الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل السادس: ملف اضطرابات الوعى (47) نعمل حلم (6) مزيد من العينات والتعقيبات (حلم “أحمد” نموذج متميز لماهية إبداع الحلم)

الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل السادس: ملف اضطرابات الوعى (47) نعمل حلم (6) مزيد من العينات والتعقيبات (حلم “أحمد” نموذج متميز لماهية إبداع الحلم)

نشرة “الإنسان والتطور”

الثلاثاء: 29-9-2015

السنة التاسعة

العدد: 2951

  الأساس فى الطب النفسى 

 الافتراضات الأساسية: الفصل السادس:

 ملف اضطرابات الوعى (47)

نعمل حلم (6)

مزيد من العينات والتعقيبات

(حلم “أحمد” نموذج متميز لماهية إبداع الحلم)

د.يحيى: طيب تدى يا ساره الكوره لمين

ساره: لأحمد

د.يحيى: أنا دلوقتى

أحمد:

أنا دلوقتى … فى “ملأهْ”(1) عندنا فى البلد، المكان ده زراعه فى الشتاء، واحنا بالليل، نازل أنا وأربعه صحابى المفروض إن كان فيه واحد جاى معانا بس أنا مارضيتش أجيبه، هو إسمه وائل وإحنا قاعدين فى غيط كده فيه عشّهّ فى الأرض، لقيت صاحب الغيط أمامى وأنا لوحدى فجأة كده والناس اللى معايا مش موجودين وصاحب الغيط أمامى وأنا لوحدى لقيت عماد أخويا جه، ورحنا ضاربين الراجل وموتناه، أنا اللى موته فرحت المستشفى لما أغمى عليا صحيت كده ورحت أعترفت إنى أنا اللى قتلته.

د.يحيى: متشكر تدى الكوره لمين

تعقيب على استجابة “أحمد”: نلاحظ ما يلى:

هذا يكاد يكون حلم يبين ما قصدته التجربة دون تحديد، وهو يخلو تقريبا تماما من أية شبهة لما يسمى أحلام اليقظة.

v         انتقل أحمد على الفور إلى مسرح الحلم، “ملأهْ فى البلد” وزمنه: “فى الشتاء، ليلا”

v         أحضر أصدقاءه الأربعة، واستبعد خامسا لم يحضر أصلا لكنه ذكره فاتسعت زاوية الحلم، وحين حضر، وبالإسم (دون بقية الأصدقاء) لم يكن له دور معين فى الحلم، ولا أعرف لماذا سمّاه دون سائر الأصدقاء، وهذا من طبيعة الحلم ألا يلتزم بمنطق بذاته، ولا بقاعدة عامة، المهم فى الحلم هو: الحركة، والسرعة، والمفاجأة

v         ثم اختفى الأصدقاء فجأة دون تفسير أو سبب.

v          واختفاء الأشخاص فجأة وظهورهم فجأة هو من طبيعة إبداع الحلم عادة

v         بعد أن أحضر أحمد أخاه عماد  انتقلت حركية الحلم بنقلة لم توحِ بها بداية الحلم، وهذا يؤكد أيضا طبيعته الحلمية.

v         لم تظهر فى الحلم أية أسباب لقتل صاحب الحقل، فلا خلاف ولا شجار، وهذا أيضا من طبيعة الإبداع فى الحلم (والشعر)

v         برغم أنه هو وأخاه اشتركا فى ضرب الرجل، إلا أنه عزا إلى نفسه قتله وحده، وفى نفس الوقت هو الذى فقد الوعى وانتقل إلى المستشفى، وحين أفاق اكد اعترافه بالقتل دون أخيه.

v         انتهى الحلم فجأة بهذا الاعتراف، فبدا فيه نفس التوجه إلى حسم النهاية بإيقاف حاد، وهو الأمر الذى لاحظناه فى كل من سبق (النشرات السابقة) بالنسبة لقرار الإنهاء.

تعقيب عام لاحق على حلم “أحمد”:

  • مع استمرار التجربة، بدا أن المحاولة أصبحت أسهل، وأوضح
  • بدت لى النقلات هنا، وغياب التسلسل الخطى، بما فى ذلك عدم الالتزام بعلاقة السبب بالنتيجة أقرب إلى طبيعة وعى الحلم
  • ابتعاد نهاية الحلم عن بدايته، يضيف أيضا إلى طبيعة وعى الحلم
  • المفاجآت كانت جاهزة وحادة، مثلا: نحن نتوقع أن القتيل لا القاتل يمكن أن يغمى عليه قبيل طلوع الروح، لكن القاتل (لو كان هو القاتل) هو الذى أغمى عليه، وقد أفاق متذكرا الأحداث وأكملها.
  • ترك لنا أحمد النهاية مفتوحة، فلم نتأكد إن كان هو القاتل فعلا أم انه اعترف بأنه القاتل كنوع من الشهامة لتبرئة أخيه، او حتى لتقليص التهمة فى واحد من الأسرة بدلا من اثنين، وهذا أيضا من طبيعة الإبداع الجيد والحلم (والشعر).

ثم جاءنى فى  بريد الجمعة من الإبن علاء عبد الهادى ما يلى:

(دون تخصيص أيضا بهذا الحلم، وبصراحة كانت ردودى عليه فى البريد مختصرة وحين راجعتها وجدتنى غير راض عن نقصانها هكذا، فأدخلتها ضمن التحديث الآن)

أ. علاء عبد الهادى

هذا النوع (أعمل حلم) من الممكن أن يعمل على التقريب ما بين الحقيقة والخيال والواقع، وقد يفيد ذلك كثيراً فى العلاج والبصيرة، ولكن الأخطر أنه قد يتمادى المريض فى ذلك، كذلك فلابد من متابعة مسئولة من الطبيب المعالج. ثم هل هناك محكات إكلينيكية يمكن أن تحكم ذلك نوع من الخيال وكيف يمكن أن نستفيد منه فى علاج المريض؟

د. يحيى:

بصراحة يا علاء أسئلتك عملية ومحرجة معا، إذ أننا مهما بحثنا وقلّبنا ووضعنا الفروض، والنظريات، ملزمين بالتطبيق كأصحاب مهنة مهمتها مساعدة المرضى بكل ما نملك من كل هذا وغيره، وما لم يكن لهذا التنظير وظيفة إكلينيكية فإننى أعتقد أننى سوف أنصرف عنه، أو على الأقل لن أتناوله بنفس الحماس.

ومع أن أسئلتك تبدو مهمة ومنطقية وعملية إلا أنها أشعرتنى أن الفكرة الأساسية التى أتناولها منذ فتحت هذا الملف غائبة عنك بدرجة قد تحتاج أن أعيد كثيرا مما قلت قبلا، ولما كنت أتصور أن أغلبية من يتابعونا هم فى نفس موقفك، وتخطر لهم نفس أسئلتك، فإنى عذرتك واعترف لك أنك تتحلى بالشجاعة وتعلنها، فوجب علىّ لذلك أن أرد مهما كررت.

أولاً: نحن فى موقف تجريبى، قد يضىء لنا أبعاد فرض أساسى، فكل ما ورد مما أسميناه “أحلام” فى هذه التجربة ليست أحلاما بالتعريف التقليدى، ولا بالتعريف المعجمى ولا بالتعريف الشائع عند العامةولا بأى تعريف متاح (بصراحة: اللهم إلا قربها الشديد من إبداع نجيب محفوظ فى أحلام فترة النقاهة بالذات، وقد أرجع إلى ذلك لاحقا).

ثانياً: على هذا الأساس فأنا أتساءل هل انت تطرح أسئلتك على ما يتعلق بهذه الأحلام الواردة فى هذه التجربة أم على الأحلام التى يحكيها المرضى، أم على الأحلام التى تحلمها أنت أم على الأحلام التى يفسرها ابن سيرين أو سيجموند فرويد.

ثالثاً: نحن لا نطرح هذه المَسْرحة (أو اللعبة) بشكل متواتر كعلاج للأمراض، بل إنها تدخل ضمن عشرات بل مئات من الخطوات والتقنيات إذا لزم الأمر، والدليل على ذلك أننى طوال أكثر من أربعين عاما لم أحاول مثل هذه التجربة بهذا العمق والمغامرة إلا بضع مرات (وقد أحاول عدّها لاحقا)، فكيف تتصور أنها – بشكل مباشر – ذات وظيفة إكلينيكية محددة.

رابعاً: وبالرغم من ذلك فقد أضاءت لى هذه التجربة مساحات شاسعة كنت فى أشد الحاجة إلى التعرف عليها بطريقة غير تقليدة، وكلها تقريبا تقع فى محيط اهتماماتى عن “المنهج”، و”الوعى”، و”الإبداع”، و”النقد”، و”الجنون”، بل و”الإيمان إلى وجه الله”،فهى تجربة جعلتنى أتعرف على حركية الوعى البينشخصى وتداخله لتخليق الوعى الجمعى، ثم الوعى الجماعى إلى آخر الدوائر المتداخلة المترامية إلى الوعى بالغيب.

خامساً: كذلك تعرفت من خلالها على قدرة وحق الشخص العادى جدا، مريضا أو متدربا، أو طبيبا، أو معالجا فى مجال الإبداع بالمعنى الحقيقى للطلاقة وإعادة التشكيل والنمو والتطور.

سادساًَ: إذن: فالخوف من أن يتمادى المريض فى “ذلك” هو خوف مشروع، لكن ربما يحتاج الأمر أن تسأل نفسك (كما سألت نفسى) ما هو “ذلك” الذى يمكن أن يتمادى فيه.

سابعاً: وصلنى من تساؤلاتك أنك لم تستوعب ما كررتُهُ منذ فتح هذا الملف عن الفرق بين الخيال والتخيل والتخليق الإبداعى والتشكيل الحلمى، وبالتالى فما جاء فى بداية تساؤلك عن التقريب بين الحقيقة” و”الخيال” و”الواقع”يحتاج لإعادة تعريف نتفق عليه لكل من هذه الألفاظ “الحقيقة”، و”الخيال” و”الواقع”، خصوصا وأن هذه الألفاظ لها أكثر من حضور عندى على أكثر من مستوى طول الوقت، فمثلا الحلم الذى ظهر فى هذه التجربة أنا أعتبره واقعا أوقع مما نسميه الواقع: ذلك الثقل الساكن الجاثم على معظم الحياة العادية الزاحف إلى المؤسسات العلمية السلطوية الساكنة.

لكن إذا كنت تشير تحديدا إلى دور هذا التحريك الإبداعى فى العلاج الجمعى الذى أظهر هذه الأحلام فى هذه التجربة فأنا معك أنها قد تقرب مستويات الوعى من بعضها البعض فى الشخص الواحد، ثم فى الوعى البينشخصى، ثم فى وعى الجماعة، ثم فى الوعى الجماعى، تصعيدا إلى وعى الغيب، كما كررت مرارا، ومن ثم تحفز اضطراد النمو، وهكذا نستفيد منها بشكل مباشر على مسار العلاج مهما كانت التسميات.

[1]- “ملأة” فى الريف المصرى تعنى “ساحة” أو ميدان مفتوح، وهى عادة أكبر من الميدان ومترامية الحدود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *