الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / بعض معالم علاج النفس من خلال الاستشارات عن بُعد الاستشارة الثالثة عن ملامح التصوف أثناء الممارسة

بعض معالم علاج النفس من خلال الاستشارات عن بُعد الاستشارة الثالثة عن ملامح التصوف أثناء الممارسة

 نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 27-4-2019

السنة الثانية عشرة

العدد:  4256

بعض معالم علاج النفس

من خلال الاستشارات عن بُعد

مقدمة:

فرحت فرحا حقيقيا باستجابة الابن د. طلعت مطر، وترحيبه بفتح هذا الباب ثانية، وقد بادر سيادته بإرسال استشارة ذكية وأمينة ومهمة ورائعة ودالة، لكننى فضلت أن أؤجل الرد حتى استأذنه شخصيا فى نشر بعض ما جاء  بها

شكرا يا طلعت بارك الله فيك وأرجو أن تقبل عذرى لتأخرى قليلا عن إرسال الملاحظات إليك بصفة شخصية

****

 الاستشارة  الثالثة

عن ملامح التصوف أثناء الممارسة

د. مشيرة أنيس

لدى مريض متصوف و دائما أخرج من الجلسة معه بتساؤلات كثيرة وأكون مستصعبة أنى أُرْجِعُ التجارب الروحية اللى هو بيمر بيها لحالة “اضطراب وجدانى ثنائى القطببين” و أنا لا أعرف شيئا عن الصوفية فأحاول احترام تجربته و فى نفس الوقت لا أفقد حسى الإكلينيكى.

الرد:

د. يحيى:

هذه أمانة طيبة، وصدق رائع، وممارسة مسئولة.

 وسوف تتعلمين منها الكثير خصوصا فى مثل هذا التشخيص الذى مازلت أسميه “هوسا” فأنا لا أحب هذه التسمية الأحدث “ثنائى القطب”لأننى أعتقد أن وجودنا كله “هو “ثنائى القطب” وهل تناوب الليل والنهار إلا نوع من ثنائية القطب، وكذا تناوب النوم واليقظة ثم تبادل النوم الحالم من النوع غير الحالم، بل ودورات القبض والبسط فى نبض القلب ِ… الخ

ثم أحيلك إلى شعرى (دون شرحه) فى وصف هذه الخبرة كمدخل لفهم الجانب الإيجابى للهوس قبل أن يتمادى، ويتشتت، ويتطاير.

 مقتطف من قصيدة “رقصة الكون”   ديوانى “سر اللعبة” (1)

‏ ‏انقشع‏ ‏غمامُ‏ ‏الضيقْ،

وشعاع ُ‏ ‏الفجر‏ ‏يُدَغْدِغُنِى ‏

حتى ‏أشرق‏ ‏نورُ‏ ‏الشمس‏ ‏

بين‏ ‏ضلوعى ‏

وصَـفـَا‏ ‏القلب‏ ‏

رقصت‏ ‏أرجاءُ‏ ‏الكون‏ ‏

وتحطَّمَتِ‏ ‏الأسوار                                     ‏

وانطلق‏ ‏الإنسان‏ ‏الآخرْ،

‏الرابضُ‏ ‏بين‏ ‏ضلوعى .. ‏

فى ‏ملكوت‏ ‏الله‏

يعزفُ‏ ‏موسيقى ‏الحرية‏

وعرفتُ‏ ‏الأصلَ، ‏وَأصل‏ ‏الأصْل،

فى ‏لحظة‏ ‏صدقْ‏.

ورأيتُ‏ ‏التاريخ‏ ‏البشرى …. ‏رأىَ ‏العين‏:

…………..

…………

إلى أن قلت:

وعرفت‏ ‏يقيناً‏ ‏أن‏ ‏المعرفةَ ‏الحقّةْ‏ ‏

هى ‏فى ‏المعرفة‏ ‏الحقة‏ ‏

دون‏ ‏دليلٍ‏ ‏أو‏ ‏برهان‏

دون‏ ‏حساب‏ ‏أو‏ ‏تعداد‏ ‏الأسباب‏ ‏

هذا‏ ‏قول‏ ‏الصوفيةْ‏:

“‏من‏ ‏ذاقَ‏ ‏عرفْ” ‏

ولقد‏ ‏ذقْتُ، ‏فعرفتُ                                     ‏

ما‏ ‏أعجز‏ ‏ألفاظ‏ ‏الناس‏ ‏عن‏ ‏التعبير‏ ‏عن‏ ‏الذات‏ ‏العليا‏

وعن‏ ‏الجنةْ، ‏

وعن‏ ‏الخلد،

…………

فى ‏ذاك‏ ‏اليوم‏:

‏رقصتْ‏ ‏حباتُ‏ ‏الرملْ،‏

وتعانق‏ ‏ورق‏ ‏الأشجارْ، ‏

وسـَـرَتْ‏ ‏قطراتُ‏ ‏الحبِّ‏.. ‏

من‏ ‏طينِ‏ ‏الأرضِ ‏إلى ‏غصنِ‏ ‏الوردةْ، ‏

وتفتحت‏ ‏الأزهار‏ … ‏

فى ‏داخل‏ ‏قلِبى،  ‏

فى ‏قلب‏ ‏الكون‏‏

وارتفع‏ ‏الحاجز‏ ‏بين‏ ‏كيانى ‏والأكوان‏ ‏العليا

……….

أصبحتُ‏ ‏قديما‏ ‏حتى ‏لا‏ ‏شئ ‏قديمٌ‏ ‏قبلى، ‏

وامتدّ‏ ‏وجودى ‏فى ‏آفاق‏ ‏المستقبل، ‏

دون‏ ‏نهايةْ‏ ‏

فعرفت‏ ‏الله، ‏

وعرفت‏ ‏الأصل‏ ‏وأصل‏ ‏الأصل، ‏

ملأنِىَ ‏الحُبْ، ‏حتى ‏فاض‏ََ ‏بِىَ ‏الوجْد‏

ورأيت‏ ‏العالـَمَ‏ ‏فى ‏نفسى،  ‏

وتوحدت‏ ‏مع‏ ‏الكل

……….‏  ‏

هذا الوصف يا ابنتى على لسان الهوسى لم أسمعه حرفيا طبعا، ثم إنى لم أكن أعنى به أية خبرة صوفية، ولم أكن أقصد أن أعتبر هذا المريض صوفيا أصلا ما دام لم تنفعه الصوفية فى امتلاك ناصية أعلى مراتب الصحة، كل ما فعلته هو أننى استلهمت من معايشة مرضاى الهوسيين: سواء فى بداية مرضهم أو فى مرحلة قرب التعافى أنهم يمرون بمثل هذه الخبرة الصعبة، التى لم اعتبرها مرضا فى ذاتها،

 لكن دعينى فى النهاية أنبهك أن كل ذلك لا يعنى أن المريض الهوسى هو متصوف بالضرورة، وأيضا لا يوجد أى  مبرر يسمح أن ننعت خبرة التصوف الراقية بأنها خبرة هوسية بأية درجة، وأيضا عليك أن تنتبهى أن استعمال أبجدية التصوف غير معايشة خبرة التصوف، بل أحيانا تمثل عكس هذه الخبرة العميقة الرائعة الخطرة معا.

وأذكرك فى النهاية أن المتصوف الحقيقى لا يسمى نفسه متصوفا بل قد ينكر ذلك فى كثير من الأحيان.

إن العبرة بما يترتب على هذه التجربة، وهو ما ختمت به هذه القصيدة حين بينت كيف اكتسب المريض البصيرة فى تجربته فلم يجرفه تيار الوجْد اختتمتها قائلا:

ماذا‏ ‏ينقذنى ‏من‏ ‏نفسى ‏

من‏ ‏رؤية‏ ‏سرى ‏الأعظم

‏ ‏سر‏ ‏الله‏ ‏وسر‏ ‏الكون، ‏وسر‏ ‏وجودى،  ‏

   سر‏ ‏الزمن، ‏وسر‏ ‏الموت، ‏وسر‏ ‏الكلمة                  

‏ ‏           كيف‏ ‏أحدد‏ ‏أبعادي؟؟‏                                   

يا‏ ‏رب‏ ‏الكون‏: ‏

قد‏ ‏بهرتْنى ‏طلعتك‏ ‏الحُلوةْ‏ ‏

وغشى ‏نورك‏ ‏عينىّ ‏

خذ‏ ‏بيدى ‏وارحم‏ ‏ضعفى ‏

واجعل‏ ‏دورى ‏أن‏ ‏أسهم‏ ‏فى ‏السعى ‏إليك‏ ‏

                           لا‏ ‏أن‏ ‏أصبح‏ ‏ذاتك

يا‏‏رب‏ ‏الناس‏ ‏

من‏ ‏لى ‏بالناس؟‏ ‏

       بالكلمةِ‏ ‏وبدونِ‏ ‏كلام‏ْ ‏

شدّنى ‏الناسُ‏ ‏إلى ‏الناس‏ْ

لمستْ‏ ‏قدماى ‏الأرض‏. ‏

يا‏ ‏ثقل‏ ‏الجذب‏ ‏الى ‏الطين

يا روعة أُنـْـس ِ الـعـُوْدهْ!

‏-5-‏

قد‏ ‏عشت‏ ‏حياة‏ ‏اليوم‏ ‏الثامن‏

لكن‏ ‏الأسبوع‏ ‏له‏ ‏أيامٌ‏ ‏سبعة‏ْْ ‏

فلأهبطْ‏ ‏بين‏ ‏الناسْ‏ .. ‏

أتقن‏ ‏دورى ‏المحدود‏ ‏الرائع‏ ‏

لنقوِّض‏ ‏حاضرَنا‏ ‏المُلتاث‏ ‏

وتصير‏ ‏الأحلامُ‏ ‏حقيقة‏ْ

ويسير‏ ‏الشعر‏ ‏على ‏أرجلْ‏ ‏

لنضيف‏ ‏الحلقـَةَ‏ ‏والحلقه ْ ‏

فى ‏تلك‏ ‏السلسلةِ‏ ‏الحـُلوة‏

ما‏ ‏أحلى ‏كل‏ ‏الأشياء‏ ‏

كل‏ ‏الأشياء‏ ‏بلا‏ ‏استثناء‏ ‏

ما‏ ‏أجمل‏ ‏صوت‏ ‏بكاء‏ ‏الطفل‏ ‏

بل‏ ‏صوت‏ ‏نقيق‏ ‏الضفدع‏ ‏

بل‏ ‏صوت‏ ‏الصنبور‏ ‏التالف‏!

 

[1] – ديوان “سر اللعبة” ديوان “سر اللعبة”  (الطبعة الأولى 1977، والطبعة الثانية 1978 والطبعة الثالثة 2017) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى  www.rakhawy.net

 

admin-ajax (4)admin-ajax (5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *