نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 13-8-2022
السنة الخامسة عشر
العدد: 5460
مقتطفات من كتاب: “الطب النفسى والغرائز (1)” [1]
الباب الأول: “غريزة الجنس”(من التكاثر إلى التواصل) [2]
الفصل الثانى
الجنس “فى ذاته”: لغة كاملة (2)
الكشف عن المستوى الأخفى للغة الجنس:
على أن لغة الجنس لا تقتصر على هذا الحوار الجاذب للطرفين، وإنما هى تتنوع وتتشكل حسب أبعاد متعددة ومختلفة من القرب والبعد، والقبول والتردد والرفض…الخ، وأورد فيما يلى بعض الجمل الجنسية الجزئية البادئة، وإن بدت لأول وهلة بعيدة عن الهدف الإبداعى التواصلى للجنس، فإنها جزء من الجدل الجنسى حتى تبدو خطوة نافعة، شريطة ألا تحل محل الجملة الأكمل، والولاف البعث، وهى جـَـمـَـلَ تمارس حوارات الوعى.
مثلا:
(1) أنا خائف أريد أن أرجع لرحم أمى
(2) أنا خائفة أريد أن أحتمى فى ظل أبى
……..
……..
I- هل تريدنى (أنت تريدنى): إذن أنا موجود
II- هل أرضيك؟ (أنا أرضيك) إذن ثمَّ من يحتاج وجودى: إنّ لىِ معنى.
هذه أمثلة لحضور “الآخر” فى وعى المشارك بدرجات وتشكيلات متنوعة وبقدر ما تكون مثل هذه الجمل تمثل اللغة التى يقولها الجنس (دون ألفاظ طبعا ودون لزوم الحضور فى بؤرة الوعى) يمكننا إذا أحسنا الإنصات أن نستمع إلى جمل أخرى بديلة مغتربة، ومجهـِـضة، وهى جمل بكل تجلياتها تمثل غالبية ما يمارَسُ من جنس اغترابى (عمره قصير عادة)، ذلك لأنه مبنى على ما لا يحفظه أو يحافظ عليه، لأنه إذا كان لم تعد بنا حاجة – تطوريا – إلى الجنس بهذه الصورة المتواترة للحفاظ على النوع، وفى نفس الوقت هو لم يَرْقَ ليقول الجمل المفيدة للممارسة الإبداعية السوية، فإنه يصبح فعلا ممارسة مغتربة، قهرية أحيانا، منفصلة عن الوجود الكلى، عاجزة عن تحقيق وظيفتها الجديدة أصلا.، كل ذلك يمكن رؤيته من خلال الموقف الأساسى لهذا الجنس المغترب الذى تبرره اللذة من ناحية، والذاتوية من ناحية أخرى، وهو ينبنى على: نفى الآخر من البداية (فلا يعود إلا مسقطا لاحتياجات الذات ووسيلة لتحقيق اللذة الذاتوية الاغترابية التى يمكن أن تتحقق دون اعتبار للآخر)، إذن: ثمة لغة أخرى يقولها الجنس، وهى وإن كانت ذاتية صرف، فهى لغة أيضا، وقد وردت فى الجزء الثانى لشرح “سوء استعمال الجنس” لغير ما هو (ولا حتى للتكاثر أو للتناسل)، مثلا فى صورة الآخر كمُذَبْذِبٍ (للمرأة) والأخرى كوسادة إستمنائية (للرجل)
ومن بعض هذه الجمل الاغترابية غير المعلنة بالألفاظ:
(1)
أنا ألتذ، بأن أستعملك منفيا …….(فأبقى كما أنا)
(2)
أنا أسيطر عليك حتى لايبقى غيرى ….(هذا أضمن)
(3)
أنا ألتهمُكَ فلا يبقى منك شيء بعد تمتعى بلذة التهامك…….. (فأرضى بما هو أنا فى موقعى)
(4)
أنا أحتاجُك حتى أشبع، على شرط أن أنساك تماما….. (فلا يهددنى التلاشى فالبعث)
إلى غير ذلك بالرغم من إعلان ما يشبه كل مظاهر الحب والغرام.
وعلى النقيض من احتمال ظهور الصعوبات الجنسية إذا وصلت لغة الجنس الصريحة إلى الوعى، فإن الجنس الاغترابى ينجح عادة، ويستمر نجاحه كلما خَفِىَ اغترابه!!
وبتعبير آخر:
إن الصعوبات الجنسية إنما تظهر وتشتد حين تكون اللغة الجنسية السليمة هى المطلوبة، وفى نفس الوقت غير موجودة.
أما إذا ألغى احتمال التواصل أصلا، وأصبح الجنس مغتربا ذاتويا، فإن الممارسة الجنسية تبدو مجرد عادة مكررة، قادرة على أن تستمر ربما لخفض التوتر بأقل قدر من جدل التلاقى، دون إبداع.
وإليكم بعض الإيضاحات:
(1) تظهر العنّه مثلا حين يهدد “الموضوع” (الشريك) أن يكون “موضوعا” حقيقيا، أو ملوّحا، أو واعدا بذلك، أو حين يشترط الشريك ذلك (ليس بإعلانه بالألفاظ عادة)، وكأن العنة تقول:
أ- إختلت إسقاطاتى، فلم أعد أستطيع أن أستعملــُـك ”موضوعا حقيقياً!!” ليس فى مقدورى أن أكذب.
أو لعلها تقول:
ب – إن لذتى لا تتحقق إلا بأن أستعملك دون أن أتعرف عليك.
(2) وسرعة القذف قد تقول:
أ- رجعت فى كلامى، لا أحتمـلكِ كأخرى، لا أطيق الاستمرار، نــُـنـْـهـِـهـَـا أحسن.
أو لعلها تقول:
ب- أخاف من التلاشى. قد أموت بلا عودة، يكفى هذا.
أو ربما تقول:
جـ- خـِفـْتْ أن أدخل لا أخرج، أو أن أخرج لا يُسمح لى ثانية. سلامْ.
(3) وقد تقول المرأة بالبرود الجنسى:
أ- أعرف كذبك ولا أريد أن أشارك فيه، رغم البداية الخادعة معك
أو لعلها تقول:
ب- اكتشفت كذبى، ولم أستطع أن اتمادى فيه.
إعتراضات وردود:
الاعتراض:
الأغلب فى الأبحاث الحديثة هو تفسير القصور الجنسى عند الرجل خاصة بخـلل عضوى فى الأجهزة المنوطة بالانتصاب؟ حتى قيل - مؤخرا- إن نسبة القصور الناتج عن أسباب عضوية – تصل إلى 80 % أو 90 % من حالات العنّة (فشل الانتصاب)، وهذا الزعم كان مقولة أطباء الذكورة والتناسلية قديما، لكن الحديث هو أن أغلب الأطباء النفسيين أصبحوا يوافقون عليه، ويرتاحون له، ربما تبريراً للصعوبات التى يلقونها فى مساعدة مرضاهم بالعلاج النفسى وحده لتصحيح علاقتهم بالجسد والجنس والآخر والحياة.
الرد:
لقد تدهورت تفسيرات الأمراض النفسية عامة وأصبحت تُعزى إلى خلل كيميائى، أو خلل عضوى، فى المقام الأول (والأخير أحيانا)، وذلك حين عزف أطباء النفس عن أن يبذلوا الجهد لفهم لغة الجنس الطبيعى حتى يمكنهم أن يستعملوا العقاقير بشكل انتقائى يؤكد إسهامها فى قطع الحلقة المفرغة حتى يستعيد المريض قدرته على استعمال كل مستويات وعيه فى اتساق صحى.
ولنفس الأسباب التجارية والاستسهالية أصبح الأسهل على الطبيب أن يفسر القصور الجنسى بهذا الخلل العضوى البحت أو ذاك فى أجهزة الأداء، ناسيا أن المخ هو قائد المسيرة وهو العضو الأساسى للوظيفة الجنسية.
لا يمكن إنكار أن ثمَّ خللا كيميائيا محتملا يمكن أن يوجد فى حالات الاضطراب النفسى عامة، ولكن هل هو خلل مُسَبِّب؟ أم خلل مصاحِب؟ علما بأنه لا يجوز إنكار أن ثمَّ عجزا وظيفيا محتملا قد يصيب الجهاز الطرفى المسئول عن الانتصاب فى بعض حالات العنّة، ولكن المهم هو البحث عن سبب هذا العجز: هل هو نتيجة لانصراف الدماغ؟ أو إجهاض التواصل؟، أو استمرار عدم الاستعمال؟، أم أنه الخلل الأساسى بغض النظر عن ماذا ”يقول”؟
وكما أن العقاقير المضادة للذهان تثبـِّط المخ الأقدم، وتسمح للمخ الأحدث أن يقود وبالتالى يمكن – بالعلاج المناسب – أن يتم تصالح تكاملى بين المستويات (مستويات الوعى= الأمخاخ)، فإن العقاقير المالئة للجهاز الجنسى الطرفى إنما تسمح للمخ الأعلى إن شاء أن يمارس مهمته الجنسية، سواء كانت اغترابية، أم تواصلية مبدعة، ومن ثم فإن فضل الفياجرا - ولو كحل مؤقت – هو أنها تعمل بمثابة تأكيد ضمان كفاءة الجهاز الطرفى بما يتيح – ولو فيما بعد- للجهاز المركزى أن يستعمله كيف شاء متى شاء.
ويظل الجنس لغة بعد كل هذا، لأنه لو مورس الجنس بصفة مستمرة نتيجة هذا الضخ الطرفى المصنوع: فإنه لا يؤدى وظيفته التواصلية فهو يفشل – ولو بعد حين– فى اختراق الحاجز الماثل بين الطرفين قسرا، لأن السلبية تظل سمة هذه الممارسة المصنوعة من حيث عجزها عن تحقيق تواصل وتكامل وبعث.
بل إن الخطر كل الخطر، هو أن تساعد مثل هذه الحبوب على اختزال دور الجنس من لغة للتواصل إلى أداة للتفريغ واللذة وإزالة التوتر لا أكثر، ذلك أن الانتصاب الطبيعى فى حد ذاته يعلن أن المخ وافق على الاقتراب، فأرسل رسائله التى أعلنها هذا النجاح الفسيولوجى ممثلا فى الانتصاب، ومن جهة أخرى تتلقى المرأة الرسالة، حيث أن هذه العملية فى ذاتها هى إعلان لها أنها مرغوب فيها بدليل (بأمارة) هذا الانتصاب، فإذا نحن فرحنا بتجاوز هذه الخطوة، واستسهلنا استعمال الضخ الكيميائى (بالفياجرا مثلا)، فإن معنى ذلك أننا نفرح بترديد صوت ببغائى كأنه الكلام، مع أنه خال من مضمون التواصل على الرغم من الإبقاء على شكل الصوت (اللذة).
إذن للفياجرا دورين نقيضين، إما الاستعمال الإيجابى، وهو الاستعمال المؤقت، لكسر حلقة التردد المغلقة فاستعادة الثقة، ومن ثم تعود اللغة السليمة تعبر عن القدرة والرغبة فالتواصل، أو الاستعمال السلبى حين يحل هذا التنشيط الكيميائى الميكنى (الميكانيكى) محل الاختبار التواصلى بصفة دائمة، فيصبح الكيان البشرى الذكرى مجرد مُذَبّذِب مغترب لا أكثر، ويصبح الكيان الأنثوى وعاء للتفريغ يختلف موقفه حسب نشاط خياله، وحسب العمر الافتراضى لهذا الاستعمال المصنوع، وهكذا نفقد فرصة الإنصات الواعى والدال للغة الجنس أصلا.
………………..
………………..
(ونواصل غدًا)
_______________________
[1] – يحيى الرخاوى، كتاب “الطب النفسى والغرائز (1) “غريزة الجنس” (من التكاثر إلى التواصل) و“غريزة العدوان” (من التفكيك إلى الإبداع) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2022) (تحت الطبع حاليا)
[2] – تحديث محدود لمحاضرة “الغريزة الجنسية” ألقيتها فى منتدى أبو شادى الروبى (15/12/1998) ضمن نشاط محاضرات لجنة الثقافة العلمية: المجلس الأعلى للثقافة.
غنائية مُتأخّرة لوَجــد ٍ قديم
فَوْقَ أضلاعٍ نَـبيّة ْ
كانَ يمشي ،
كالمَساء ْ …
الغَمامُ المُستَهامُ
في يديهِ ،
والغِـناء ْ ؛
فَوْقَ قلب ٍ من جراحٍ وضياء ْ
كانَ يمشي ، …..
……
….
وعلى الصَـرحِ البعيد ْ
غادةٌ بيضاء يغزوها الجليد ْ… ؛
.. مِن سنا الفجر الموشّى. بالنـدى
كان وَهجُ العِشْق ينمو ،
والسماءْ ،
تمسحُ الأهدابَ بالضوء البليـد ْ
…..
…
وسريعاً كان يعدو ،
نحو فجرٍ قد رآهُ
في مدى أُفْق بعيد ْ …
وانحناءاتُ الطريق ،
تأكُـلُ الخَـطوَ المرجّى باللقاء ْ
تَنهَـشُ القلبَ المُعَنّى. بالنَقاء ْ
….. يا لأَشواكِ الدِمـاء !
– ( يالِـوَجدي ، يارفيقة
من خُطى الدرب البعيد ْ …..! )
……..
….
….. بين أحلام ٍ عتيقة ْ
وجراحٍ ،
نزفُها ، معنى الحقيقة ْ
يحتَضر ْ!
ذلك الملعون حُبّـاً
يتوارى في صلاة الذَنب ذَنباً
يرتجي بالذَنب رَبّـاً
يمنحُ الأقدار دَرباً
نحو قلب ٍفيه أنت ِ …!
….
– ( يالِـوَجدي ، يارفيقة
من خُطى الحُلْم البعيد ْ …..! )
…..
حَسبُكَ ألحُلمُ الغَباء ْ!
أيّها المسكون بالجرح المُشَظّى ، والضياء ْ
ها هنا الصرحُ البعيد ْ
فيه يغزوكَ الجليد ْ
بين أحلام ٍ عتيقة ْ، …
فالعَشيقة ْ ،
سافَرَتْ في الحُلم وَهْمَاً وانطفاء ْ
فامسَح الأهدابَ من وَهج الرجاء ْ
ما بقى في زحمة الماشين مَن يبغي الحقيقة ْ
….. إنَّما أنت َ الوحـيد ْ !
……
………
….
قيلَ دَمعٌ ، راعشٍ ، من رائب الأحزان جاء ْ
باحَ عن سِرٍّ غريـب ْ:
في مدى صرحٍ بعيد ْ ،
عندما يأتي المساء ْ
تعتري الآفاق أنّاتٌ عميقة ْ:
……..
– ( يالِـوَجدي ، يارفيقة ،
……………………….)
ثمَّ يَغزوها البُكاء …..!
…..
..
.