الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / “مستويات الصحة النفسية” مقتطف من الفصل الثانى: ثانيا: “ولادة فكرة” (2)

“مستويات الصحة النفسية” مقتطف من الفصل الثانى: ثانيا: “ولادة فكرة” (2)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 15-4-2018

السنة الحادية عشرة

العدد: 3879

“مستويات الصحة النفسية”

مقتطف من الفصل الثانى: ثانيا: “ولادة فكرة” (1)

“خطابات متبادلة سنة 1968 بينى وبين المرحوم أ.د محمد شعلان، وأنا فى باريس وهو فى الولايات المتحدة”، هذا هو الجزء الثانى، وغدًا ننشر الجزء الثالث.

…………………

…………………

بلا تأخير، وبصدق بالغ‏ ‏أرسل‏ ‏لى ‏شعلان خطابا‏ ‏قال‏ ‏فيه‏:‏

‏”‏هل‏ ‏تغضب‏ ‏من‏ ‏حرارة‏ ‏الشمس‏ ‏إذا‏ ‏حرقت‏ ‏جلدك‏…. ‏أو‏ ‏من‏ ‏بلاهة‏ ‏الحمار‏ ‏إذا‏ ‏لم‏ ‏يفهم‏ ‏قولك؟‏ ‏فلا‏ ‏غضب‏ ‏منى ‏إذا‏ ‏كانت‏ ‏استجابتى ‏لكتابك‏ ‏الأخير‏ ‏قد‏ ‏تجمَّدت‏ ‏طيلة‏ ‏هذا‏ ‏الوقت‏، ‏فقد‏ ‏كان‏ ‏كتابك‏ (‏أو‏ ‏خطابك‏) ‏محاولة‏ ‏لترجمة‏ ‏إحساس‏ ‏أثق‏ ‏فى ‏صدقه‏…. ‏أما‏ ‏ترجمة‏ ‏الإحساس‏ ‏إلى ‏لغة‏ ‏العقل‏ ‏والتصنيف‏ ‏والتنظيم‏ ‏فقد‏ ‏نزلت ‏على ‏عينى ‏غشاوة‏ ‏فلم‏ ‏أستطع‏ ‏أن‏ ‏أفهم‏ ‏ماذا‏ ‏تريد‏ ‏أن‏ ‏تقول‏ … ‏ربما‏ ‏لمجرد‏ ‏أننى ‏فى ‏حالة‏ ‏ثورة‏ ‏على ‏العقل‏ ‏والمنطق‏….”‏

ثم‏ ‏قال بصدق طيب:

‏ “…. ‏ولأنى ‏أعتقد‏ ‏أن‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏المحاولات‏ ‏ضرورية‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏نقل‏ ‏الخبرة‏ ‏من‏ ‏مجال‏ ‏الاحساس‏ ‏المبهم‏ ‏الغامض‏ ‏إلى ‏مجال‏ ‏المفاهيم‏ ‏الموضوعية‏، ‏ولتمكين‏  ‏نقل‏ ‏العلم‏ ‏من‏ ‏جيل‏ ‏إلى ‏جيل‏ ‏ومن‏ ‏مكان‏ ‏إلى ‏مكان‏، ‏ومحاولتك‏ ‏هى ‏إحدى ‏هذه‏ ‏المحاولات‏، ‏ولكن‏ ‏مثلها‏ ‏مثل‏ ‏غيرها‏ ‏من‏ ‏المحاولات‏ ‏تجد‏ ‏نفسك‏ ‏تقول‏ ‏ماقاله‏ ‏الغير‏ ‏ولكن‏ ‏تصر‏ ‏على ‏تغيير‏ ‏لفظ‏ ‏أو‏ ‏مفهوم‏، ‏بينما‏ ‏الأساس‏ ‏واحد‏ ‏وينشأ‏ ‏حوار‏ ‏ومناقشة‏ ‏وخلاف‏ ‏وبيزنطية‏.‏

ثم‏ ‏يكمل فى خطابه قائلا‏:

 “‏أريد‏ ‏أن‏ ‏أصل‏ ‏إلى ‏أنى ‏شبعت‏ ‏نظريات‏ ‏وتنظيرا‏ ‏وتنظيما‏ ‏وتصنيفا‏، ‏وإذا‏ ‏كان‏ ‏لى ‏أن‏ ‏أتعلم‏  فلأتعلم ‏بالخبرة‏” “‏إن‏ ‏مجال‏ ‏العلم‏ ‏ملئ‏ ‏بالمقالات‏، ‏إنها‏ ‏أصبحت‏ ‏تمثل‏ ‏أزمة‏ ‏مثل‏ ‏أزمة‏ ‏المواصلات‏ ‏وأزمة‏ ‏تلوث‏ ‏الهواء‏ ‏وأزمة‏ ‏التخلص‏ ‏من‏ ‏الفضلات‏، ‏والمقالات‏ ‏العلمية‏ ‏أصبحت‏ ‏قيمتها‏ ‏مقاربة‏ ‏لقيمة‏ ‏الورق‏ ‏والحبر‏ ‏الذى ‏ينفق‏ ‏عليها‏… ‏أنت‏ ‏تتفق‏ ‏معى ‏فى ‏هذا‏، ‏وسوف‏ ‏تقول‏ ‏أن‏ ‏ماحاولت‏ ‏أن‏ ‏تعبر‏ ‏عنه‏ ‏ليس‏ ‏مقالة‏ ‏أخرى ‏وليس‏ ‏نظرية‏، ‏ولكنه‏ ‏توضيح‏ ‏وتنسيق‏ ‏لما‏ ‏هو‏ ‏معلوم‏، ‏وربط‏ ‏أجزاء‏ ‏العلم‏ ‏المتفرقة‏ ‏وتوحيدها‏ ‏حتى ‏فى ‏اللفظ، أنت تـُصرُّ‏ ‏وتصر‏ ‏على ‏استخدام‏ ‏كلمة‏ “‏مخ‏” ‏وكلما‏ ‏تستخدمها‏ ‏يثار‏ ‏لعابى ‏لأنه‏ ‏كان‏ ‏فيما‏ ‏مضى ‏سندوتشى ‏المفضل‏ ‏عند‏ “‏على ‏كيفك‏” ‏فى ‏الإسكندرية‏ “‏ولابّاس‏” ‏فى ‏القاهرة‏.‏

ثم‏ ‏يقول:

‏ “‏أعود‏ ‏وأقول‏ ‏معك‏ ‏لابد‏ ‏من‏ ‏تنظير‏ ‏وتنسيق‏ ‏وتوفيق‏… ‏ولكن‏ ‏أليس‏ ‏العلم‏ ‏مليئا‏ ‏بالنظريات‏… ‏وكلها‏ ‏نظريات‏ ‏لاتفعل‏ ‏شيئا‏ ‏ولا‏ ‏تنجد‏ ‏الطبيب‏ ‏فى ‏لقائه‏ ‏مع‏ ‏مريضه‏ ‏فلماذا‏ ‏نضيف‏ ‏واحدة‏ ‏أخرى؟‏”‏

‏”‏لقد‏ ‏كنت‏ ‏فيما‏ ‏مضى ‏متحمسا‏ ‏لساندور ‏ ‏رادو (1)‏ Sandor Rado  ‏ثم‏ ‏وجدت‏ ‏نفسى ‏أتحدث‏ ‏بلغة‏ ‏لايفهمها‏ ‏إلا‏ ‏تلاميذ‏ ‏ساندور ‏رادو‏ ‏وعددهم‏ ‏محدود‏…. – ‏ولكنى ‏فضلت‏ ‏أن‏ ‏أعود‏ ‏إلى ‏لغة‏ ‏التحليل‏ ‏النفسى ‏لأنها‏ ‏لغة‏ ‏منتشرة‏ ‏ويفهمها‏ ‏الكثيرون‏ ‏ممن‏ ‏أحترمهم‏ ‏وأستطيع‏ ‏التفاهم‏ ‏معهم‏”‏

ثم‏  ‏ينهى ‏خطابه‏ ‏بعد‏ ‏اعتراضات‏ ‏أخرى ‏كثيرة‏ ‏قائلا‏:‏

“قبل‏ ‏أن‏ ‏أنام‏ ‏أقول‏: ‏نعم‏ ‏لابد‏ ‏أن‏ ‏أكتب‏ ‏وأن‏ ‏تكتب‏ ‏ولابد‏ ‏أن‏ ‏نتحدث‏  ‏بل‏ ‏نتعارك‏ ‏أحيانا‏ ‏ولابد‏ ‏أن‏ ‏نتفاعل‏ ‏وجها‏ ‏لوجه‏، ‏ولابد‏ ‏أن‏ ‏نجابه‏ ‏مشكلة‏ ‏حية‏ ‏نتحدث‏ ‏عنها‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏نغرق‏ ‏فى ‏النظريات‏ ‏ولابد‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏بوجدانك‏ ‏فى ‏كتاباتك‏ ‏وألا‏ ‏تعتذر‏….. ‏وأقول‏ ‏أنى ‏معك‏ ‏ولست‏ ‏معك‏… ‏وليكن‏ ‏هذا‏ “‏علم‏ ‏وصول‏” ‏لحديث‏ ‏لابد‏ ‏أن‏ ‏يستمر‏…”‏محمد‏”‏.

وسكتّ، ورضيتُ، واحترمتُ، وواصلتُ‏.‏

(وغدًا نكمل الحوار)

 

[1] – يحيى الرخاوى (“مستويات الصحة النفسية” من مأزق الحيرة إلى ولادة الفكرة) الطبعة الأولى 2017  والكتاب متاح  فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم.

[2]  –  ساندور رادو Sandor Rado  من مواليد 1890 بالمجر وتوفى 1972 بأمريكا، وهو صاحب مدرسة “الدينامية النفسية التكيفية” Adaptational Psychodynamics  بما لها من اتجاهات تنسيقية وتطورية، وهى ذات بعد تطورى دينامى معا، لكنها محدودة الانتشار.

النشرة السابقة 1النشرة التالية 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *