الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (206) من الكراسة الأولى (2)

قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (206) من الكراسة الأولى (2)

نشرة “الإنسان والتطور”

الخميس:  1-10- 2015

السنة التاسعة

العدد: 2953

mahfouz 2

ص 206 من الكراسة الأولى (2)

1-10-2015

بسم الله الرحمن الرحيم

نجيب محفوظ

أم كلثوم نجيب محفوظ

فاطمة نجيب محفوظ

هذه الطرق تؤدى إلى الهدى

وهذا الهدى يؤدى إلى الطريق

وغزا الجزيرة حتى جاءنى بنأ

ياليت الشباب يعود يوما فاخبره

أيها القوم المخبون فى الأرض المجدون

فكما أنتم كنا وكما نحن تكونون

إيزيس وفينوس وديانا

                    نجيب محفوظ

                      4/9/1995

مقدمة:

مازلت يا شيخى الغالى تصر أن تواصل تعليمى وإرشادى إلى ما فاتنى، وأحيانا أشعر أننى استحق منك قرص أذنى بأبوة حانية كلما دعوتنى إلى مائدة تدريباتك الحافلة فأجدنى صفحة بيضاء فى هذه المنطقة أو تلك: فاتحاً فاهى مثل أى صبى جاهل.

 ناقشنا الأسبوع الماضى كل الصفحة إلا سطراً واحداً هو آخر سطر وفيه ثلاث كلمات لا أكثر، ثلاثة أسماء لثلاثة آلهة من البشر، هى “إيزيس” و”فينوس” و”ديانا” أو بشريات تألـّهن، وإذا بى أمام محيط جهلى يغمرنى خجل التقصير وفرحة الكشف معا،

 طبعا سمعت عن إيزيس (منك ومن غيرك) وسمعت عن فينوس، لكن ديانا لم أكن أعرف أحدا بهذا الاسم إلا الغندورة ديانا المأسوف على شبابها وجمالها، حرم الأمير تشارلز سابقا، طبعا استبعدت أنك تقصدها ثم تأكدت بالبحث فعلا أنك لا تقصدها.

سطر واحد من ثلاث كلمات فتح علىّ فتحا مبينا بفضلك الممتد فى تنويرنا بكل هذه التلقائية المبدعة حتى بعد زعم رحيلك، فأدعو الله أن يصل فيض وعيك إلى الجهلاء أمثالى، وأيضا إلى الذين يتصورون أنهم ليسوا كذلك، أن تصل إلينا بهذه الكلمات التى تبدو مبعثرة على صفحات تدريبك ما نتعرف عليك أعمق وأطيب، فنتعرف على أنفسنا أقدر وأكرم، فندعو لك ونتعهد أن نحاول أن نكون عند حسن ظنك.

المهم جاءت هذه الأسماء للآلهات البشر أو البشر الآلهة بعد سطرين (بيتين من الشعر) طالما كررتـَهـَما يا شيخى فى هذه التدريبات سالفا(1)، وقد عجبت منهما حين التقيت بهما أول مرة  ثم ألفتهما حتى حفظتهما، وكنت كلما كررتهما فى تدريباتك أتساءل لماذا كل هذا التكرار والإصرار،  فأنا لم أشعر فيهما بجمال الشعر، بل وصلنى منهما “حكمة الوعظ”، لكن فى هذه الصفحة جاء البيتان قبل أسماء هذه الآلهات البشريات مباشرة، وكأنك تريد تبليغنا أن من قالهما ليس بالضرورة من ساكنى القبور كما جاءت الرواية الأصل وإنما هى حكمة سائرة يمكن أن تصدر من الآلهة البشر على حد سواء.

تصورت أن وعيك فى هذه الصفحة يبلغنا أن هؤلاء الآلهة الثلاثة يتغنين بهذا الشعر، وبالتالى علينا ألا ننسى “أننا لله وأنا إليه راجعون”.

مرة أخرى يخاطب هذا الشعر (الصادر أصلا على لسان حال ساكنى القبور) من “يخبون” على الأرض فوقها، ألا يغتروا وهم أحياء وأن يعملوا حساب متى يصيبهم الدور.

أيها القوم المُخِبُّونَ فى الأرض المجدون

فكما أنتم كنا وكما نحن تكونون(2)

وقد سبق أن ربطت بين الحكمة الواردة فيهما وبين ما يقاربها أو يدعمها مثل:

“من أراد واعظا فالموت يكفيه”،

 وأيضا الآية الكريمة:

 “وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً”

 لكن فاتنى أن أربط بينهما وبين رثاء أبى العتاهية لابنه وقد تعلمته من تدريباتك أيضا يا شيخنا  “وكانت في حياتك لي عظات … وأنت اليوم أوعظ منك حياً”، لكن ما فاتنى أكثر ووجدته أولى وأقرب كثيرا إلى هذين البيتين هو “رباعية الخيام” التى يقول فيها:

فامِش الهُوَيْنا إنّ هذا الثرى

من أعينٍ ساحرة الإحورارْ

وبعد

حين حاولت أن أكمل التداعى اليوم فأتناول فى بقية النشرة هذه الأسماء الثلاث “إيزيس” و”فينوس” و”ديانا”، وجدت أن كل أسم من هذه الأسماء يحتاج نشرة مستقلة كاملة، بدءًا “بإيزيس” التى لا أذكر أنها حضرت فى أعمالك لتاريخية الأولى “عبث الأقدار، كفاح طيبة، رادوبيس” أما دورها فى “أمام العرش”، فقد قدرت أننى إذا أردت أن أتداعى بدءًا بها فإن علىّ أن أجمع كيف أحضرتها لنا بقدر كافٍ على الأقل فى هذا العمل، لكننى انتبهت إلى أن ما حضرنى من تداعى امتد أبعد من إيزيس وخاصة فى “أمام العرش” فقد جرجرنى إلى علاقتك وعلاقة إبداعك بالأسطورة عموما، فوجدت رسالة  دكتوراه بأكملها فى ذلك لدكتورة سناء شعلان “الأسطورة فى رواية نجيب محفوظ”،

 ثم إنى رجعت إلى النقد الذى قمت به لبعض أعمالك فإذا بى أكتشف أننى عشت علاقة إبداعك بالتاريخ وبالأسطورة فى أكثر من عمل، مثلا فى روايات طويلة بشكل مباشر مثل: “ليالى ألف ليلة” أو “رحلة ابن فطومة” أو “العائش فى الحقيقة” بل وربما الاهم بالنسبة لى الآن فى تلك الأساطير التى ظهرت مؤخرا فى بضعة أسطر فيما يسمى “أحلام فترة النقاهة” سواء التى نشرت فى دار الشروق 2011، وقمت بنقدها(3) أو تلك الأحلام الجديدة المزمع نشرها، لكل ذلك فضلت أن أؤجل كل ذلك إلى النشرة الأسبوع القادم، آملا ألا تستغرق هذه الصفحة أكثر من ذلك.

[1] –  أيها القوم المخبون فى الأرض المجدون، فكما أنتم كنا وكما نحن تكونون:  ورد هذا النص فى صفحة التدريب (ص 20) بتاريخ: 18- 3 – 2010، وصفحة التدريب (75) بتاريخ13-10-2011 ، وصفحة التدريب (ص 107) بتاريخ: 7-2 – 2013، وصفحة التدريب رقم (128) نشرة: 10-10-2013 وصفحة التدريب رقم (146) نشرة: 20-3-2014 وصفحة التدريب رقم (185) نشرة: 15-1-2015 وصفحة التدريب رقم (204) نشرة: 10-9-2015.

[2] –  ورد هذا النص فى كتاب لابن عبد البر بعنوان جميل طريف هو: بهجة المجالس وأنس المُجالس وشحذ الذاهن والهاجس” ومؤلفه هو جمال الدين ابو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر….، وهو مصنف مع الادب العربي تاريخ العصر الاندلسى.

وأيضا  فى كتاب “هواتف الجنان” لابن أبى الدنيا  (الفقرة 1/50) وحكايته كالتالى:

“……. وقال ابن الكلبي، عن أبيه: خرج النعمان بن المنذر إلى الصيد، ومعه عدي بن زيد، فمر بشجرة، فقال له: أتدرى ما تقول هذه الشجرة؟ قال: لا. قال: تقول:

رب ركبٍ قد أناخوا عندنا … يشربون الخمر بالماء الزلال

عصف الدهر بهم فانقرضوا … وكذاك الدهر حالاً بعد حال

قال: ثم مر بمقبرة، فقال له عدى: أتدرى أيها الملك ما تقول هذه المقبرة؟ قال: لا. قال:

تقول:

أيها الركب المخبون … على الأرض المجدون

كما أنتم كنا …   …. وكما نحن تكونون

ومن كتاب “هواتف الجنان” لابن أبى الدنيا  (الفقرة 1/50) وجدت ما يلى:

حدثني أبو الحسن البصرى، حدثني سعيد بن حسان، قال: بينا ركب في فلاة من الأرض في ليلة ظلماء ووراءهم تحيط المقابر إذا هاتف يقول لهم:

أيها الركب المخبون …… وعلى الأرض مجدون

فكما أنتم كنا……  …….. وكما نحن تكونون

[3] –  كتاب: أ.د. يحيى الرخاوى ، عن طبيعة الحلم والإبداع دراسة نقدية فى “أحلام فترة النقاهة” نجيب محفوظ، دار الشروق، 2011

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *