلا النقد، حتى لو لم يصب هدفه.

بعد هذا الحوار الداخلى، عدت اقلب الصفحات اتصفح أغلب الأحلام، وقررت أنه ليس لزاما علىّ أن أنقدها جميعها

عاد المحاور يحتج:

(ولماذا التعميم ، ولماذا القرارات المسبقة أصلا؟) .

القراءة:

أشرت فى قراءتى  للحلم “3”  كيف انتهى “بثلاتهم” وهم ينظرون “وقد غلبهم والحزن والصمت “

هنا نقابل أيضا: ثلاثة، وثلاثة، (ليسو هم بداهة، أو قد يكونون هم !) وجمهور غفير،  وحركات ذات إيقاع!

الثلاثة الأُوَل: ينتمون إلى الناس

والثلاثة الآخرون:  ينظمون الحفل الغامض صاحبه ومناسبته معا

المسرح:

 بهو مترامى الأركان متعدد  الأبواب

موقع الثلاثة الأول: ركن مكنون

لماذا؟

أليسوا من المدعويين؟ أليسوا من أهل الدار؟ هل هو ركن الفرجة أم الانتظار؟

الملابس: اثنان من هؤلاء الثلاثة فى كامل حليتهما حتى رباط العنق، أما الراوى فهو يكتفى بالجلباب المغربى  (ولايتحرج من لباسه  لشده الألفة التى تجمعه مع صاحبيه).

الحركة:

الحركات تنبثق على المسرح، وكأنها تتخلق فيه،

 حتى حركة الزعيم نرى نهايتها لكننا لا نرى بدايتها.

الحركة الأولى: “سمعت” حركة: (الحركة عادة تـُرى أكثر مما تسمع!) “ويظهر رجل”؟؟ (المشرف على تنظيم الحفل فى ملابسه الرسمية).

الحركة الثانية: “وجدت” حركة: (الحركة لم تسمع ولم ترَ هنا، لكنها “توجد”)، رجلان انضما إلى الرجل الأول مساعداه، ربما.

الحركة  الثالثة: الراوى يهرب إلى أقرب باب.

الحركة الرابعة: الراوى يرجع إلى صاحبيه بعد فشل محاولة الهرب ليندس فيهما، يختبىء بينهما / يستتر بهما (مِـنْ ماذا؟)

الحركة الخامسة: يظهر الشخص الجليل فى هيئة الزعامة

 الحركة السادسة: يسير الزعيم نحو الباب الذى كان مغلقا، ولكن الباب يثبت أنه ليس كذلك بالنسبة لهذا الزعيم.

 الحركة الأخيرة: يمضى الزعيم دون أن يلتفت إلى الجمهور حتى لرد التحية، يمضى نحو الباب المغلق ليفتح له دون غيره ويختفى فيه، وراءه.

التساؤل الأول: لماذا يخاف الراوى أن تقام حفلة؟ هل هو يخجل من اختلاف ملبسه  فى حفل يبدو أن الدخول فيه بالملابس الرسمية ؟ لكنه وجد هو وصاحبيه قبل أن يكون ثم حفل أصلا؟ ثم ما دلالة ملابسه المغربية الفضفاضة؟ هل هى الهـٌوِيّةْ الخاصة يتمسك بها ولا يخجل منها، أم  التخلف أم البدائية أم ماذا؟

وهل اختلاف الملبس هذا كاف أن يبرر هرب الراوى فور تيقنه من أن الحفل الذى كان يخشى أن  يقام هو سيقام فعلا فى البهو المترامى الأركان؟

ثم بدا لى أنه  هرب الخائف لا الرافض ولا الساخط،  هرب مذعور بلا مبرر. 

ثم يتبين لنا أن الحفل لزعيم لا يبالى بأتباعه المدعويين الذين توافدوا تباعا- وهم  الذين يبدو أنهم كانوا فى انتظاره منقذا أو قائدا ، المهم أنه “الزعيم المنتظر“، هل هو المهدى المنتظر أم المسيخ الدجال؟ (عامة الشعب) خاصة مع جوعهم إلى الساحر المنقذ  القادم يهتفون لأملهم الذى تحقق دون أن تتاح لهم فرصة أن يختبروه ؟

لكن الزعيم (أو من هو فى هيئة الزعامة) منفصل عنهم ، لا يشعر بهم أصلا فيمضى – بما فى رأسه  مما لا نعرف– إلى هدفه المجهول، فتقتح له الأبواب الموصدة، التى تفصله أيضا عن الناس.

تحذير الجماهير له ألا يمضى إلى طريق مسدود  لم يصلنى على أنه  حرص عليه أن يصاب بالإحباط مثل الراوى، ولكنه بدا لى نوعا من محاولة  استبقائه بينهم ، ربما: حتى يتيقنوا من ظهوره واقعا ماثلا،أو يتحققوا من دوره ، هل هو المنقذا المنتظرا  أم المسيخ الدجال؟

لم نلاحظ فى الحلم استجابة الزعيم للهتاف، ولا تجاوبه مع الأبصار الشاخصة، ولا احترامه لتحذيرالجماهير حتى لو كان ذلك  رغبة منهم فى استبقائه لما سبق ذكره،  الزعيم يمضى فى طريقه دون الناس،

ليختفى عن الأنظار قبل أن يقام حتى الحفل.

حضرتْنى صورتان وأنا أتأمل  هذا الاختفاء

صورة باب الهرب إلى سلم الحريق (كما فى الفنادق المؤمنة) من الباب الخلفى، وهى تستعمل ليس فقد عند الحريق، وإنما عند الإنذار به أو توقعه،

أما الصورة الأخرى فقد حضرتنى بالمصادفة البحتة، وهى  صورة هرب “هرمان هسه ” وهو يصعد إلى القطار الذى رسمه على حائط سجنه، تاركا الحراس وراءه وهو يختفى فى القطار مع الصورة فى النفق المظلم، ليترك الحراس “واقفين تغمرهم حيرة كبيرة”!

خيل إلى أن اختفاء الرجل “فى هيئة الزعامة”  يحمل المعنيين معا،  فهو هرب من حريق محتمل، حتى دون أن يحدث فعلا، وهو فى نفس الوقت هرب إلى حلم فى ذهنه بديلا عن واقع لم يخبره بما هو، وهذا غير هرب هسه من واقع اعتبره أقل واقعية من واقعه الإبداعى الذى يخلـّقه بنفسه.

…..

ثم إننا لم نعرف حتى انتهاء الحلم شيئا كافيا عن تفاعل  الجماهير (المدعويين)  إزاء سلوك هذا الذى هو “فى هيئة الزعامة”، والذى  لم يظهر إلا ليختفى، حتى دون أن ينتبه لقعقعات هتافهم..

هل سنظل وقوفا ننتظر الزعيم التالى؟

 ومن يضمن أنه سوف يكون  زعيما حقيقيا، وليس فقط “فى هيئة الزعامة”؟

وترك لنا محفوظ الحلم الإبداع مفتوحا، لنقرر نحن ماذا نفعل؟

هل سيخلع الراوى لباسه المغربى الفضفاض، ليرتدى الملابس الرسمية، ويختنق برباط العنق؟ فلا يخشى إقامة أى حفل، أيا كانت طبيعته أو دوافعه، أو صاحبه، ما دام ارتدى ما يرتديه الآخرون المتلزمون بالملابس الرسمية؟ 

هل سيجمع منظمو الحفل مناضدهم وكراسيهم وزينتهم بعد أن انتهى الحفل قبل أن يقام؟

هل ستفتح الأبواب المغلقة فى وجوه عامة الناس ، أم ستظل مغلقة دونهم ولا يسمح لعبورها، أو الهرب منها، إلا للزعماء  الذين قد يثبت أنهم ليسوا إلا “فى هيئة الزعامة “؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *