الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (52) الفصل الأول: الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت

تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (52) الفصل الأول: الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت

نشرة الإنسان والتطور

الخميس: 16-12-2021                               

السنة الخامسة عشر               

العدد: 5220

تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (1)

وهكذا نواصل نشر “الأصداء” مع “أصداء الأصداء”

 بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (52)

الفصل الأول: الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت

 الأصداء

52- ‏الغوص‏ ‏فى ‏الماء‏ ‏

شهد‏ ‏ذات‏ ‏ليلة‏ ‏خسوف‏ ‏القمر‏، ‏وتلقى ‏من‏ ‏تعاسته‏ ‏المتوارية‏ ‏خلف‏ ‏الغلالة‏ ‏المظلمة‏ ‏كآبة‏ ‏قطعت‏ ‏ما‏ ‏بينه‏ ‏وبين‏ ‏الأشياء‏، ‏لم‏ ‏يعد‏ ‏يأنس‏ ‏لشىء‏ ‏واحتار‏ ‏الأطباء‏ ‏فيه‏، ‏ونصح‏ ‏بالهجرة‏ ‏إلى ‏مكان‏ ‏ناء‏ ‏لتغيير‏ ‏المنظر‏ ‏والمخبر‏، ‏ذهب‏ ‏يائسا‏ ‏يتجول‏ ‏على ‏شاطيء‏ ‏البحر‏، ‏وعلى ‏بعد‏ ‏رأى ‏شمسية‏ ‏تستكين‏ ‏فيها‏ ‏امرأة‏ ‏شبه‏ ‏عارية‏ ‏غاية‏ ‏فى ‏الجمال‏ ‏والسكينة‏، ‏انجذب‏ ‏نحوها‏ ‏كأول‏ ‏شيء‏ ‏يلقاه‏ ‏فلا‏ ‏يبعث‏ ‏فى ‏نفسه‏ ‏الكآبة‏ ‏والوحشة‏، ‏وشعر‏ ‏بأنها‏ ‏ترحب‏ ‏به‏ ‏دون‏ ‏كلمة‏ ‏أو‏ ‏حركة‏ ‏فاستخفه‏ ‏الطرب‏، ‏وقامت‏ ‏متوجهة‏ ‏نحو‏ ‏الماء‏ ‏فتجرد‏ ‏من‏ ‏ثيابه‏ ‏وتبعها‏، ‏وغاصا‏ ‏فى ‏الماء‏ ‏معا‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يلقيا‏ ‏على ‏ماوراءهما‏ ‏نظرة‏ ‏واحدة‏.‏

أصداء الأصداء

يتواصل‏ ‏التجسد‏ ‏وتتلاحق‏ ‏الدعوات‏:‏ منذ‏ ‏نادته‏ ‏النداهة‏ ‏قائلة‏ “‏اتبعني‏” “‏وبقوة‏ ‏سحرية‏ ‏زحف‏ ‏نحو‏ ‏الماء‏ ‏وعيناه‏ ‏لا‏ ‏تتحولان‏ ‏عن‏ ‏وجهها‏”(‏فقرة‏ 49) ‏إلى ‏أن‏ ‏قرأ‏ ‏فى ‏الرسالة‏ ‏المكتوبة‏ ‏فى ‏الورقة‏ ‏المربوطة‏ ‏على ‏عود‏ ‏الوردة‏ ‏أن‏ “‏تعال‏”، ‏وذلك‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏قاوم‏ ‏اقتراح‏ ‏الشيخ‏ ‏العجوز‏ ‏الوقور‏ ‏أن‏ ‏يقطع‏ ‏الروابط‏ (‏فقرة‏ 44) ‏ليعود‏ ‏إلى ‏عزلته‏ ‏التى ‏تقطر‏ ‏من‏ ‏أفكارها‏ ‏ماء‏ ‏الورد‏ (‏فقرة‏ 51)، ‏منذ‏ ‏ذلك‏ ‏الحين‏ ‏والنداء‏ ‏لا‏ ‏يتوقف‏ ‏والحنين‏ ‏للاستجابة‏ ‏لا‏ ‏يختفى‏.‏

وفى ‏عز‏ ‏ما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يسميه‏ ‏محفوظ‏ -‏بشكل‏ ‏مباشر‏- ‏كآبة‏، ‏حتى ‏يذكرنا‏ ‏ ‏ ‏بعمر‏ ‏الحمزاوى ‏فى ‏الشحاذ‏ ‏الذى ‏لم‏ ‏تنفع‏ ‏معه‏ ‏نصائح‏ ‏الأطباء‏ ‏بتغيير‏ ‏الجو‏، ‏ولم‏ ‏تنفع‏ ‏معه‏ ‏المهارب‏ ‏الحسية‏ ‏اللذية‏ ‏أصلا‏، ‏أقول‏ ‏فى ‏عز‏ ‏ما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يسمى ‏اكتئابا‏ ‏يذهب‏ – ‏وهو‏ ‏يائس‏ ‏تماما‏ – ‏إلى ‏شاطيء‏ ‏البحر‏، ‏فتعود‏ ‏إليه‏ ‏الدعوة‏ ‏هذه‏ ‏المرة‏، ‏ليست‏ ‏من‏ ‏شيخ‏ ‏وقور‏ (‏فقرة‏ 44) ‏ولا‏ ‏فى ‏رسالة‏ ‏مربوطة‏ ‏على ‏عود‏ ‏وردة‏ (‏فقرة‏ 49) ‏ولا‏ ‏للداعى ‏ذى ‏الوجه‏ ‏الجميل‏، ‏الداعى ‏له‏ ‏أن‏ ‏يتبعه‏ (‏فقرة‏ 50) ‏ولا‏ ‏من‏ ‏نداهة‏ ‏مجهولة‏ ‏الهوية‏ (‏فقرة‏ 19)، ‏وإنما‏ ‏من‏ ‏تلك‏ ‏الحسناء‏ ‏التى ‏هى ‏غاية‏ ‏فى ‏الجمال‏ ‏والسكينة‏ (‏لاحظ‏ ‏أن‏ ‏النداهة‏ ‏كانت‏ ‏غاية‏ ‏فى ‏العذوبة‏ ‏والوقار‏”).‏

أقول‏: ‏ظهر‏ ‏النداء‏ ‏هذه‏ ‏المرة‏ ‏وهو‏ ‏فى عز‏ ‏اليأس‏ ‏والتعاسة‏ ‏المتوارية‏ ‏خلف‏ ‏الغلالة‏ ‏المظلمة‏، ‏ووعيه‏ ‏بالنهاية‏ ‏قد‏ ‏تجسد‏ ‏هذه‏ ‏المرة‏ ‏من‏ ‏الناحية‏ ‏الأخرى ‏نقيضا‏ ‏للترحيب‏ ‏الراضى ‏الذى ‏عشنا‏ ‏فيه‏ ‏مع‏ ‏اليقين‏ ‏الطيب‏ ‏بأن‏ ‏لكل‏ ‏شيء‏ ‏نهاية‏، ‏جاء‏ ‏هذا‏ ‏الوعى ‏هذه‏ ‏المرة‏ ‏فى ‏شكل‏”‏خسوف‏ ‏القمر‏”.‏

‏نتوقف‏ هنا ‏قليلا‏ ‏لنتساءل‏: ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ “‏الحل‏”: ‏أن‏ ‏يستجيب‏ ‏فى ‏رضا‏ ‏رائع‏ ‏لنداء‏ ‏المجهول‏ ‏الجميل‏ ‏ينقذه‏ ‏من‏ ‏كآبة‏ ‏لاتطاق‏، ‏فكيف‏ ‏يقارَن‏ ‏بنوع‏ ‏الاستجابة‏ ‏نفسها له‏ ‏وهو‏ ‏مشتمل‏ ‏بأشعة‏ ‏القمر‏ ‏يناجى ‏أحلامه‏ (‏فقرة‏ 19) ‏ونوع‏ ‏الاستجابة‏ ‏الأخرى ‏المؤجلة‏ ‏وهو‏ ‏ينتصر‏ ‏على ‏تردده‏ ‏القديم‏، ‏فيعد‏ ‏العدة‏ ‏للرحيل‏ ‏ويقرر‏ ‏بناء‏ ‏المدفن‏” (‏فقرة‏ 50) ‏يحيط‏ ‏بهذا‏ ‏وذاك‏ ‏تذكرنا‏ ‏لحواره‏ ‏المتصل‏ ‏الملئ ‏بالفتوة‏ ‏والود‏ ‏مع‏ ‏الموت‏” ‏وكلاهما‏ ‏لا‏ ‏يعرف‏ ‏اليأس‏”، (‏فقرة‏ 50 ‏أيضا‏). ‏وأيضا‏ ‏تواكب‏ ‏العزة‏ ‏بالأفكار‏ ‏تقطر‏ ‏ماء‏ ‏الورد‏ (‏نفس‏ ‏الفقرة‏) ‏مع‏ ‏الترحيب‏ ‏بالجارة‏ ‏المستأذنة‏ ‏التى ‏تبدو‏ – ‏مع‏ ‏غيرها‏ – ‏أنها‏ ‏الوعى ‏المنشود‏.‏

اعتدنا‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏هذه‏ ‏النهاية‏ ‏الواعدة‏ ‏بالهرب‏ ‏الجميل‏، ‏أو‏ ‏بالنهاية‏ ‏الرائعة‏، ‏أو‏ ‏البديل‏ ‏المتناغم‏، ‏إما‏ ‏نتيجة‏ ‏طبيعية‏ ‏لمسار‏ ‏سلس‏ ‏متكامل‏، ‏وإما‏ ‏هربا‏ ‏طيبا‏ ‏من‏ ‏يأس‏ ‏ليس‏ ‏له‏ ‏حل‏، ‏أما‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏كل‏ ‏هذا‏، ‏فإنها‏ ‏الأصداء‏ ‏الرائعة‏ ‏المكثفة‏ ‏التى ‏نتعلم‏ ‏منها‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏تعلمنا‏ ‏لنكف‏ ‏عن‏ ‏الاختزال‏ ‏والاستقطاب‏ ‏والتسطيح‏ ‏والتسليم‏ ‏لمنطق‏ ‏المسلسلات‏ ‏والحكى ‏الخطى‏.‏

   

[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية  2018  – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح  فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net

admin-ajax (1)

admin-ajax

2 تعليقان

  1. صباح الخير يا مولانا:
    المقتطف: نتوقف‏ هنا ‏قليلا‏ ‏لنتساءل‏: ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ “‏الحل‏”: ‏أن‏ ‏يستجيب‏ ‏فى ‏رضا‏ ‏رائع‏ ‏لنداء‏ ‏المجهول‏ ‏الجميل‏ ‏ينقذه‏ ‏من‏ ‏كآبة‏ ‏لاتطاق‏
    التعليق : أولا : تعجبنى كلماتك حين تصوغ الشعر نثرا ،فقد توقفت هنا كثيرا لأستحلب طعم الكلمات وهى تتحاور راقصة فى إيقاع يحبه قلبى .
    ثانيا : هذه الفقرة أيقظت الطفلة النائمة بداخلى ،كى تلعب معها ،فحاولت أن أتقمص ما تصفه ،وها أنا أستجيب فى رضا رائع ،وقد استمعت لصوت النداء المجهول ،لكن تصدق يا سيدى أنه لم ينقذنى فقط من كآبة لا تطلق ،وإنما هو يمضى بى الآن إلى فضاء رحب أفرح وأمرج وأتزود بمدد منه أعود به إلى الكآبة لأخرج لها لسانى قائلة : خرجت واتفسحت ولعبت وكبرت ، ،وأنتى بعدك صغيرة تتضائلين وتتلاشين ،ثم صحنت لها بقبضة يدى على كفى قائلة : قابلت محفوظ والرخاوى واصطحبانى إليه ، وانتى لأ … شكرا يا مولانا على هذه الرحلة الجميلة ،ورحم الله النجيب المحفوظ ،متعكما الله بجنته ،كما متعتمانى بصحبتى إيه ،إليكم ،إلى ……

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *