الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل السادس: ملف اضطرابات الوعى (46) نعمل حلم (5) مزيد من العينات والتعقيبات (حلم “سارة”)

الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل السادس: ملف اضطرابات الوعى (46) نعمل حلم (5) مزيد من العينات والتعقيبات (حلم “سارة”)

نشرة “الإنسان والتطور”

الإثنين28-9-2015

السنة التاسعة

العدد: 2950

  الأساس فى الطب النفسى 

 الافتراضات الأساسية: الفصل السادس:

 ملف اضطرابات الوعى (46)

نعمل حلم (5)

مزيد من العينات والتعقيبات

(حلم “سارة”)

مقدمة:

انتهت نشرة أمس بطلب من المعالج (المدرب) من محمد بعد أن “عمل حلمه”، وحكاه بسرعة وتلقائية وحسم، طلب أن يختار من يمارس نفس التجربة بعده (تِدّى الكرة لمين) مع التوصية ألا يكون طبيبا متدربا حتى يتوازن توزيع الجرعة وترتيبها بين الأطباء والمرضى، فأجاب محمد أنه يعطى الدور (يدّى الكرة) لسارّة ، ثم استمرت التجربة كالتالى:

(نـَصّ التجربة)

محمد: (استجابة لسؤال المعالج: تدرى الكورة لمين) …….لـ “سارة”

د.يحيى: يا سارة د. دينا تعرفك كويس، واديكى شفتى هى لعبتها إزاى، هى اللى ابتدت، وهى اللى استعملت كلمة “أعمل.. حلم”، ودى كلمه جيدة جدا، نفعتنا وخلتنا نشتغل كويس، واديكى شفتى صبرى ومروة، وعرفتى احنا بنعمل ايه، بنعمل حلم د.دينا حاتبقى جنبك، وتسندك شويه لحد ما تشتغلى

سارة: (تبدأ فورا دون تردد) انا دلوقتى عايشة حياة تعيسة

د.يحيى: وبعدين بقى!!! (يا سارة) الحلم حركه، حياة تعيسة دى صفه، شكوى، حاولى تقلبيها مثلا: يعنى، .. انا دلوقتى تعيسة، …..، وتكمّلى….

سارة: انا دلوقتى ماشية فى الشارع وحاسه ان الناس كلها بتتكلم عليا وحاسه ان اخواتى حايقتلونى (صمت)

د.يحيى: قوم حصل ايه؟

سحر:(1) حد قتلك فيهم؟

سارة: حاسه وأنا نايمه حايقتلونى بالسكينة، بأى حاجه علشان.. (صمت)

رضا: (متداخلة تلقائيا): مين فى إخواتك اللى كان بيفكر يقتلك فى الحلم

سارة: كلهم

رضا: كله كله؟ ماحدش حاول يدافع عنك؟

سارة: لأه

رضا: ولا ماما ولا أى حد؟

د.دينا(2) (متداخلة تلقائيا أيضا): صرختى أو جريتى؟

سارة: صرخت وجريت، وحد لحقنى وأنقذنى منهم،

 بس بس خلاص، أنا حاسّة إن الناس كلها بتحبنى

د.دينا: ده حلم ده؟!!!

سارة: آه

تعقيب على استجابة “سارة”:

 نلاحظ  ما يلى:

* برغم مبادرتها فى البدء فقد كانت أقل تلقائية وطلاقة، واحتاجت إلى أسئلة تحفزها للإكمال

* أنها بدأت بعيدة عن ما هو حلم، بل وعن “هنا والآن” بما يشبه أى شكوى عامة لا تقتصر على شكواها من مرضها، وإنما من حياتها كلها “عايشة حياة تعيسة”.

* أن هذه البداية هى بعيدة عن “أنا دلوقتى”، وبالتالى عن حركية إبداع الحلم

* لهذا اعترض المدرب، ونبهها أن الحلم “حركة”، وأنه: “هنا ودلوقتى”

* انتقلت سارة إلى حركية الحلم، ولم تكرر ما أشار به المعالج “انا دلوقتى حاسه انى تعيسة” انتقلت إلى الحركة مباشرة معلنة بذلك أنها دخلت – ولو جزئيا – إلى وعى الحلم، إذن يمكن استبعاد أنها مجرد أطاعت توجيهات المعالج وأكملت تحت تأثيره.

* ظهر فورا ما يشبه “ضلالات الاضطهاد والمطاردة حتى القتل” وهنا يمكن التقاط ملامح العلاقة بين إبداع الحلم وتكوين الضلال، فلو أن سارة جاءت تشكو من “أنهم سوف يقتلونها” إذن لشُخـِّصَتْ فورا بأنها تعتقد اعتقادات وهمية خاطئة..إلخ، وليس أنها تحكى عن محتوى وعى آخر، ليس بعيدا عن وعى اليقظة.

* هكذا تتدعم  جزئية أخرى من الفروض المطروحة عن علاقة الحلم بالجنون، وبالذات بتكوين الضلالات.

* ثم تضيف سارة  أنها تشعر بهذه المشاعر (المخاوف – المخاطر- التهديد) وهى نائمة : “حاسه وأنا نايمه حايقتلونى بالسكينة” .

* ثم إنها كانت قد حددت المطاردين أوالقتلة، وأنهم إخوتها بالذات.

* بعد ذلك، وبدون دعوة، (كما فعلت “رضا” تعقيبا على سطحية حلم محمد: “ده مش حلم دى قصة“) تداخل مشاركون آخرون تلقائيا وبدون إذن من المدرب، فبمجرد أن حرّك المدرب سارة للإكمال “قوم حصل إيه؟؟”، تدخلت سحر سائلة: “حد قــَتــَلــِك فيهم” .

* وقد بدا أن “رضا” استشعرت السماح بالدخول فى أحلام  الآخرين بتلقائية واضحة، ولعل ذلك هو ما يدعم حركية تخليق الوعى الجمعى فى المجموعة، فراحت  تسأل سارة أن تحدد شخصا بذاته هو الذى يريد قتلها، وحين ترد سارة انهم “كلهم”، تُواصل “رضا”، وتضيف سؤالا عن احتمال أن واحدا من إخوتها – مثلا- يكون قد انبرى للدفاع عنها، فتنكر سارة، وحين تمد “رضا” السؤال إلى احتمال أن تكون المدافعة هى أمها، تنكر سارة ذلك أيضا.

* وهنا تتدخل د. دينا، والأرجح أنها لم تتدخل كطبيبة، بقدر ما تدخلت مشاركة فى الوعى الجمعى، فسألت سارة عن تفاعلها لكل ذلك: “صرخـْتِى أو  جريتى؟”.

* فتستجيب سارة أنها صرخت وجرت، لكن لحقها من أنقذها منهم، دون تحديد هذا المُنقذ.

* ثم تـُنهى سارة الحلم بنفس الحسم (مثل محمد)، لكن هنا هى تنهيه بالذهاب إلى الناحية الأخرى: لأنها أضافت أن العكس هو الحادث الآن: “بس بس خلاص، أنا باحس إن الناس كلها بتحبنى“.

* فنلاحظ أيضا أن النهاية جاءت حاسمة، ومفاجئة، وفى الوقت الحاضر “هنا والآن”، وكأن هذه النهاية تعلن الخروج  فجأة من وعى الحلم، سواء كانت نهاية بالإنكار أو كانت دليل إفاقة فى اتجاه الواقع.

* وحين تسأل د. دينا متعجبة، أو مستكشفة، أو متعلمة: ده حلم ده؟!!، فتؤكد سارة أنه هو كذلك “آه”، فإن ذلك يذكرنا بتعقيب “رضا” على حلم “محمد”: “دى قصة دى مش حلم“، فنشعر أن الرسالة وصلت لمعظم الحضور حول التفرقة بين إبداع الحلم, و”حكى قصة” الأقرب إلى الخيال الخطـّى، على أن مشاركة “دينا” و”رضا” فى نفس الموقف المميز بين القص والحلم، تؤكد أيضا فكرة تخليق الوعى الجمعى من خلال الممارسة المشتركة بهذا القدر من السماح.

تعقيب عام مؤقت (حتى الآن):

(1) إن الوعى الجمعى الذى يتكون، إنما ينشأ بتداخل متعدد التوجه مما  يسمى الوعى “البين – شخصى”، وزيادة عدد المشاركين تدريجيا فى تشكيل الحلم ربما تشير إلى طريقة  تكوّن الوعى الجمعى (تدريجيا).

(2) إن وعى الحلم ليس خيالا ولا هو وعى اليقظة برغم ظهوره فى حالة  اليقظة.

(3)  إن العلاقة بين إبداع الحلم وتكوين الضلالات علاقة وثيقة.

(4)  إن مشاركة الآخرين فى نفس الوعى ربما تمثل السبيل إلى نقد شطحات الحلم (والضلال كذلك)، وإذا كان إعلان سارة فجأة “أنا حاسّة إن كل الناس بتحبنى” وهى تغلق ملف وعى الحلم ليس إنكارا، فربما يكون بصيرة التقطت نوع المشاركة التى يعرضها الوعى الجمعى، شاملا المعالجين والمتعالجين على حد سواء.

تعقيبات من بريد الجمعة:

د. عماد شكرى

لماذا كان الحلم عند معظم المرضى وبعض المعالجين مائلا إلى الكابوس بالمعنى الشائع له وقد أزعجنى ذلك.

عندما لعبتُها شخصيا كان تركيب الحلم يغلب عليه الرسومات وفوضى الألوان وبعض الحركة وجاءنى خاطر أن عمل الحلم (بتعبير الطبيبة المتدربة رغم جودة هذا التعبير كما أقررت حضرتك) قد يفسد  ما يفاجئنى الحلم به، ويفرض نفسه بسلطته وحضوره …. يعنى!!!

فرددت فى البريد بما يلى:

     د. يحيى:

  • لست موافقا على ما فرضته على نفسك من عقلنة شارحة، إن الذى يفسد الحلم هو وصاية الخيال المعقلن على ما عشتـَه مضطرا حين طرقتَ باب وعى الحلم، وهذا ما نفعله غالبا حين نقلب الحلم الحقيقى إلى الحلم المَحْكى، فيظهر أقرب إلى التفكير العادى أو الخيال المفهومى.
  • لكننى معك فى التحفظ على حكاية “نعمل حلماً” خوفا من أن يتصور المتلقى جرعة أكبر للإرادة الواعية فى ذلك، ومع ذلك ليس عندى بديل، ولعل التأكيد على البداية: “أنا دلوقتى” يقلل من تحفظك.

وأضيف له الآن:

  • إن غلبة الرسومات فى تجربتك الذاتية – وبالذات وصفك لها بفوضى الألوان–  وصلتنى شديدة الصدق والدلالة، فالحلم (مثل الشعر)  أقرب إلى الصورة منه إلى الرموز والإشارات، ثم إنك أضفت “بعض الحركة“، وهذه أيضا جزء لا يتجزأ من طبيعة الحلم :” النقلات” المتجاوزة لأى زمن تتابعىّ خطىّ،
  • كذلك تسليمك غير المباشر بأن الحلم يكون أقرب إلى نتاج إبداع وعى الحلم حين يحمل عنصر المفاجأة، وبتعبيرك: أن تكون له سلطة وحضور فلا يطلب إذنا ولا يتبع منطقا من خارجه حسب نص تعقيبك الجيد “ قد يفسد ما يفاجئنى الحلم به، ويفرض نفسه بسلطته وحضوره”
  • ثم أرجع فى النهاية إلى بداية تعقيبك عن الحلم والكابوس، فأقول لك أننى أعتقد من واقع البحث والممارسة أن الكابوس – برغم حدته والرفض الشائع له – هو أقرب عندى لطبيعة الحلم الأعمق من هذه الأحلام الناعمة المسلسلة، الكابوس حلم فجٌّ فى حركية نشطة  وتفكيك حاد، وكلما تحملنا احتواءه (دون حاجة إلى تفسير) فنحن نحترم العملية والتقليب دون وصاية القشور التعبيرية المتاحة.

[1] –  لاحظ  كيف تشجع المرضى واصبحوا يتدخلون تلقائيا دون دعوة، ربما تشجعوا بمداخلات المعالج، وأيضا “رضا” مع محمد، وبالتالى يمكن رصد مرحلة الانتقال من الوعى البينشخصى إلى الوعى الجمعى.

[2]  – وهذا يتأكد بمشاركة كل من “رضا” ود. دينا بنفس التلقائية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *