الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقتطفات من كتاب: “الطب النفسى والغرائز (1)” الباب الثانى: “غريزة العدوان” الملحق (2) “ليالى ألف ليلة” لـ نجيب محفوظ: القتل بين مقامَىْ العبادة والدم (11)

مقتطفات من كتاب: “الطب النفسى والغرائز (1)” الباب الثانى: “غريزة العدوان” الملحق (2) “ليالى ألف ليلة” لـ نجيب محفوظ: القتل بين مقامَىْ العبادة والدم (11)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت : 3-12-2022

السنة السادسة عشر

العدد: 5572

مقتطفات من كتاب: “الطب النفسى والغرائز (1)”([1])

الباب الثانى: “غريزة العدوان”(من‏ ‏التفكيك إلى الإبداع)‏ ‏([2])

الملحق (2) .. (عبر النقد الأدبى):

“ليالى ألف ليلة” لــ “نجيب محفوظ”([3])

القتل بين مقامـَـىْ العبادة والدم([4](11)

…………

…………

11- ‏معروف‏ ‏الاسكافي

‏ ‏القدرة‏ ‏الخارقة‏، ‏والبطولة‏ ‏بالصدفة‏

مرة‏ ‏أخرى ‏- ‏رائعة‏- ‏يؤلف‏ ‏الكاتب‏ ‏بين‏ ‏الحلم‏ ‏والواقع‏ ‏بصورة‏ ‏جديدة‏ ‏تعلن‏ ‏أن‏ ‏المهم‏ ‏فى ‏الحلم‏ ‏أن‏ ‏يصدقه‏ ‏صاحبه‏ ‏ويصدقه‏ ‏الناس‏ ‏فتقع‏ ‏المعجزة‏، ‏حتى ‏وإن‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏إلا‏ ‏طيفا‏ ‏يظهر‏ ‏لحظة‏ ‏ويختفي‏، ‏وهو‏ ‏بذلك‏ ‏يتفوق‏ ‏على ‏الليالى ‏القديمة‏ ‏فيما‏ ‏يتعلق‏ ‏بخاتم‏ ‏سليمان‏، ‏وكما‏ ‏تقدم‏ ‏خطوة‏ ‏بطاقية‏ ‏الاخفاء‏، ‏يقدم‏ ‏لنا‏ ‏أثر‏ ‏الخاتم‏، ‏دون‏ ‏الخاتم‏، ‏فنعيش‏ ‏أثر‏ ‏اليقين‏ ‏بقوة‏ ‏الحلم‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏الحلم‏ ‏مسئولا‏ ‏مباشرا‏ ‏طول‏ ‏الوقت‏ ‏عن‏ ‏نتائجه‏، ‏أى ‏انه‏ ‏يعلمنا‏ ‏أن‏ ‏الأحلام‏ ‏انما‏ ‏تتحقق‏ ‏بتصديقها‏ ‏لابفاعليتها‏ ‏الذاتية‏، ‏وقارئ ‏هذه‏ ‏الحكاية‏ ‏لابد‏ ‏وأنه‏ ‏قد‏ ‏انخلع‏ ‏قلبه‏-‏معي‏-‏وهو‏ ‏يعلم‏ ‏أن‏ ‏الحلم‏ (‏المعجزة‏) ‏لم‏ ‏يظهر‏ ‏إلا‏ ‏مرة‏ ‏واحدة‏ ‏وبـمحض‏ ‏الصدفة‏، ‏وأن‏ ‏معروف‏ ‏عاش‏ ‏آثارهُ ‏الطيبة‏ ‏عليه‏ ‏وعلى ‏صحبه‏ ‏من‏ ‏الفقراء‏ ‏والصعاليك‏ ‏نتيجة‏ ‏هذه‏ ‏الصدفة‏ ‏السعيدة‏، ‏وما‏ ‏ترتب‏ ‏عليها‏ ‏من‏ ‏وعود‏ ‏ومخاوف‏، ‏أقول‏ ‏انخلعت‏ ‏قلوبنا‏ ‏حين‏ ‏دخل‏ ‏امتحانا‏ ‏جديدا‏ ‏نعرف‏ ‏مسبقا‏ ‏نتيجة‏ ‏فشله‏، ‏وأمام‏ ‏من؟‏ ‏السلطان‏ ‏شخصيا‏!، ‏ولكن‏ ‏الحلم‏ ‏يتحقق‏-‏دون‏ ‏توقع‏ ‏منا‏ ‏أو‏ ‏منه‏-‏مرة‏ ‏أخرى (‏وأخيرة‏ ‏فى ‏الأغلب‏) ‏ربما‏ ‏ليقول‏ ‏لنا‏ ‏من‏ ‏جديد‏: ‏أن‏ ‏الحلم‏ ‏الذى ‏مر‏ ‏بتأثير‏ ‏المنزول‏، ‏قد‏ ‏تكرر‏ ‏بتأثير‏ ‏الإرادة‏ ‏الفردية‏/‏الكونية‏ (‏إذا‏ ‏التحمتا‏) ‏”ربى ‏لتكن‏ ‏مشيئتك‏… ‏لا‏ ‏تدع‏ ‏كل‏ ‏شيء‏ ‏يتلاشى ‏كحلم‏” (‏ص‏237).‏

ولكن‏ ‏محفوظ‏ ‏يعلمنا‏ ‏منذ‏ ‏البداية‏ ‏أن‏ ‏مصدر‏ ‏هذه‏ ‏المعجزة‏ ‏هو‏ ‏القوى ‏الخفية‏ ‏السرية‏ ‏غير‏ ‏المضمونة‏، ‏وأن‏ ‏من‏ ‏يتخطى ‏الواقع‏ ‏والظاهر‏ ‏هو‏ ‏عُرْضَة‏ ‏لأحد‏ ‏السبيلين‏ ‏حتما‏، ‏ليكن‏ ‏حلما‏، ‏ولتكن‏ ‏إرادة‏ ‏الخير‏، ‏ولكنها‏ ‏أيضا ‏-‏ ما‏ ‏تجاوزت‏ ‏الواقع‏ – ‏عرضة‏ ‏للإستغلال‏ ‏فى ‏الاتجاه‏ ‏الآخر‏، ‏وهكذا‏ ‏يتجسد‏ ‏التحدى ‏حين‏ ‏يطلب‏ ‏من‏ ‏معروف‏-‏من‏ ‏قبل‏ ‏القوى ‏الخفية‏ (‏فى ‏الداخل‏ ) ‏أن‏ ‏يستعمل‏ ‏سلطته‏ (‏المزعومة‏) ‏فى ‏قتل‏ ‏المجنون‏ ‏والشيخ‏ ‏البلخى (‏ص‏240) (‏ممثلى ‏الرؤية‏ ‏والحقيقة‏) ‏نفس‏ ‏الطلب‏ ‏من‏ ‏صاحب‏ ‏الطاقية‏ (‏ص‏219)، ‏الفرق‏ ‏بين‏ ‏التجربتين‏ ‏واضح‏، ‏فالطاقية‏ ‏استعملت‏ ‏طول‏ ‏الوقت‏ ‏بشرط‏ ‏قاس‏ ‏فجَّر‏ ‏المكبوت‏ ‏الشهوانى ‏القاتل‏ ‏العابث‏، ‏أما‏ ‏حلم‏ ‏الخاتم‏ ‏فلم‏ ‏يستعمل‏ ‏إلا‏ ‏مرتين‏ ‏ولن‏ ‏يجر‏ ‏عائده‏ ‏إلا‏ ‏لخير‏ ‏الفقراء‏ ‏دون‏ ‏سلطة‏ ‏أو‏ ‏استغلال‏، ‏ولا‏ ‏يحق‏ ‏هنا‏ ‏تفضيل‏ ‏لمعروف‏ ‏الاسكافى ‏عن‏ ‏فاضل‏ ‏صنعان‏، ‏فالفرصة‏ ‏لم‏ ‏تتح‏ ‏لمعروف‏ ‏أصلا‏، ‏والاختبار‏ ‏كان‏ ‏فى ‏أضيق‏ ‏الحدود‏، ‏وشرط‏ ‏ازاحة‏ ‏الضمير‏ ‏لم‏ ‏يرد‏، ‏والمقابلة‏ ‏الأقرب‏ ‏لمعروف‏ ‏هى ‏مع‏ ‏حكاية‏ ‏ابراهيم‏ ‏السقا‏ ‏وكنزه‏ ‏وجزيرته‏ ‏المسرحية‏ (‏السلطان‏: ‏ص‏202)، ‏ووجه‏ ‏الشبه‏ ‏بينهما‏ ‏واضح‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏السن‏ ‏والطيبة‏ ‏والفقر‏.. ‏وربــما‏ ‏سطحية‏ ‏الحكمة‏. ‏وقد‏ ‏ظهر‏ ‏القتل‏ ‏فى ‏حكاية‏ ‏معروف‏ ‏عابرا‏ ‏حين‏ ‏بدا‏ ‏فى ‏شكل‏ ‏مجرد‏ ‏تحريض‏ ‏لقتل‏ ‏قوى ‏الخير‏ ‏والحقيقة‏ (‏المجنون‏ ‏والبلخى)، ‏وبالرغم‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏جزاء‏ ‏الامتناع‏ ‏عن‏ ‏هذا‏ ‏القتل‏ ‏كان‏ ‏مبالغا‏ ‏فيه‏، ‏لدرجة‏ ‏غير‏ ‏مقبولة‏، ‏حيث‏ ‏قلد‏ ‏معروف‏ ‏ولاية‏ ‏الحى ‏من‏ ‏قبل‏ ‏السلطان‏ (‏ربما‏ ‏تذكر‏ ‏بغير‏ ‏وعى ‏حكايته‏ ‏مع‏ ‏إبراهيم‏ ‏السقا‏) ‏فاننا‏ ‏لا‏ ‏نستطيع‏ ‏أن‏ ‏نتبين‏ ‏مدى ‏فضل‏ ‏معروف‏ ‏الإسكافى ‏فى ‏هذا‏ ‏الامتناع‏ ‏عن‏ ‏القتل‏، ‏أهى ‏مجرد‏ ‏صدفة‏ ‏؟‏ ‏أم‏ ‏هو‏ ‏السن؟‏ ‏أم‏ ‏هو‏ ‏العجز؟‏، ‏أم‏ ‏أنه‏ ‏امتناع‏ ‏الجهاد‏ ‏والوعى؟‏، ‏والأرجح‏ ‏أنه‏ ‏ليس‏ ‏الأخير‏ ‏على ‏كل‏ ‏حال‏، ‏مما‏ ‏يذكرنا‏ ‏أن‏ ‏مجرد‏ ‏عدم‏ ‏القتل‏ ‏ليس‏ ‏بالضرورة‏ ‏فضيلة‏، ‏كما‏ ‏يحذرنا‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ‏ ‏قد‏ ‏أْنَهِك‏ ‏فعلا‏، ‏فأخذ‏ ‏يبتعد‏ ‏عن‏ ‏الواقعية‏ ‏الجديدة‏ ‏التى ‏التزم‏ ‏بها‏ ‏فى ‏البداية‏، ‏ليحقق‏ ‏العدل‏ ‏بطريق‏ ‏الصدفة‏ ‏الخطرة‏.‏

………..

…………

(ونواصل الأسبوع القادم)


[1] – يحيى الرخاوى،  كتاب “الطب النفسى والغرائز (1) “غريزة الجنس” (من التكاثر إلى التواصل) و”غريزة العدوان” (من التفكيك إلى الإبداع) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2022)

[2] – تحديث محدود لمحاضرة “الغريزة الجنسية”‏ ‏ألقيتها‏ ‏فى ‏منتدى ‏أبو‏ ‏شادى ‏الروبى (15/12/1998) ضمن نشاط محاضرات لجنة‏ ‏الثقافة‏ ‏العلمية: المجلس الأعلى للثقافة.

[3] – صدر هذا النقد فى عمل لى فى “قراءات فى نجيب محفوظ” الطبعة الأولى (1990) الهيئة العامة للكتاب، والطبعة الثانية (2005) والطبعة الثالثة (2017) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى. 

[4] – بدءًا من هذه الحلقة سوف أنشر الحلم مكتملا أولا، وذلك بعد ما وصلتنى رسائل متعددة، واحتجاجات منطقية، نأسف أنها لا تستطيع أن تتابع النقد دون الرجوع إلى “المتن الأصلى” فقررت أن أجرب اليوم أن أنشر المتن مكتملا قبل النقد.

4 تعليقات

  1. صباح الخير يا مولانا:
    المقتطف ….. ‏ولا‏ ‏يحق‏ ‏هنا‏ ‏تفضيل‏ ‏لمعروف‏ ‏الاسكافى ‏عن‏ ‏فاضل‏ ‏صنعان‏، ‏فالفرصة‏ ‏لم‏ ‏تتح‏ ‏لمعروف‏ ‏أصلا‏، ‏والاختبار‏ ‏كان‏ ‏فى ‏أضيق‏ ‏الحدود….
    التعليق : سامحنى يا مولانا ،كأنى أريد أن أختلف معك هنا ،فطوال أحداث الرواية ( التى قرأتها عدة مرات ) كانت شخصية معروف أحب وأقرب إلى نفسى من فاضل صنعان ،وحين قرأت مقاربتك هنا بينهما ،عاودت التفتيش عنهما بداخلى ،فرأيت أن اختبار كل منهما كان قدر ” سعيه وحركته” ،والحقيقة أننى ارتحت لمصير كل منهما ،وشعرت أن كلا منهما قد نال مااستحقه ،وتمنيت لو كان واقعنا يحاكى واقع محفوظ

  2. لا يستطيع العقل البشري وهو بالكثير عامل زي الmega processor ان يستوعب قصة سيدنا الخضر وهو ذو دلالة شديدة .
    بادئا ذي بديء اغوار الكون السحيق ابعد من تناول اي mega processor . هذه حقيقة اساسية.
    ثانيا العقل في اللغة بمعناه اللفظي يأتي من “” يعقل الدابة “” اي يلجمها كي لا تشطح. فالعقل عاجز حتما الا بما اوتي من معلومات يضعها في مكانها المتواضع ولا يستطيع ان يفعلن اي معلومات الا خلال المعلومات نفسها.
    الكون مليء بكثير من الاحداث بل والموجودات التي من المستحيل تفسيرها او فهمها .
    في تقديري ان قصة سيدنا الخضر هي تحقيق ارادة الله في احداث لا يعلمها الا هو .
    طبعا تتحقق ارادة الله بطلاقة مطلقة لا يحدها حدود.
    جاءت هذه القصة لتبين ان حتي الانبياء لا يستطيعون الالمام بارادة الله في الكون .
    فلا عجب.
    المعجز في هذه القصة هو هل تؤمن بطلاقة القدرة دون فهم كل حاجة ؟؟ ولا حتدخل في منطقة التساؤل دون الالمام بكل الحقائق كي تستطيع ان تفعلن اي معلومة .
    لذلك ذكرت في آخر تعليقي ان “” سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير “”.
    اخيرا وليس آخرا طبعا . التساؤل مشروع طبعا ولكن الايمان هو طاقة حيوية تتلمس الطريق اليه مع الاعتراف بكامل العجز.
    الم تلاحظ ان الزلازل والفيضانات والبراكين بل والحوادث كلها من اعمال القدر دون وجود سيدنا الخضر .
    وفي الآية الكريمة فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَآ ءَاتَيْنَٰهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا
    اذن فهي الرحمة اولا ثم العلم اللدني ثانيا. والعلم اللدني ابعد ما يكون ولا يلتقي مع ما يسمي اي علم غير لدني.

    • د. يحيى:
      دائماً ما تعود لهذه القصة القرآنية المتحدية يا محمد
      د. محمد:
      هى فعلاً قصة متحدية، ولكن التحدى فيها ليس إعجاز الله فى أقداره، ولكن فى مسألة تسليم عبد (موسى عليه السلام) لعبد آخر أنه يسمع من الله ويأخذ أوامره من الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *