“لعبة الخوف” (1)

“يوميا” الإنسان والتطور

14/9/2007

“لعبة الخوف” (1)

… مرة أخرى نقول إن استعمال كلمة “لعبة” هنا هو استعمال خاص مفيد، ونعنى بها آلية ينطلق من خلالها الخيال وتنشط التلقائية فالكشف،

ومن جديد: (وقد نكرر ذلك كثيرا) المطلوب إن كنت ترغب فى المشاركة هو:

-أن تُكْمل العبارة المقترحة (بعد تلاوتها مباشرة بصوت عالٍ):

-بأقل قدر من التفكير (الوصىّ)

-وبأكبر قدر من التمثيل (مشتملا الوجه والعيون والجسد).

-وأنت وحدك (جائز)، ويا حبذا مع آخر أو أخرى أو آخرين

-وألا تحاول أن تسارع بفهم أو تفسير ما قلتَ.

***

سوف نعرض اليوم ما دار فى إحدى الجلسات العلاجية ثم نعرض إلى بعض دلالاتها.

المجموعة العلاجية تتكون عادة من ثمان إلى اثنى عشر فردا من مختلف الأعمار والتشخيصات، والأعراض، تجرى كل يوم أربعاء من الساعة 7.30 صباحا حتى الساعة 8.55 (85 دقيقة) يعقبها خمس دقائق “للأسئلة والأدوية”، تتم فيها الردود على الأسئلة الضرورية لكل من يسأل من المرضى، ردودا سريعة حاسمة حتى الأسبوع القادم، وتُعَدّل الأدوية (تنقص أو تزيد أو تتغير)، حسب تطورات كل حالة حتى الجلسة التالية، ولا يلتزم فى هذه الدقائق الخمس بقواعد المجموعة العلاجية الحاسمة خاصة قاعدة (“أنا – أنت” & “هنا    -والآن”) = (أنا وانْت- وهِنا وْدلوقتى!).

هذه القاعدة تعنى أن كل التفاعلات (تقريبا) فى هذا النوع من العلاج تتم بالمواجهة (أنا – أنت) وفى الحال الراهنة (هنا والآن)، وبهذا تتراجع جدا أساليب أخرى – حتى الندرة – شاعت عن العلاج النفسى من أنه: “تفريغ” (طلّع اللى جواك)، أو تفسير أو تأويل أو بحث عن الأسباب السابقة الحقيقية أو المتوَّهمة أو المحتملة.

هذه المقدمة ضرورية وقد تتكرر

أثناء هذه الجلسة العلاجية، ومن خلال المواجهة والتفاعل (وليس المناقشة والاستدلال والإثبات والنفى) تظهر مشاعر، وتُطرح قضايا، ونتذكر أحلاما لا نفسرها ولا نحكيها غالبا كلها، لكننا قد نقتطع جزءا منها ونمثلها (مينى دراما).. الخ. ومن خلال ذلك، وخاصة حين نصل إلى مرحلة صعبة فى التفاعل، أو حين نعجز عن الاستمرار أو حين نحتار فى التواصل، تظهر الحاجة إلى ما يسمى لعبة، تُبدع ابتداعا فى نفسى اللحظة، من خلال السياق الجارى (نادرا، نادرا ما نستعمل لعبة شائعة أو محفوظة أو منقولة، مع أنها قد تكون مفيدة).

عُمْر أية مجموعة علاجية فى خبرتنا هو سنة كاملة: أثنى عشر شهرا، من أول يوليو إلى آخر يونيو  فى العالم التالى، وعمر العلاج بهذه الصورة تحت قيادة وإشراف كاتب هذه السطور هو: منذ سنة 1971، وحتى الآن 2007. يجرى هذا العلاج على مستوى العيادة الخارجية فى قسم الطب النفسى قصر العينى (جامعة القاهرة).

لا يشترط فى المرضى المتعالجين أية شروط من حيث التعليم أو الذكاء أو السن أو المستوى الاجتماعى، ولأن العلاج مجانا فى مستشفى عام. فإن المرضى يكونون عادة من متوسطى الطبقة المتوسطة فالأدنى فالأدنى.

المعالجون ثلاثة (نادرا أربعة): المعالج الرئيسى وهو وهو المدرّب (كاتب هذه السطور) واثنان (أو ثلاثة) من الأطباء المقيمين يشترط فى أى منهما أن يكون قد حضر مُشَاِهدا (خارج دائرة المجموعة،أى حولها) لمدة سنة على الأقل، ويتغير هذين المتدربين مع تجدد المجموعة، بعد سنة كاملة، ومن حق المعالج المتدرب ألا يشارك فى اللعب أو فى أى تفاعل ونسمى ذلك حق إشعال الضوء الأحمر، وعادة بعد بضعة أسابيع أو شهور يتنازل المتدرب عن هذا الحق بإعلانه اشعال الضوء الأخضر، وليس من حقه أن يعتذر بعد ذلك، يصبح تماما مثلهُ مثل المعالج الرئيسى الذى يسرى عليه ما يسرى على المرضى منذ البداية.

المشاهِدٌ المتعلم، سواء كان يعد نفسه ليكون متدربا مشاركا فى العام القادم أم يشاهد للتعلم والمناقشة، هذا المشاهِدْ يشاهد الجارى دون مشاركة ولا بكلمة واحدة لمدة تسعين دقيقة، ثم يساهم فى مناقشة ما دار  بالجلسة بالأسئلة أو التعليق بما يسمى “مناقشة ما بعد الجلسة” وتستغرق المناقشة عادة من 30 إلى 45 دقيقة بقيادة المعالج الرئيسى.

هذه المشاهدة مسموح بها لكل طالب علم أو خبرة دون استثناء، وهى تتم بموافقة المرضى عليها،الأمر الذى يؤكَّدُ المرة تلو الأخرى خاصة فى الشهر الأول حتى نتأكد من عمق الموافقة، كما يتم تسجيل الجلسة والمناقشة بالصوت والصورة أيضاَ بعد الموافقة الصريحة المسجلة من كل مريض.

انتقاء المرضى يتم من واقع الانتظام حتى يكتمل العدد (من 12:8) عادة بعد شهرين أو ثلاثة، هذا يعنى أن من يحضر بانتظام (مع السماح بالغياب فترات متقطعة)، هو الذى يستمر، وبالتالى فإن هذا العلاج مختار من جانب المرضى باستمرار، ويتأكد اختيارهم بحضورهم مختارين كل أسبوع.

اللعبة

جاءت فكرة هذه اللعبة تحديداً أثناء التفاعل مع إحدى المريضات، وحين طلب منها المعالج أن تستحضر خوفها “هنا والآن” ترددتْ، واحتارتْ، وتوقفتْ، راح المعالج يشجعها أن هذا من حقها، وأنه فرقٌ بين أن تعيش الخوف، وحدها وأن تعيشه مع آخرين، كما أنه فرقٌ أن تتصور أنها هى الوحيدة الفريدة التى تخاف، فجاءت اللعبة فرصة لترى خوفها وخَوف الآخرين معاً.

دارت المعايشة (لا المناقشة) حول أن الخوف هو جزء من طبيعتنا، وبالتالى فإن من حقنا أن نخاف، وأننا عادة نخاف أن نستعمل هذا الحق أو أن نظهره فتولدت اللعبة التى هى:

العبارة الأولى:

يا فلان(ة) أنا من حقى أخاف حتى لو…. (يكمل أى كلام)

ثم: العبارة الثانية:

يا فلان(ة) أنا خايف أخافْ لاَحْسَنْ… (يكمل أى كلام)

ثم طلب من كل مريض، ومعالج أن يلعبها وهو يوجه خطابه إلى زميل (مريض أو طبيب) بالاسم العبارتين الناقصتين الواحدة تلو الآخرى، وهو يكملها، ثم يدور الدور، حيث يقوم الزميل الذى وجه إليه الخطاب أولا، بتكرار نفس اللعبة مع زميل آخر (أو زميلة، لم يكن قد لعبها)، حتى يلعب الجميع دون استثناء المعالج الرئيسى (نتذكر حق واحتمال اعتذار المعالجين الأصغر تحت التدريب: حق إضاءة النور الأحمر).

***

أكتفى اليوم بهذه المقدمة الطويلة وأعرض على القارئ أن يعود إلى العبارتين عاليه، لعله يتشجع، ويحاول أن يلعبها هو شخصيا مع نفسه (أو مع آخرين) بالشروط التى ذكرناها فى أول الكلمة ، ثم لعله بذلك يستعد لمتابعة دلالات مانريد توصيله غداً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *