الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” الكتاب الثانى: “المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية” (29) الفصل السابع: التشخيص (3)

مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” الكتاب الثانى: “المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية” (29) الفصل السابع: التشخيص (3)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 18-6-2022

السنة الخامسة عشر

العدد: 5404

مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” [1]

الكتاب الثانى: المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية” (29)

استهلال:

نواصل اليوم هذا النشر المتقطع من هذا الكتاب وآمل أن تُقْرأ نشرة الأسبوع الماضى قبل متابعة نشرة اليوم التي سنقدم فيها ما تيسر من الفصل السابع.

          يحيى

الفصل السابع

التشخيص (3)

…………

…………

تصنيفات أخرى للتشخيص لأغراض متنوعة:

بديهى أن يختلف نوع ومستوى التشخيص باختلاف الهدف الذى من أجله نحتاج إلى التوصيف والتصنيف، ومن ذلك (إضافة إلى ما ورد سابقا): 

1- التشخيص فى موقف الإسعاف:

هنا يتحدد التشخيص فى أحوال الطوارئ بالحالة العاجلة التى استدعت ذلك، قبل الدخول فى التوصيف السببى أو الغائى أو حتى البحث عن بقية الأعراض، حيث يتركز التشخيص فى تحديد مدى حدة وخطورة العارض الطارئ الذى أدى للاستشارة الفورية، مثل حالة الهياج، أو نزوة الاعتداء، أو النزوع إلى الانتحار اللحوح، أو غير ذلك مما يحتاج إلى تدخل فورى لدرء الخطر من ناحية، أو على الأقل للحيلولة دون تماديه، وفى هذه الحالة تؤجل أنواع التشخيصات الأخرى لوقت لاحق بعد انتهاء السبب الطارئ بالعلاج الفوري اللازم، بقدر ما يحتاجه الموقف الطارئ المُلِحّ.

2- التشخيص لأغراض الطبنفسى الشرعى (أنظر “التقرير” بند: طب نفسى شرعى (ص222)

 3- التشخيص المكتبىّ للتتميم الإدارى والمساءلة الإدارية:

هذا التشخيص التقليدى الشائع، يتبع عادة: “دليل تشخيصى” متفق عليه، قد يكون “مستوردا”!! (DSM-IV) أو عالميا (ICD 10)، أو (11) أو محلياDMP-I : دليل يحدد أسماء الفئات، والمواصفات اللازمة، أو المحكات الضرورية الواجب توافرها حتى يمكن إدراج المريض فى فئة بذاتها تحمل اسم تشخيص محدد، وبرغم أن   هذا النوع من  التشخيص هو الأشهر، والأكثر حضورا فى الحوار بين المريض أو أهله وبين الطبيب، وأيضا بين الأطباء وبعضهم البعض، وخصوصا فى موقف الامتحانات، وهو يعتبر من أهم أنواع التشخيص ارتباطا بالخطة العلاجية،

4- التشخيص بالتركيز على نوع ومدى الإعاقة

هذا البعد ضرورى لتحديد أية درجة محتملة من الإعاقة، بغض النظر عن التشخيص الوصفى، وهو مرتبط أشد الارتباط بفكرة أن المرض تتحدد شدته أساسا بمدى وموقع وآثار الإعاقة، أكثر مما يتحدد بظهور أو حدة الأعراض الوصفية، كما أن العلاج فى كثير من الأحيان يكون – أو ينبغى أن يكون- أكثر تركيزا على إزالة الإعاقة (أو التخفيف منها)، أكثر من التركيز على مجرد التخلص من الأعراض على حساب إهمال تقدير مدى الإعاقة، وتحديد الإعاقة يكون كيفيا وكميا ، ويمكن عادة ربطه بأنواع مختلفة أخرى من التشخيص والأعراض بجهد علاجى هادف، وبالتالى فهو أساسى فى التأهيل وإعادة التأهيل.

5- التشخيص المرتبط بالمهمة (بالاستشارة)

هذا المستوى من التشخيص هو إضافة لأى من الأنواع التقليدية إذا كان التركيز على جانب معين في الأداء أو التعامل، يؤكد بشكل مباشر ارتباط التشخيص بشكل مباشر بغرض محدد من حضور الحالة للفحص من حيث أنه يكاد يزيح جانبا كل ما عدا المهمة التى أتت بالمريض للاستشارة، سواء كان توقفا دراسيا، أم خلافا زوجيا، أم تهديدا وظيفيا، أم عجزا طارئا أم إشكالات قانونية أم غير ذلك، وهو لا ينفى أو يهمل بقية الأسباب ولا هو يتغافل عن الأعراض التى يمكن أن تكون مشاركة أو محدثة  لما أتى به للاستشارة، لكنه يضع فى حسابه، وهو يخطط للعلاج: الغاية الأولى من الاستشارة فى المقام الأول.

ترتيب القواعد‏ ‏اللا‏‏زم‏ ‏اتباعها لتحديد التشخيص التقليدى‏‏:‏

‏1- ‏بعد‏ ‏أخذ‏ ‏الشكوى ‏وما‏ ‏وصفت‏ ‏به‏ ‏الحالة‏ ‏فى ‏بداية‏ ‏المقابلة‏ ‏يمكن‏ ‏الوصول‏ ‏إلى ‏انطباع‏ ‏مبدئى ‏يوحى ‏بتشخيص‏ ‏محتمل Preliminary Diagnosis ‏ويعتبر‏ ‏ذلك‏ ‏فرضا مبدئيا‏ ‏ ‏قابلا ‏للإثبات‏ ‏أو‏ ‏النـفى حسب ما يأتى به بقية الفحص بعد استكماله لاحقا، وأيضا ‏ ‏بعد الحصول‏ ‏على ‏معلومات‏ ‏أكثر‏ ‏فأكثر([2]‏ ولا يعتمد التخطيط العلاجى على مجرد تسمية المرض كما ذكرنا.

‏2- ‏بعد‏ ‏نهاية‏ ‏كتابة‏ ‏المشاهدة‏ ‏وعمل‏ ‏ ‏الاستقصاءات‏ ‏الكلينيكية‏ ‏البسيطة‏ اللازمة مثل استيفاء المعلومات أو مناقشة التشخيص الفارقى Differential Diagnosis  ‏يمكن‏ ‏الوصول‏ ‏إلى ‏”تشخيص حالى” راجح قابل للمناقشة والمراجعة Current Diagnosis

‏3- لا ‏يوضع‏ ‏التشخيص‏ ‏النهائى  ‏Final Diagnosis عادة إلا عند‏ ‏الخروج من المستشفى‏ (‏أو‏ ‏إنهاء العلاقة بتوقف المريض عن المتابعة أو الوفاة‏) ‏أو استكمال الفحص والتشاور العلمى، وذلك بعد‏ ‏استقراء‏ ‏كل‏ ‏المراجعات‏ ‏والمتابعة‏ ‏والاستخبارات‏ ‏النفسية‏ ‏والبدنية‏ ‏التى ‏عملت ‏للمريض‏، ‏وكذا‏ متابعة ‏الاستجابة‏ ‏للعلاجات‏ ‏السابقة المختلفة‏. ‏

‏4- ‏لا‏ ‏ينبغى الخلط‏ ‏بين‏ ‏لغة‏ ‏نظام‏ ‏معين‏ ‏للتشخيص‏ ‏ولغة‏ ‏نظام‏ ‏آخر‏، ‏ولابد من الالتزام‏ ‏بنـفس‏ ‏الألفاظ‏ ‏والرموز‏ ‏ الواردة فى الدليل التشخيصى المستعمل مع الإشارة إليه تحديداً، (مثلا الدليل العربىDMP-I ، أو الدليل الأمريكى الرابع أو الخامسDSM-IV or V، أو الدليل العالمى العاشر أو الحادى عشر ICD-10 or 11

‏5- ‏إذا‏ ‏وصل‏ ‏ترجيح‏ ‏أحد‏ ‏التشخيصات‏ ‏إلى ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏النصف‏ (50 % ‏احتمالات‏ ) ‏بالتقدير‏ ‏الكلينيكى ‏تقريبا‏، ‏يوضع‏ ‏هذا‏ ‏التشخيص‏ ‏باعتباره‏ ‏التشخيص‏ ‏المحتمل Preliminary Diagnosis‏، ‏ثم‏ ‏يلحق‏ ‏به‏ ‏أى ‏احتمال‏ ‏آخر‏ ‏كتشخيص‏ ‏فارقى Differential Diagnosis ‏بترتيب‏ ‏أرجحية‏ ‏الاحتمالات‏ ‏تنازليا‏.، ‏أما‏ ‏إذا‏ ‏كانت‏ ‏كل‏ ‏التشخيصات‏ ‏المقترحة‏ ‏قريبة‏ ‏من‏ ‏بعضها‏ ‏البعض‏ ‏ولم‏ ‏يصل‏ ‏واحد‏ ‏منها‏ ‏إلى ‏احتمال‏ ‏يفوق‏ ‏النصف‏، ‏فيوضع‏ ‏عنوان‏ “التشخيص‏ ‏الفارقى”Differential Diagnosis ‏مباشرة‏، ‏وترتب‏ ‏التشخصيات‏ ‏تنازليا‏ ‏حسب‏ ‏الأرجح‏ ‏فالأرجح.

‏6- ‏لا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏نتذكر‏ ‏أن‏ ‏تغير‏ “‏الانطباع‏ ‏المبدئى ‏والتشخيص‏ ‏المحتمل“‏ ‏إلى ‏”تشخيص‏ ‏آخرفآخر،‏ ‏هو‏ ‏أمر‏ ‏وارد‏ ‏ويدل‏ ‏على ‏أن‏ ‏المقابلة‏ ‏الكلينيكية‏ ‏قد‏ ‏حققت‏ ‏أغراضها‏ ‏فعلا‏، ‏وأن‏ ‏الخطوات‏ ‏قد‏ ‏مضت‏ ‏فى ‏اتجاه‏ ‏نُضْجٍ‏ ‏مَرِنٍ‏ ‏يدل على درجة جيدة من التفكير ‏الفرضى ‏الاستنتاجى، ولا يدل على التردد أو التراجع.

إسهامات الاستقصاءات وحدودها

عادة ما يُعنى الطبيب النفسى تقليديا باللجوء إلى القياس والمعامل والتخطيطات التقنية  (رسم المخ أو الأشعة المقطعية ..الخ) والاختبارات النفسية بأنواعها: للوصول إلى تشخيص محدد وهو ما يهمه فى المقام الأول، فى حين يضع الطبيب النفسى الإيقاعحيوى نصب عينيه ما يعينه على قراءة المخ (والأمخاخ) بما يمهد له التخطيط العلاجى للإسهام فى دعم أن يعيد المخ بناء نفسه، لذلك فإنه يضع الاستقصاءات الكلينيكية المباشرة فى المقام الأول وفيما يلى التوصيات المناسبة لما ينبغى اتخاذه فى هذا الجانب من الفحص:

1) محاولة استكمال المزيد من المعلومات من مصادر أخرى غير الذين حضروا المقابلة الأولى، وأيضا من المريض فى ظروف أخرى قد تتيح له البوح أكثر، وبالتالي فهى تتيح للطبيب الإلمام أكثر.

2) التركيز على الحصول على معلومات غير تقليدية، مثل التى ذكرناها سابقا فى الوراثة من منظور الإيقاعحيوى، فلا يقتصر بحثه على السؤال عن وجود أمراض بذاتها فى الأسرة، بل يمكن أن يمتد إلى البحث عن المؤشرات التى يمكن أن يتعرف من خلالها على تركيبة مستويات الوعى فى الأسرة، دون مرض، ومن ذلك أن يستقصى عن: زخم الطاقة  فى التركيب النيورونى فى الأسرة، وعن الظواهر النوابية الدورية غير المرضية المتكررة فى سلوك أفراد الأسرة، وعن النزوات الفجائية، وعن الإنجازات الإبداعية الفعلية والمحتملة فى الأسرة.

3) العناية بالمزيد من البحث فيما قبل المرض، وفى مواقف المريض المختلفة البعيدة عما يسمى مرضا، مثل غلبة المواقف الاحتجاجية، أو الخلافية حتى الثورية، أو الهروبية النكوصية، أو عن حرص المريض على التميز الخاص جدا، بما يسمح بتقييم موقفه النقدى – مثلا– الذى إذا لم تتح له فرصة التعبير أو التنفيذ بشكل صحى اضطر للتعبير عنه بالمرض، وهذا من أهم ما يفيد الطبيب فى التخطيط العلاجى.

4) التأنى فى التوصية بأية استقصاءات تقنية أو معملية أو قياسيه نفسية (سيكومترية) تقتصر نتائحها على تحديد تشخيص بذاته، اللهم إلا فى حالة الشك فى مرض عضوى تشريحى محدد ، مثل الورم، أو الضمور، أو الالتهابات المخية.

5) رفض إجراء أية فحصوص لمجرد طمأنة المريض، ما دام الطبيب غير مقتنع بضرورتها الحتمية للعلاج، أو التشخيص.

6) الحذر من تفضيل نتائج القياسات النفسية على التقييم الكلينكيى، فمثلا لابد أن يـُـحترم تقييم الذكاء بالإنجاز الدراسى والمهاراتى، (قبل التدهور المدرسى الأخير!!) على طول مسار المريض جنبا إلى جنب، بل أحيانا أكثر من، أى مقياس تقليدى للذكاء([3])

7) يستحسن أن يقوم الفاحص الطبيب وغير الطبيب-فى الظروف الملائمة- بإجراء القياس النفسى الذى يوصى باستعماله على نفسه – ولو مرة واحدة–  حتى يتعرف على طبيعته بما يسمح له بتقمص من سوف يقوم به من مرضاه ممن هم أقرب إلى عمره.

8) أن يضع الطبيب أو الأخصائى تصورا مسبقا للنتائج المنتظرة من أى اختبار للذكاء أو للقدرات أو للشخصية، وأن يعتبر هذا التصور مجرد فرض جاهز للمناقشة مع النتيجة التى سوف تصله بعد أداء الاختبار.

9) أن توضع فى الاعتبار قدرة المريض المادية إن كانت الاستقصاءات سوف تجرى فى القطاع الخاص.

10) ألا يـُستعمل المريض للفحصوصات لأغراض بحثية أو أكاديمية إلا بإذنه مع ضمان عدم تعرضه لأى أذى من البحث مها ضَؤُل.

11) أن نتذكر أنه فى كثير من الأحيان قد تُـثـَبـِّتُ كثرة الفحصوصا – خصوصا بغير داع– الأعراض المرضية بدلا من أن تـُـطـَـمـِـئـْـن المريض كما يتصور أو يأمل.

12) ألا يكتفى الطبيب بتقرير المختص الذى قام بإجراء الاختبار، وإنما يمكنه أن يعيد قراءة هذه النتائج فى ضوء الفرض الذى وضعه للنتائج، وأيضا فى مواجهة، كل المعلومات المناسبة التى حصل عليها من كل المقابلة الكلينكية طولا (التاريخ كله)، وعـَـرْضا من الفحص بما فى ذلك مما يبلغه المرافقون.

13) أن ننتبه بوجه خاص إلى الفروق الثقافية التى تم فيها تقنين الاختبار الذى يطلب إجراءه للمريض، وخاصة بالنسبة للاختبارات المستوردة والمترجمة للتسويق التجارى.

14) ألا يستشهد الطبيب بنتائج الاختبارات بشكل مباشر وهو يشرح موقفه للمريض وأهله، ولكن يضمِّن دلالة ما وصله – إذا لزم الامر– فى التخطيط للعلاج مع كل المعلومات الأخرى.

15) أن يتذكر كيف أن الاختبارات الإسقاطية تؤدى وظيفة كشف إسقاطات المريض بقدر ما هى تؤدى وظيفة كشف إسقاطات المفسّر لها.

 ………………..

………………..

 (ونواصل غدًا)

____________

[1] – انتهيت من مراجعة أصول “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” وهو من ثلاث كتب: وسوف نواصل النشر البطىء آملا في حوار، وهو (تحت الطبع) ورقيا، إلكترونيا حاليا بالموقع: www.rakhawy.net وهذه النشرة هي استمرار لما نشر من الكتاب الثانى: “المقابلة الكلينيكية: بحث علمىّ بمهارة فنية”.

[2] – ‏وقد‏ ‏تستعمل‏ ‏لغة‏ ‏قديمة‏ ‏أو‏ ‏شائعة‏ مفيدة ‏مادام‏ ‏الأمر‏ تشخيصا ‏مبدئيآ‏ (‏مثل‏ ‏استعمال‏ ‏كلمة‏ ‏عصاب‏ ‏مثلا بدلا من المجموعات الأحدث تحت مسمى “اضطرابات التكيف Adjustment Disorder‏)‏

[3] – مع التذكرة بأن الغش قد شاع مؤخرا فى المدارس، حتى أصبح يحول دون اعتبار الإنجاز الدراسى العادى مقياسا مناسبا للذكاء.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *