الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” الكتاب الثانى: “المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية” الفصل الثانى التاريخ العائلى (1)

مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” الكتاب الثانى: “المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية” الفصل الثانى التاريخ العائلى (1)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 2-4-2022

السنة الخامسة عشر

العدد:   5327

مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” (1)

الكتاب الثانى: المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية” (7)

استهلال:

نواصل اليوم هذا النشر المتقطع من هذا الكتاب وآمل أن تُقْرأ نشرة الأسبوع الماضى قبل متابعة نشرة اليوم التي سنقدم فيها ما تيسر من الفصل الثانى.

يحيى

الفصل الثانى

التاريخ العائلى (1)

Screenshot (48)

أولا: وراثة: زخم الطاقة وتوجهاتها ومسارها

‏ ‏التاريخ‏ ‏العائـــلى (2)

فى ‏مجتمعنا‏ ‏العربى ‏يكاد‏ ‏يكون‏ ‏السؤال‏ ‏عن‏ ‏التاريخ‏ ‏المرضى ‏فى ‏الأسرة‏ ‏من‏ ‏قبيل‏ ‏العيب‏، ‏أو‏ ‏هو‏ ‏على ‏الأقل‏ ‏مدعاة‏ ‏للخجل‏، ‏لذلك‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏السؤال‏ ‏رقيقا‏ ‏وغير‏ ‏مباشر‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر‏، ‏ويرجع‏ ‏الافتقار‏ ‏إلى ‏الحصول‏ ‏على ‏معلومات‏ ‏كافية‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏المنطقة‏ ‏أيضا‏ ‏إلى ‏العجز‏ ‏عن‏ ‏تحديد‏ ‏حدود‏ ‏المرض النفسى،‏ ‏بمعنى غموض الحد الفاصل بين السواء والمرض.  

ويشمل‏ ‏التاريخ‏ ‏العائلى ‏ثلاثة‏ ‏مستويات‏: ‏

المستوى ‏الوالدى ويشمل كل الأقارب ‏من‏ ‏ناحيتى ‏الأم‏ ‏والأب‏،

والمستوى ‏الأخوى (‏المستوى ‏المستعرض‏: ‏التاريخ‏ ‏المرضى ‏فى ‏الإخوة‏ ‏والأخوات‏: ‏الأشقاء‏ ‏وغير‏ ‏الأشقاء‏) ‏Screenshot (49)

والمستوى ‏البنوى (‏الأبناء‏ ‏والبنات‏)، ‏مع التذكرة بأن‏ ‏وجود‏ ‏مرض‏ ‏نفسى ‏فى ‏الأولاد (3) ‏ليس‏ ‏أقل‏ ‏دلالة‏ ‏من‏ ‏الناحية‏ ‏الوراثية‏ ‏ومن‏ ‏الناحية‏ ‏التربوية‏ ‏من‏ ‏وجود‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏المرض‏ ‏في الأجداد والأعمام والخالات.‏

ويـَـسأل‏ ‏الفاحص‏ ‏عن‏ ‏كل‏ ‏الأمراض‏ ‏التى ‏لها‏ ‏علاقة‏ ‏بالأمراض‏ ‏النفسية‏ ‏والعقلية‏، ‏وأيضا‏ ‏عليه‏ ‏أن‏ ‏يدرك‏ ‏أنه‏ ‏يسأل‏ ‏بلغة‏ ‏المريض‏ ‏وليس‏ ‏باللغة‏ ‏العلمية‏، ‏فالمريض (أو المرافق أو المبلغ)‏ ‏عادة ‏لا‏ ‏يفرق‏ ‏بين‏ ‏المرض‏ ‏النفسى ‏والمرض‏ ‏العصبى، ‏وهو عادة لا يستعمل لفظ الجنون لوصف قريب له مهما بلغت حالته، ولكنه، أحيانا يفضل استعمال تعبير “معقد” أو لديه ‏”عقدة‏ ‏نفسية” أو حتى: غريب الأطوار:‏ ‏للإشارة‏ ‏بالإيجاب‏ ‏إلى ‏وجود‏ ‏مرض‏ ‏عقلى ‏فى ‏العائلة‏.‏

ولابد ألا‏ ‏يكتفى الفاحص ‏بمعرفة‏ ‏وجود‏ ‏مرض‏ ‏ما‏ ‏فى ‏الأسرة‏ ‏بل‏ ‏يستحسن‏ ‏محاولة‏ ‏وصفه‏ ‏ولو‏ ‏بطريقة‏ ‏تقريبية‏، ‏فإن‏ ‏لم‏ ‏يمكنه‏ ‏الوصول‏ ‏إلى ‏تشخيص‏ ‏بذاته‏ ‏يكتب التشخيص‏ ‏المرجـَّـح ويثبت أنه‏ “بالتقريب” أو “غالبا”، ‏ و‏إذا كان مرضا صريحا واستلزم استشارة طبيب، يـُسأل الفاحصُ عن الطبيب الذى عالجه وعن ما إذا  كان قد دخل مستشفى عقلى أو نفسى أم لا؟ بل وعن العلاج ومسار المرض‏، ‏ومدته‏، ‏ومآله‏ (إذا أمكن).

 ‏ولا‏ ‏تفيد‏ ‏معرفة هذه التفاصيل‏ ‏فى ‏التعرف‏ ‏على ‏تاريخ‏ ‏العائلة‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏وجود‏ ‏مرض‏ ‏من‏ ‏عدمه فحسب،‏ ‏بل‏ إنها ‏قد‏ ‏تعين حتى فى التكهن بمسار المرض، إذ كثيرا ما يكون مسار ومآل المرض متقارب فى أفراد الأسرة، حتى أننى ملت لقبول فرض يقول إن بعض الأمراض النفسية لها عمر افتراضى متقاوب فى كل أسرة (4)، وكذلك قد تتشابه نتائج المعافاة نوعيا مثل: الرجوع إلى التدين أو مواصلة الإبداع أو العزلة المقبولة بهدوء دون أعراض جسيمة .. الخ، بل إنه‏ ‏حتى ‏فى ‏انتقاء‏ ‏عقار‏ ‏بذاته‏ يمكن أن يوضع التاريخ الأسرى فى الاعتبار، ‏حيث‏ ‏تبيّن لى‏ ‏أن‏ ‏بعض‏ ‏المرضى ‏يستجيبون‏ ‏أفضل‏ ‏لنفس‏ ‏العقار‏ ‏الذى ‏استجاب‏ ‏له‏ ‏ذووهم‏ ‏رغم‏ ‏وجود‏ ‏عقاقير‏ ‏أخرى ‏مكافئة‏ ‏لفاعليته‏ ‏ومن‏ ‏نفس‏ ‏مجموعته‏.‏

التحديث:

بالنسبة للمتن فى هذه النقطة: فقد ورد بعد ذلك تعداد مختصر لمعظم الأمراض الواجب السؤال عنها بطريق مباشر أو غير مباشر، وقد نعود إليها، لكن من منطلق الطبنفسى الإيقاعحيوى، وفى خلال ستة عقود: انتبهت إلى أن السؤال عن التاريخ الأسرى لا ينبغى أن يقتصر على الأمراض النفسية والعقلية والعصبية والإعاقات المحتملة كما أشرنا، وإنما لابد أن يمتد ويتعمق ليشمل ظواهر أخرى فى التاريخ الأسرى مثل ظاهرة “النوابية” (الدورية) دون تحديد، سواء كانت نوابية الإبداع أو نوابية السفر أو نوابية تغير المزاج دون مرض، وذلك انطلاقا من الفروض الموازية التى تربط بين وراثه الفصام والإبداع، وهو الفرض الذى بدأ بتفسير كيف أن الفصام بالذات بلغت نسبة انتشاره  فى كل العالم 1 % (واحد فى المائة)، وبهذا يعتبر مرضا خبيثا تطوريا (5)، والحسبة التطورية تقول إن مثل هذا المرض ينبغى أن يكون انتشاره شديد الندرة (قارن ندرة مرض هانتجتون للرقص العصبى chorea Huntington’s كمثال) وقد وُضِعَتْ تفسيرات لذلك تفترض:

“إن الذى يُوَرَّث فى الفصام هو “جين” نافع  advantageous  تطوريا، وما الفصام إلا أحد طفراته السلبية، وقد فسروا بذلك وجود العديد من المبدعين فى عائلات الفصاميين بشكل يفوق بكثير مجرد المصادفة (6).

من هذا المنطلق، ومن خبرتى طوال ستين عاما، وخاصة بالِإشراف على بحث للحصول على درجة دكتوراه انتهينا إلى فروض تفسر هذه العلاقة بين الإبداع والفصام، وهى التى تدعم أيضا فرض “واحدية الأمراض النفسية” (7) وموقع الاضطرابات المفترقية (8) والتي لم تكمل المسيرة إلى ما هو مرض بذاته بل ربما ترتب عليها نقلة نمائية أو إبداعية في ظروف إيجابية خاصة.

وبالنسبة للطبنفسى الإيقاعحيوى سوف أبدأ بعرض مجمل الفروض عن الوراثة:

الفروض من واقع الممارسة الكلينيكية:

 انطلاقا من أن المخ هو مفاعل للطاقة والمعلومات، فإن كلاً من زخم الطاقة وأنواع المعلومات وترتيبها يعتبر من البنية الأساسية فى تركيب المخ البشرى، وعلى ذلك:

أولاً: إن ما يورث فيما يتعلق بهذا الصدد هو – أساسا–:

(1) كم ومدى نشاط الطاقة الحيوية  عموما

وكذلك:

(2) مدى جاهزية الحركية النوابية  للتفكيك فالتشكيل أو الفشل والتفسخ.

ثانياً: إن مدى توجيه الايقاعحيوى فى هذه الأحوال هو توظيف زخم الطاقة لدفع النمو (الإبداع) كما فى حالة العلاج سعيا إلى السواء، اللهم إلا إذا حالت دون ذلك عوامل إمراضية معيقة توجه الطاقة إلى أهداف سلبية، ومن ثم النشاز فالعجز عن الدفع الإيجابى.

ثالثاً: ويعلن العجز والانحراف بتشتت مستويات المخ والوجود، ومن ثمَّ المرض.

رابعاً: إن التنشئة والوعى المحيطين، والفرص المتاحة هى التى تحدد توجه هذه الطاقة الدافعة للتمادى فى التفكيك، والتوقف عن مواصلة التشكيل الطبيعى .

خامساً: إنه بقدر تناسب زخم الطاقة مع جاهزية التفكيك مع القدرة على التشكيل فى مراحل النمو المتتابعة وفرص الإبداع الدائمة المتعلقة بالإيقاعحيوى يكون الناتج إيجابيا: نموا أو إبداعا، وبقدر فشل ذلك يكون الناتج سلبيا: المرض النفسى.

سادساً: فى حالة التورط فى المسار السلبى وبالرجوع إلى فرض “واحدية الأمراض النفسية” فإن تحديد نوع المرض يرتبط بتوقيت، وبماهية نوع الدفاعات الغالبة للحد من تمادى الإمراضية إلى ما هو أخطر فأخطر من الأمراض.  فى مقابل فشلها فى ذلك.

وبعد

من هذا المنطلق ينبغى أن يكون فحص التاريخ الأسرى متضمنا كلاًّ مما يلى:

(1) وجود مرض نفسى أو عقلى فى الأسرة.

(2) تحديد دورية (نوابية) المرض جنبا إلى جنب مع تحديد نوعه – ما أمكن ذلك– فى كل حالة أو كل نوبة.

(3) وجود مبدعين متميزين بالأسرة

(4) وجود ظاهرة الدورية بشكل زائد وهى التى قد تظهر فى صور ليست بالضرورة مرضية مثل دورات:

(أ) تغير المزاج الدورى دون مرض محدد

(ب) دورات النشاط الإنجازى تبادلا مع فترات الاسترخاء أو الكمون

(ت) إلحاح دورات السفر والترحال

(ج) دورات العبادة الدورية مثل العمرات وزيارة الموالد بانتظام والحج المتكرر، أو السنوى المنتظم.

(د) دورات النقلات الحياتية فى العمل أو التخصص أو العلاقات .

(هـ) زخم الانتاجية فى مجالات متعددة، وتعدد النقلات بانتظام غالب!

(5) لا مفر من العروج إلى تاريخ الصرْع بالعائلة، وتفصيل ذلك فى الفصل الثالث من هذا العمل

إن وجود الصرْع فى العائلة له وضع خاص، ففى حين أنه شديد الأهمية فى فهم العلاقة بين التركيب النيورونى والمرض النفسى، فإنه يغرى بالربط بين طريقة تفعيل الطاقة الحيوية الزائدة وبعض الاضطرابات النفسية من ناحية، ثم علاقة ذلك بتواتر الإبداع فى الصرعيين أو عائلاتهم.

(6) الانحراف‏،‏ والإجرام‏ ‏والشذوذ‏ الخلقى، وفرط‏ ‏التدين‏، ‏وفرط‏ ‏التقاضى، والإدمان:‏

هذه‏ ‏المجموعة‏ ‏من‏ ‏السلوك‏ ‏لا‏ ‏تندرج‏ ‏مباشرة‏ ‏تحت‏ ‏ما‏ ‏يسمى ‏مرض‏ ‏نفسى، ‏وإنما‏ ‏هى ‏نوع‏ ‏من‏ ‏التصرفات‏ ‏الشاذة‏، ‏أو‏ ‏الخطرة‏، ‏أو المنحرفة‏ ‏المخالـِفة‏ ‏للعرف‏ ‏أو المجتمع أو القانون‏.‏

 (7/أ) وبالنسبة‏ ‏للانحراف والشذوذ الخلقى‏ ‏فإنه‏ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏يقاس‏ ‏بالمقاييس‏ ‏الشائعة‏ ‏فى ‏مجتمع‏ ‏المريض‏ ‏الصغير،‏ ‏وليس‏ ‏بقياس‏ ‏قِيَمِى ‏مطلق‏ ‏نابع‏ ‏من‏ ‏الأخلاق التقليدية أو‏ ‏المكتوبة‏ ‏فحسب‏، ‏ولا‏ ‏بمقاييس‏ ‏المجتمع‏ ‏الأوسع‏ ‏عامة‏، ولا بمقياس قيم الفاحص شخصيا طبعا!،  ‏فلكل‏ ‏مريض‏ ‏مرجعيته‏ ‏الخاصة فى ‏القيم‏ ‏التى ‏تحددScreenshot (50) له‏ ‏مدى ‏الخروج‏ ‏عنها‏ ‏بما‏ ‏يسمّى ‏الانحراف، ‏وقد‏ ‏يمكن‏ ‏الاعتماد‏ ‏على – ‏أو على الأقل‏ ‏الاستهداء دون جزم‏ ‏بـــ – رأى ‏العائلة‏ ‏بالنسبة لهذا‏ ‏السلوك أو ذاك‏، ‏كما‏ ‏يلزم أيضا‏ ‏أن‏ ‏يستمر‏ ‏السلوك‏ ‏الانحرافى ‏مدة‏ ‏كافية‏ ‏ليقال‏ ‏إن قريبه الفلانى كان منحرفا أو هو منحرف الآن.

التحديث:

يقصد  بالانحراف الخروج  عن القيم وعن المنظومة الأخلاقية التى تسود ثقافة بذاتها، وهو يطلق على سلوك الفرد حين يحيد عن منظومة القيم الإيجابية للثقافة الفرعية، فالثقافة العامة التي ينتمى إليها، كما هو شائع عند ثقافة المريض، وعادة ما يشير إلى نوع من اضطراب الشخصية، حتى لو لم يصل إلى درجة الاستشارة، وأيضا كثيرا ما تصاحبه درجة أو فترة من الإدمان.

على أن الإدمان فى حد ذاته لا يعتبر مرضا يمكن أن يورّث، لكن تواتره فى أكثر من فرد من أفراد الأسرة ينبغى أن يؤخذ بجدية قد تدل على فساد المحيط (الاسرة) أو عيوب تربوية أشمل مرتبطة بشكلٍ ما بوراثة الميمات memes (9).

 (7/ب) أما‏ ‏مسألة‏ ‏فرط‏ ‏التدين Religiosity  ‏‏فليس‏ ‏المقصود‏ ‏بها‏ مجرد ‏ممارسة‏ ‏زائدة‏ ‏للطقوس‏ ‏الدينية‏ ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏تعنى ‏الإلتزام‏ ‏بقيم‏ ثابتة حاسمة، ‏يعتقد‏ ‏المريض‏ ‏أنها‏ ‏دينية‏ ‏ملزمة‏، ‏‏بشكل‏ ‏مفرط‏ ومتمادٍ، ‏بحيث‏ ‏تؤثر‏ ‏فى ‏السلوك‏ ‏وعلى ‏العلاقات بالمحيطين به فى مواجهة المختلفين عنه عادة ‏ ‏بدرجة‏ ‏تصل إلى احتمال إيذاهم أو التصادم معهم.

التحديث:

كتبتُ أصل هذا المتن سنة 1979 ولم تكن سلبية هذا السلوك قد تعرَّت كل هذا التعرى كما حدث مؤخرا بعد شيوع الفكر والفعل الإرهابى، والتطهير العرقى، تحت شعار الدين، ومن البديهى أن الطبيب المنتمى إلى الطبنفسى الإيقاعحيوى وهو يعيش فى مجتمعنا المعاصر ويتابع كل ذلك، أن يصبح رصد هذا النوع من السلوك المضاد للإيمان وللفطرة وللدين الصحيح من مهمته، وقد يصبح رصده لهذا السلوك فى العائلة مؤشرا يساعد فى التعامل مع واقع المريض، وخاصة فيما يتعلق بجمود تفكيره وصلابة معتقده، الأمر الذى قد يسود فى عائلة ما، إن ما يهمنى هنا ليس  فقط رصد الانضمام لمثل هذه الجماعات النافرة المنحرفة، وإنما قد يتجلى أيضا فى شكل أمراض وضلالات شديدة الخطورة لكنها لا تعتبر ضلالات إذا وَجـَدَ المريض مجموعة تشاركه فيها بشكل متواتر.

وهنا تصعب مهمة الطبيب الملتزم، وهو ليس سياسيا ولا رجل قانون، فهو حين يعالج مريضا ينتمى إلى مثل هذه الثقافة سوف يجد صعوبة بالغة فى  حلحلتها، ومن ثَمَّ فى تحريك مريضه نحو استعادة هارمونية نموه، وإيقاع إبداعه وتأمين سلامته، والإسهام فى خير مجتمعه، وهو ملزم بعلاجه فى حدود الواقع المتاح للمهنة دون تداخل مع السلطات الأخرى إلا لما هو فى صالح مريضه وإمكانية عونه.

…………….

……………

(ونكمل غدًا)

[1] – انتهيت من مراجعة أصول “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” وهو من ثلاث أبواب: وسوف نواصل النشر البطىء آملا في حوار، الناشر: جمعية الطب النفسى التطورى (2022) وهو (تحت الطبع) ورقيا، إلكترونيا حاليا بالموقع: www.rakhawy.net

[2] – بدءا من هنا لن أثبت تاريخ الأصل ، وهو مأ أسميه المتن أحيانا، وهو 1986، تجنبا للتكرار، وقد أنزل به إلى الهامش إذا لزم الأمر حتى يتميز عن ما كتب لاحقا بعناوين مثل التحديث أو التعليق أو بدون عنوان!

[3] – يمكن الإشارة هنا إلى مرض ابن إينشتاين وعلاقته بعبقرية وإبداع والده!!

حيث إن ألبرت أينشتاين كان ابنه إدوارد مريض بمرض الفصام وقليل من الناس يعرف قصته، وكان إدوارد يهتم بالشعر وعزف البيانو وفى النهاية اهتم بالطب النفسى ، حيث كان مغرما بسيجموند فرويد ، وسجل فى جامعة زيورخ ، كان ينوى أن يصبح طبيبًا نفسيًا ، وفى ذلك الوقت اشتهر أينشتاين الأب بقوة  ، وقد كتب إدوارد فى إحدى تحليلاته الذاتية : “من الصعب فى كثير من الأحيان أن يكون لدينا مثل هذا الأب المهم ، لأنه يجعلنا نشعر أننا غير مهمين أبدًا”، لعل هذا يدل على أن الذى يورث ليس المرض نفسه بالضرورة!! .

[4] – وكأنه يوجد نفس السكريبت Script للمرض يتكرر فى العائلة، إذا تماثلت الظروف، هنا من واقع خبرتى أساسا

[5] – Evolutionary Malignant

ويقصد بهذا التعبير وصف المرض الذى يهدد بقاء النوع لخطورته على النوع، وهنا: بمعنى أن مدى عمر الفصامى أقل من الشخص العادى وعدد نسله كذلك أقل، فلو كان الأمر كذلك دون زيادة لكان مرضا يهدد بقاء الانسان على مدى السنين، ولكن ….. (انظر التفسير فى المتن)

[6] – قمت‏ ‏بالاشراف‏ ‏على ‏بحث‏ ‏للدكتوراه‏ ‏عن‏ ‏عائلات‏ ‏الفصام‏ ‏فى ‏البيئة‏ ‏المصرية، رسالة للدكتوراه التى أشرفت عليها للمرحوم أ.د. أسامة الشربينى بجامعة طنطا عن عائلات الفصاميين: أثبتت‏ ‏أهمية‏ ‏الوراثة‏ ‏ليس‏ ‏بالنسبة‏ ‏لوراثة‏ ‏الفصام‏ ‏فحسب‏ ‏بل‏ ‏لأمراض‏ ‏أخرى ‏وخاصة‏ ‏اضطرابات‏ ‏الشخصية.

‏Sherbini, O. (1976) Families of Schizophrenia in Egypt, Tanta University- Unpublished Thesis.

[7] – Unitary Concept of psychiatric disorders

– يحيى الرخاوى: (نشرة الإنسان والتطور بتاريخ (28/3/2016) “العلاقة بين واحدية الأمراض النفسية والطبنفسى الإيقاعحيوى”   www.rakhawy.net

[8] – Cross Roads Disorders

– يحيى الرخاوى: “دراسة فى علم السيكوباثولوجى” (1979) “الأزمة المفترقية” (ص 170-173).

[9] – انظر هامش رقم (19) (و”الميم” كما يقول: “ريتشارد دوكبنز”، يمتد كوحدة للتطور وبعض النظريات والأفكار تقترح أن الميمات تتطور من خلال اصطفاء طبيعى بطريقة مشابهة لأفكار تشارلز داروين فيما يخص التطور البيولوجى باعتماد أفكار مثل التنوع، الطفرة، والتنافس.

ريتشارد دوكينز “الجين الاناني”  The Selfish Gene، Oxford University ،  1976

 

النشرة السابقة 1النشرة التالية 1

4 تعليقات

  1. صباح الخير يا مولانا :
    المقتطف :إن الذى يُوَرَّث فى الفصام هو “جين” نافع advantageous تطوريا، وما الفصام إلا أحد طفراته السلبية
    التعليق :أتساءل : ما هو هذا الجين ؟وكيف تتكون هذه الطفرة السلبية ؟وكيف يمكن للإنسان أن يحول جينا تطوريا إلى مرض تدهورى يؤدى إلى انقراضه؟وأتساءل أيضا : ألهذا السبب وحده ربطت حضرتك بين الفصام والإبداع فى بعض الأسر ؟وهل لهذا الجين علاقة بوراثة زخم الطاقة عموما ؟

    • هذا الجين هو الأصل، وهو في مساره المرضى التدهورى بشكل الفصام فى أصعب صوره.
      وفى مساره ومآله التطورى: يحقق الإبداع ويسهم في النمو كأروع ما يكون.
      وذلك تضخمت مسئوليتها إذا لم تلحقه وتوجهه نحو الإبداع دون الفضح بكل ما تملك من علم وخبرة وأدوات وتأهيل وإيمان.

  2. صباح الخير يا مولانا :
    المقتطف : ..،.وهو ملزم بعلاجه فى حدود الواقع المتاح للمهنة دون تداخل مع السلطات الأخرى إلا لما هو فى صالح مريضه وإمكانية عونه.
    التعليق : هذه جزئية محيرة جدا ،أظن أن الاقتراب منها بحاجة للتمهل والروية، ،حيث يختلط فيها الإيمان بأشياء أخرى كثيرة ، ولا أعرف كيف يستطيع المعالج أن يؤدى دوره تجاه مريضه ، اللهم إلا بما لديه هو شخصيا من إيمان ،وبحدسه ومواجدته لمريضه ، هل هناك شيئا آخر ترشدنا إليه يا مولانا .؟

    • أرى أن ما ذهبت إليه هو الصواب
      فنحن نعالج مرضانا بما هو “نحن” ظاهراً أو باطناً
      ظاهرا لنا
      وباطنا لخالقنا
      وكل ما نستطيعه هو في حدود ما نعلمه، وما فيه فائدة للمرضى، ودرء الخطر عنهم وعن ذويهم، ثم نرى،
      ونعدّل أنفسنا أولا بأول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *