الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / عن إعادة النظر فى الحب (2من 2): خبرة شخصية حديثة

عن إعادة النظر فى الحب (2من 2): خبرة شخصية حديثة

“يوميا” الإنسان والتطور

23-7-2008

العدد: 327

عن إعادة النظر فى الحب (2من 2)

خبرة شخصية حديثة

وعدت فى يومية أمس أن أعرض بقية الخبرة الشخصية التى مررت بها مؤخرا وأنا منشغل بملف الحب والكره، وكانت نشرة أمس عن مشاعر الكره التى غمرتنى، والتى أدت إلى أن أغامر بالتمييز بين الكره والكراهية وأنهيت النشر بتساؤل يقول:

إذا كان هذا عن “الكره” والكراهية، فهل هناك ما يقابله بالنسبة للحب؟ ووعدت بأن أحكى مراجعاتى (أو تراجعى) من واقع خبرتى الحالية بعيدا عن الألعاب والتنظير جميعا.

خبرتى هذه تبدأ ببداية تكوين علاقة مع صغرى حفيداتى “نور” (عامين) – وأنا لى تسعة أحفاد وحفيدات (من ولدين وبنتين).

منذ عثرت على تعريف للحب (قبل ثلاثين عاماً) وأنه “الرعاية والمسئولية”، ثم أضفت إليه بعد ذلك “الرؤية” (الشوفان)، و”تحمل الاختلاف”، وأنا فرحٌ بهذا التعريف أتباهى به، وأرفض ما هو دونه، وكنت أشعر أننى بذلك ألقن الناس دروسا فى نوع ناضج موضوعى من الحب، لكن – للأمانة – رحت أتراجع رويدا رويدا، حين اكتشفت أننى بذلك أكاد أحرم المحبين من العمى اللذيذ، والكيمياء الخفية، والطزاجة الغامضة، واللذائذ المسروقة، ومع ذلك لم أتراجع ولكننى أيضا لم أتمادى.

ثم إنى بعد أن فتحت ملف الحب والكراهية فى هذه النشرات، وراجعت ما جاء فى النشرة الخاصة بالتواصل بين البشر يومية 26-9-2007، ثم قفذت إلينا ألعاب “سر اللعبة” عن الحب والكراهية، انسحبت إلى واقع جديد أقيس به ما وصلنى وما أدعّى، وما أروّج له، وكان المجال الأساسى فى هذه الخبرة الشخصية هو فرصة لعبى مع أحفادى وحوارى مع بعضهم خلال الأسابيع القليلة الماضية، بدأت فى التساؤل –أمس- إذا كان الكره طبيعة بشرية كما زعم الفرض فلماذا لا نرصده فى الأطفال بشكل واضح يناسب أنهم أقرب إلى الطبيعة البشرية؟

امتد هذا التساؤل إلى إعادة النظر فى التعريف السابق للحب، فرحت أتساءل: “إذا كان الحب رعاية ومسئولية…إلخ” فكيف ينطبق ذلك على الأطفال، وهل يمكن لطفل عمره سنتان أن يرعَى ويكون “مسئولا؟” يرعى من؟ ويكون مسئولا كيف؟

وإليكم مقدمة بعض ما كان  

… نور مصطفى يحيى الرخاوى طفلة شديدة الذكاء اللامع، والنشاط الجميل، والتلقائية المفاجئة، وهى صديقة حميمة لجدتها، تناديها كما سمعت أولادى وبناتى ينادينها بـ “أُمِّى” (وتنطقها “مِى“) وقد نجحت جدتها أن تعلمها أخيرا أننى “جدّى” (تنطقها “دِدِّى“)،

 كيف بالله عليكم أنكر على نور أنها تحب جدتها كما أشاهدهما معا، أحيانا وأنا مشغول عن البحث والتنظير، وأحيانا وأنا أناقش أفكارى من واقع الحال حولى ومعى؟

المهم، أتاح لى الصيف والمصيف أن أتأكد أن نور قد  بدأت فى عمل علاقة بى ومعى، ليست علاقة بحرارة وحميمية علاقتها بجدتها، لكننى رحت أرصد العلاقة وهى تتكون معى مباشرة. وتصورت أننى هكذا استطيع أن أحكم وأراجع، بشكل أفضل،

فى أول الأمر رددت على تساؤلى الأول: هل نور تستطيع أن “ترعى” وأن تكون “مسئولة”، وكانت جدتها تحكى لى كيف أنها تمسك بيدها بمجرد أن تهم بالقيام، وتصحبها إلى حيث تريد، كما شاهدتْ أعمامها وعماتها وشخصى أحيانا نفعل ذلك، وكانت جدتها تفرح بذلك وتسير بجوارها وكأنها تعتمد عليها، أو لعلها فعلا تعتمد عليها، وحين رأيت المنظر بعد أن حكوا لى عنه لم أصدق، لا جدال أنها تحب جدتها، التى تبادلها نفس المشاعر كما يتجلى للجميع، لكننى شعرت فعلا أنها مسئولة حقيقة عن جدتها، وأنها يمكن أن يكون فى تصرفها هذا رؤية كافية كما لاحظت أنها حين ترى جدتها وهى تستعد للصلاة تسرع بإحضار “الغطفة” لها دون أن تطلب جدتها، لست متأكدا إن كنت أغار من هذه العلاقة أم لا، لكننى متأكد أننى كنت أفرح بهما جدا، وأشعر أن رسالة إيجابية تصلنى عن حقيقة العلاقة التى بينهما، وبصراحة كنت آمل فى مثلها، أو فى شىء قريب منها.

ثم بدأت علاقتى بنور تتكون مباشرة بينى وبينها بما يسمح لى أن أختبر بعض ما جاء فى فروضى السابقة،

وإليكم بعض ما جرى.

****

… دق هاتفى المحمول بعد عودتى إلى القاهرة، وإذا بريهام (أم نور وزوجة ابنى) تقول لى: “نور عايزة تكلمك”، تعجبت ولم أتساءل كيف طلبتْ ذلك وحصيلة أبجديتها لا تسمح بذلك، ثم كيف عرفت أمها رغبتها تلك؟ لكن خبرتى السابقة من حكاوى جدتها أفهمتنى أنها تذهب ناحية التليفون، وتذكر اسم من تتذكره وتريده، وتشير إلى التليفون، يبدو أن هذا ما حدث مع أمها التى استنتجت رغبتها فى مهاتفتى، فطلبتنى،

 فرحت بصراحة فرحة مختلفة. جميلة ورائعة (الفرحة!)، ها هى نور تتذكرنى وتذْكرنى وتسعى  وهى تشير إلى التليفون وتنطق باسمى، كلمتُها فرحا ولم أفهم شيئا أو لم اسمع إلا “دِدّى“، “بَحْ” (تقصد “بحر”)، فعرفت أنها تذكر لعبى معها فى البحر. وانتهت المكالمة بندائى اسمها، وأن “حاضر” وبضع مقاطع متناثرة، وخلاص.

حين وصلت إلى المصيف (بعيدا عن مصيفها بعض الشىء) طلبت أمها على هاتفها لأخبرهم بوصولى (وأنى أنتظر الأولاد على الشاطىء) فإذا بريهام بدلا من أن ترد مباشرة، وقد عرفت أن الطالب هو أنا من رقم الهاتف، إذا بها تناول نور الهاتف وهى تقول: “كلّمْ نور الأول”. بعد أن تبادلنا نور وأنا كلمات غامضة انقلبت إلى همهمات لصعوبة سمعى وصعوبة نطقها، أخذتْ أمها التليفون منها، فسألتها لماذا طلبتْ منى أن أكلّم نور أولا، فقالت: لأنها أول ما سمعت الهاتف جرت نحوه وهى تقول قبل أن تردّ “دِدِّى، دِدِّى…”؟؟،  قلت لريهام: إيش عرفها أنه أنا الذى على الهاتف؟ وأنا نادرا ما أطلبكم؟ قالت لست أدرى لكن هذا ما حدث، فسألتها وهل جرت قبل ذلك على رنين سابق وهى تكرر نفس النداء، “دِدِّى” فأكدت أمها أن هذا لم يحدث.

لا أريد أن أعلق الآن.. ولا حتى أن أكمل، لكننى عدت أتساءل:

ما هذا؟

ماذا اسمى كل ذلك؟

 أهذا هو الحب الذى أعنيه وأكتب عنه؟

 وإذا كنت قد رصدت ولو تجاوزا رعاية نور لجدتها ومسئوليتها عنها. فأين ذلك من هذه العلاقة التى تتكون هكذا معى، وكيف عرفتْ أننى أنا الذى على الهاتف؟

لنور أخوان: حسن (8 سنوات)، وكريم (4 سنوات) وأنا أزعم –لنفسى على الأقل– أننى أحبهم حبا جما، لكن ما معنى “أحبهم حبا جما” بعد أن فتحنا ملف “الحب والكره”؟، العجيب أننى وأنا أتأمل نفسى وأراجع تجليات الحب وأنواعه، اكتشفت أن ثَمَّ اختلاف اختلاف نوعيا لحبى لكل واحد من الثلاثة على حدة، المبدأ موجود، واسمه التقريبى “الحب”، لكن، المشاعر جد مختلفة،

 حبى لحسن منذ ولادته حتى الأن أشبه بالمشى فى حديقة مفتوحة، وردها أغلبه أبيض وحشائشها شديدة الخضرة، والطزاجة تتلألأ فى الشمس وفى ضوء القمر الفضى على حد سواء.

حبى لكريم، يحيطنى برائحة وطقطقه أبو فروة على صاج ساخن حوله ناس طيبون فى ليلة باردة،

حبى لنور أشبه برائحة السماء وأنا خارج من البحر وأمواجه تداعبنى.

أنا متأكد أن هذه المشاعر مختلفة عن بعضها البعض، وأنها ليس لها أية علاقة بالرعاية والمسئولية كما يزعم تعريف الحب الذى فرحت به هرا.

ما الحكاية ؟

كيف نسمى مشاعر بكل هذا الاختلاف بنفس الاسم؟

خطر لى أن السبيل الأمثل لتناول هذه العاطفة المسماة الحب، هو ألا نتناولها أو نسميها

****

مضطر أنا للتوقف لطارئ مفاجئ وأن أؤجل تفاصيل أكثر عن هذه الخبرة الشخصية

 وقبل أن أنهى هذه المقدمة أكتفى بأن أؤكد أن كل هذه الخبرات لم تستطع أن تستجلب بجوارها أية كراهية، أو أى رائحة لما هو “كره” .

إذن ماذا؟

هل مشاعرنا نحو الأطفال هى عواطف من نوع خاص وكذلك مشاعرهم؟

هل يصح أن نسميها بنفس الاسم الذى نسمى به مشاعرنا نحو بعضنا كبار وكبيرات؟

وأين الكره من كل هذا؟ (مرة أخرى)؟

وأى منطقة تلعب فيها الألعاب الخاصة بالكره والكراهية؟

****

فجأة : حدث طارئ أوقفنى أن أكمل.

هل استسمحكم وتنتظرونى للأسبوع القادم؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *