الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / أحلام فترة النقاهة “نص على نص”: نص اللحن الأساسى (حلم‏ 75 & 76)

أحلام فترة النقاهة “نص على نص”: نص اللحن الأساسى (حلم‏ 75 & 76)

“يومياً” الإنسان والتطور

24-7-2008

العدد: 328

أحلام فترة النقاهة “نص على نص”

نص اللحن الأساسى (حلم‏ 75)

أمى ‏ترحب‏ ‏بجارة‏ ‏عزيزة‏ ‏وكريمتها‏ ‏الحسناء‏ ‏فى ‏حجرة‏ ‏المعيشة‏ ‏بالدور‏ ‏الثالث‏ ‏فى ‏بيتنا‏ ‏القديم‏، ‏ودعيت‏ ‏للجلوس‏ ‏معهن‏ ‏ثقة‏ ‏فى ‏الألفة‏ ‏بين‏ ‏الأسرتين‏.‏

وفى ‏أثناء‏ ‏الحوار‏ ‏استرقت‏ ‏إلى ‏الفتاة‏ ‏نظرة‏ ‏واسترقت‏ ‏إلىّ ‏نظرة‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يغيب‏ ‏هذا‏ ‏عن‏ ‏أم‏ ‏الفتاة‏، ‏فلما‏ ‏ذهبت‏ ‏فى ‏الابتعاد‏ ‏عن‏ ‏الغرفة‏ ‏همست‏ ‏لنا‏ ‏الجارة‏ ‏أن‏ ‏انزلا‏ ‏إذا‏ ‏شئتما‏ ‏إلى ‏الدور‏ ‏التحتانى ‏الآن‏ ‏كعادة‏ ‏من‏ ‏أهل‏ ‏البيت‏، ‏وتلقيت‏ ‏الدعوة‏ ‏بذهول‏ ‏وبفرح‏ ‏شامل. ‏وما‏ ‏أن‏ ‏دخلنا‏ ‏الدور‏ ‏التحتانى ‏حتى ‏جذبتها‏ ‏إلى ‏صدرى، ‏ولكنى ‏لم‏ ‏أخط‏ ‏الخطوة‏ ‏التالية‏ ‏لسماع‏ ‏ضجة‏ ‏غريبة‏. ‏واقتحم‏ ‏المكان‏ ‏نساء‏ ‏ورجال‏ ‏وشباب‏، ‏وتفرقوا‏ ‏فى ‏الحجرات‏، ‏ثم‏ ‏جاء‏ ‏رجل‏ ‏من‏ ‏رجال‏ ‏الأمن‏ ‏ووقف‏ ‏عند‏ ‏الباب‏ ‏زاعما‏ ‏الحفاظ‏ ‏على ‏القانون‏، ‏وكدت‏ ‏أفقد‏ ‏عقلى ‏من‏ ‏الذهول‏ ‏وضاعف‏ ‏من‏ ‏ذهولى ‏أنى ‏رأيتهم‏ ‏يغنون‏ ‏فى ‏حجرة‏، ‏كما‏ ‏رأيتهم‏ ‏يرقصون‏ ‏فى ‏حجرة‏ ‏أخرى، ‏ونظرت‏ ‏إلى ‏فتاتى ‏مستغيثا‏ ‏بها‏ ‏فوجدتها‏ ‏هادئة‏ ‏باسمة‏.. ‏وعند‏ ‏ذلك‏ ‏قررت‏ ‏الهرب‏، ‏غير‏ ‏أنى ‏رأيت‏ ‏رجل‏ ‏الأمن‏ ‏عند‏ ‏الباب‏ ‏فتسمرت‏ ‏فى ‏وضعى ‏فريسة‏ ‏للذهول‏ ‏وخيبة‏ ‏الأمل‏.‏

التقاسيم

 … لكن أحسن، لا هى تصلح لى، ولا هو يصلح رجل أمن، ولا بيتنا يصلح لأىًّ من هذا، ولم أفكر فى دور أمى فى كل هذا، وكأن الجميع قد اتفقوا على أمرٍ ما، لم أحاول أنا أن أفكر فيه، كنت مغيظا. كيف استباحوا بيتنا ليقلبوه كباريها وقسم شرطة معا؟

…. أجد نفسى فى الميدان والساعة العامود ليس فيها إلا عقرب الثوانى يدور بسرعة خيل إلى أنها أسرع من مرور الثوانى، وحين دققت النظر وجدت نصف ذراع العقرب الآخر ولم أعرف إن كان عقرب الساعات أم الدقائق، فقررت أن انتظر حوالى خمس دقائق لأرى إن كان يتحرك أم لا، لكننى لم أصبر، وسألت أحد المارة عن الساعة فقال لى إننا هنا لا نعمل بالساعة وإنما بالإنتاج، وحين قلت له من أنت؟ اختفى وأمتلأ الميدان كله بأطفال بنين وبنات يلبسون مرايل مخططة أبيض أسود أحمر مثل علم مصر، فانقبض قلبى للمرايل وانفتح للأطفال واقتربت من أحدهم وسألته عن اسمه فقال لى أن اسمه محمد، وحين سألته محمد ماذا وضع سبابته منتصبا أمام شفتيه وهو يحذرنى أنه ممنوع أن يكون لأى طفل غير اسمه الأول، وأن من لا ينسى اسمه الكامل بعد عام من دخول الميدان يطرد فورا إلى أى حارة مجهولة ويختفى، لا نعرف أين؟.

فجأة أخذ الأطفال يجرون نحو شبح ظهر فى نهاية الميدان تبين أنه المرشدة التى لها وجه فتاتى – وقد جاءت تنادى الأطفال أن يصعدوا الحافلة التى أقلتهم، لاحظت أنها تلبس لباس الممرضات لكنها لم تحكم غلق الأزرار فظهرت أجزاء من بدلة الرقص تحتها، هممت أن أناديها لكن صوت أمى جاءنى من بعيد يودع جارتنا على السلالم، وسمعت صوت قبلات يتبادلانها، فاستأذنت ونزلت إلى الدور التحتانى لأجد فتاتى تنتظرنى مرحبة وكأن شيئا لم يكن، وقالت أنها موافقة، وأنها نجحت أن تحصل على الورقة الصفراء من السلطات،

نظرت إليها طويلا لأتأكد أنى لا أريدها، واستدرت وانصرفت مسرعا وكأنى أعدو

هى تنادى، وأنا لا أرد.

* * *

نص اللحن الأساسى (حلم‏ 76)

هذه‏ ‏شجرة‏ ‏مورقة‏ ‏يجلس‏ ‏تحتها‏ ‏صديق‏ ‏الشباب‏ ‏وشهيد‏ ‏الوطنية‏.. ‏وعلى ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏مرور‏ ‏عشرات‏ ‏السنين‏ ‏على ‏رحيله‏ ‏فإنه‏ ‏بدا‏ ‏أنيقا‏ ‏فى ‏صحة‏ ‏وعافية‏. ‏فأنشرح‏ ‏صدرى ‏لمرآه‏ ‏وهرعت‏ ‏إليه‏ ‏ولكنه‏ ‏أوقفنى ‏بإشارة‏ ‏من‏ ‏عصا‏ ‏بيده‏، ‏ذكرته‏ ‏بعهد‏ ‏الصداقة‏ ‏فلم‏ ‏يعبأ‏ ‏بكلامى ‏وقال‏ ‏إنه‏ ‏لم‏ ‏يعد‏ ‏يستطيع‏ ‏صبرا‏ ‏مع‏ ‏تل‏ ‏القمامة‏.‏

قال‏ ‏ذلك‏ ‏وألقى ‏عصاه‏ ‏ثم‏ ‏ذهب‏، ‏التقطت‏ ‏العصا‏ ‏وأنا‏ ‏حزين‏ ‏ولكنها‏ ‏بعثت‏ ‏فىّ ‏روحا‏ ‏جديدة، ‏فانطلقت‏ ‏من‏ ‏فورى ‏إلى ‏تل‏ ‏القمامة‏ ‏وانهلت‏ ‏ضربا‏ ‏على ‏أطرافه‏ ‏وكل‏ ‏ضربة‏ ‏أحدثت‏ ‏شقا‏ ‏ومن‏ ‏كل‏ ‏شق‏ ‏يخرج‏ ‏رجال‏ ‏ونساء‏ ‏ليسوا‏ ‏على ‏شاكلة‏ ‏جامعى ‏القمامة‏ ‏ولكنهم‏ آية‏ ‏فى ‏النظافة‏ ‏والوجاهة‏ ‏والفخامة‏. ‏وكلما‏ ‏لمح‏ ‏أحدهم‏ ‏العصا‏ ‏بيدى ‏فر‏ ‏يركبه‏ ‏الفزع،‏ ‏عند‏ ‏ذلك‏ ‏رسخ‏ ‏يقين‏ ‏بأن‏ ‏الشمس‏ ‏ستشرق‏ ‏غدا‏ ‏على ‏أرض‏ ‏خضراء‏ ‏وجو‏ ‏نقى.‏

التقاسيم

.. وقبل أن أستغرق فى انسحابى الحالم آمِلاً، لاحظت أن كوم القمامة كان يتضخم مع كل ضربة يخرج منها الوجهاء من بين شقوقه، وقد تملكهم الفزع، لا أعرف ما الذى أوحى إلىَّ أن تحت كوم القمامة هذا كنز ثمين، وربما خاتم سليمان الذى يتيح لمن يجده فرص انتقاء أى الأمانى تتحقق أولا. واصلت عملى وكأنى أوفى بوعدٍ ما لصديقى الراحل شهيد الوطنية.

استحليت اللعبة لكننى لاحظت أن مع كل ضربة جديدة تتراجع نظافة ووجاهة وفخامة الرجال والنساء البازغين من الكوم، وتتغير أشكالهم حتى صار الذين يخرجون من الشقوق أقزاما، مهرجون، ثم خرجت بعدهم قردة تلبس فساتين وقبعات فاقعة الألوان.

جاءت عربة القمامة العملاقة، وجمعتْ من تبقى من الرجال والنساء والأقزام والقردة والقمامة فى كومة واحدة، ورفعتهم آلتها الضخمة إلى صندوقها، فرعبت لأننى كنت قد سمعت عن مصير حمولة هذه العربات، وكيف سيحولونها إلى طاقة حيوية يستعملونها فى حفر مزيد من قبور الشهداء، وآبار البترول.

تزايد الرعب حتى كاد الشلل يعجزنى، فأسرعت الخطى مبتعدا، أشرت إلى عربة سوداء قادمة، تبينت أنه قد كتب عليها ” تكريم الإنسان”، فركبتها دون تردد، وإذا بها تتجه إلى حديقة الأورمان بدلا من مقابر الإمام الشافعى.

لكننى عدت أتساءل من جديد:

وأنا إيش ضمّنى؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *