الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / من كتاب “من حركية الجنون إلى رحاب الناس” (مرورا بالعلاج الجمعى) الفصل الثانى “بداية المشاركة فى العلاج الجمعى” (7 من ؟)

من كتاب “من حركية الجنون إلى رحاب الناس” (مرورا بالعلاج الجمعى) الفصل الثانى “بداية المشاركة فى العلاج الجمعى” (7 من ؟)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 2-10-2021

السنة الخامسة عشر

العدد: 5145

من كتاب “من حركية الجنون إلى رحاب الناس” (1)

(مرورا بالعلاج الجمعى)

الفصل الثانى

“بداية المشاركة فى العلاج الجمعى” (7 من ؟)

 مقدمة:

أواصل تقديم هذه الحالة بصعوبة بالغة، وحين تتجسد لى هذه الصعوبة بشكل يكاد يوقفنى أتساءل: هل يمكن أن يصل إلى من يقرأ ما أحاول تسجيله مما يصل إلينا مع المرضى، ومنهم، سواء فى المقابلة الثنائية أو عرض الحالة أو العلاج الجمعى؟ وتأتينى الإجابه كما ذكرت سالفا بالنفى، ومع ذلك أواصل، وما لا يدرك كله لا يترك كله، وأحاول أن أوفّق بين موقفى وعندى ما يبرره حتى لا أعطى التشخيص أكثر من حقه، وبين ما اعتاد عليه الزملاء وبناتى وأبنائى من توصيف وتقسيم.

قلت من البداية أن متابعة هذه الحالة شملت بضعة أسابيع فى القسم الداخلى، ثم حوالى سنة مشاركا فى العلاج الجمعى، وكنت أود أن أتجنب أن يكون التشخيص مثبتا من البداية لكن ألح علىّ بعض الزملاء أن هذا من حقهم، ومع عدم اقتناعى لم أهرب بعيدا احتراما لرغبتهم.

بعد المقابلة الأولى قمت بتوصية لمحمد (2) بالالتحاق بمجموعة العلاج الجمعى الجارية بالقسم مع مرضى من العيادة الخارجية تمهيدا للخروج لمعاودة عمله مع الاستمرار فى المجموعة، وكان الالتحاق  بالمجموعة متأخرا استثناءً بعد بدايتها بشهور، لكننى اضطررت إلى هذا الاستثناء حين قدّرت شدة حاجته إلى الدخول إلى الوعى الجماعى الذى يمكن أن يحول دون تمادى المسار السلبى، فضلا عن احتمال أن يسهل له إعادة التخليق أسرع.

التحق محمد بالمجموعة وهو مازال نزيلا بالقسم الداخلى وكنت حريصا على سرعة عودته إلى عمله فى أقرب وقت حتى يستطيع أن يستعيد علاقته بالواقع وبالالتزام، وعملا على التقليل من المكسب الثانوى السلبى بهذه الراحة المحميّة فى القسم، التى ليست راحة، وطبعا كما كان المنتظر، وحتى يستطيع أن يواصل مسيرة العلاج على أرض الواقع، كان عليه أن يرتدى شخصية “محمد طربقها” ولو من الظاهر مع وجود الدعم النفسى الجديد والتداوى بالعقاقير (النيورولبتات الجسيمة أساسا مع قليل من مضادات الاكتئاب برغم فرط الألم ووجود الاكتئاب).

 أول مشاركة لمحمد:

فتحى: (ينتبه إلى احتمال سرحان محمد طربقها في المجموعة)، محمد إنت معانا ولا سرحان فى حاجه تانيه

محمد طربقها: لأه، معاكوا

فتحى: طيب هما بيتكلموا فى إيه

محمد طربقها: معرفش

فتحى: أمّال معانا إزاى

محمد طربقها: أنا سامعهم بيتكلموا عن الجنان والجنون

فتحى: آه، وبعدين؟

محمد طربقها: بس هما بيتكلمو كده وخلاص

فتحى: وانت إيه رأيك فى الجنان ده

محمد طربقها: أنا مش شايف فيه جنان

د.حمدى: (محمد) بُصّ يا محمد اللى بيكلمك أنت عارف إسمه ولا لأه

محمد طربقها: لأه

د.حمدى: أسأله على أسمه

فتحى: فتحى

محمد طربقها: أهلا وسهلا بيك

فتحى: وانت قلت إيه فى الحكاية دى

محمد طربقها: أى إنسان لازم يكون فيه نسبة من الجنان

فتحى: نسبه من الجنان؟ طيب أنت شايف الدكتور حمدى فيه إيه

محمد طربقها: إنسان كويس يعنى عادى قاعد محترم مافيهوش أى حاجه خالص، حاشوف إيه يعنى، وبعدين أنا ماعشرتهوش علشان أعرفه

فتحى: مش مشكله الإنسان بيتعرف من عينيه

محمد طربقها: يبان يعنى من أول مرة؟

فتحى: آه

* يوجد احتمال أن السماح بكل هذه التفاعلات التى شملت أعضاء فى المجموعة، كما شملت طبيبا متدربا، قد مهدت أن تجعل من الجنون داخلنا حقيقة مقبولة للجميع بما فى ذلك مريضنا، وربما أسهمت هذه الإضاءة فى تنشيط حركية الوعى أو دعم بصيرة داخلية لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بما تم فى المقابلة الأولى، ونلاحظ أيضا أن أحدا لم يحاول أن “يقنع” الآخر برأيه، ويبدو أن ما يصل بالتفاعل هو مواز ومكمّل وربما أعمق مما يصل بالكلمات، وحتى “سرحان” محمد الذى لاحظه فتحى يمكن أن يكون دليلا على أنه قد وصله من خلال تنشيط الإدراك ما جعل انتباهه الإيجابى ينسحب دفاعا دون أن ينفى مواصلة انتباهه السلبى كما تبين من حواره اللاحق مع فتحى.

د. يحيى: إنت عارف يا محمد مين اسم من أسامى اللى قاعدين دول؟

محمد طربقها: عارف بس الدكتور حمدى

د.يحيى: بس؟!!

محمد طربقها: آه

د.يحيى: وانا؟

محمد طربقها: وعارفك إنت طبعا

د.يحيى: وفتحى؟

محمد طربقها: والدكتور هشام (3)

د.يحيى: لأه جوه الدايره الدكتور هشام مش معانا فى المجموعة

فتحى: إحنا هنا فى دايرتنا إحنا مالكش دعوة بالدايرة اللى برّه

د.يحيى: عرفت أسامى مين

محمد طربقها: معرفش غير الدكتور حمدى بس والدكتور يحيى

د.يحيى: بس؟؟ يعنى ماسمعتش حد بينادى اسم حد هنا وأنت قاعد ولو بالصدفة، اسم الدكتورة ولاء مثلا.

محمد طربقها: آه عارفها

د.يحيى: طيب ماقولتهاش ليه ما دام إنت عارفها

محمد طربقها: ما أنا عارفها

د.يحيى: ماقولتهاش ليه ضمن اللى إنت عارفهم

محمد طربقها: جايز نسيت بقى

*  من أبسط الآليات التى نقيس بها انتباه وعلاقات (وليس بالضرورة: ذاكرة) المشاركين معرفة اسماء الحضور، والأرجح هنا أن محمد كان غير منتبه أكثر منه ناسيا، ويمكن مقارنة انتباهه السلبى فى الجروب بحدة انتباهه الإيجابى أثناء حواره مع د. يحيى أثناء المقابلة قبل أسبوع واحد، علما بأن قاعدة “أنا-إنت” تتوثق بذكر اسم المخـَاطـَب ما أمكن ذلك، كما  أن إعلان الإسم يحدد المخـَاطـَب، وأيضا قد يدل على نوع العلاقة مثلا إن كان يعلنه مجردا، أم بسبقه بلقب أو صفه أو يكنـّيه باسم ابنه كالتالى:

د.يحيى: طيب حاول تعرف أسامى الباقيين

محمد طربقها (متجها إلى هدى): إسمِـك إيه؟ أم محمود؟

فتحى: لأه هدى

د.يحيى: إشمعنى يا فتحى، مش نحمد ربنا إنه فاكرها، ما إحنا مره بنقول لها كده ومره كده 

فتحى: لأه إحنا هنا ودلوقتى، أم محمود ديه فى البيت

د.يحيى: مين اللى حط القواعد دى؟ إنت بتحط قواعد على مزاجك؟ هنا أم محمود، وهدى برضه، كل واحد زى ما يشوف

فتحى: لأه هنا هدى بس

د.يحيى: إيه هو ده

فتحى: آه

*  يلاحظ هنا حدّة فتحى وقوة إصراره ومحاولة فرض رأيه ليس فقط على محمد طربقها، ولكن على المدرّب نفسه، ثم تزايد سرحان محمد طربقها برغم هذه المحاولات حتى بدا وكأنه يريد أن يعمق السرحان لينفصل عن الجارى، كما بدا وكأنه يهم بالقيام نحو  القسم الداخلى (وكان ما زال مريضا داخليا بالقسم)، وقد التقط ذلك المدرب فتحول إليه يعرض عليه ترك المجموعة، وخاصة أن هذه أول جلسة، وهذا تكنيك يتبع أحيانا لتأكيد بنود الاتفاق المبدئى على خطة العلاج وتعميق قرار الرغبة فى مواصلة الانضمام للمجموعة بعد معايشة عينة من طبيعتها وما يجرى فيها.

د.يحيى: يا محمد يا ابنى، انت خدت بالك لما فتحى لاحظ سرحانك، شدك من ودانك، أنت عايز تقعد معانا ولا تمشى؟

محمد طربقها: لأه قاعد

د.يحيى: خليك قاعد، طب قاعد ليه؟

محمد طربقها: أنا قاعد، عايز أقعد

د.يحيى: قاعد ليه ماتقدر تمشى

محمد طربقها: ما أنا لو عاوز أمشى حامشى بس أنا قاعد

د.يحيى: …. يا محمد: أى واحد بيخش هنا جديد بنعمل إتفاق معاه، زى ما عملت معاك وقلت لك، القواعد، وممكن نأكد الاتفاق بأننا نحاول نطفشه من الأول، الاتفاق إنك بعد ما تخرج من القسم تيجى كل يوم أربع الساعة سبعة ونصف الصبح، وبنخلص الساعه تسعة إلا خمسة ونسيب خمس دقائق للأسئله والأدوية، وده كل أسبوع سواء كنت فى القسم أو بره القسم، كل يوم أربع حاتنفذ ده ولا لأه

محمد طربقها: حانفذه

د.يحيى: حاتفذه وأنت مبلـِّم كده؟ إنت فاكر يوم الخميس لما كنا مع بعض؟

محمد طربقها: آه فاكر

د.يحيى: كنت أول المقابله مبلّم بالشكل ده، وبعدين قربنا من بعض والمسائل مشيت، إنت جاى النهارده هنا مبلّم تبليمة فظيعه، النهارده زى أول المقابلة يوم الخميس.

محمد طربقها: علشان أنا أول مرة  ثم إنى حاسس إنى لاقى نفسى دايخ

د.يحيى: عندك حق لحد ما تتعود، أنا قلت لك بنود الكونتراتو حاتنفذها ولا لأه

محمد طربقها: حانفذها

د.يحيى: خلاص اتفقنا، وخليك فاكر إن الكرسى اللى أنت قاعد عليه ده فيه مريض زيك يستحقه، فيه ناس محتاجين الكرسى ده يامحمد أنا مش ضامن إنك حاتنفذ الاتفاق خالص وانت بالشكل ده، إيه اللى حايخليك تنفذه إلا إذا وصل لك حاجة تحرص عليها وتجيلها

* هذا التوضيح المبدئى هو بمثابة المذكرة التفسيرية للاتفاق العلاجى، وحين يعلن هكذا أمام بقية أفراد المجموعة لكل قادم جديد تعتبر المجموعة شاهدا عليه وتسهم فى تنفيذه، وعلى الرغم من أن محمد كان لايزال بالقسم إلا أن الاتفاق كان باعتبار أنه سوف يخرج من القسم بعد يوم أو اثنين وهذا ما صعَّب الحوار بعد ذلك

محمد طربقها: بس أنا شايف نفسى إنى أنا لسه تعبان، …. تعباااان

د.يحيى: وحاتنيك تعبان زى ما اتفقنا لحد ما تعدى بالسلامة، كل واحد من اللى قاعدين دول تعبان، اللى بقاله سنه واللى بقاله عشرة.

محمد طربقها: أنا مش عاوز أمشى من المستشفى إلا لما ألاقى نفسى

د.يحيى: لأه مش بكيفك ، احنا مش بتوع أدوّر على نفسى، والاقى نفسى

محمد طربقها: لا لما ألاقى نفسى الأول

*  تعبير ألاقى نفسى من التعبيرات الشائعة عند كثير من المرضى، وأيضا عند العاديين، وخاصة فى فترة المراهقة، وهو من التعبيرات التى يقابلها هذا العلاج يتحفظ حتى الرفض إذا تكرر وأعاق، وأنا أميل إلى اعتباره تعبيرا مستوردا، ولا أجد فى ثقافتنا الخاصة، وبالذات فى الثقافة الشعبية (وأفراد هذه المجموعة يمثلون هذه الثقافة) لا أجد له شيوعا، وإنما الشائع عند هذه الثقافة هو تعبير “أفضفض”، و”أطلع اللى جوايا”، وهذا يتفق بشكل ما على الحرص على البحث عن الأسباب، وهذا ما يحاول أن ننبه إليه من أن هذا العلاج لا يركز على ذلك أصلا، وهذا من البداية، وقد نعود إلى تكرار التنبيه حتى لا تنقلب المسألة إلى تفريغ وفك عقد، حتى وصل بنا الحال أن نعتبر أن كلمة “لماذا” فى هذا العلاج الجمعى كلمة سيئة السمعة (4).

محمد طربقها: أنا قاعد هنا فى القسم علشان عاوز أخف

د.يحيى: ما هو مش على مزاجك، غيرك محتاج السرير زى ماغيرك محتاج الكرسى ده

محمد طربقها: إزاى دا حقى إنى اتعالج

د.يحيى: أيوه يا محمد بس قعادك فى المستشفى له حدود، وانا شايف دلوقتى إن مالهوش أى لازمة، انت حاتخرج بعد الجروب ده، وبعدين تيجى العياده الخارجيه تأخذ شوية حبوب زيك زى التمانين مليون مصرى مفيش حاجه إسمها حاقعد لحد ما أرتاح، دول كلهم 20 سرير و 8 كراسى يا تلحق نفسك وتأخذ الفرصه ديه ياتروح تشوف لك سكة تانية

محمد طربقها: لأه حأخذ الفرصة ديه

د.يحيى: يالاّ خدها، ما إنت أخذتها يوم الخميس، وبعدين رجعت فى كلامك، النهاردة أهه

فتحى: أنت بتشتغل إيه يامحمد

محمد طربقها: نقاش

فتحى: أه

د.يحيى: بصراحة يا فتحى هوّه جدع جدع، وبعدين استُهْلِكْ، وبعدين نخ فى الخط، تقل عليه الحمل بس هو برضه لسّه جدع جدع جدع

فتحى: ما أنا كنت كده يادكتور

د.يحيى: يعنى واحدة واحدة، إنت إتلميت وبقيت واحد مننا لكن هو جدع ولسه فى أول السكة

*  نلاحظ هنا تلازم التأكيد على الشروط، مع ضرورة إحكام التوقيت، ومحاولة منع الاعتمادية الهروبية المعلنة بالرغبة فى البقاء فى القسم الداخلى، وتشريط محمد للخروج منه أن “يرتاح” ليس هو هدف العلاج الأول ولا الأوحد، برغم اصرار محمد عليه ربما من كثرة انهاكه السابق (طربقها) ورعب تناثره اللاحق (فركشنى)

د.يحيى: إنت إستحملت كتير يا محمد وقلت إنه أكتر من الكتير مريار مريار (5)، كتير وأنا موافق بس ده مش مبرر، إنك تترمى هنا فى القسم بقية حياتك، ولا إنك تقعد مبلم كده وانت فى وسطنا

محمد طربقها: أنا مش عاوز أقعد فى القسم

د.يحيى: الحمد لله، بس إستنى يا محمد زى ما استحملت كتير قبل ما تتكسر تستحمل وانت فى وسطينا هنا فيه فرصة جديدة، مثلا فرصة الإحترام هنا ديه فرصة من حقك تلاقيها هنا، مثلا فرصة معاملة المثل، الدكتور يقول عليك مجنون تقول على الدكتور مجنون، أنا أقول على هدى أروبه هى تقول عليّا أروبه

محمد طربقها: بس أنا مش عايز أخرج من القسم

د.يحيى: يا خبر يا محمد، رجعت فى ثانية كده، باقول لك إيه، انت تعمل اللى انت عايزه، إنما مش حتفرض علىّ حاجة ضد مصلحتك، إذا كنت رافض الاتفاق قلت لك تقدر تمشى من الجروب، ومن دلوقتى

محمد طربقها: لأ مش ماشى

*  توجد قاعدة فرعية تسهم فى تدعيم اتفاق الحضور، وهى أنه من حق أى واحد (عادة قائد المجموعة) أن يقترح – أو يضغط فى اتجاه – انصراف أحد الأعضاء فى أى وقت، لكنه قبل أن يفعل ذلك ينبه أنه من حق المطرود ألا يطيع الأمر، وأن يواصل الحضور وأن يعلن أنه سوف يواصل الحضور غصباً عن أمر الطرد حتى لو كان صادرا من قائد المجموعة، وعادة ما يطلب منه فرص ذلك بالألفاظ كما حدث فى المقطع التالى:

د.يحيى: طيب دلوقتى عاوز إيه؟ قعاد فى القسم مش حاتقعد، عاوز إيه دلوقتى ربنا إدّاك الفرصه ديه، حاتعمل إيه؟

محمد طربقها: فى حاجات تعبانى فى جسمى

د.يحيى: ما خلاص عرفناها، إحنا فى دلوقتى إنت عاوز إيه؟ قعاد فى القسم مش حاتقعد

محمد طربقها: حااكمل علاجى

د.يحيى: انت عرفت سكة العلاج واتفقنا

محمد طربقها: طيب، بس أنا تعبت كتير

د.يحيى: لأه، مش حانتكلم فى الماضى تانى، أنا وانت وهنا ودلوقتى، ولا حتى فى المستقبل حاتخرج يعنى وحاتشتغل وتيجى كل أسبوع، أهلا وسهلا

فتحى: (متداخلا) حاخده معايا وأنا ماشى

د.يحيى: عاوزين كلام فيه مسئولية يا فتحى، لحد إمتى حاتخده معاك ولحد فين، حاتروح تِقَعَّدُه مع العيال وتنزل فيه ضرب زى مابتضرب عيالك، ولا حاتأكله وتشغله وتستغله زى ما استغلوه الناس قبل كده، خلينا نتكلم على الأد علشان الإحترام

فتحى: لأه إستنى بس، حضرتك ما هو بدل قعادك هنا يا محمد، دى مش نصيحة، وهنجيبها برضه هنا ودلوقتى بتاخد إيه، بتاخد الحبوب هنا صح، زى مابتأخذها هنا حاتأخذها فى بيتك

* يلاحظ هنا أن فتحى منتبه إلى قاعدة فرعية نستعملها أحيانا حتى لا نبتعد عن “هنا ودلوقتى” وهى أنه “ممنوع النصائح” لأن النصائح عادة ما تكون فوقية كما يكون تطبيقها مؤجلا بعيدا عن “هنا والآن”، لذلك قال فتحى “حاجيبها برضه هنا ودلوقتى”، لكن أيضا نلاحظ أن مبادرات فتحى يمكن أن تفسر بالمشاركة فى دعم القرار العلاجى، لكنها تبدو مفرطة فى الاقتحام ولا تخلو من لمحة سخرية مع الافتقار غالبا إلى المسئولية الكافية، لذلك على الطبيب ألا يفرح بمثل هذه الموافقات حرصا على جرعة الاحترام والتزاما بمسئولية التوجيه، أما تنبيه الدكتور لفتحى على الأذى الذى كان يلحقه بأولاده وكان هذا من بين الأعراض أثناء حدة تهيجه، فهو ضمن التذكرة بأن المبادرة بالمساعدة لابد أن تقاس بمقاييس موضوعية مناسبة ونحن نقيم مصدرها مثلما نفرح بظاهرها.

د.يحيى: طب خلينا فى دلوقتى يا محمد، الكونتراتو واضح الكرسى ده فيه اللى محتاج له، أنت قاعد عليه يبقى ننفذ اللى نتفق عليه، بس إنما الخففان دا بقى على ربنا، أعمل اللى عليا وأنت تعمل اللى عليك وربنا بيكرم وزملاتنا طبعا كل واحد بيعمل اللى عليه، واللى مش عاجبه بيمشى، هه يا محمد: أنت أول مره تيجى معانا وكلنا عمالين نقول طربقها محمد طربقها عشان ده اسم شهرتك اللى بتحبه، ومصصم ترجع له، بس الظاهر المسألة فيها فصال.

محمد طربقها: فصال فى إيه

د. يحيى: فصال فى الاسم مثلا فيه دلوقتى احتمال محمد الجديد ومحمد الواحد مننا، فيه فرصة إحترام دلوقتى يمكن تخفف شوية القهر والشقى اللى كنت فيه طول عمرك، أهى دى الفرصة اللى باقول لك عليها، هاتاخدها بجدعنه هاتأخذها، ولا لأه أنا تحت أمرك

محمد طربقها: حاخدها

د.يحيى: حاتأخذها دلوقتى، شوف إحنا كنا بنضحك على إيه وإتصاحبنا إزاى يوم الخميس ونكمل من المنطقه ديه لما إحترمنا تاريخك وإحترمنا شقاك وإحترمنا تحملك قرّبنا من بعض، وربنا أكرمنا، أنت جاى مبلم العن ما إبتدينا المره اللى فاتت يوم الخميس، يا ترى وصلك أى إحترام دلوقتى يا ابنى حتى وأنا باشخط فيك

محمد طربقها: وصلنى، لأ حاكمل معاكم

د.يحيى: والله ما انا عارف، بس عموما حاسس إن احنا ابتدينا

محمد طربقها: يعنى

د.يحيى أهلا بيك، بس يا ترى وصلك حاجة طيبة تخليك تكمل، أدى فرصه جديده ربنا أتاحها لنا وليك، يلاّ نبتدى بإنك تختار لك إسم  بلاش، محمد طربقها، إيه رأيك محمد بس، ولا نضيف عليه إسم الوالد، عشان فيه محمدات كتير

محمد طربقها: محمد عبدالله

د.يحيى: أيوه كده، يا محمد عبد الله، كده تمام إيه اللى وصلك بقى من غير أى مجاملات خالص

محمد طربقها: تانى السؤال كده

د.يحيى: ربنا أتاح لك فرصه فيها إحترام وبتقول وصلك حاجة، وعرفت القواعد، “أنا وإنت وهنا ودلوقتى”، عاوز أشوف إنه وصلك حاجة، أى حاجة حلوة تبان على وشك.

* بدءًا من البداية ابتدأ تحريك الذوات التى نتعامل معها بأسماء مختلفة حسب الموقف وبدا أن هذا يلعب دورا فى الحفاظ على التعتعة المناسبة دون الجمود عند ذات محددة ثابتة، وأيضا دون التسليم لأى من الذوات الظاهرة المطروحة سابقا أن تفرض نفسها طول الوقت سواء كانت محمد طربقها وهو الاسم الذى أطلقه عليه زملاؤه ورؤساؤه حتى استنفدوا قواه، أو محمد فركشنى كما اقترح المعالج تفسيرا لاختيار المرض المفسِّخ كبديل، وربما كان الرجوع إلى الاسم الأصلى كما فى شهادة الميلاد مع التذكرة باسم الوالد بديلا عن اسم الشهرة، تلويحا لإعادة البداية التى لاحت لإعادة النظر، وربما لاعادة التشكيل.

ربما.

ما سوف يرد فى المقطع التالى هو ما اخترته أن أقدمه من هذه الجلسة فيما يخص محمد أيضا، وللتذكرة فإننا نتبع قواعد صارمة للمجموعة من أهمها التركيز على “هنا والآن”، والحوار بدون أسئلة أو نصائح و”تجنب البحث عن الأسباب”.

………………….

(ثم نكمل غدًا)

[1] – يحيى الرخاوى “من حركية الجنون إلى رحاب الناس .. (مرور بالعلاج الجمعى)” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2019)

[2] –  ويمكن من شاء الرجوع إلى الحالة كاملة في الموقع Lnik   أو الحصول على النسخة الورقية من منافذ البيع “مكتبة الأنجلو المصرية”  بالقاهرة أو “مؤسسة الرخاوى للتدريب والإبحاث العلمية” بالمقطم.

[3] – الدكتور هشام هو الطبيب المقيم الذى كتب وقدْم ورقة المشاهدة لمحمد طربقها فى المرور التعليمى الذى عرضنا بعدها المقابلة الأولى فى نشرة 26-10- 2015 www.rakhawy.net وهو أحد أطباء القسم الداخلى المسئول عن محمد فى القسم، وهو ليس عضواً فى هذه المجموعة أصلا، لكن محمد يذكره كأنه معنا داخل المجموعة.

[4] – وهذا أيضا رأى “فرتز بيرلز” رائد مدرسة العلاج الجمعى

[5] – لاحظ أن د. يحيى يستعمل نفس نطق محمد فى المقابلة للفظ مليار أنه مريار

 

admin-ajax

admin-ajax (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *