.. لعبة الخوف (2)

“يوميا” الإنسان والتطور

15 – 9 – 2007

.. لعبة الخوف (2)

اللعبة

.. يا فلان (ة) انا من حقى أخاف حتى لو…………. (أَكْمِلْ أىّ كلام)

.. يا فلان (ة) أنا خايف أخاف لحسن……………… ( أَكْمِلْ أىّ كلام)

نصيحة بادئة: من الأفضل لمن لم يقرأ يومية أمس 14/9 أن يمر بها قبل أن يقرأ هذه الحلقة، حتى يتعرف على شكل ومواصفات العلاج الجمعى التى تدور فى إحدى جلساته هذه اللعبة

 شكراً.

ملحوظة: لن نتكل بأى تفصيل عن كل الذين لعبوها، لأن ذلك قد يضطرنا إلى شرح مطول لكل حالة من ناحية، كما قد يتطلب الاستدلال من جلسات سابقة أو لاحقة على التأويل والتفسير، وكذلك قد يتطلب شرح بعض التفاصيل التى قد تتجاوز الغرض من تقديم اللعبة هنا، هكذا .

رجاء

نرجو من الذى حاول اللعبة مع نفسه أمس أن يدع محاولته الخاصة جانباً، ولو مؤقتاً.

كما نرجو من الذى لم يحاولها بعد، أن يؤجل محاولتها حتى ينتهى من قراءة يومية اليوم، وألا يحاولها بعد قراءة اليومية إلا بعد فترة ولو قصيرة (ربع ساعة فأكثر)

اللعبة

.. يا فلان (ة) انا من حقى أخاف حتى لو…………. (أَكْمِلْ أىّ كلام)

.. يا فلان (ة) أنا خايف أخاف لحسن……………… ( أَكْمِلْ أىّ كلام)

سوف نقدم الاستجابات دون انتقاء وإن كان قد أعيد تنظيمها بشكل يخدم محاولة التحقق من الفرض الذى عرضناه أمس والذى نعيد صياغته على الوجه التالى:

“إن الخوف حق طبيعى للبشر،

ونحن لا نعترف بذلك،.. فنخاف أن نخاف”

الاستجابات:

(1)  فوزى: يا أحمد أنا خايف أخاف لاحْسن د. يحيى يزعل منى

                  يا أحمد أنا من حقى أخاف حتى لو الدنيا اتطربقت

لهذا المريض وضع خاص، فهو حاد الذكاء، حاد الحضور،لا يقرأ ولا يكتب، فقد ذراعه فى محاولة انتحار، لكنه ما زال يعمل يوميا فى صيانة ورعاية الحدائق (جنايْنى)  وهو يكسب بذراع واحدة أكثر من أى شخص فى مهنته، وقد أفاده العلاج مع الأدوية فى ضبط نوبات نزْوية ونكسات ذهانية، وكان أثناء هذه النوبات يؤذى أولاده وزوجته لدرجة خطرة.

نلاحظ  فى استجابته هنا انه قلب ترتيب اللعبة، وهذا غير مسموح به عادة، ولم نطلب منه إعادتها (الأمر الذى نفعله عادة حرصا على توحيد الطريقة)

إن ترتيب إعلان “الحق فى الخوف” قبل الاعتراف “بالخوف من الخوف”، بدا لنا فى اتجاه أن يحقق الغرض بشكل أدق: من حيث أنه يؤكد ابتداءً ما هو غير شائع لدينا (لدى الشخص العادى) وهو: إن الخوف حق نحن ننكره على أنفسنا،

 لعلنا راعينا فى تأليف اللعبة أن يكون الإعلان عن الحق فى الخوف سابق لإقرار الخوف منه لغرض التنبيه إلى هذا الاحتمال الغائب عن بؤرة التركيز فى العادة، أى أنها محاولة نحاول أن نرفع من خلالها الوصاية على استعمال هذا الحق، ولو جزئيا.

فى حالة فوزى نلاحظ أنه يبدو وكأنه يراعى شعور المعالج الرئيسى أساسا باعتباره والداً، حيث أن هذا الطبيب الوالد اتفق معه مرارا على أن شرط  حضوره المجموعة هو ألا يؤذى أولاده حتى تحت زعم أن ذلك بسبب مرضه.

هناك احتمال أن فوزى عمل حساب “زعل هذا الطبيب/الوالد” ليس لأنه أعلن تمسكه بحقه  مباشرة فى الخوف، ولكن لأن هذا الإعلان قد  يترتب عليه إطلاق سراح اندفاعة خطرة، يقف منها هذا المعالج الأب بالمرصاد.

 يدعم هذا التفسير ما أكمل فوزى به عبارته الثانية “حتى لو الدنيا اتطربقت” – إذ يبدو أنه حين يخاف، او حتى يتهدد بإعلان الخوف –دون أن يتذكر حضور السلطة الوالدية ينفجر حتى “يطربق” الدنيا عاليها فى سافلها فعلاً

الأمر واضح سواء من ملاحظة تقديم وتأخير العبارات أم من المحتوى

(2) أحمد: يا فاطمة أنا من حقى أخاف حتى لو حاسيب الناس خالص

                انا خايف أخاف لاحْسن الناس ينتقدونى، ينتقدوا كلامى وأفعالى يعنى.

يبدو أن استعمال حق الخوف هنا عند أحمد يترتب عليه أن ينسحب بعيداً عن الناس، هل يا ترى ليخفى عنهم خوفه، أم تجنباً لحكمهم عليه كما يقول؟ أم مراعاة لشعورهم؟

 يلاحظ  أيضا أن أحمد يضع فى الحساب انتقاد “كل الناس” مقارنة بفوزى الذى حدد خوفه من “زعل الطبيب الوالد”

استجابته فى العبارة  الثانية تظهر حساسيته للنقد سواء لكلامه أو لسلوكه، مما يؤكد الفرض الذى قرأنا من خلاله استجابته الأولى التى أشارت إلى أن استعمال حقه هذا قد تكون محصلته هى: اللجوء إلى الانسحاب بعيدا عنهم تحسباً لهذا الموقف الحُكْمىْ من الآخرين

(3) فاطمة: يا زكية أنا من حقى أخاف حتى لو اضطريت أعمل حاجة تزعَّل

               يا زكية أنا خايفة أخاف لاحْسن أعمل حاجة تزعل الناس

الاستجابة هنا تكمل بعضها بعضا: ذلك لأنه يبدو أن خوف فاطمة أن ” تعمل حاجة تزعل” لو أنها استعملت حقها، هو هو الذى “يخيفها من خوفها” تجنبا لنفس الفعل -هذا يختلف عن استجابة فوزى الذى يتردد فى استعمال حقه فى الخوف لأنه يعمل حساب الوالد الطبيب القامع الراعى معا.

(4) زكية: يا د. يحيى أنا من حقى أخاف حتى لو الناس تلوم على

      يا د. يحيى أنا خايفة أخاف لاحْسن الخوف يرجع لى تانى.

هنا أيضا بدا أن الحرمان من حق الخوف مصدره مجموع الناس / السلطة ( المجتمع – الأسرة – الأخرين ) وكأن الناس اتفقوا، ليس على أن يحمونا من الخوف، وإنما على أن يمنعونا من الخوف، بحرماننا من حقنا فى الخوف، مع أننا نعتبره هنا من خلال هذا الفرض بداية للسيطرة عليه، أو الاستفادة منه .  يبدو أن “زكية” قد استشعرت هنا أن الناس، تلومها إذا استعملت “حقها فى الخوف”

من هنا وجب علينا أن نعيد النظر فى هذه النصائح المكرره التى يتبادلها الناس طول الوقت “لاتخف لاتخف”، “ما تخافش، مايهمك”، وربما نصحنا أن نستبدلها  أحيانا بأقوالنا الشعبية “خاف وخوّف” “الخوف من الله واسع”، “مِنْ خاف سِلِمْ”… إلخ

الاستجابة للعبارة الثانية تؤكد ظاهرة علميه أقرب إلى ظاهرة التوقد kindling  وهى تعنى أن إطلاق سراح سلوك معين، (مَرَضِىّ، أو صِحّى) المرة تلو المرة  إنما يسهل  انطلاقه بعد ذلك أسرع وربما أشد، ومن هنا تنبهنا هذه الاستجابة إلى أن السماح بالخوف دون استيعابه أو معايشته ليتكامل مع جوانب أخرى من الوجدان وغير الواجدان، يسهل ظهوره سلبيا المرة تلو المرة.

(5) حمزة: يا حامد أنا من حقى أخاف حتى لو خايف ما اللى حايحصل

             يا حامد أنا خايف أخاف لاحْسن يحصل معايا اللى هايحصل

تحريك حق الخوف– بالعبارة الأولى – مورس هنا ليحضر جنبا إلى جنب فى مواجهة كل الاحتمالات “اللى حايحصل”، لكن حين لحقته العبارة الثانية هكذا تبين لنا كيف أن حمزة أيضا يستعمل الخوف من الخوف ليحول، أو حتى لينكر أو يقلل من احتمالات “اللى حايحصل”. التعارض هنا ليس مرفوضا، الأمر يتوقف على مدى المسارعة بالمحْوundoing قبل السماح بالاعتراف بالحق فى الخوف .

(6) ليلى: د. سعاد  أنا من حقى أخاف حتى لو أضيع

           يا د.سعاد  أنا خايفة أخاف لاحْسن أضيع

 الاستجابتات تكمل إحداهما الأخرى، فاقرار حق الخوف وصل إلى درجة الإقدام حتى بمغامرة الضياع، وهو هو (الخوف من الضياع) هو الذى يحول دون السماح للخوف (أو الاقرار بالحق فى الخوف).

(7) حامد: يا فوزى أنا خايف أخاف لاحْسن يتكرر ده معايا تانى

               أنا من حقى أخاف حتى لو يتكرر معايا تانى

نفس الحكاية : ما يسمح بالخوف هو هو ما يخيف من الخوف، علينا أن ننبه أن تكملة اللاعب (المريض أو المعالج) لنفس الاستجابة بغض النظر عن العبارة التى يسبقها، أو الاستدراك، أو الانتباه، حرف الجرّ، قد يكون دليلا على صعوبة الفهم أو أنه لم يلتقط قواعد اللعبة بالقدر الكافى.

(8) عبد الفتاح: يا حمزة  أنا من حقى أخاف.. حتى لو أى حاجة اتغيرت

                يا حمزة أنا خايف أخاف لاحْسن أى حاجة تانى تحصل

يوجد شك هنا (وهذا كثيرا ما يحدث) أن يتغافل اللاعب (المريض أو الطبيب) حتى الربط المقصود به تحريك الوعى وقبول التحدى، مع هذا الفرض استقبلنا كلام عبد الفتاح “حتى لو أى حاجة اتغيرت” باعتبار أنه أغفل لفظ “حتى“أصلا، فأصبحت “أنا من حقى أخاف… لو أى حاجة اتغيرت”. الخوف الحقيقى (الذى هو حق طبيعى) هو من التغيير، أى تغير (حتى إلى أحسن).

أما لو اعتبرنا أنه يقصد حتى، فيمكن أن نقرأ استجابته على أنها حقه فى الخوف، بغض النظر عما يتغير أيا كان،

الاستجابة للعبارة الثانية تؤكد افتراضنا الأول (أنه ألغى “حتى فى العبارة الأولى”) لأنه بدا أن خوفه من الخوف هو تثبيت “للساكن”، من حيث أن الخوف هو دليل على حركة ما فى اتجاهٍ ما.

(9) يحيى: يا د. أشرف  أنا من حقى أخاف حتى لو كنت متصور إن أنا ما باخفش

            يا د. أشرف  أنا خايف أخاف لاحْسن اتعطل.

ملحوظة:  (عادة ما يؤجل دور لعب المعالج الرئيسى إلى الآخر، مهما جاء دوره مبكرا اثناء اللعب، وذلك حتى لا تبدو استجابته نموذجاً للاستجابة المطلوبة خشية التقليد.)

هكذا يتعرى المعالج الرئيسى، وبما أنه هو “أنا”، فكل ما سوف أقوله هو مجرد احتمالات لا أكثر:

ابتداءً: لابد أن نقرّ، أو حتى نفترض أن الاستجابة هى تلقائية وليست بقصد العلاج، ولا بأى غرض آخر، إلا أن يتعامل المعالج مع اللعبة مثل المريض سواء بسواء، ليصب كل الجهد فى النهاية فى العلاج الممتد معاً.

 مع مرور الزمن  وتزايد الخبرة، يتصور المعالج عادة أنه تخطى مراحل كثيرة  فى مسيرة نموه، أو: وهو يحاول أو أن يساعد مرضاه على تخطيها، وقد بدا  المعالج هنا فى استجابته للعبارة الأولى أنه ينبه نفسه فالآخرين: أن عليه أن يعيد النظر باستمرار فى تصوراته عن نفسه، فما هو إلا بشر مثله مثل غيره، وبالتالى فمن حقه أن يحتفظ بحقه فى التفاعل إذا تجلى فى خوف أو خلافه

 الاستجابة الثانية ربما تتعلق بموقف هذا المعالج بالذات من حيث حرصه ألا يعيقه أى ضعف أو استسهال عن مواصلة سعيه لما يتصوره رسالته، فهو يخشى لو سمح للخوف أن ينطلق على سجيته أن يكون ذلك عائقاً فى طريق ما يتخيلة واجبه أو مهمتة، التى لابد أن تتواصل طول الوقت بشكل أو بآخر.

(10) عبلة: يا زكية أنا من حقى أخاف حتى لو علشان أنا تعبانة

             يا زكية أنا خايفة أخاف أكتر من كده لاحْسن علشان مخنوقة

أقحمت عبلة لفظ عشان فى العبارتين الواحدة تلو الأخرى وكثيرا ما يتكرر ذلك فى مثل هذه الألعاب، وذلك يشير إلى غلبة ما يشاع عن العلاج النفسى التبصيرى والتبريرى وأنه يبحث فى الأسباب عادة وهو ما يتفق مع ما يسمى الحتمية السببية الأمر، الذى يتراجع فى العلاج الجمعى حيث يكون التركيز على “الآن”، و”المعنى”، و”الهدف”، طول الوقت.

 ثم نلاحظ أنه بالرغم من “علشان” التى استعملتها عبلة إلا أن ما ورد بعدها هو مجرد ذكر للمعاناة “تعبانة”، “مخنوقة” الأمر الذى ليس له علاقة لا بالحق فى الخوف ولا بالخوف من الخوف.

وبعد

أعرف  طبعا أن متابعة هذه الاستجابات كتابة صعبة، أو شديدة الصعوبة، لكننى لمن أجد سبيلا إلى “هزّ الشائع” إلا بعرضها هكذا – حتى عرضها بالصوت والصورة قد لا يوصل المراد، ناهيك عن أننا لم نأخذ إذن المشاركين للعرض العام.

ملحوظة: كل الأسماء هى أسماء بديلة دون استثناء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *