الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / من كتاب “من حركية الجنون إلى رحاب الناس” (مرورا بالعلاج الجمعى) الفصل الأول: “‏ملامح المنهج، والتعريف بالحالة” (1 من ؟)

من كتاب “من حركية الجنون إلى رحاب الناس” (مرورا بالعلاج الجمعى) الفصل الأول: “‏ملامح المنهج، والتعريف بالحالة” (1 من ؟)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 11-9-2021

السنة الخامسة عشر

العدد: 5124

من كتاب “من حركية الجنون إلى رحاب الناس”  (1)

(مرورا بالعلاج الجمعى)

استهلال:

“..إن المريض النفسى (فيما عدا الأمراض العضوية التشريحية) يهدف بمرضه إلى إبلاغ رسالة ما، لكنه يفشل فى توصيلها وتفعيلها، وبالتالى أنه يمكنه – وعليه – أن يسهم فى عملية شفائه بالمشاركة فى إعادة تشكيل ما اختلَّ فيه: مواكبةٌ مع نفس العملية التى يشارك فيها المعالج وهو ينمو ويزداد حذقا، وهى بعض مبادئ أساسيات ما أسميـتـــُـه “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى”.

****

الفصل الأول

‏ملامح المنهج، والتعريف بالحالة (1 من ؟)

توضيح مبدئى:

ابتداء، لم أجد مفرا من أن أقدم “نصوص” الحالات باللغة المصرية العامية، الأمر الذى يشعرنى بالحرج لأننى أفضل التواصل مع ثقافتى العربية الأوسع، لكن ما باليد حيلة: هكذا يتكلم مرضاى، وهم يمرضون بلهجتهم، فيعالجون بها، لكن ما يبرر لى المضى قدما فى هذا الاضطرار هو أملى أن تكون الأفلام والمسلسلات المصرية قد قامت وتقوم بالواجب فى كسر هذا الحاجز (المزعوم) عند اخوتنا العرب إن شاء الله.

تعريف الحالة  (2) والأبجدية الخاصة:

من محمد “طَرْبَقـْهـَا”، إلى محمد “فرْكِشْنِى”،

  إلى محمد “دِلْوَقـْتِى”

 مقدمة:

(عن تعدّد من هو محمد (المحمـّـدِين، والتعريف بهم)

أولا: محمد طربقها: 11-9-2021-1

  • تستعمل كلمة “طَرْبَقـْهـَا” عموما بمعنى حطـَّمـَهـَا وكسَّرها وأتلفها، لكنها تستعمل عند “الصنايعة” المصريين المهرة بمعنى إيجابى يكاد يفيد عكس ذلك تماما، فهم يستعملونها تعبيرا عن سرعة الإنجاز ومهارة “تقفيل” مهمة معينة بسرعة فى وقتها أو حتى قبل موعدها، وقد كان مريضنا محمد، يتصف بكل هذه الصفات الإيجابية حالة كونه يعمل نقـّاشا، فسُمَّى كذلك “محمد طربقها”: اعترافا بقدراته على الإنجاز المتواصل وهو يصل النهار بالليل، لينتهى من عمله على أكمل وجه، وبذلك يزيد بعض الشىء من أجره وهو فى أمس الحاجة إليه، وكان الأسطوات والمقاولون يتنافسون لتشغيله معهم لهذه الأسباب، حتى أُنْهـِك، وقد أطلقوا عليه هذاالاسم اعترافا بجـَلـَدِه وقدراته، وكان هو فخورا بهذا الاسم ممتنا حين نناديه به، حتى وهو فى مرضه بعد أن عجز عن هذا الإنجاز المتميَّز، لهذا سوف نلاحظ أن المعالج الأساسى كان يناديه به مرارا أثناء اللقاءات والحوارات العلاجية.

  • أما محمد فركشنى”  11-9-2021-2

  •  فهو الاسم الذى أطلقه المعالج أثناء حواره مع محمد طربقها، ربما بغرض أن يبين له كيف أنه لم يستطِعْ أن يواصل مثابرته وإنجازاته حتى أنهك، فاضطـُرّ داخله أن يختار هذا التفكك البادىء الذى يبدوا أنه لحقه بميكانزمات مرضية أخطر: بتكوين الهلاوس والضلالات والخيالات التى سيأتى ذكرها فى عرض الحالة ومتابعتها، فاستعمَل المعالج ضمير المتكلم “فركشْنـِى” وليس ضمير الغائب (فركشْهَا قياسا على طرْبَقْها) ربما ليوصّل لمحمد – ولنا- أنه حين لاح له المرض حلاًّ فى أعمَق منه وجوده، فرضىَ به كاستراحة لم يكن يعرف مدى خبثها (كل ذلك تم باختيار أعمق بلا وعى ظاهر) أى أن ذلك كان باختيار نسبى، أى أن الفرض المبدئى يقول: إنه حين اختار أن يتفكـَّكَ ليلتقط أنفاسه، كان يتصور أنه تفكيك إلى رجعة يعاود فيها الكفاح بطريقة أكثر رحمة ورؤية، لكن الأمر خرج عن حدود اختياره بدرجة اضطرته إلى اللجوء إلى مزيد من الميكانزمات الخطيرة لتحقيق درجة من التماسك – مهما كانت مرضية – درجة قد تمكـِّنه – ولو مرحليا- أن يؤجل  التدهور، وقد أجـَّلتَ هذه الميكانزمات التدهور الأخطر فعلا (المآل السلبى)، لكنها شكـَّـلت مرضا خطيرا جاثما فى نفس الوقت، أرجو أن نكون قد لحقنا به فى محاولة إعادة التشكيل قبل أن يستشرى!

  • ثم يأتى اسم “محمد دلوقتى” وهو مفاجأة هذه الحالة، وكلمة “دلوقتى” فى العامية المصرية تعنى “حالا” و”فورا” و”الآن” معا، إن الذى صكّ هذا الاسم  كان أحد أفراد المجموعة العلاجية التى التحق بها محمد منذ كان بالقسم الداخلى ثم أكمل فيها بعد خروجه، وحكاية صك هذا الاسم جرت كالتالى:

كان محمد يصرّ من أول مقابلة مع المعالج أنه يريد أن “يرجع زى الأول“، أن يعود كما كان، وكان عنده حق طبعا، خصوصا مع تقدير زملائه و”الأسطوات” و”المـِـعـَـلـِّـمين” له  “كماكينة عمل” بالوصف السالف الذكر، وكان المعالج يصر أن الهدف الأوْلـَى أن نسعى إليه، والأضمن لتجنب النكسة، هو أن نستفيد من خبرة المرض لنخرج منها بموقف آخر من الحياة والعمل والعلاقات، موقف له عمر افتراضى أطول وبُعدٌ إنسانى أعمق، وكان محمد يوافق على الخطوط العريضة دون استفسار لحوح، لكنه سرعان ما يعود للإصرار على رغبته فى أن يعود “كما كان“، وحين ينبهه المعالج أن ما كان، هو ما يمثله “محمد طربقها”  وهو الذى أدّى إلى ما نحن فيه من كسرة ومرض ومعاناة، كان محمد  يقاوم مقاومة شديدة ويصر عادة     – فى نهاية النقاش – على أن يرجع كما كان: نفس “محمد طربقها” الذى كان يفخر بكفاءته ويعتمد عليه زملاؤه.

………..

ونكمل غدًا التعريف بالحالة

 

[1] – يحيى الرخاوى “من حركية الجنون إلى رحاب الناس .. (مرور بالعلاج الجمعى)” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2019)

[2] – محمد اسم مستعار، قد يكون أحمد أو محمود أو مجدى، أنت وما تشاء، لكننى اخترت محمد لشيوعه دون تمييز.

 

admin-ajaxadmin-ajax (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *