الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حالات وأحوال (8) تابع: رحلة التفكيك والتخليق (4) تمهيد: الوعى الجماعى رحم إعادة الولادة مقدمة واعتذار

حالات وأحوال (8) تابع: رحلة التفكيك والتخليق (4) تمهيد: الوعى الجماعى رحم إعادة الولادة مقدمة واعتذار

نشرة “الإنسان والتطور”

الثلاثاء10-11-2015

السنة التاسعة

العدد: 2993

حالات وأحوال (8)

 

تابع: رحلة التفكيك والتخليق (4)

تمهيد: الوعى الجماعى رحم إعادة الولادة

مقدمة واعتذار

مقدمة:

قررت أن أكتفى بما اقتطفته من هذه الجلسة الأولى (بتاريخ: 19-7-2006) لحضور “محمد” العلاج الجمعى، تلك الجلسة التى ظهرت فيها صعوبة احتفاظه بالانتباه الايجابى، مع عدم استبعاد فائدة الانتباه السلبى ودوره الموضوعى فى تشكيل الوعى الجمعى تراكميا، الأمر الذى نبهنا إلى أهميته فى العلاج الجمعى خاصة وما يتراكم من خلاله فى النشرة السابقة.

قررت بعد ذلك أن ننتقل إلى جلسة أخرى انعقدت بعد ستة أشهر وهى الجلسة بتاريخ 7/2/2007، وذلك بعد أن اكتشفت أنه قد آن الوقت المناسب لإظهار كيف يتخلـّق الكيان الجديد (إعادة تشكيل- الجدل – الوُلاف- نقد النص البشرى) فى رحاب ومشاركة الوعى الجمعى.

حين وجدتها جلسة زاخرة تحتاج إلى تعليقات مطوّلة قد تصل بصفحاتها إلى أكثر من عشرين صفحة، رأيت أنها لابد أن تنشر فى نشرتين، ثم وجدت أنه من غير المناسب أن تتباعد المسافة بين كل نشرة والتالية حتى يمكن المتابعة لمدة سته أيام، ففضلت أن أؤجل النشرتين إلى الاثنين والثلاثاء القادمين حتى يمكن لمن يهمه الأمر أن يتبع الذى حدث بما يصاحبه من تعليقات لا غنى عنها(1)

وعلى ذلك: أستأذن الأصدقاء أن أقدم لهذين الحلقتين القادمتين بأن أوجز الفرض الذى نشر فى أول حلقة تبريرا لتقديم هذه الحالة، مضافا إليه إشارة إلى الخطوط العريضه التى ظهرت فى هذه الجلسة فدعـَّمت الفرض مما سيأتى ذكره أوضح الاسبوع القادم.

وهكذا تعتبر هذه النشرة تمهيدا لما سيأتى فى هاتين النشرتين القادمتين الاثنين والثلاثاء 16، 17-11-2015، وتوضيحا مختصرا للفروض المطروحة.

***

وبعد

الفرض الحالى يقدم الأساس التركيبى الذى تجرى بناء عليه العملية العلاجية عموما، والذى تتبين معالمه أكثر فى علاج حالات الذهان النشطة (ومتوسطة الحدة دون الحادة جدا) بغض النظر عن مدتها (مثل حالة مريضنا هنا) وخاصة ما يسمى الذهان النشط البادئ (2) (مهما طالت البداية) لكن هذا الفرض صالح للتطبيق على أى ذهان نشط بلا حدّة معيقة للتواصل.

نحن نفترض أنه فى هذه المرحلة يكون الخيار بين أن نثبطِّ هذا النشاط تماما وكلية على حساب أى فرصة للنمو، وخوفا من تمادى المسار السلبى، وبين أن نحافظ على حركيته ونحن نهدئ من حِدَّتِهِ لنتمكن من الإحاطة به وإعادة توجيهه إلى مسار نبض النمو بديلا عن مشروع إبداعٍ مُجْهَض مفسِّخ، وهذا يحتاج إلى قراءة النص البشرى ثم إعادة تشكيله “معا” (نقده) بمساعدة كل المعطيات العلمية والفنية والإبداعية المنتقاة والمتدرجة زيادة ونقصا وحسنَ توقيتٍ.

هذا هو سبب تقديم هذه الحالة كما ذكرت من البداية، إذْ قدمتها لمريضٍ كنموذج أتيحت له الفرصة أن يبدأ بجدل بين وعى المعالج ووعى المريض من خلال الوعى البينشخصى، لينتقلا معا إلى حركية التشكيل ضمن الوعى الجمعى بقيادة نفس المعالج، أملا فى أن يتخلق كيان جديد يستفيد من التفكك لصالح النمو، بديلا عن التثبيط لصالح التسكين الذى إذا تمادى فربما ينتهى إلى سجن الاغتراب من جديد، حتى لو سمى هذا الاغتراب شفاء أو عادية لمجرد اختفاء الأعراض الظاهرة المزعجة.

10-11-2015-

الذى حدث خلال هذه الشهور السته (تقريبا) هو أن واظب “محمد” على حضور جلسات المجموعة صباح كل أربعاء، ورجع إلى عمله نقاّشا حاذقا، دون أن يضطر إلى أن يطربقها إنجازا مرهقا مغتربا، وزاد تعرفه على أفراد المجموعة دون اعتماد مفرط على قائدها، لكنه ظل متمسكا – نسبيا- بأمله فى العودة إلى قديمه “كما كنت!!” (محمد طربقها) كما ظل المعالج وأغلب المشاركين يأملون فى حل أفضل، يتخلق منه محمد جديد فى رحم حركية الوعى الجمعى.

جاء فى النشرة الأولى لعرض هذه الحالة بتاريخ 19/10/2015 ما يلى:

وكان المعالج يصر أن الهدف الأْوْلـَى بالتحديد، وهو الذى علينا ضرورة أن نسعى إليه، مهما كان الطريق صعبا أو طويلا، هو ان نستفيد من خبرة المرض لنخرج منها بموقف آخر من الحياة والعمل والعلاقات، وأيضا هو ما نأمل بتحقيقه أن نتجنب النكسة، وكان محمد يوافقنا مترددا، ويتمنى ذلك ابتداءً، لكنه سرعان ما يعود للإصرار على رغبته فى أن يعود “كما كنت!!”، وحين ينبهه المعالج أن ما كان, هو ما يمثله “محمد طربقها”  وهو الذى اسهم فى أن نصل إلى ما نحن فيه من كسرة ومرض ومعاناة، كان محمد  يقاوم مقاومة شديدة ويصر عادة – فى نهاية النقاش – على أن يرجع كما كان: “محمد طربقها”.

وظل الحال يترجّح صعودا وهبوطا، مقاومة وتفهما طوال السته أشهرالأولى فى العلاج الجمعى، لكن المحصلة كانت فى اتجاه قبول احتمال إيجابى غير واضح المعالم، لكنه كان يتزايد اقترابه باضطراد، وببطء أيضا، وكانت محكات الحفاظ على الأمل هى: أولا: انتظام محمد فى الحضور دون تغيب إلا نادرا وثانيا: استمراره فى العمل دون انقطاع (وأيضا دون أن يطربقها)

كذلك جاء أيضا فى نفس النشرة الأولى لهذه الحالة ما يلى:

وانتقل هذا الخلاف والحوار من اللقاءات والحوارات الثنائية مع المعالج إلى المجموعة العلاجية، وكان التركيز على رفض التفكك والدفاعات المترتبة عليه، أى رفض محمد فركشنى، أى رفض المرض، لكن فى نفس الوقت كان تنبيه المعالج المستمر يشمل أيضا رفض العودة “كما كنت” أى رفضت محمد طربقها:

وهنا مربط الفرس الذى احتاج منى إلى هذه الملاحظة التى استغرقت نشرة بأكملها، ذلك أننى بعد متابعة ستة أشهر للعلاج الجمعى، ثم بعودتى إلى المقتطف الثانى أعلاه وأنا أراجع هذه الجلسة: لاحظت فى المقتطف السابق أن التركيز كان على رفض محمد فركشنى، أى رفض المرض، لكن فى نفس الوقت كان تنبيه المعالج المتكرر يشمل رفض العودة كما كنت أى رفض محمد طربقها، لكننى عدت أتمعن فيما جاء فى هذا المقتطف فوصلنى أن التأكيد كان على الرفض دون الإشارة إلى القبول، وحين قارنت ذلك بما جرى فى الجلسة التى كان المفروض أن تحتل نشرة اليوم، وإذا بى أجد أننا ركزنا فى هذه الجلسة – جمَّاعاً لستة أشهر – على أن نقبل لا أن نرفض كلا من “محمد طربقها” (دون أن يطربقها)، وأيضا أن نقبل بل نحب محمد فركشنى (دون أن يفركشها)، فحضرنى التأكُّد من أن الوعى الجماعى هو الرحم الجمعى المناسب للحمل لإعادة الولادة، وأنه لا يوجد رحم يرفض محتوياته مهما كانت المبررات، بل هو يضمه ويغذيه ويدفئه مهما بدت أجزاؤه متناقضة أو متباعدة فى مرحلة ما، وتظل الإحاطة والقبول سارية حتى تحين الساعة لولادة المولود الجديد “محمد دلوقتى” الذى ينزل – من خلال ذلك- سليما فى ثقة، لكن فى ضعف مشروع، مصاحب بألم المخاض وأمل النمو معا.

فالعلاج الحمل فى رحم الوعى البينشخصى أو الجمعى لا يرفض ابتداءً، بل يحتوى المكوّنات مهما كانت متنافرة وهو يتيح لها فرصة، التضفر، فالتشكيل، فإعادة التشكيل فالجدل حتى الولادة. وهذا بعض ما سوف نتابعه معا.

10-11-2015--

وقد انتبهت أيضا (وهذا سوف يرد تفصيله) أن الحمل فالتخليق فالولادة داخل الرحم الجمعى ليس له أى علاقة بما بسمى الحل الوسط (جزء من هذا + جزء من ذاك)، ولكنه جدل خلاق وحمل “وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ” لولادة سليمة واعدة، ويتواصل الحمل فالولادة بكفاءة فى رحم الوعى الجماعى امتدادا إلى المطلق ومن ثم إلى خالق هذا النص البشرى الذى يمثله كل منا، وهكذا يصلنى بلغتى الخاصة معنى حمل الأمانة بأن نتحمل تعهد النص البشرى ليرجع كما فطره خالقه: كدحا إلى وجهه وإبداعا للذات، وهو ما أسميته “نقد النص البشرى”

وهذا ما سوف نعود إليه فى النشرتين التاليتين الاسبوع القادم غالبا.

[1] – هذا إذا كان يتابعنا  مختارا من يهتم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *