الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (186) من الكراسة الأولى

قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (186) من الكراسة الأولى

نشرة “الإنسان والتطور”

الخميس:  22-1-2015

السنة الثامنة

العدد: 2701

mahfouz 2

ص 186 من الكراسة الأولى

22-1-2015_1بسم الله الرحمن الرحيم

نجيب محفوظ

أم كلثوم نجيب محفوظ

فاطمة نجيب محفوظ

أقرأ إسمع أبدع

أنشد الصبر والعزاء حيث تجدهما

الرضا رأس الحكمة

الحكمة هى ادراك كل شىء فى موضعه

والعمل على ضوئه

جاءنى رسول من حديقة الورد

سر الحديقة لونها ورائحتها

الصبر يفل الحديد

حارب الاكتئاب بالرضا والحمد

نجيب محفوظ

14/8/1995


القراءة:

اقتربنا من مئتى صفحة بالتمام والكمال، ثم يفاجئنا شيخنا بصفحة كلها جديدة فيما عدا البسلمة واسمه واسمىْ كريمته، فما هذا يا عمنا، من أين تأتى هكذا بالتجدد هكذا.

المهم تعالوا نقرأ كل هذا الجديد

  • إقرأ إسمع ابدع

كدت أقرأها “أقرأ”، “أسمع”، “أبدع”، ثم رفضت ذلك فليس هو الذى يصف نفسه بمثل ذلك، لم أسمعه مرة واحدة يصف نفسه بأنه يقرأ أو يبدع، فقرأتها بكسر الهمزات موجهه لشخصى مثلا، ولكل من يريد شيخنا أن يهتدى بهديه، وكأننا نسأله عن الطريق إلى الإبداع فينصحنا أن نبدأ بالقراءة، وأن نحس بما نقرأ، فنبدع، فأتذكر طه حسين وهو يعيب على بعض الكتاب المحدثين انهم يكتبون أكثر مما يقرأون، وأردد ما سمعت عنه أنه كان يرجع للموسوعة البريطانية بانتظام حتى لو لم يكن يبحث عن موضوع بذاته، وأفرح وهو يوصى بأن نسمع ما نقرأ، وكأن القراءة بالعين لا تتم إلا إذا كان لنا قلوب نسمع بها ما نقرأ فنبدع.

  • أنشد الصبر والعزاء حيث تجدهما

مازلت أقرأ هذه الصفحة باعتبارها أقواله المأثورة مثلما أثر عن أينشتاين أو فان جوخ وغيرهما وأنها بعض من خلاصة خبرته لأمثالنا، فهو يوصينا بالصبر والعزاء، وهذا ما تعلمناه منه وهو يعيشهما بعد الحادث، وغالبا بعد كل امتحان حياتىّ مرّ به عرفناه أم لم نعرفه، لكن أين نجد الصبر والعزاء؟ يسارع يهدينا إلى أن علينا أن نمارس الصبر بتلقائية ذاتية، قد نتواصى به مع الصابرين، “وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ” كما نعلم، وهو يعلمنا ضمنا أننا ما لم نتواص فيما بيننا بالصبر (والحق) سنظل من الخاسرين.

لكن شيخنا هنا يضيف إضافة مهمة لعلها أخص بالعزاء بالذات، فنحن إذ ننتظر المواساة أو العزاء من مصدر بذاته ثم نفتقر إليه كمًّا أو كيفا بنصاب بالاحباط، فيوسع شيخنا لنا الدائرة حين ينبهنا أن ننشد العزاء حيثما وُجد، فنكتشف غالبا أنه موجود عند من لم نتوقعه منه، لأن وجوده بين البشر هو طبيعة إنسانية حتى بين الذين لا يعرفون بعضهم بعض.

  • الرضا رأس الحكمة

علاقتى بالرضا علاقة خاصة مهمة، وكلما سألنى أحد أبنائى أو بناتى الاعلاميين عن “السعادة”، أجبت بحذر أننى أعتقد أن هذه الكلمة “مستوردة”، وأن الكلمة الأكثر رحابة وتواترا وتناسبا مع ثقافتنا هى “الرضا”، وأفرح جدا حين أتذكر أن الله سبحانه وتعالى هو مانح الرضا الأكبر والأجمل، وأفرح أيضا – وأحيانا أكثر- حين أتذكر انه منحنا حق أن نرضى عنه، إذ يرضى عنّا، يا لفخر الانسان بهذا السماح الجميل، ثم أننى أفرّق بين الرضا والطمأنينة الساكنة والتسليم، حيث أجد أن الرضا فيه حركية دافئة متجددة موقظة طول الوقت.

أما أنه رأس الحكمة فهذا يحتاج إلى استطراد نحو موقف شيخنا موقف إطلاق الحكم، فلولا ما جاء فى أصداء السيرة وخاصة فى النصف الثانى منها بعد ظهور الشيخ عبد ربه التائه، لاعتبرت شيخنا من المقلين فى الحديث عن الحكمة بألفاظ حكيمة، وأرفض أن أستدرج من تجاور الكلمتين مع بعضهما البعض إلى ما حضرنى عن مكان مصرى بهذا الاسم، له وضع خاص فى وجدانى حيث لى كوخ فى شاطئ “رأس الحكمة” ظل يحضرنى دائما كلما عايشت لحظات بذاتها على أى من الشواطئ التى تصادف أتيحت لى فرصة الوقوف على شواطئها فى أوربا أو أمريكا، وكم حدثته عن كوخى هذا وموقعه، وانا اتعتعه لزيارة الاسكندرية وهنو يرفض بإصرار فينقص ويقاوم (نشرة: 1-4-2010 صفحة التدريب رقم 22) إذا بى أتمادى فأدعوه لزيارة رأس الحكمة فيضحك عاليا وقد رفض ما هو أقرب فإذا بى أدعوه لما هو أبعد وأشق، وأنا أعرف رفضه مسبقا، لكننى من فرط حبى للمكان تمنيت أن يزوره فيحبه فأحبه أكثر.

  • الحكمة هى ادراك كل شىء فى موضعه

فاتذكر دعوة شيخ العرب السيد البدوى “اللهم أرنى الأمور كما هى”، كما أتذكر قولا لصوفى لا أعرفه معناه أن رأس الوجد به والكدح إليه: “أن تملأ الوقت بما هو أحق بالوقت”، وأجد هذا وذاك أقرب إلى قول شيخى عن “إدراك كل شئ فى موضعه” ثم أتذكر أخيرا تعريف ت.س.اليوت بالمعادل الموضوعى فى الشعر خاصة فأجده لا يزيد عن ذلك.

لكن شيخنا لا يكتفى فى وصف الحكمة بمثل ذلك بل هو يوصى أكثر أن يكون وضع الشىء بموضعه هو دافع للعمل، وللعمل فى “ضوئه” فينتفى الاغتراب على كل مستوياته وبكل ألوانه.

  • جاءنى رسول من حديقة الورد، سر الحديقة لونها ورائحتها

وتلوح لى ملامح أجنة القصص التى لم تكتمل ولو فى سطر ونصف من سطوره، وأفرح  من جديد لكننى لا أتمادى، مع أننى تذكرت أيضا الصفحة التى كتب فيها عن “جاء رجل يسعى” نشرة: 16-10-2014 صفحة التدريب رقم (172) ومرة أخرى يقول هل هو هذا الرسول الذى جاء من حديقة الورد.

حديقة الورد طبعا فيها ورد فلماذا كتب شيخنا عن سر هذه الحديقة فأضاف أن سرها لونها ورائحتها وكأنه تجاوز الورد بلونه ورائحته إلى الحديقة كلها مصدر اللون والرائحة، ولماذا تكلم عن أن هذا هو سرها وليست ورودها.

  • الصبر يفل الحديد

ويعود بنا شيخنا إلى ما بدأ به هذه الصفحة (تقريبا) وهو ينصحنا أن ننشد الصبر حثيما وجد، ويضيف وهو يختم أن الصبر بالذات يحتاج إلى وقت طويل ربما بلا نهاية، ذلك أن الصبر قصير المدى الذى  يختفى باختفاء أسبابه ومثيراته هو صبر عادى طيب، أما الصبر المعجزة فهو الصبر على الكوارث والآلام الممتدة وعلى البلاء بلا نهاية فى الأفق المرئى، ولهذا ضربوا مثلا بصبر أيوب على البلاء.

وأيضا أتذكر ما استشهد به فى تداعياتى على صفحة التدريب رقم (37) نشرة: 29-9-2011 التى كانت خالتى تعلقها فى ردهة دارها وهى تعيش فيها وحيدة فى قرية السعديين فى الشرقية وتطلب منى قراءتها كلما زرتها، فهى لا تعرف القراءة والكتابة، فأقرأها لها وقد كتب عليها:

سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبرى

وأصبر حتى بإذن الله فى أمرى

وأصبر حتى يعلم الصبر أننى

صبرت على شئ أمر من الصبر

أظن أن هذا هو الصبر الذى يقصده شيخنا والذى يفل الحديد.

وهل يوجد صبر أو مثابرة أكثر مما عاشه شيخنا بيننا هذه العشر سنوات الأخيرة؟

ويختم شيخنا بدرس فى الطب النفسى:

  • حارب الاكتئاب بالرضا والحمد

ضبطت نفسى مؤخرا – حوالى العشر سنوات الأخيرة – وأنا أكتب توصيات لمرضاى “بالإكثار من الحمد” ثم أضيف مترددا شارحا “على حساب الاستغفار”، وكثير منهم يرفض هذه التوجيه، فأنبهه أننى لا انهاه عن الاستغفار بقدر ما أوصية بأن يرجح كفة الحمد ثم أضيف أن يحمده تعالى دون أن يركز على نعمة بذاتها، سمع الله لمن حمده، حمدَا طيبا طاهرا مباركا فيه، وأضيف أحيانا أن كل “حمْدًهْ” “ستذهب وحدها إلى النعمة صاحبة النصيب، فلا يصح أن نكون أوصياء عليها”، واضطر أحيانا لشرح وجهه نظرى – مع أننى أفضل ألا افعل- مع إشارة صريحة أو خفية إلى أن الاستغفار قد  يستجلب حضور ذكر الذنب، وكما علمنا مولانا النفرى، فذكر الذنب قد يستجلب الوجد به، ويبرر تكراره (نشرة: 17-1-2015) فيزيد الاكتئاب لا يقل، وهكذا يبدو شيخى ليس فقط طبيبا نفسيا عالجنى فعلا كما اعترفت مرارا، وإنما أستاذا لنا نتعلم منه أن الرضا، والحمد هما علاج الاكتئاب، أما الرضا فالأرجح عندى أن يكون من النوع الذى أشرت إليه حالا فى البداية، وأنا أتداعى من قوله “الرضا رأس الحكمة” أما الحمد فهو ما ذكرت حالا.

أهكذا يا شيخنا مرة واحدة تتخفيا بكل هذا الجديد المفيد

شكراً

ربنا يخليك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *