الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ملف الاضطرابات الجامعة (2) اضطرابات‏ ‏البصيرة

ملف الاضطرابات الجامعة (2) اضطرابات‏ ‏البصيرة

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 25-10-2015

السنة التاسعة

العدد: 2977   

  الأساس فى الطب النفسى 

 الافتراضات الأساسية الفصل السابع: 

ملف الاضطرابات الجامعة (2)

اضطرابات‏ ‏البصيرة

مدخل من أصل اللفظ (المعجم الوسيط):

البصيرة هى: قوة الإدراك والفطنة،

البصيرة هى: العلم والخبرة

البصيرة هى: الحجّة

البصيرة هى: الرقيب

البصيرة هى: العبرة

إذن فهى:

 ليست (فقط) حسن التبصر،

 وليست (فقط) دقة التأمل الذاتى (الاستبطان)

 وليست (فقط) أمانة محاسبة الذات

 وليست (فقط) ما يُعرف بالضمير.

 “بَلْ الْإِنْسَان عَلَى نَفْسه بَصِيرَة وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيره .

والبصيرة‏ – ‏فى ‏الطب‏ ‏النفسي‏- ‏تختص‏ ‏بقدرة‏ ‏المريض‏ ‏على ‏فهم‏ ‏حالة‏ ‏مرضه‏ ‏فهما‏ ‏موضوعيا،‏ وعلى ‏الإلمام‏ ‏بطبيعة‏ ‏هذا‏ ‏المرض، ‏وكذلك الالمام‏ ب‏الظروف‏ والمستلزمات ‏اللازمة‏ ‏للبرء‏ ‏منه‏، وعلى مدى إسهامه فى التعاون‏ ‏لتحقيق ‏ذلك‏.‏

ويمكن‏ ‏تحديد‏ ‏ذلك‏ ‏كما‏ ‏يلى‏:‏‏

 ‏يحكم‏ ‏على ‏أن‏ ‏مريضا‏ ‏عنده‏ ‏بصيرة‏  ‏كاملة‏ ‏إذا أمكن الاطمئنان إلى:‏

‏1- ‏أنه‏ ‏أدرك‏ ‏أنه‏ ‏مريض

‏2- ‏وأن‏ ‏مرضه‏ ‏مرضا‏ ‏نفسيا

‏3- ‏وأن‏ ‏هذا‏ ‏المرض‏ ‏يحتاج‏ ‏مساعدة‏ ‏مهنية‏ ‏بطريقة‏ ‏علمية

‏4- ‏وأنه‏ ‏يقبـل‏  ‏التعاقد‏ ‏للمساعدة‏  ‏فى ‏تنقيذ‏ ‏خطةٍ‏ ‏علاجيةٍ‏ ‏مَا:‏ ‏فى ‏محاولة‏ ‏الاتجاه‏ ‏نحو‏  ‏الشفاء‏.‏

ومن‏ ‏البديهى ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏موقف‏ ‏مثالى ‏يصعب‏ ‏تحقيقه‏ ‏وخاصة‏ ‏فى ‏مجتمعاتنا‏ ‏المصرية‏ ‏والعربية،

ويمكن أن يعتبر‏ ‏المريض‏ ‏محتفظا‏ ‏ببصيرته‏ بشكلٍ ما ‏إذا‏ ‏حقق‏ ‏الشرطين‏ ‏الأولين‏.‏

وعادة‏ ‏ما‏ ‏ترتبط‏ ‏البصيرة‏ ‏أكثر بما يتعلق‏ بالحالة‏ ‏الراهنة،‏ ‏لكنها‏ ‏تمتد‏ ‏إلى ‏المستقبل‏ ‏وتسمى “‏بـُعْد‏ ‏النظر”،)(1)(  كما أنها‏ ‏تشمل‏ ‏التعلم‏ ‏من‏ ‏الخبرة‏ ‏السابقة‏ ‏وتسمى ‏”البصيرة‏ ‏فى ‏الماضي”(2)، ‏وتوجد بعض‏ ‏أنواع‏ ‏العلاج‏ ‏النفسى ‏تسمى ‏العلاج‏ ‏النفسى ‏البصيرى ‏بزعم أنها تهدف لتحقيق الشفاء بشحذ البصيرة بالصفات السالفة الذكر.

هذا هو ما ورد – تقريبا- فى المسوّدة الأولى (1992)،

 ثم إنى بعد أن غصت فى محيط “الادراك” (من نشرة 10-1-2012 إلى نشرة 10-3-2013) ثم سبحت فى بحر “الوجدان” (من نشرة 6-7-2014  إلى نشرة 9-2- 2015)، وتعرفت على العين الداخلية (مننشرة 24-2-2012 إلى نشرة 4-7-2012)، وعايشت مزيدا من مستويات وعى أصدقائى ومعلّمى، وقرأت أكثر فأكثر فى نقد الفطرة عامة (نشرة 30-9-2007) و(نشرة 1-10-2007) ثم فى “نقد النص البشرى” خاصة (نشرة 5-7-2015) و(نشرة 20-9-2015)، وذلك من خلال العلاج الجمعى، واجتهاداتى الشخصية، وبعد أن لامست بعض حقائق العلوم الكوانتية (3) الأحدث فالأحدث، وعلاقاتها بكل من الزمن وما تحت الذرة، وبالنيوروبيولجى، ثم محاوراتى مع ربى استلهاما من “مواقف النفرى” ثم مع مولانا النفرى بعد ذلك، (مع أننى كنت أكثر انطلاقا وأمانا مع ربنا)،  بعد كل هذا تعرفت على ما هو أعمق وأشمل عن البصيرة، أعمق وأشمل مما جاء فى المسودة القديمة، فماذا يمكن أن أضيفه الآن؟

لا شىء تقريبا، ومن يرغب أن يعرف علاقتى بالبصيرة الآن عليه أن يرجع إلى كل ذلك، أو بعض ذلك أو على الأقل يصدقنى، ولا يطلب منى توضيحا أكثر.

دعونا نناقش هذه الأصول اللغوية لهذه اللغة العربية التى تمثل لى حضارة كاملة دالة على عبقرية وعى من ابتدعوها عبر القرون حتى شكلوها هكذا (برغم ما آل إليه حالهم).

من حيث اللغة: إذا استوعبنا حضور كل من الإدراك، والفطنة، والعلم، والخبرة، والحجة، والمراقبة، والعبرة معاً (وليس مجرد جمعهم إلى بعضهم البعض) فإنه يمكن التعرف على كيف أحاطت هذه اللغة العبقرية بهذه الكلمة كل تلك الإحاطة(4).

اضطرابات البصيرة:

ثم انتقل – بعد مقاومة- إلى تعداد ما تيسر من اضطرابات البصيرة كما يلى:

1- اضطرابات ‏إنعدام‏ ‏البصيرة‏:

هنا‏ ‏ينكر‏ ‏المريض‏ ‏أنه‏ ‏مريض‏ ‏أصلا‏ ‏وعادة‏ ‏ما‏ ‏يعتبر‏ هذا ‏المريض‏ ‏أن‏ ‏سلوكه هو العادى‏، ‏وقد‏ ‏يعطى ‏تفسيرا‏ ‏لهذا السلوك‏ ‏من‏ ‏وجهة‏ ‏نظره، ‏وقد‏ ‏لا‏ ‏يتطوع‏ ‏بهذاالتفسيرأصلا‏. ‏ويمكن‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏هذا‏ ‏الإنكار‏ ‏مصحوبا‏ ‏بموقف‏ ‏عدوانى ‏يتهم‏ ‏من‏ ‏خلاله‏ ‏من‏ ‏يحاولون‏ ‏مساعدته‏ ‏بالعلاج‏ ‏من‏ ‏الأهل‏ ‏أساسا‏ ‏ومن‏ ‏الأطباء‏ ‏أحيانا‏ ‏بأنهم‏ ‏إما‏ ‏يضطهدونه،‏ وإنما‏ ‏أنهم‏ ‏هم‏ ‏المرضى. ‏وفى ‏حالات‏ ‏معينة‏ ‏مثل‏ ‏الفصام‏ ‏البسيط‏، ‏أو‏ ‏حالات الاضطراب‏ ‏المُراقى)(5)( ‏أو‏ ‏بعـض‏ ‏اضطرابات‏ ‏الشخصية‏ ‏يصاحب‏ ‏هذا‏ ‏الإنكار‏ ‏ما‏ ‏يسمى ‏التبرير‏ ‏المرضي، ‏بمعنى ‏أن‏ ‏المريض‏ ‏يعطى ‏تفسيرا‏ ‏مفصلا‏ ‏وغير‏ ‏صحيح‏  ‏لكل‏ ‏مظاهر‏ ‏السلوك‏ ‏التى ‏يمارسها‏ ‏ويعتبرها الآخرون ‏مرضا‏ أو شذوذا وهو لا يعتبرها كذلك.‏

ومهما‏ ‏كانت‏ ‏البصيرة‏ “‏منعدمة‏” ‏فى ‏الظاهر،‏ فإنه‏ ‏فى ‏داخل‏ ‏كل‏ ‏مريض‏ ‏جزء‏ ‏أو‏ ‏تركيب‏ (‏أو‏ ‏شخص‏ ‏داخلى) ‏يعرف‏ ‏أنه‏ ‏مريض‏، ‏ويتمنى ‏ألا‏ ‏يصدقه‏ ‏الأطباء‏ ‏والأقربون‏ ‏إذا‏ ‏ما‏ ‏أنكر‏ ‏مرضه‏، وهذا‏ ‏الجزء‏ ‏الداخلى ‏هو‏ ‏الذى ‏نراهن‏ ‏عليه‏ ‏فى ‏مجتمعنا‏ ‏حين‏ ‏نخاطبه‏ -‏بشكل‏ ‏غير‏ ‏مباشر‏- ‏ونتعاقد‏ ‏معه سرا‏ ‏فى ‏البداية‏ ‏حتى ‏يظهر‏ ‏على ‏السطح‏ ‏موافقا‏ ‏على ‏العلاج‏ ‏شاكرا‏ ‏ممتنا، وهذا التعاقد الأعمق يرتبط بفكرة أن المرض، بما فى ذلك الذهان، هو اختيار وقرار مهما كان داخليا، وهو “فعل” وليس مجرد “رد فعل”  (نشرة 13-7-2008 زخم الطاقة، والإيقاع الحيوى، واختيار الجنون “1”) و(نشرة 20-7-2008 زخم الطاقة، والإيقاع الحيوى، واختيار الجنون “2”) و(نشرة 25-7- 2008 حوار/بريد الجمعة) ومع الخبرة الإكلينيكية ومن خلال الوعى البينشخصى بين المعالج والمريض يصل إلى المريض أن فى ذلك احترام له وليس اتهاما، لأن من يختار المرض يستطيع أن يختار وبالتالى هو يتضمن دعوة للمشاركة.

‏ 2- ‏الاضطراب‏ ‏النسبى  ‏للبصيرة‏:‏

نعنى ‏بالاضطراب‏ ‏النسبى ‏للبصيرة‏ ‏ألا‏ ‏تكتمل‏ ‏الشروط‏ ‏والمواصفات‏ ‏التى ‏وضعناها‏ ‏فى ‏البداية‏ ‏لما‏ ‏هو‏ ‏بصيرة‏ ‏كاملة‏. ‏ومن‏ ‏ذلك‏ ‏مثلا‏ ‏أن‏ ‏يعرف المريض ‏ -‏ أو‏ ‏يعترف‏- ‏ ‏بمرضه‏ ‏لكنه‏ ‏لا‏ ‏يعترف‏ ‏أنه‏ ‏مرضٌ‏ ‏نفسى ‏أصلا‏،‏ أو‏ ‏أن‏ ‏يقر‏ ‏بمرضه‏ ‏ثم‏ ‏لا‏ ‏يقر‏ ‏بضرورة‏ ‏علاجه‏، أو حتى لو أقر بطبيعة مرضه فهو قد يرفض أن يستمر ‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏وهكذا.

 ‏ويمكن تصنيف‏ ‏بعض‏ ‏التفاصيل‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الصدد‏ ‏على ‏الوجه‏ ‏التالى‏:‏

أ‏- ‏ا‏لإقرار‏ ‏بالمرض‏ ‏دون‏ ‏اقتناع‏ ‏حقيقى: ‏

وقد‏ ‏يحدث ‏مثل‏ ‏ذلك‏ ‏لإرضاء‏ ‏الأهل‏ ‏أو‏ ‏الطبيب‏ ‏أو‏ ‏للتخلص‏ ‏من‏ ‏الموقف، ‏أو لمجرد‏ ‏التعرف‏ ‏عن‏ “‏ماذا‏ ‏بعد‏”، ‏ويتحقق‏ ‏عدم‏ ‏الاقتناع‏ ‏هذا‏ ‏بالمتابعة‏ ‏حيث‏ ‏سرعان‏ ‏ما‏ ‏يتوقف مثل‏ ‏هذا‏ ‏المريض عن‏ ‏التعاون، ‏ويفشل‏ ‏فى ‏الامتثال (6) ‏للخطة‏ ‏العلاجية‏ ‏مبكرا‏، ‏ولابد‏ ‏من‏ ‏التفرقة‏ ‏بين‏ ‏هذا‏ ‏المستوى ‏من‏ ‏الاقتناع‏ ‏المتردد‏، ‏أو‏ ‏الموقوف‏ ‏عن‏ ‏التنفيذ‏، ‏وبين‏ ‏ما‏ ‏يسمى ‏البصيرة‏ ‏المـُذَهـْنـَنـَة‏ (‏المعقلنة‏)(7)‏فالمشكلة‏ ‏هنا‏ ‏ليست‏ ‏فى الاكتفاء‏ ‏بالاقتناع‏ ‏المعقلن‏ ‏عن‏ ‏الاقتناع‏ ‏الوجدانى الإدراكى الكلّى ‏الذى ‏يمكن‏ ‏ترجمته‏ ‏إلى ‏فعل‏ ‏مسئول، ‏وإنما‏ ‏المشكلة‏ ‏هنا‏ ‏فى ‏التردد‏ ‏فى ‏مبدأ‏ ‏الاقتناع‏ ‏وما‏ ‏يترتب‏ ‏عليه‏.‏

ب‏- ‏الإقرار‏ ‏بالمرض‏ ‏ولكن‏ ‏مع‏ ‏تبريره‏ ‏بما‏ ‏لا‏ ‏يقبل‏ ‏المناقشة‏:‏

مثل‏ ‏التبرير بلوم‏ ‏الآخرين‏ ‏وأنهم‏ ‏السبب‏ ‏فى ‏ما‏ ‏أصابه‏، أو إرجاع‏ ‏ظهور المرض إلى أسباب‏ ‏سطحية‏ ‏أو‏ ‏عابرة‏، ‏ويعزى ‏هذا‏ ‏جزئيا‏ ‏إلى ‏ما‏ ‏شاع‏ ‏فى ‏مجتمعنا‏ ‏من‏ ‏سوء‏ ‏فهم لما يعرض عن التحليل‏ ‏النفسى، ‏والتفسير‏ ‏الاجتماعى – المبالغِ فى لوم المجتمع – ‏للمرض‏ ‏النفسى‏، ‏وبالتالى غلبة ب‏السببية‏ ‏الحتمية (8)‏ ‏ ‏التى تذهب إلى ‏تفسير كل‏ ‏حدث أو عرض‏ ‏بما‏ ‏أد‏ى ‏إليه‏ ‏أكثر مما‏‏ ‏هو‏ ‏يعنيه‏ ‏أو‏ ‏يتوجه‏ ‏إليه، “هنا والآن”‏، أو بتعبير آخر أن يتوجه التركيز كل التركيز على “لماذا”، وليس “إذن ماذا”؟

جـ‏ –  ‏الإقرار‏ ‏بالمرض‏ ‏مع‏ ‏عدم‏ ‏الامتثال:

وهنا‏ ‏لا‏ ‏توجد‏ ‏مشكلة‏ ‏فى ‏أن‏ ‏يقر‏ ‏المريض‏ ‏بمرضه، ‏ولكن‏ ‏هذا‏ -‏عنده‏- ‏لا‏ ‏يعنى ‏ضرورة‏ ‏علاجه، ‏أو‏ ‏ضرورة‏ ‏الامتثال‏ ‏لتعليمات‏ ‏العلاج‏ ‏

د- ‏البصيرة‏ ‏بشروط‏:

فى ‏هذه‏ ‏الحال‏ ‏قد‏ ‏يبدو المريض‏ ‏مقتنعا‏ ‏وممتثلا‏ ‏إلا‏ ‏أنه‏ ‏قد‏ ‏يخفى ‏موقفا‏ ‏آخر‏ ‏ليس‏ ‏بالضرورة‏ ‏فى ‏دائرة‏ ‏وعيه الظاهر، ‏وقد‏ ‏يمكن‏ ‏ترجمة‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏الموقف‏  ‏كالتالى: “‏لا‏ ‏أمانع‏ ‏أن تعتبرونى ‏مريضا، ‏وأن أحضر‏ ‏للطبيب‏ ‏للمشورة‏، ‏وحتى ‏أن‏ ‏آخذ‏ ‏بعض‏ ‏العقاقير،‏ ولكن‏ ‏على ‏شرط‏ ‏ألا أتغير‏ ‏تغيرا‏ ‏حقيقيا” ‏وهذا‏ ‏الموقف‏ ‏هو‏ ‏المسئول‏ ‏عن‏ ‏توقف‏ ‏المريض‏ ‏عن‏ ‏الامتثال‏ ‏بمجرد‏ ‏ظهور‏ ‏علامات‏ ‏التحسن‏ (‏وليس‏ ‏العكس‏)، ‏بمعنى ‏أن‏ ‏التحسن‏ ‏المبدئى‏ ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏يدفعه‏ ‏لإكمال العلاج‏ ‏فإنه يصله على أنه:‏ ‏يهدده‏ ‏بالتغيير‏” ‏فيتوقف‏ ‏عن‏ ‏العلاج خوفا من التغير حتى إلى أحسن!!‏  ‏

و- ‏خلل‏ ‏البصيرة‏ ‏بالاحالة إلى أسباب مهزوزة أو مغلوطة‏:

هذه ‏مسألة‏ ‏بولغ‏ ‏فى ‏تقديرها‏ ‏كما‏ ‏ذكرنا‏ ‏من‏ ‏جانب‏ ‏المنتمين‏ ‏إلى ‏الفكر‏ ‏التحليلى ‏أو‏ ‏الفكرالاجتماعي، ‏ثم‏ ‏أضيفت‏ ‏مبالغة‏ ‏أخرى ‏حين‏ ‏شاع‏ ‏أن‏ ‏أسباب‏ ‏الأمراض‏ ‏النفسية‏ ‏لا‏ ‏تعدو‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏خللا‏ ‏كيميائيا‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الموضع‏ ‏من‏ ‏المخ‏ ‏أو‏ ‏ذاك، ويترتب على ذلك التسليم المطلق لفاعلية عوامل خارجية قد تعوق مساهمة المريض فى مسيرة العلاج، وعادة ما يصاحب ‏هذا‏ ‏الاعتراف‏ ‏تفسيرات‏ ‏اختزالية‏ ‏أوسطحية‏،‏ سواء‏ ‏كانت‏ ‏من‏ ‏مصدر‏ ‏عشوائى ‏أو‏ ‏من‏ ‏طبيب‏ (‏أو‏ ‏محلل‏!) ‏متحيز‏ ‏لفرض‏ ‏جزئى، ‏وتعتبر‏ ‏هذه‏ ‏البصيرة‏ ‏زائفة‏ ‏لسببين:‏ فهى ‏لا‏ ‏تقول‏ ‏الحقيقة‏ ‏من‏ ‏ناحية‏ ‏لأن‏ ‏الحقيقة‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏المنطقة‏ ‏لم‏ ‏تُعْرَف‏ ‏بعد، ‏ثم‏ ‏إنها قد‏ ‏تعطل‏ ‏مسيرة‏ ‏العلاج‏ ‏المتكامل‏ ‏حين‏ ‏تـخـْتـِزل‏ ‏المرض‏ ‏إلى ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏التفسير، ‏ومع‏ ‏كل‏ ‏هذا،‏ فيعتبر‏ ‏المريض‏ ‏ذا‏ ‏بصيرة‏ ‏طالما‏ ‏أنه‏ ‏لم‏ ‏يستعمل‏ ‏هذه‏ ‏المعلومات‏- ‏ولو بطريق‏ ‏غير‏ ‏مباشر‏- ‏لتوقيف‏ ‏مسيرة‏ ‏العلاج‏ ‏أو تسطيحها. ومن‏ ‏البديهى ‏أن‏ ‏يشارك‏ ‏بعض‏ ‏الأطباء‏ ‏المريض – دون قصد -‏ ‏زيف‏ ‏هذه‏ ‏البصيرة‏‏ ‏الزائفة‏ خاصة ‏إذا‏ ‏كان‏ الطبيب ‏هو‏ ‏مصدر‏ ‏التفسير‏ ‏الوثقانى ‏المختزل((9))‏. ‏

هـ‏ -‏ خلل‏ ‏البصيرة‏ ‏المستقبلية‏ (‏بصيرة‏ ‏بـُعد‏ ‏النظر‏) )(10):

يعتبر‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏أمرا‏ ‏مشتركا‏ ‏أيضا‏ ‏بين‏ ‏الطبيب‏ ‏والمريض،‏ و‏ ‏يتعلق‏ ‏بشكل‏ ‏مباشر‏ ‏أو‏ ‏غير‏ ‏مباشر‏ ‏بالمآل‏ ‏واحتمالات النكسة‏  ‏واحتمال‏ ‏الإعاقة‏ ‏المتبقية‏، ‏وكل‏ ‏هذا‏ ‏بداهة‏ ‏هو ‏من‏ ‏الأمور التى ‏تتعلق‏ ‏بموقف‏ ‏الطبيب‏ ‏وعلميته‏، ‏‏ومن‏ ‏أمثلة‏ ‏هذه‏ ‏النظرة‏ ‏المستقبلية‏ ‏الخاطئة‏:  ‏التعجل‏ ‏فى ‏الشفاء‏ ‏الكامل، ‏وإنكار‏ ‏احتمال‏ ‏النكسة‏، ‏ورفض‏ ‏قبول‏ ‏أى ‏أثر‏ ‏متبق، ‏وبقدر‏ ‏ما‏ ‏يستطيع‏ ‏الطبيب‏ ‏تصحيح‏ ‏هذه‏ ‏المفاهيم‏، ‏وبقدر‏ ‏ما‏ ‏يتقبل‏ ‏المريض‏ (‏والأهل‏) ‏المعلومات‏ ‏العلمية‏ ‏الموضوعية‏: ‏تكون‏ ‏سلامة‏ ‏ما‏ ‏يسمى ‏بصيرة‏ ‏بعد‏ ‏النظر، ‏والعكس‏ ‏صحيح‏.

ز – ‏البصيرة‏  ‏القطاعية:)(11) 

هنا‏ ‏يبدو‏ ‏المريض‏ ‏حاد‏ ‏البصيرة‏ ‏ولكن‏ ‏فيما‏ ‏يتعلق‏ ‏بجزء‏ ‏دون‏ ‏الآخر‏ ‏من‏ ‏المشكلة‏  ‏المرضية،‏ فقد‏ ‏يُقِرّ‏ ‏أن‏ ‏أفكاره‏ ‏ليست‏ ‏واقعية‏، ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏ما‏ ‏يترتب‏ ‏عليها‏ ‏هو‏ ‏ضرورى ‏لحمايته، ‏أو‏ ‏قد‏ ‏يقر‏ ‏أن‏ ‏مرضه‏ ‏يضر‏ ‏أسرته‏ ‏ولكنه‏ ‏لا‏ ‏يقر‏ ‏أن‏ ‏ذلك‏ ‏يتطلب‏ ‏علاجا‏  ‏أصلا‏، ‏فهو‏ ‏لا‏ ‏يتمتع‏ ‏بأى ‏بصيرة كلية‏ ‏مفيدة‏ ‏فى  ‏أى قطاع حياتى أو سلوكى أخر غير‏ ‏هذا‏ ‏القطاع‏ ‏المحدود‏ ‏من الإقرار بفكرة المرض دون ما يترتب عليها.

‏2- ‏البصيرة‏ ‏الكاذبة‏ ‏أو‏ ‏المموهة‏ (‏بلا‏ ‏فاعليّة‏)‏:

فى ‏هذه‏ ‏الحالة‏ ‏تكون‏ ‏البصيرة‏ ‏كأنها‏ ‏ظاهرة‏ ‏وحاضرة‏ ‏وسليمة‏ ‏تماما‏، ‏لكنها‏ ‏حين‏ ‏تـُختبر‏ ‏فاعليتها‏ ‏نكتشف‏ ‏أنها‏ ‏ليست‏ ‏فقط‏ ‏بلا‏ ‏فاعلية،‏وإنما‏ ‏قد‏ ‏تكون‏ ‏معطِّلة‏ ‏لمعايشة‏ ‏النقلة‏ ‏الحقيقية‏ ‏للتغيير‏ ‏حتى ‏يمكن‏ ‏القول‏ ‏أن‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏البصيرة‏ ‏هى “‏بصيرة‏ ‏سلبية” ‏من‏ ‏حيث‏ ‏جدواها‏.‏

ولهذا‏ ‏النوع‏ ‏تفريعات،‏حسب‏ ‏غلبة‏ ‏وشكل‏ ‏التمويه،‏ يمكن‏ ‏تعداد‏ ‏أمثلة‏ ‏منها‏ ‏كالتالى‏:‏

‏(أ)  ‏البصيرة‏ ‏المعقلنة‏ (‏المذهننة‏)‏:

أحيانا‏، ‏وخاصة‏ ‏أثناء‏ ‏العلاج‏ ‏النفسى ‏الطويل‏  ‏يبدوأن‏  ‏المريض‏ ‏قد‏ ‏اكتسب‏ ‏بصيرة‏ ‏فى ‏حالته‏. ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏الفهم‏ ‏لا‏ ‏ينعكس‏ ‏على ‏تغير‏ ‏حقيقى ‏فى ‏مواقفه‏ ‏الحياتية‏ ‏ولا‏ ‏فى ‏التغير‏ ‏المرجو‏ ‏فى ‏كلية‏ ‏وجوده، ‏فلا‏ ‏يعدو أن‏ ‏يكون‏ ‏مجرد‏ ‏فهم عقلانى‏ ‏للتأويل الذى طرحه المعالج‏ ‏ومتعلقاته، ‏ويمكن‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏فهم‏ ‏المريض‏ ‏لكل‏ ‏هذا‏ ‏صحيح‏ ‏تماما‏ ‏ومع‏ ‏ذلك ‏يظل‏ ‏فهما‏ ‏مع‏ ‏وقف‏ ‏التنفيذ‏ ‏إن‏ ‏صحّ‏ ‏التعبير،‏ و‏قد‏ ‏يتمادى ‏الأمر‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏يصبح‏ ‏هذا‏ ‏الفهم‏ ‏الذهنى ‏معطلا‏ ‏عن‏ ‏استمرار‏ ‏العملية‏ ‏العلاجية‏ ‏فى ‏مسارها‏ ‏الصحيح‏. ‏حيث أن كل‏ ‏ذلك‏  ‏لا‏ ‏يصاحبه‏ ‏أى ‏دافع‏ ‏للتغيير،‏ ‏أو‏ ‏حفز‏ ‏للتعاون‏ ‏فى ‏العلاج.

هذه‏ ‏البصيرة‏ ‏المذهننة‏ ‏نقابلها‏ ‏خاصة‏ ‏فى ‏بعض‏ ‏حالات‏ ‏الشخصية‏ ‏الشيزيدية‏ ‏وأحيانا‏ ‏فى ‏الحالات‏ ‏المتبقية، وبعض حالات الوسواس القهرى وغيرها، ‏ويظل‏ ‏المريض‏ ‏فى ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الحالة‏ ‏يلف‏ ‏ويدور‏ ‏حول‏ ‏الحكى ‏فى ‏ماضيه‏ ‏وتأويلاته‏، ‏أو‏ ‏الكلام‏ ‏عن‏ ‏التخطيط‏ ‏للمستقبل‏ ‏وترتيباته‏ ‏وما‏ ‏ينتظره‏ ‏وما‏ ‏أفاد‏ ‏منه، ‏فيحل كل ذلك‏ ‏محل‏ ‏مسئولية‏ ‏معايشة‏ ‏حقيقة‏ ‏التغيير‏ ‏المحتمل‏ “‏هنا‏ ‏والآن” ‏سواء‏ ‏فى ‏العلاج‏ ‏أو‏ ‏فى ‏ممارسة‏ ‏الحياة.

‏(‏ب‏) ‏البصيرة‏ ‏مزدوجة‏ ‏التمويه‏ (12) (‏أو ثلاثيته‏ ..‏إلخ‏):‏

ثمة‏ ‏نوع‏ ‏آخر‏ ‏من‏ ‏خداع‏ ‏البصيرة‏ ‏حين‏ ‏يقر‏ ‏المريض‏  ‏بوجود‏ ‏أعراض‏ ‏ما‏  ‏على ‏أنها‏ ‏مرضية‏ ‏فعلا‏  ‏ليخفى ‏من‏ ‏وراء‏ ‏ذلك‏ ‏الأعراض‏ ‏الأخطر‏ ‏والأهم‏ ‏حتى ‏لو‏ ‏كانت‏ ‏نفس‏ ‏الأعراض‏. ‏ومثال‏ ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏يعلن المريض‏ ‏أنه‏ ‏يتصنع‏  ‏أنه‏ ‏مجنون‏ ‏ليخفى ‏جنونه‏ ‏الحقيقي، ‏فإذا‏ ‏بدا‏ ‏عليه‏ ‏التصنع‏ ‏وخـُدِعَ‏ ‏فيه‏ ‏الطبيب‏ ‏فإن‏ ‏الطبيب‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏سيقر‏ ‏أنه‏ ‏يتصنع‏، ‏وبالتالى ‏أنه سليم يتمارض،‏ وهكذا‏ ‏يخفى ‏مرضه‏ ‏الحقيقى. ‏

و‏أحيانا حين يـُسأل‏ ‏أحد‏ ‏المرضى ‏عن‏ ‏شكواه‏، ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏يحكى ‏ما‏ ‏يعانى ‏أو‏ ‏يفعل‏ ‏يقول‏ ‏إنه‏ ‏يشكو‏ ‏من‏ “‏الفصام”‏، هكذا‏ ‏مباشرة، ‏ويكون قد سمع ذلك من طبيب آخر، وربما من “النت”، ‏والطبيب‏ ‏الحاذق‏ ‏لا‏ ينبغى أن ‏يفرح‏ ‏بذلك‏  ولا يصح ‏أن‏ ‏يعتبره‏ ‏بصيرة‏ ‏سليمة‏، ‏بل‏ ‏عليه‏ ‏أن‏ ‏يبحث‏ ‏عما‏ ‏وراء‏ ‏هذا‏ ‏الزعم‏ ‏وما‏ ‏ترتب‏ ‏عليه‏ ‏وخاصة‏ ‏فى ‏مواقف‏ ‏التقييم‏ ‏فى ‏الطب‏ ‏الشرعى ‏النفسى ‏لتحديد‏ ‏المسئولية،‏ ولا‏‏بد‏ ‏أن‏ ‏نتذكر‏ ‏أنه‏ ‏ليس‏ ‏كل‏ ‏مريض‏ ‏متهم‏ ‏فى ‏جريمة‏ ‏هو‏ ‏حريص‏ ‏على ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏غير‏ ‏مسئول‏ ‏عن‏ ‏فعله‏ ‏كما‏ ‏يتبادر‏ ‏للذهن‏ ‏العادى ‏لأول‏ ‏وهلة، ‏وفى ‏بعض‏ ‏حالات‏ ‏الفصام‏ ‏الكاتاتونى ‏قد‏ ‏يترتب‏ ‏على ‏هذه‏ ‏الخدعة‏ ‏آثار‏ ‏خطيرة‏ ‏لو‏ ‏لم‏ ‏يأخد‏ ‏الطبيب‏ ‏حذره‏ ‏ويبحث‏ ‏وراء‏ ‏ما‏ ‏يبدو‏ ‏سهلا‏ ‏وجاهزا‏.‏

‏4- ‏إستعمالات‏ ‏أخرى ‏لكلمة‏ ‏بصيرة‏: (‏وخطأ‏ ‏استعمال‏ ‏اللفظ‏)‏

أ-  ‏بصيرة‏ ‏فرط‏ ‏الدراية:)(13)(فرط‏ ‏الرؤية‏ – ‏فرط‏ ‏الوعى‏):‏

‏ ‏يتعلق‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏البصيرة‏ ‏بما‏ ‏سبق‏ ‏ذكره‏ ‏فى ‏فصل‏ ‏الوعى والإدراك  (نشرة 9-5-2012) ‏وفصل‏ ‏الذاكرة (نشرة 1-6-2014) ‏ (‏فرط‏ ‏الدراية‏ ‏(نشرة 10-11-2014)  ‏ ‏وظاهرة‏ ‏سبق‏ ‏التوقيت (نشرة 2-6-2014)،ونكرر‏ ‏هنا‏ ‏أن‏ ‏ذلك‏ ‏يحدث‏ ‏أحيانا‏ ‏فى ‏بداية‏ ‏الفصام‏ ‏خاصة،‏ ‏وفى بداية الذهان‏ ‏عامة‏ (‏وعند‏ ‏بعض‏ ‏المبدعين‏). ‏وقد‏ ‏يصل‏ ‏وصف‏ ‏المريض‏ ‏لتكوين‏ ‏الأعراض‏ ‏من‏ ‏الدقة‏ ‏والأمانة‏ ‏درجة‏ ‏قد‏ ‏تتجاوز‏ ‏علم‏ ‏بعض‏ ‏الممارسين‏ ‏الأصغر‏ ‏أو‏ ‏المهتمين‏ ‏بالوصف‏ ‏الظاهرى ‏فحسب، ‏وهنا‏ ‏قد‏ ‏يتصور‏ ‏هذا‏ ‏الممارس‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏الرؤية‏ ‏ليست‏ ‏إلا‏ ‏ضلالات‏ ‏أو‏ ‏أن‏ ‏المريض‏ ‏يعانى ‏من‏ ‏العرض‏ ‏المسمى ” ‏أفكار‏ ‏شبه‏ ‏فلسفية”، ‏ولا‏‏بد‏ ‏من‏ ‏التمييز‏ ‏بين‏ ‏هذه‏ ‏البصيرة‏ ‏الخبرة‏ ‏المعيشة‏ ‏وبين‏ ‏ما‏ ‏أسميناه‏ “‏البصيرة‏ ‏المذهننة” ‏فكلاهما‏ ‏يحكى ‏عن النفسمراضية‏ (‏السيكوباثولوجى) ‏بما‏ ‏هو‏ ‏صحيح، ‏ولكن‏ ‏فى ‏بصيرة‏ ‏فرط‏ ‏الدراية‏ ‏يكون‏ ‏الحكى ‏فى ‏البداية‏، ‏كما‏ ‏يكون‏ ‏نتيجة‏ ‏لخبرة‏ ‏حقيقية‏ ‏معيشة، ‏ويتغير‏ ‏الحكى ‏بتغير‏ ‏ما‏ ‏يستجد‏ ‏من‏ ‏خبرات، ‏وما‏ ‏يضاف‏ ‏من‏ ‏تحول‏ ‏أثناء مسيرة العلاج سواء كان التغير فى الأعراض أم مع نقلة الزملة((14)) أم نقلة نحو أزمة النمو(15)، ‏وعلى ‏أى ‏حال‏ ‏فإن المريض حين يحكى ‏محتوى خبرته الصحيحة ورؤيته الثاقبة ‏المرة‏ ‏تلو‏ ‏المرة‏ ‏دون‏ ‏نقلات‏ ‏علاجية‏ ‏مناسبة، ‏فإنها‏ ‏قد‏ ‏تتحول‏ ‏إلى ‏بصيرة‏ ‏مذهننة‏ ‏حين‏ ‏تحل‏ ‏العقلنة‏ ‏اللفظية‏ ‏محل‏ ‏الخبرة‏ ‏المعيشة‏.‏

ب‏- ‏البصيرة‏ ‏الذهانية‏:(16)‏‏ حين‏ ‏توصف‏ ‏البصيرة‏ ‏بأنها‏ ‏ذهانية‏ ‏فهى ‏ليست‏ ‏بصيرة‏ ‏أصلا، ‏وقد استعمل‏ ‏سيلفانو‏ ‏أريتى ‏هذا‏ ‏الوصف‏ ‏ليشرح‏ ‏به‏ ‏مرحلة‏ ‏باكرة‏ ‏من‏ ‏مراحل‏ ‏تطور‏ ‏الفصام‏ ‏وهى مرحلة فى البداية عادة، وذلك حين‏ ‏يصل‏ ‏المريض‏ ‏الفصامى ‏فجأة‏ ‏إلى ‏تفسير‏ ‏شامل‏ ‏كامل‏ لما‏ ‏اعتراه‏ فى البداية ‏من‏ ‏ربكة‏ ‏وتناقض‏ ‏وتساؤلات‏ ‏وتوتر،‏ فإذا‏ ‏به‏ ‏يفسر‏ ‏كل‏ ‏ذلك‏ ‏فجأة‏ ‏تفسيرا‏ ‏ضلاليا‏ ‏بحتا‏ ‏فيحل‏ ‏ذلك‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏كان‏ ‏يعانى ‏منه‏ ‏فى ‏فترة‏ ‏الربكة،‏إذ‏ ‏يجد‏ ‏إجابة‏ (‏ضلالية‏) ‏لكل‏ ‏ما‏ ‏كان‏ ‏يحيره‏ ‏ويشغله، ‏وذلك‏ ‏نوع‏ ‏من‏ ‏سوء‏ ‏التأويل‏ ‏الضلالى ‏الذى ‏يحدث‏ ‏تلقائيا‏ (‏موازيا‏ ‏للإدراك‏ ‏الضلالى(17) ‏أو‏ ‏الضلالات‏ ‏الأولية)(18)، ‏فكيف‏ ‏بالله‏ ‏يسمى ‏ذلك‏ ‏بصيرة‏ ‏أصلا‏ ‏؟‏ (‏حتى ‏لو‏ ‏وصفت‏ ‏أنها‏ ‏ذهانية(19).

جـ‏ – ‏بصيرة‏ ‏الإنكار‏ (‏التناقضى‏): ‏فى ‏بداية‏ ‏الفصام‏ (‏وبعض‏ ‏أنواع‏ ‏الذهان‏):

 ‏قد‏ ‏يصف‏ ‏المريض‏ ‏ما‏ ‏يعتريه‏ ‏بأنه‏ ‏تـَصـَنُّع، ‏وبالتالى ‏فإنه‏ ‏قد‏ ‏يطلب‏ ‏من‏ ‏الطبيب‏ ‏ألا‏ ‏يصدق‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏يقول، ‏وقد‏ ‏يضيف‏ ‏بعد‏ ‏ما‏ ‏يشكو‏ ‏مما‏ ‏يعانى ‏من‏ ‏كل‏ ‏ذلك‏ “‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏مجرد‏ ‏وهم‏” ‏وهكذا، ‏وعلى ‏الطبيب‏ – ‏خاصة‏ ‏الممارس‏ ‏المبتدئ‏- ‏ألا‏ ‏يسارع‏ ‏بتصديق‏ ‏المريض‏ ‏‏باتهامه  فعلا‏ ‏بالتصنع‏ ‏والمبالغة‏، ‏وذلك‏ ‏ببساطة‏ ‏لأن‏ ‏المتصنع‏ ‏لا‏ ‏يقول‏ ‏عادة‏ ‏أنه‏ ‏يتصنع، ‏وإنما‏ ‏يدل‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏الاعتراف‏ ‏على ‏أن‏ ‏بصيرة‏ ‏المريض‏ بلغت ‏من‏ ‏الحدة‏ ‏درجة‏ ‏مازالت‏ ‏تسمح‏ له ‏باتخاذ‏ ‏موقف‏ ‏نقدى ‏يفسر‏ ‏الفرض‏ ‏القائل‏ ‏إن‏ ‏الفصام‏ (‏والذهان‏ عامة) ‏ليس‏ ‏مجرد‏ ‏رد‏ ‏فعل‏ ‏بل‏ ‏هو‏ ‏فعل‏ ‏وقرار، كما ذكرنا، ‏وبالتالى ‏يكون‏ ‏شك‏ ‏المريض‏ ‏فى ‏أن‏ ‏ما‏ ‏طرأ‏ ‏عليه‏ ‏ليس‏ ‏مرضا‏ ‏بل‏ ‏هو‏ ‏قرار صادر من‏ كيان‏ ‏آخر‏ بداخله (مرة أخرى: اختيار الحل المرضى!)‏، ‏وبالتالى ‏علينا أن نستقبل‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏البصيرة‏ على أنه ‏تأكيد ‏لجدية‏ ‏المعاناة‏ ‏وليس‏ ‏إثباتا‏ ‏لتصنعه‏ ‏أو‏ ‏تمثيله‏.‏

ء‏- ‏البصيرة‏ ‏الحقيقية‏ ‏فى طبيعة ‏بعض‏ ‏الأعراض‏ ‏الذهانية‏: ‏

من‏ ‏السائد‏ ‏أن‏ ‏يعتبر‏ ‏الفاحص‏ ‏أن‏ ‏البصيرة‏ ‏فى ‏أن‏ ‏الهلاوس‏ ‏هى ‏هلاوس‏ ‏لا‏ ‏وجود‏ ‏لها‏ فى الواقع، يعتبر ذلك ‏دليلا‏ ‏على ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏الهلاوس‏ ‏أقل‏ ‏صدقا‏ ‏حتى ‏يسميها‏ ‏البعض‏ ‏هلاوس‏ ‏كاذبة‏(20)‏وهذه‏ ‏تسمية‏  ‏خاطئة‏ ‏كما‏ ‏أوضحنا فى فصل الحديث عن الهلاوس وأنواعها (نشرة 3-3-2013) ، ‏ونفس‏ ‏الأمر‏ ‏قد‏ ‏يسرى ‏على ‏الضلالات‏.

[1] – Foresight

[2] – Hindsight

[3] – Quantum Sciences

[4] –  لكن هناك معنى آخر فضلت عدم إثباته فى المتن مع كل هذا وهو فى نفس المعجم (الوسيط) حيث أضاف الوسيط: البصيرة: الستارة (تغطِّى الباب)، ومن حق القارئ أن يتساءل: كيف تكون البصيرة بكل هذا الوضوح والكشف والرقابة ثم تكون “ستاراً” هنا تدخل مدرسة النفرى لنتعرف على الستائر والحجب التى تكشف، وعلى الليل الذى يتخلق فيه الإبداع وغير ذلك مما رفضت أن أضيفه فى المتن ، حتى لا أشغل الأصدقاء الأطباء والمتدربون، بما يتصورون أنه ليس علما حيويا (بيولوجيا) وعلى من يريد أن يستزيد أن يعود إلى كل أو بعض هذه الروابط. كأمثلة: (نشرة 26-9-2015) و(نشرة 19-9-2015) و(نشرة 12-9-2015)  و(نشرة 30-5-2015).

[5] – Hypochondriasis

[6] – Compliance

[7] – أنظر بعد

[8] – Deterministic Causality

[9] –  أحيانا تحت تأثير بعوامل دعاية ضاغطة لأغراض تجارية دوائية، وغيرها.

[10] –  Foresight

[11] –   Sectorial Insight

[12] – Double bluffing

[13] –  Hyperawareness

[14] –  Syndrome shift

[15] –  Growth Crisis

[16] –  Psychotic Insight

[17] – Delusional Perception

[18] – Primary Delusions

[19] – وقد يختلط الأمر أحيانا بالنسبة لهذه التسمية بظاهرة هى عكسها تماما، وذلك حين تحتد بصيرة الذهانى فيرى العملية الذهانية بأغلب تقاصيلها النفسامراضية فى داخله، ويصف التغيرات وكأنه يقرأ فى كتاب، ويكون غالبا ليس له أية علاقة بأية قراءات نفسية، كما يتصور ويتعجب بعض الأطباء عند الفحص وبعده وكل هذا يفوق قدرة الشخص العادى وقد اسميتها فرط الدراية عند الذهانى Hyperawareness of the psychotic

[20] –   Pseudo Hallucination

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *