الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (131) الخطوط العامة للعلاج والتعافى، وعلاقتها بختام: المقابلة الإكلينيكية

الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (131) الخطوط العامة للعلاج والتعافى، وعلاقتها بختام: المقابلة الإكلينيكية

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 10-12-2016

السنة العاشرة

العدد:  3389

الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (131)

الخطوط العامة للعلاج والتعافى، وعلاقتها بختام:

المقابلة الإكلينيكية

مقدمة:

كان المفروض أن اواصل إلى  التطبيق العملى لفائدة التركيز على الصياغة النفسمراضية التركيبية باعتبارها الأهم بالنسبة لتحقيق الهدف الجوهرى للممارسة، وهو العلاج، إلا أننى حين قمت بمراجعة  ما جاء فى المقابلة الإكلينيكية عامة، وما يتعلق فيها بالطبنفسى الإيقاعحيوى خاصة وجدت خلخلة فى التتابع لا تفسير لها إلا سماحى لنفسى بالإنطلاق فى ما يحضرنى من خبرتى واضطلاعى دون التزام بتسلسل محكم، ويبدو أن ذلك جاء نتيجة للالتزام اليومى المتسارع، وقد تدعم بضعف الحوار والنقد.

بالمرور فى ما نشر حتى الآن عن المقابلة الإكلينيكية وجدت أنه يحتاج إلى إعادة ترتيب هادف وحازم، الأمر الذى سوف يكون ملزما طبعا فى النسخة الورقية،  لكن من حق الصديق أو الزميل المتابع الآن أن أمدّه بالترتيب اللائق المساعد على تسلسل الأفكار للوصول إلى نظام يسهم  أولا: فى توضيح ما يتميز به الطبنفسى الإيقاعحيوى وأيضا يمهد لعرض مغزى التركيز على الصياغة النفسمراضية التركيبية أكثر من غيرها (أكثر من التشخيص والموجز والصياغات الأخرى).

فى هذه النشرة سوف أبدا بالتذكرة بأهمية الصياغة عامة، ثم بالنسبة للطبنفسى الإيقاعحيوى خاصة، فى الإرشاد إلى تحديد الهدف وبعض الخطوات، كما أننى سوف أحاول أن أتجنب التكرار ما أمكن، وذلك بالنسبة للموضوعات التى تم طرحها مع إشارة إليها بالروابط إن لزم الأمر.

العلاج هو الهدف من البداية للنهاية

المقابلة الإكلينيكية هى الخطوة (أو الخطوات) الأولى نحو العلاج، إذ ينبغى أن يكون علاج المرضى هو غاية كل طبيب يَشْرُفُ بهذه الصفة، فهو ابتداءً  ليس عالما، ولا باحثا، ولا مصلحا اجتماعيا، ولا منظِّراً ثقافيا ولا نبيا طبعا، وكل ما يصاحب أو ينتج عن هذا الهدف الأول وهو العلاج ينبغى أن يُعتبر ناتجا جانبيا(1)) لا يمكن إنكاره أو التغافل عنه، أمّا أن يحل هذا الناتج الجانبى محل الهدف الأصلى، فهذا يَخْرُج بالطب النفسى إلى أهداف أخرى، حتى لو بدت أهدافا رائعة وضرورية مثل قراءة الفطرة البشرية، أو التقرب إلى الله، أو البحث العلمى، كل ذلك وارد ولا يمكن التهوين منه أو الإقلال من شأنه، لكنه لا ينبغى أن يحل محل الهدف الأول جدا لأن الناتج الجانبى ينبغى أن يظل ناتجا جانبيا، ربما يكون هدفا محوريا لمنظومة أخرى، لكن ليست هى العلاج على أية حال، على أن الفرصة التى تتاح للطبيب للنمو والمعرفة والإيمان والكدح من خلال العلاج الهادف المسئول أمام الله أساسا، هى من أعظم النعم والجزاءات التى يحصل عليها من مهنته إذا أحسنها.

ما دام الأمر كذلك فعلينا أن نحدد معنى تعبير علاج المريض ابتداء حتى لا تختلط الأوراق، فقد شاعت مؤخرا مفاهيم أغلبها مستورد عن ما  يسمى “نوعية الحياة” و”تحقيق الرفاهية” وكلام مثل ذلك، لا مجال لمناقشته حالانشرة 30-1-2016 ونشرة 31-1-2016 ونشرة 20-2-2016، ونشرة 4-4-2016، ونشرة 4-9-2016، ونشرة 19-11-2016">(2)

مستويات التعافى بصفة عامة:

ما دام العلاج هو المهمة الأساسية للطب النفسى فإن الهدف الأساسى له هو “التعافى” من المرض، على أن لهذا التعافى محكات ومستويات تختلف من ممارسة  لممارسة، وأيضا من مدرسة إلى مدرسة، وكذا من أيديولوجيا إلى أيديولوجيا!! وتتدرج مستويات التعافى بالتالى تدرجا حتميا، نوجز بعضها على الوجه التالى:

1- اختفاء الأعراض

2- العودة لممارسة ما كان يمارسه المريض قبل مرضه (الدراسة /العمل/رعاية الأسرة….الخ).

3- “البدء من جديد”: بأسرع ما يمكن، إن كان قد توقف

4- الامتثال لتعليمات العقاقير حتى تحقيق الأهداف المرجوّة بالتتابع.

5- الامتثال لتعليمات التأهيل، التى ينبغى أن تقدم له بالتفصيل ما أمكن ذلك.

6- المواصلة على الحفاظ على المتابعة المتقاربة

7- الاستغناء تدريجيا عن العقاقير دون مساس بما سبق

8- المتابعة المتباعدة

9- الاستغناء عن المتابعة وعن العقاقير غالبا

من منظور الطبنفسى الإيقاعحيوى

لا يختلف الطبنفسى الإيقاعحيوى حول هذه المحكات من حيث المبدأ، إلا أن ثمة فروق يجدر الإشارة إليها فى ترتيب الأولويات وفى نوعية التقييم نوجز بعضها فيما يلى:

أولاً: ينتقل الاهتمام باختفاء الأعراض إلى مرتبة متأخرة تماما، كما يوصى بالانتباه إلى نقلة الأعراض من إيجابية إلى سلبية ولو نقلة خفية، وأيضا يحذر مما يسمى “الهرب إلى الصحة” أو الهرب إلى ما يشبه الصحة(3)) (والمقصود به التراجع عن الشكوى بالعودة للإفراط فى استعمال الميكانزمات الدفاعية قصيرة الأجل عادة).

ثانياً: نلجأ كثيرا إلى البدء بمحاولة “تجنيب الأعراض”، أى القبول بوجودها دون التحدث عنها إلا مع الطبيب إذا لزم الأمر، فتضمُرَ بالإهمال وعدم الاستعمال(4)) بعد أن تفقد فاعليتها المعطِّلة.

ثالثاً: يتواصل العلاج على أساس تعميق المشاركة (الوعى البينشخصى) وبذلك يصبح كل علاج حتى لو بدأ أنه بالعقاقير هو نوع من العلاج النفسى حتى لو لم يحدد أنه كذلك.

رابعاً:  تتدرج العلاقة من رصد الأعراض ولصق لافتة التشخيص إلى تناول معنى المرض وغائيته وكذلك معنى الأعراض ودلالتها أكثر من تفسيرها وتأويلها.

خامساً:  يزيد الاهتمام بنوعية التعافى، وربما تسمح أزمة المرض بالانتقال بالعلاقات الإنسانية من “الصفقات المتبادلة”، إلى “المشاركة التكاملية”، المصاحبة بتحمل الاختلاف مع المثابرة، على ألا يكون هذا هدفا (مثاليا) فى ذاته، وإنما يمكن أن يلاحظه المعالج فيدعمه أكثر بما يدعو إليه ويوضحه.

سادساً: فى ثقافتنا خاصة، تتواصل دوائر الوعى المتلاحقة المتمادية فى الاتساع إلى المستويات الأوسع فالأوسع مما يدعم متانة ونوعية المستويات البادئة من المشاركة (الوعى البينشخصى) إلى التكامل الأوسع (الوعى الاجتماعى) إلى الوعى الأشمل (الوعى الجماعى) إلى الوعى المطلق حاضرا “هنا والآن”، دون قهر أو إيحاء أو استعمال الترغيب والترهيب التقليديين، بل بالاستعانة بحضور كل هذه المستويات عاملا علاجيا داعما حقيقيا موضوعيا فى “هنا والآن”.

سابعاً: لا تقتصر أساليب منع النكسة فى الطبنفسى الإيقاعحيوى 3-12-2016) (نشرة 4-12-2016)">(5)  على الاستمرار لأطول مدة على العقاقير، وإنما يشتمل على عدة عوامل إضافية كثير منها نوعية من أهمها:

إطلاق الطاقة الحيوية إلى مجالاتها العملية العلاقاتية الواقعية ذات المعنى، وإتاحة فرص أكبر فأكبر لاحتواء نبضات الإيقاع الحيوى بكل أطوارها من تفكيك، وإعادة تشكيل، وتنوع مسارات، وتعميق العلاقات، ودعم برامج النمو والتطور بما فى ذلك تناوب الأطوار، وبرامج “الدخول والخروج”، مع دعم وتناسب إيقاع الطبيعة مع إيقاع البشر عبر دورات الليل والنهار ودورات  النوم واليقظة: (الليل لباسا والنهار معاشا)، ودورات العبادة خاصة الإيقاعحيوية ودورات النشاط والكمون.(كل ذلك دون ذكر لفظ محدد مما جاء فى هذه الفقرة فكل ذلك يجرى تلقائيا بالحضور الحقيقى المرن المسئول للمعالج!!)

وبعد

طبعا سوف نعود إلى كل ذلك بالتفصيل مع كل مرض وكل إعاقة، لكننى اضطررت للبدء بالإشارة إليه تأكيدا إلى أن ما سوف أختم به المقابلة الإكلينيكية هو  تحديد أساليب السعى لتحقيق الهدف من هذه المقابلة، والهدف من العلاج عامة، وقبل كل شىء، وذلك من خلال تطبيق أولوية الصياغة النفسمراضية التركيبية.

ولكننى سأخصص نشرة الغد لشرح المزيد عن “الصياغة الوصفية” لأنها من الموضوعات التى لم تأخذ حقها نتيجة التسلسل غير المنتظم.

[1] – Biproduet

[2] –  ويمكن الرجوع إلى مناقشة بعض هذه الأنواع فى نشرات أنواع الطب النفسى ذلك فى نشرة 30-1-2016 ونشرة 31-1-2016 و نشرة 20-2-2016،  ونشرة 4-4-201 ،  ونشرة 4-9-2016،  ونشرة 19-11-2016

[3] – Flight into health (into pseudo-health)

[4] – Disuse Atro phy

[5] –  أكتب كثيرا الطبنفسى الإيقاعحيوى دون إضافة (التطورى) ولذلك لمجرد  الاختصار على أن ما أعنيه بالطبنفسى الإيقاعحيوى هو الطبنفسى الإيقاعجيوى التطورى فى نفس الوقت، لكن ليس الطبنفسى التطورى فقط (أنظر نشرة 3-12-2016) (نشرة 4-12-2016)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *