الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / فى رحاب نجيب محفوظ: تقاسيم على اللحن الأساسى (الحلم 79)

فى رحاب نجيب محفوظ: تقاسيم على اللحن الأساسى (الحلم 79)

نشرة “الإنسان والتطور”صورة نشرات محفوظ

الخميس: 12-7-2018             

السنة الحادية عشرة

العدد: 3967

 

فى رحاب نجيب محفوظصورة نشرات محفوظ

مراجعة وتحديث التناص على الأحلام المتبقية

 (من 53  إلى 210) 

تقاسيم على اللحن الأساسى

نص اللحن الأساسى: (نجيب محفوظ)

 الحلم‏ (79)

جلست‏ ‏فى ‏شرفة‏ ‏الفندق‏ ‏الصغير‏ ‏المطلة‏ ‏على ‏البحر‏. ‏غاب‏ ‏عنى ‏المنظر‏ ‏الجميل‏ ‏لشدة‏ ‏استغراقى ‏فى ‏انتظار‏ ‏فتاتى. ‏ولما‏ ‏طال‏ ‏الانتظار‏ ‏جاءنى ‏مدير‏ ‏الفندق‏ ‏وهو‏ ‏أيضا‏ ‏صديق‏ ‏صباى ‏واقترح‏ ‏على ‏أن‏ ‏أعالج حالتى ‏بالمشى. ‏ذهبت‏ ‏إلى ‏الشاطئ‏ ‏ورحت‏ ‏أسير‏ ‏ذهابا‏ ‏وإيابا‏. ‏وإذا‏ ‏بى ‏ألمح‏ ‏فتاتى ‏فى ‏سباق‏ ‏سباحة‏ ‏مع‏ ‏نفر‏ ‏من‏ ‏الشبان‏ ‏ ‏أحدهم‏ ‏مضى ‏بها‏ ‏إلى ‏الصخرة‏ ‏ليستريحا‏ ‏بعيدا‏ ‏عن‏ ‏الأعين‏، ‏تلقيت‏ ‏طعنة‏ ‏فى ‏القلب‏ ‏وغرقت‏ ‏فى ‏إحباط‏ ‏لا قرار‏ ‏له‏ ‏وأدركنى ‏المدير‏ ‏الصديق‏ ‏وقال‏:‏

‏- ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏حال‏ ‏الدنيا‏ ‏فلا‏ ‏تستسلم‏ ‏للحزن‏.‏

فقلت‏ ‏له‏:‏

‏- ‏أنت‏ ‏تعلم‏ ‏أننى ‏عرفت‏ ‏أشياء‏ ‏كثيرة‏ ‏ولكنى ‏لم‏ ‏أتعلم‏ ‏السباحة‏، ‏وأخذنى ‏إلى ‏ركن‏ ‏هادئ‏ ‏فى ‏حديقة‏ ‏الفندق‏، ‏وبقيت‏ ‏ساعة‏ ‏فى ‏غم‏ ‏وهم‏. ‏وإذا‏ ‏بمفاجأة‏ ‏غير‏ ‏متوقعة‏ ‏بحال،‏ ‏رأيت‏ ‏فتاتى ‏تقبل‏ ‏نحوى ‏متهللة‏ ‏الوجه‏ ‏بالسعادة‏، ‏وتوثبت‏ ‏لإفراغ‏ ‏شحنة‏ ‏من‏ ‏غضبى. ‏وإذا‏ ‏بى ‏أتلقى ‏مفاجأة‏ ‏جديدة‏. ‏غير‏ ‏متوقعة‏ ‏وغير‏ ‏مفهومة‏ ‏وتستعصى ‏على ‏أى ‏إدراك‏، ‏فقد‏ ‏غمرتنى ‏بغتة‏ ‏فرحة ‏شاملة‏ ‏مسحت‏ ‏عن‏ ‏صدرى ‏الأحزان‏ ‏كلها‏ ‏وكأن‏ ‏ما‏ ‏كان‏ ‏لم‏ ‏يحدث‏ ‏وهكذا‏ ‏تقابلنا‏ ‏كما‏ ‏نتقابل‏ ‏كل‏ ‏مرة‏، ‏وذهبنا‏ ‏للتجول‏ ‏فى ‏المدينة‏ ‏كالعادة‏، ‏ولما‏ ‏مررنا‏ ‏بمحل‏ ‏بيع‏ ‏الهدايا‏ ‏دخلنا‏ ‏دون‏ ‏تردد‏ ‏واتجهنا‏ ‏إلى ‏القسم‏ ‏المخصص‏ ‏لهدايا‏ ‏الخطوبة‏ ‏والأفراح‏، ‏وقلبت‏ ‏فتاتى ‏عينيها‏ ‏فى ‏الهدايا‏ ‏التى ‏لا‏ ‏تحصى ‏وقالت‏:‏

‏- ‏ليس‏ ‏لدينا‏ ‏من‏ ‏الوقت‏ ‏ما‏ ‏يكفى.‏

فقلت‏ ‏ببراءة‏:‏

‏- ‏لدينا‏ ‏وقت‏ ‏يكفينا‏ ‏للأبد‏.‏

 التناصّ (التقاسيم): (يحيى الرخاوى)

قالت: يكفينا لنفعل ماذا؟

قلت لها: يكفينا لننسى

قالت: ولماذا ننسى؟

قلت: حتى لا نتذكر

قالت: وهل تصدق أن هذا ممكن؟! نحن نضحك على أنفسنا، نحن لا ننسى شيئا أبداً.

قلت لنفسى وقد أُغلقت مسام فهمى: أفضل ما يمكن أن أفعله هو أن أصمت، ودعوت الله فى سرى أن تصمت هى أيضاً، وطالت وقفتنا حتى نظر إلينا بائع الهدايا وسألنا أن نطلب ما نريد، أو أن نفسح لمن بعدنا حتى نستقر على قرار، قلت لها: أنت التى تختارين الهدية التى تحبينها، قالت: لابد أن أسأله أولا، قلت: تسألين من؟ قالت: خطيبى. فامتلأت زهوا وأنا أتصور أنها ترد لى المجاملة، وتطلب أن أقوم أنا بالاختيار، واعتبرتها تمزح وهى تتكلم عنى بضمير الغائب، فقلت لها: أين هو؟، “وانتظرتُ أن تشير إلىّ أو تقبّلنى، لكنها قالت: فوق الصخرة، قلت فى بلَهٍ ذاهل: أية صخرة؟ قالت: هل نسيت؟ واختفت من أمامى وكأن الأرض ابتلعتها. شعرت كأن العالم انتهى فى تلك الثانية، وحين أفقت وجدت نفسى أتساءل: أى منظر من كل هذه المناظر كان حلما وأيها كان الحقيقة؟

وتحسست خنجرا قديما كنت قد خبأته بين لحمى وقميصى، وانطلقت أبحث عنها فى كل مكان حتى الآن، وأنا أترحم على والدى.

النشرة التالية 1النشرة السابقة 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *