الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ملف الاضطرابات الجامعة (27) أنواع أخرى من الطبنفسى السلبى!

ملف الاضطرابات الجامعة (27) أنواع أخرى من الطبنفسى السلبى!

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 30-1-2016

السنة التاسعة

 العدد: 3074  

 الأساس فى الطب النفسى 

 الافتراضات الأساسية الفصل السابع: 

ملف الاضطرابات الجامعة (27)

أنواع أخرى من الطبنفسى السلبى!

مقدمة:

قدمت  فى نشرة الأسبوع الماضى نوعين من الطبنفسى السلبى وقائمة ببقية أنواعه، وها نحن نكمل ونحن نعيد التنبيه أنها مجرد وجهة نظر لا تتهم فريقا بذاته، كما أن النقد الذاتى لم يصل إلى درجة هذه المصارحة، وبديهى أن أى نوع نصفه بالسلبية له دوره فى مساعدة بعض المرضى الذين يطلبونه ويتوقفون عنده، كما أن من يمارس من الأطباء هذا النوع أو ذاك وهو يعرف سلبياته ثم يصله مطلب مريض بالتوقف عنده يستطيع أن يأخذ بيد المريض  ليتخطى هذه المرحلة إلى ما يمكن أن يتجاوزه، وبالتالى فإن ما أقدمه ليس اتهاما لأى من الزملاء على اختلاف مشار لهم ممن قد يظنون أنهم يمارسون هذا النوع أو ذاك، ولكنه تذكرة لى لهم ألا ننساق دون أن ندرك لممارسة سلبيات لا نقصدها، ولعل المتابع يلاحظ فى نشرة الغد أننى أضفت إلى هذه القائمة السلبية كلا من “الطب النفسى الإيجابى” وكذلك “الطب النفسى التطورى الإيقاعحيوى” وهو ما أدعو وأنتمى إليه كما سوف نرى غدًا.

وقد قدمنا فى النشرة السابقة نبذة عن كلٍّ من:

  (1) الطب النفسى التصنيفى: ونكرر، أو نذكّر، هنا أن التصنيف مهم لأغراض إحصائية وتواصلية وبحثعلمية على شرط ألا يكون نهاية المطاف.

(2) الطب النفسى الكيميائى (المشتبكى): وأيضا نذكر هنا ونؤكد أن هذا ليس رفضا للتداوى بالعقاقير ولكنه تحذير من اختزال المرض النفسى إلى نقص فى هذه المادة فى الموقع العصبى الفلانى أو زيادتها للموصِّل المشتبكى العلانى، وأنا دائما أكرر أنه لولا استعمالى الانتقائى للعقاقير بكل إقدام وثقة فيها، لما مارست العلاج النفسى خاصة للذهانيين، ولا عرفت ما عرفت عن النفسمراضية (السيكوباثولوجية) بالطول والعرض.

ونواصل اليوم كما يلى:

 (3) الطب النفسى التحليلى التعليلى:

 وهو ذلك النوع من التطبيب الذى يؤمن بالتحليل النفسى (الفرويدى عادة)، والذى لم يعد يمارس بتقنياته التقليدية من أول التداعى الحر(1) حتى تحليل الأحلام وحل الطرح (2)وإنما يمارس بواسطة الكثيرين ممن لم يتعمقوا فيه: بكثير من المبالغة بالبحث عن السبب، هو ما يسمونه هم – أو المرضى – باسم “عقدة” عادة، وعن ما حل بالمريض وخاصة فى تاريخه الباكر (الطفولة والشباب) وإلى درجة أقل من الاهتمام بالظروف الضاغطة المحيطة والأحداث الكائنة المستمرة، وهذا التوجه يغذيه الشائع عند العامة وفى المسلسلات وفى الإعلام غالبا من أن سبب المرض النفسى هو عُقّدُ الطفولة، والنمو الجنسى غير السوى وما إلى ذلك،

 وتكثر أسئلة الإعلاميين للأطباء عن التحليل النفسى حتى للأسوياء، حتى عن بعد، ومن معالم هذا التطبيب (أو التحليل) هو الترحيب بفكرة التنفيث أو التفريغ (و”أطلع اللى جوايا”)، بدرجة تطغى على فكرة التركيز على ماذا يمكن فِعْلُهَ بعد كل هذا، وهذا ما عبرت عنه مرارا بأنه قد آن الأوان أن يحل سؤال “إذن ماذا”؟ محل السؤال عن “لماذا”، دون إغفال ما يمكن الاستفادة منه فى تقرير الممكن الآن، وأن نهتم تبعا لذلك بتركيز أكبر على ما إذا كان السبب مازال قائما، وهو ما نسميه العوامل المدَيِمة Perpetuating Factors أى التى تعمل على أن يدوم المرض، وخاصة فى الحالات المسماة الذهان المشترك Shared Insanity،(3) وتزداد أهمية البحث فى مثل هذه الأسباب حين يكون السبب الحاضر غير قابل للإزالة إلا بإجراءات تأهيلية حاسمة.

(4) الطب النفسى التبريرى:

إذا تمادى التركيز على التعليل والحرص على الإسراع بتفسير الأعراض بأسباب فى الماضى تنحو باللائمة على ظروف خارجه عن مشاركة المريض فى إحداث المرض فإن المسألة قد تنقلب من التعليل إلى التبرير (من جانب الطبيب وليس فقط المريض)، وهو إعطاء أسباب ظاهرة سطحية ليست هى الأسباب الحقيقية، وبالتالى يسهم مثل هذا التبرير فى دعم ما يسمى المكسب الثانوى للمرض Secondary gain، ويختلف التبرير عن التفسير أنه يضيف مبررات وأعذار غير أصيلة لظهور المرض أو للاستمرار فيه بدون قصد  من الطبيب غالبا، فَيُثِّبتُ العرض أو المرض أكثر من أنه يسهم فى إزالته.

(5) الطب النفسى التقريرى (الإقرارى):

 وهنا يقع الطبيب – غالبا بغير قصد – فى احتمال أن يستعمله مريض، باضطراب فى الشخصية أو ما شابه، ليبرر به بعض انحرافاته التى يصفها عادة بأنها “غصبا عنه”، وبمجرد أن يطمئن إلى أن الطبيب وافق على أنه يعانى من مرض ما، فإنه يقفز فى لا شعوره (أو شعوره) أنه “ليس على المريض حرج”، وأن ما يقوم به هو فعلا نتيجة المرض، ويكون الطبيب عادة غير منتمٍٍ لفكرة أن المرض (حتى الذهان) هو اختيار أعمق (حتى لو كان اختيارا لا شعوريا) وهكذا يحقق صاحب اضطراب الشخصية غرضه بتعليق لافتة تشخيصية على ما يأتيه من سلوكيات منحرفة، وكأن الطبيب – دون أن يدرى عادة – قد يعطى للمريض عذرا ظاهرا أو خفيا للاستمرار فى هذه السلوكيات (لأنه مريض!!) وما لم ينتبه الطبيب كيف يستعمله مثل هذا المريض، فإنه يكاد يصبح مشاركا فيما يقترفه،

وكلمة التقرير هنا لا تعنى أنه يكتب له تقريرا، وإنما تعنى أنه “يِقُرّه” ضمنا على ما يفعله، ويقدره لمرضه.

 (6) الطب النفسى السياسى:

 ويوجد نوعان من الطب النفسى أعتبرهما سلبيان وأود أن أقدم كل نوع على حدة:

(6/أ) الطب النفسى السياسى (الإعلامى السطحى عادة): وهنا يقوم الطبيب النفسى  بالتطوع أو بالاستجابة كما يطلب منه من تفسيرات نفسية، وأكثر تواترا أن يطلب منه تحليلا نفسيا لهذه الظاهرة السياسة البحتة أو تلك، وأيضا كثيرا ما يطلب تحليل شخصيات سياسية، قيادية عادة ، وقد يستدرج إلى استعمال لغة طبية تصل إلى حد التشخيص لمجاميع من الشعب (أو حتى للشعب كله) فى فتاواه السياسية، وقد كثرت هذه الظاهرة من جانب معظم الإعلاميين الذين كثيرا ما يصرون على السؤال عن “التفسير النفسى” أو “التحليل النفسى” لهذه الظاهرة فى السياسة أو لتلك الشخصية السياسية(4)، وبرغم ما فى هذا التوجه من احتمالات بعض الصواب إلا أنه لا ينبغى أن يُستعمل إلا بحذر شديد، لأن الطب النفسى فى النهاية هو طب يعالج مرضى بعد أن يحصل منهم على معلومات تفصيلية شاملة ومباشرة، ومعظم هذه الممارسات تستعمل لغة طبنفسية وتشخيصات مرضية هى اجتهادات أبسط ما توصف به أنها هواية محدودة المصداقية أو فروض تحتاج إلى تصديق.

(6/ب) الطب النفسى السياسى القهرى السلطوى:

وهذا نوع من استعمال الطبيب والطب بواسطة سلطة قاهرة طاغية حاكمة، لقهر معارضيها وإصدار أحكام نفسية تحرمهم من التمتع من حقوقهم فى الحرية والتعبير والمشاركة، وقد شاع مثل ذلك عبر التاريخ بشكل مباشر، وأيضا حديثا بشكل أقل مباشرة، وكثير من الأطباء الذين يشاركون فى مثل ذلك لا يدركون أن مسئوليتهم لا تقتصر فقط على سوء استعمال علمهم وفتاواهم فى قمع الحريات وظلم الناس، وإنما أيضا فى الإسهام فى تمادى الطغاة فى طغيانهم وقهر الناس.

وغدًا نكمل أنواع سلبية أخرى

[1] – Free Association

[2] – Resolution of  Transference

[3] – وخاصة من النوع المُقْحَمْ، Imposed Insanity حيث يقحم شخص يبدو سليما إمراضيتة فى شخص مرتبط به وجدانيا حتى التبعية المستسلمة، فيمرض الأضعف فى حين يظل المشارك الطاغى سليما طالما الأضعف مريضا.

[4] – لدرجة كدت أسمى هذا النوع الفرعى من هذا الطب: الطب النفسى “التوكْشووى”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *