الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل السادس: ملف اضطرابات الوعى (48) نعمل حلم (7) (حلم “عبد الحميد”:؟؟ تزييف الحلم)

الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل السادس: ملف اضطرابات الوعى (48) نعمل حلم (7) (حلم “عبد الحميد”:؟؟ تزييف الحلم)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 30-9-2015

السنة التاسعة

العدد: 2952

  الأساس فى الطب النفسى 

 الافتراضات الأساسية: الفصل السادس:

 ملف اضطرابات الوعى (48)

نعمل حلم (7)

(حلم “عبد الحميد”:؟؟ تزييف الحلم)

مقدمة:

عبد الحميد هو أول من بدأ التنبيه على صعوبة تطبيق هذه الفكرة (فكرة “نعمل حلم”) بمجرد طرحها: حين أشارت ياسمين إلى حلم حلمته فى البداية، ولم نناقش حلمها أصلا، فقد تخلقت مبادرة التجربة، فسارع عبد الحميد بالجزم بصعوبة تنفيذها، وبدت مقاومته حاسمة كما يلى:

 د.يحيى: تعرف يا عبد الحميد؟

عبد الحميد: (بحسمٍ حازمْ) لأ

د.يحيى: طب انا أراهن إنك تعرف

عبد الحميد: إيش عرّفك (إنى أعرف)

د.يحيى: كلنا نعرف، أصل أنا عندى كده فكرة أن كلنا نعرف، كلنا دكاتره وعيانين، نقوم حلمانين كدهه وخلاص، هنا ودلوقتى.. إيه رأيك؟

عبد الحميد: لأ، هنا ودلوقتى لاَّهْ

د.يحيى: ليه ما هو حلم، بدل ما نقعد نعبَّر وما نعبرش(1)

عبد الحميد: لأه يعنى لأه… دلوقتى لأ ….

د.يحيى: يا راجل حِلمْ، حاوِلْ …

عبد الحميد: لأ

د.يحيى: ليه

عبد الحميد: صعب

د.يحيى: طب نشوف دينا (د. دينا)(2) (إيه رأيك يا دينا؟) تحاولى؟ مش تفتكرى لنا حلم وتحكى، لأه..،

(وابتدأت دينا (نشرة: 21/9/2015 )  وبعدها صبرى (نشرة: 22/9/2015) ثم د. مروة (نشرة: 23/9/2015) ثم محمد (نشرة: 27/9/2015)  ثم سارة (نشرة: 28/9/2015) ثم أحمد (نشرة: 29/9/2015) كما ورد فى النشرات السابقة)

ويبدو أن كل ما جرى حتى على عبد الحميد فلم يتردد فى الانطلاق دون عودة إلى المقاومة الصريحة، لكنه أحلّ مقاومة أخرى، حين قام بما يكافئ ما ذهبنا إلى افتراضه، فأحل حلما أشبه بحلم اليقظة أو ما يقترب من معظم الأحلام المحْكيّة بديلا عن معايشة احتمال تنشيط وعى الحلم مثل سائر المشاركين، وجرى الأمر على الوجه التالى:

…………

د.يحيى (لأحمد): متشكر (يا أحمد) تدى الكوره لمين

أحمد: لأى حد وخلاص للأستاذ عبد الحميد

د.يحيى: يا للا يا عبد الحميد: أنا دلوقتى ….

عبد الحميد: أنا دلوقتى رايح المنيب، أنا دلوقتى رايح أركب عربية البلد وأنا باحب البلد، باحب الريف وباحب أكل الريف بارتاح نفسيا لما باخرج

د.يحيى: إنت عمال توصف مشاعرك؟ يا راجل قول أى حاجة فيها حركه

عبد الحميد: كل خطوة باخطيها فى البلد، وأنا راكب العربيه بابُصّ على الزراعه، باحب الزراعه جدا، فرُحت عند أختى، غدّتنى وقعدنا إتكلمنا مع بعض وبعد كده خرجنا إتمشينا، وبعدين دخلنا تانى وبعدين بدأ العشاء… (صمت فجأة،……) وبس

د.يحيى: كل ده بالنهار

عبد الحميد: لأه المغرب، لأه أنا باحب الزراعه باحب المراكب الشراعيه بارتاح نفسيا (صمت)

د.يحيى: تدى الكورة لمين

عبد الحميد: للأخت سحر

التعقيب:

واضح أن عبد الحميد انطلق يحكى بهذه السهولة ليس لأن مقاومته قلّت، ولكن يبدو أنه قرر أن يخوض التجربة زيفا من البداية للنهاية، (ليس قرارا شعوريا) فنلاحظ أنه راح يحكى وهو بعيد كل البعد عن “هنا ودلوقتى” برغم أنه بدأ بنفس الكلمات، ثم تسلسلت منه الحكاية فى اتساق منظم، وتمادى فى الوصف والشرح وكأنه يكتب موضوع إنشاء عن جمال الريف والجو الجميل والنسيم العليل حتى كاد يصل إلى “ما أحلاها عيشة الفلاح”، وحتى الزمن لم يتحرك إلا فى تسلسل خطى حتى المغرب، وقد كاد ينتقل إلى رحلة فى النيل بالمراكب الشراعية “ليرتاح نفسيا”.

وواضح أن المعالج قد التقط كل هذه السطحية التى دلت على مدى بعده عن ما اسميناه وعى الحلم، وحين صمت عبد الحميد دون أن يبدو عليه أى نية للاستمرار التقط المدّرب المعالج مستوى الحكى، وطلب منه تسليم الدور إلى من يليه: “تدى الكورة لمين”.

وفى بريد الجمعة:

  ورد هذا التعقيب (ليس مختصا بعبد الحميد بالذات)

أ. علاء عبد الهادى

رغم ما يمكن أن يقال أن ذلك حلم زائف، إلا أن له دلالة إكلينكية، فكيف يمكن أن نفرق أن ذلك حلم زائف أو حقيقى.

د. يحيى:

المهم يا علاء هو أن نتذكر بوضوح أننا لسنا محققين علينا أن نكتشف المزيفين، فحتى حلم عبد الحميد الذى هو ليس حلما بالمواصفات التى نتوقعها بما يدل على اختلاف نوعية الوعى وطبيعة الترابط…الخ حتى هذا الحلم الذى هو حكى خيالى خالص تقريبا، لا يصح إغفال دلالته، لكن لا ينبغى أن نعلى من قيمة هذه الدلالة، ونتوقف عندها، ثم نضيف إليها ما تيسر من تعسف ترجمة رموزها تفسيرا وتأويلا وغير ذلك.

بصراحة يا علاء علينا أن نحترم كل إشارة  وكل كلمة وكل حرف وكل تعبير من أى مريض على أى مستوى، وأن نأخذه مأخذ الجد ، لكن بأقل قدر من الوصاية الجاهزة أو الترجمة الفورية إلى ما نعرف مسبقا، وبالتالى يكون لكل من الحلم المزيف، والمؤلف، والمخفى،  والمُفتْرض دلالته وفائدته فى سياق نقد النص البشرى وإعادة تشكيله كما اتفقنا.

إن ما نسميه حلما زائفا لا يعنى الاتهام بالكذب أو التلفيق، لكن المقصود هو نفى أن هذا الذى يُحكى ليس هو هو حقيقة ما يحدث أثناء الليل من نشاط ليس إلا نشاط إبداعى – برغم أنه حلمى-  لكن لا يصلنا منه إلا نتائجه التى لا نلحظها عادة، فهو لا يبقى منه ظاهرا فى المتناول إلا “عرائس الزبد” (= الحلم المَحْكى) ، وليس معنى ذلك أننى أرفض التفسير لمغزى ودلالة هذه العرائس، فنحن الذين نصنعها أيضا، لكننى أنبه أنها ليست إلا زبد محيط النشاط الحلمى الحقيقى، والمقصود بكل ذلك هو التنبيه إلى الاهتمام بما وراء ذلك، حتى لو لم نعرف تفاصيله، وألا نسارع بتفسيره بما تيسر عندنا من رموز ومعلومات، فعلينا أن نهتم بكل المستويات ماضين فى طريقنا نحو عمق الغيب وأصل الإبداع حتى المعرفة  الهشة(3) amorphous cognition  التى قال بها سيلفانو أريتى.

وأيضا، وبأبجدية معرفية لا تسمى علميا يمكن الرجوع إلى إشارات نشرات السبت مؤخرا(4).

أ. منى أحمد

 أنا باحس كتير إن الحلم ده من خيالى أنا أوقات وأنا بحكيه بيكون جوايا إحساس إنى كدابه، وإن أنا بحكى شىء من خيالى بس بجد بحاول أكون صادقة وبجد ، بس ده شعورى وده رأيى عن الحلم.

د. يحيى:

منتهى الصدق يا منى يا ابنتى أن تصفى خبرة إحلال الحلم المصنوع لاحقا (وهو ما اسميناه أحيانا الحلم الزائف)، أن تصفى هذه الخبرة بقولك “بيكون جوايا إحساس إنى كذابة”، مع أنه ليس كذبا أصلا ولا تزييفا !!

 هل تذكرين يا منى أننى حذرتكم مرارا من التهاون بشكوى مريض الفصامى فى بداية بداية مرضه حين يحكى عن أعراض تغير الذات، أو تغير العالم من حوله، أو غير ذلك من أعراض، ثم يستدرك قائلا، “لا..لا.. يا دكتور، لا تصدقنى، الظاهر أنى أتمارض ( إوعى تصدقنى يا دكتور، الظاهر إنى باتمارض)، وكنت أقول لكم إن المتمارض لا يعترف أنه يتمارض، بل يصر على أنه مريض، وأن هذه الخبرة الباكرة فى بداية الفصام (أو الذهان عامة) يمكن أن تساعدنا فى أن نلحق بالمريض قبل أن يتمادى به المرض، فهو يعلن باتهامه نفسه بالادعاء: أنه فى مفترق طرق النمو، وأن هذا الذى يعايشه فيه قدر من الإرادة أو الغائية أو القرار المُضْمَر الذى لاح واقترب بتغير الوعى مع بداية المرض، وبالتالى هو يخطرنا بذلك أنه فى مرحلة باكرة أسميتها باكرا “الأزمة المفترقية” Cross-roads Crisis(5) ، فى  هذه المرحلة  يمكن أن نساعده على تغيير المسار إلى الإبداع الناجح بدلا من الإبداع المجهض المسمى “الجنون”.

إن ما وصفتِه يا منى هو من قبيل هذا الصدق البصيرى الذى يتمتع به المبدع مثلما يعلنه بعض الذهانيين فى البداية، وهذ وذاك يؤكد صدق الخبرة وينفى أى شبهة ادعاء، وبالتالى يدعم فروضنا أننا “نبدع أحلامنا” التى نحكيها، حتى لو لم نعرف بقية أسرار ومحتوى المحيط النومى والحلمى العصى على الفحص والحكى.

شكرا بجد

[1] – هناك اتجاه عام فى هذه الطريقة فى العلاج الجمعى أن ننبه أن العلاج النفسى ليس كما يشاع عنه “أطلّع اللى جوايا”، وليس مجرد “أعبر عن نفسى”، فقد لاحظنا أن هذا وذاك مرتبط بما هو تحليل نفسى وتفريغ أكثر من ارتباطه بآليات هذا النوع من العلاج حيث يتركز التركيز على حضور وعى، وحفز “فعٍل” فى “هنا والآن”.

[2]  –  كثيرا ما لا ألقب زملائى الأصغر بلقب دكتور، وقد ترتب على هذا الحوار أن بدأت الدكتورة دينا التجربة كما ظهرت فى نشرة: 21/9/2015 .

[3]-   Silvano Arieti: Tertiary processes (1976), Creativity: The Magic Synthesis. Basic Books، New York

[4] – لمن شاء وكان عنده أى قدر من إبداع التلقى أن يرجع إلى نشرات الانسان والتطور أيام السبت فى الثلاث أسابيع الماضية ، ويراجع الحوار مع مولانا النفرى بالصبر الممكن لعله يربط بين مصادر المعرفة بالقدر الذى يستطيعه.

[5] – يحيى الرخاوى: “دراسة فى علم السيكوباثولوجى” “الأزمة المفترقية” مثلا: صفحة 170 – 173.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *