الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الشخصية الفرحانقباضية (وأخواتها) (من منظور تطورى)

الشخصية الفرحانقباضية (وأخواتها) (من منظور تطورى)

“نشرة” الإنسان والتطور

6-1-2008

العدد: 128

الشخصية الفرحانقباضية (وأخواتها)

(من منظور تطورى)

تمهيد‏:‏

الفضل لصلاح جاهين، رحمه الله  فى نحت اسم الشخصية الفرحانقباضية، ولو أن التعبير الفرحانقباضى المقابل فى الاإنجليزية هو manic-depressive وهو لا يطلق عادة إلا على درجة اشد (حتى الجنون) من هذا الاضطراب ذى الوجهين (هكذا كان اسمه بالفرنسية يوم وصفه الطبيب النفسـى فارليه Folie de double face)  وهو اسم طريف صحيح.

 أهمية تقديم هذه الشخصية، وخاصة ما يصل منها إلى درجة الاضطراب (1) وليس المرض الأشد المقابل لها ، للزملاء وللشخص العادى، بدت لى ذات دلالة خاصة فى هذه المرحلة ونحن نقدم بعض معالم الفكر التطورى المرتبط بالإيقاع الحيوى وذلك لتوضيح ما يلى:

  1. إن اضطراب الشخصية المسماة “الفرحانقباضية” “هو نموذج للإيقاع الحيوى (المرضى) الذى هو أساس النظرية الإيقاعية التطوريةEvolutionary Rhythmic Theory  التى ينبنى عليها هذا الفكر.
  2. إن وجود النبض الحيوى فى ذاته ليس دليل صحة إلا إذا أدت النبضات إلى النمو، وهذه الشخصية تنبض كأعلى ما يكون النبض لكن فى المحل، أى أن النبضة تنتهى حيث بدأت، وبالتالى يتوقف النمو برغم زخم التغير وحدة الحيوية حتى فى طور الانقباض
  3. إن الجمع بين النقيضين فى شخصية واحدة يعتبر أمرا مألوفا، وهنا يحدث التواجد بالتبادل أساسا، وعلى فترات طويلة نسبيا ، (تتراوح بين أيام إلى أسابيع إلى شهور إلى أكثر)، كما أننا يمكن أن نستفيد من ذلك فى تصعيد قبول فكرة الجمع بين المتناقضات من حيث المبدأ، دون الإسراع بهذا الاستعمال الجاهل لوصف أىتقلب من النقيض إلى النقيض على أنه فصام بلغة العامّة (يتم ذلك غالبا فى المجالات الاجتماعية، وأحيانا السياسية وأحيان السبابية “ياه شوف دا متقلب ازاى! دا عنده شيزوفرينيا) !!
  4. إن مجموعة الاضطرابات المسماة بـ “اضطرابات الشخصية“: إنما ينظر لها من منظور التطور، باعتبار أنها “توقف دائم، أو شبه دائم، لمسيرة النمو”.
  5. إن تنويعات هذه المجموعة تقسم إلى فئات فرعية، من المنظور التطورى بناء على آلية التوقف المستعملة أكثر فى كل نوع منها، جنبا إلى جنب مع نتائج هذا التوقف (أو الإجهاض) كما أنها تظهر فى شكل سمات وسلوك عام، لا أعراض محددة.

مقدمة عن اضطرابات الشخصية عامة:

(من منظور تطورى)

إن النظر فى طبيعة هذه الفئة وصعوبة تناولها وتحديد معالمها، تلزمنا المعاودة  للمواجهة‏ ‏الصريحة‏ ‏مع‏ ‏مشكلة‏ ‏الحد‏ ‏الفاصل‏ ‏بين‏ ‏السواء‏ ‏والمرض‏..، هذه المجموعة تحمل كل تحديات السؤال الأزلى “مَنْ يحكمُ على مَنْ“، وذلك لسببين:

 أولا: أن هذا التشخيص لا يتم بناء على وجود أعراض محددة المعالم، وإنما على سمات ممتدة، صفات تصف الشخص ككل، بلا بداية محددة عادة،

وثانيا: إن من يعانى من أغلب أنواع هذه الشخصية، لا يذهب بنفسه تلقائيا لاستشارة طبيب نفسى فى العادة، وإنما هو قد يُنصح بذلك، أو يدفعه المحيطون به إلى ذلك. 

‏استمرار‏ ‏مسيرة‏ ‏النضج،‏ ‏و‏اضطرابات‏ ‏الشخصية

من منطلق الفكر التطورى، يعتبر اضطراب الشخصية نموذجا لتوقف النمو المفروض أنه المضطرد مدى الحياة، باعتبار أن هذا النمو المضطر هو أمر طبيعىّ تماما، إلا أنه، فى الواقع، أمر غامض فيما نسميه “الحياة العادية”،  خصوصا فى المجتمعات التقليدية والنمطية الساكنة،  وهذا الغموض الذى يحيط باضطراد نمو الشخص العادى هو الذى يضيف إلى الحيرة ونحن نقيس اضطراب الشخصية بمقياس النمو، الحيرة فى تحديد معالم ما إذا كان النمو قد توقف فعلا حتى نتعرف على (نُشَخِّص) ما هو اضطراب الشخصية مقارنة باستمرارية نمو العاديين، فنحن آنذاك نواجه تساؤلات تقول:

  • وهل يوجد مقياس لاستمرارية نمو العاديين؟
  • وكيف نحكم على هذا التوقف الذى ربما يكون مجرد حالة كمون ينطلق بعدها المسار؟.

بالرغم من كل هذه الصعوبات فإن فهم اضطراب الشخصية من منظور تطورى يظل يعتمد على فرض حتم‏ ‏استمرار النمو فى الأحوال العادية ‏مدى ‏الحياة.

إنه بدون‏ تبنى مفهوم النمو الدائم هذا يمكن أن نتفق مع من ينكر هذه الزملة أصلا، ممن يزعمون أنها ليست بالضرورة مشكلة طبنفسية وإنما هى مشكلة اجتماعية، أو أخلاقية، وأن مجرد دخولها إلى مجال الممارسة الطبية لا بد أن ينقل الاهتمام من التفكير فى النمو من عدمه، إلى تحديد ظاهر السلوك الذى أتى بصاحبٌها إلى مجال الممارسة الطبية يطلب الاستشارة الطبية أو المعونة بأى شكل.

الخطوط العامة لمسار النمو البشرى

  • ‏النمو‏ ‏المستمر‏، للكائن البشرىيحدث بشكل تلقائى فى الأحوال الطبيعية (مع أن الأحوال الطبيعية أصبحت هى الأكثر ندرة بعد أن أصبحت إعاقة النمو هى القاعدة).
  • إن هذا النمو يحدث تدريجيا – غير ملموسة نقلاته عادة – اللهم إلا أثناء ما يسمى أزمات النمو Growth Crises منذ الولادة وحتى الموت، بل إن الموت نفسه يمكن أن يعتبر أزمة نمو بشكل أو بآخر (انظر بعد).
  • إن مفهوم النمو الفردى المتواصل، يوازى مفهوم التطور الحيوى المتواصل ، بل إن مفهوم التطور الذى تنتمى إليه هذه المدرسة يقر نظرية الاستعادة (لهيكلRecapitulation Theory (Heckl) التى تقول إن الأنتوجينيا (نمو الفرد) تكرر الفيلوجينا (تطور النوع).
  • المفروض أنه لا شىء يحول دون ذلك إذا كان للتطور أن يستمر، وإذا كان للنمو الفردى أن يحقق غايته التى تمتد حتى إلى ما بعد الموت
  • أن هذا النمو له قواعده الأساسية – من منظور التطور- هنا، كما أن له محكاته المحددة، ومن أهم ذلك:
  1. ‏إن‏ ‏النمو‏ ‏يسير‏ ‏فى ‏نبضات‏ ‏تتكون‏ ‏من طور‏ ‏اندفاعة (‏بسط‏ (Unfolding ‏بالتبادل مع طور ملء (تمدد)‏(Diastole) ‏ بما يقابل طورى الملء والانقباض فى دورة القلب النابضة.
  2. أثناء نبضات ‏الإيقاع الحيوى على مستوياته المختلفة‏يتجرع‏ ‏الفرد‏ ‏جرعات‏ ‏أكبر‏ ‏من‏ ‏قدرته‏ ‏على ‏الاستيعاب الفورى ، ‏ثم‏ هو يعيد تشكيلها بانتظام، وهو ‏يجترها‏ ‏ويتمثلها‏ ‏لينمو‏ ‏بها‏ ‏يوميا  ‏من‏ ‏خلال‏ ‏نوبات‏ ‏البسط‏ ‏المتلاحقة‏ ‏أثناء ‏تبادل النوم واليقظة، وأكثر أثناء تبادل النوم الحالم وغير الحالم.
  3. ‏ ‏ ‏يتم النمو بشكل مستمر من خلال هذه النبضات إذا ‏ ‏ما‏ ‏كان‏ ‏النوم‏ ‏يقوم‏ ‏بوظيفته‏ ‏الوقائية‏ ‏التفريغية‏ ‏والنموية‏ ‏الاستيعابية‏ ‏معا‏، بغض النظر عما إذا كنا ندرك آثار ذلك أم لا
  4. هذه الإيقاعات الليلنهايرية عادة لا تكفى للاستيعاب المتكافئ لكل المعطيات المدخلة فالمتراكمة، وهى أيضا لا تكفى للوفاء بالتشكيل الفورى الكامل أثناء طور البسط، مما يترتب عليه تراكمات متتالية متزايدة تحتاج إلى نبضة نمو عملاقة ، وهو ما يحدث فيما يسمى أزمات النمو المتتابعة (الثمانية مثلا كما عددها إريك إريكسون).
  5. إن‏ نبضات عملية النمو ‏تكون نشطة ‏ ‏ومتتابعة ‏ ‏فى ‏الطفولة الأولى ثم المراهقة، ‏ثم‏ إنه كلما تقدم العمر تصبح‏‏ ‏أطوار‏ “‏الملء” ‏ أطول فأطول على حساب ‏أطوار‏ “‏البسط”‏، وذلك باضطراد مرور سنين العمر.
  6. ‏إن‏ ‏هذه‏ ‏النبضات‏ ‏لاتتوقف‏ ‏فعلا‏ ‏ونهائيا‏ ‏إلا‏ ‏بالموت‏ ‏الجسدي (وقد لا تتوقف)(2)
  7. إن‏ ‏ترجيح‏‏ ‏استمرارية كفاءة النمو ‏لا يتعلق‏ ‏بالسن‏ ‏الزمنى ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏يتعلق‏ ‏بمرونة‏ وإبداعية ‏الشخصية‏ ‏فى ‏نبضاتها‏ ، أى‏ ‏بقدرتها على الاستيعاب والتمثل المنتظم ‏المتزايد‏ ‏للخبرات‏ ‏التى ‏تنمو‏ ‏بها‏ ‏.
  8. إن هذا الاستيعاب النمائى يتم من خلال نبضات الإيقاع الحيويى على كل المستويات كما أشرنا حالا. ‏

ماهية اضطراب الشخصية

(من منظور تطورى)

اضطراب الشخصية هو توقف جسيم نتيجة إعاقة ممتدة أو متكررة، (حتى الإجهاض المعاوِد) لنبضات الإيقاع الحيوى لمسار النمو البشرى  بما يترتب عليهالانحراف عن مسار النمو، أو تجميده، أو بالدوران المغلق فى المحل، أو إجهاضه أولا بأول، أو غير ذلك،

وفيما يلى سوف نقدم شرح ثلاثة آليات لتوقف أو تأخر نضج الشخصية بشكل شبه دائم، كما سوف نؤجل تقديم آليات توقيف النضج الأخرى (3)  لحين عرض أنواع أخرى من اضطراب الشخصية تناسبها.

بعض آليات توقيف النمو:

  1. ‏أن‏ ‏ينتج‏ ‏عن‏ ‏تذبذب‏ ‏عملية‏ ‏النمو‏ ‏وعدم‏ ‏كفاءة‏ ‏أطوار‏ ‏النبضات‏ ‏المتلاحقة‏ ‏تأخر‏ ‏فى ‏اكتساب‏ ‏سمات‏ ‏سلوكية‏ ‏تتناسب‏ ‏مع‏ ‏مسيرة‏ ‏النمو‏ ‏فى ‏أطوار‏ ‏العمر‏ ‏المختلفة‏، ‏مما‏ ‏ينتج‏ ‏عنه‏ ‏تأخر‏ ‏النضج‏ ‏وظهور‏ ‏مظاهر‏ ‏طفلية‏ ‏ومخلة‏ ‏فى ‏تصرفات‏ ‏الشخص‏ ‏البالغ‏، ‏ومثال‏ ‏ذلك‏ ‏الشخصية‏ غير الناضجة أو غير المستقرة انفعاليا بوجه خاص. ‏
  2. ‏أن‏ ‏يحدث‏ ‏طور‏ ‏الاندفاعة‏ (‏البسط‏) ‏فى ‏ظروف‏ ‏غير‏ ‏ملائمة‏، ‏مما‏ ‏يعرض‏ ‏الكيان‏ ‏النامى ‏إلى ‏إحباطات‏ ‏ورعب‏ ‏وانكماش‏ ‏بحيث‏ ‏تُجْهَض‏ ‏النبضة‏ ‏لدرجة‏ ‏ألا‏ ‏يجرؤ‏ ‏الفرد‏ ‏على ‏معايشتها‏ ‏ثانية‏، ‏فلايعود‏ ‏ينبض‏ ‏إلا‏ ‏نائما‏ وفى ‏السر لسرعة المحو والإنكار‏، ‏بل‏ ‏إن‏ ‏هذا‏ ‏النبض‏ ‏أثناء ‏النوم‏ ‏والحلم‏ ‏يكون‏ ‏غائرا‏ ‏فى ‏طبقات‏ ‏الشخصية‏ ‏الأعمق‏ ‏بحيث‏ ‏لايتبادل‏ ‏مع‏ ‏أى ‏أطوار‏ ‏أخرى،

 وينتج‏ ‏عن‏ ‏هذا‏ ‏وذاك‏ ‏توقف‏ ‏النضج‏ ‏بالمعنى ‏النابض‏ ‏المتبادل‏ ‏الذى ‏قدمناه‏،‏

وكأن الإيقاع الحيوى القادر على البسط والإبداع قد انقلب إلى انتفاضات تُدْفن حيث بدأت باستمرار. 

وهكذا يحل محل الكيان النامى‏ ‏نمط‏ ‏شبه‏ ‏ثابت‏ ‏من‏ ‏الوجود‏ ‏البشرى ‏لايسمح‏ ‏بأى ‏نبض حقيقى‏ ‏تال‏، ‏ويسمى ‏نتاج‏ ‏هذا‏ ‏التوقف‏ ‏أحيانا‏ ‏اضطرابات‏ ‏نمطية‏ ‏للشخصيةPersonality Pattern Disorders، ‏بمعنى ‏أن‏ ‏نمط‏ ‏الشخصية‏ ‏أصبح‏ ‏سئ ‏التركيب‏ Mal-organized ‏ بشكل‏ ‏شبه‏ ‏ثابت‏.

أضيف‏ ‏هنا‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏التركيب‏ ‏السئ ‏يصل‏ ‏لدرجة‏ ‏تمنع‏ ‏نبضات‏ ‏النمو‏ ‏التالية‏ ‏من‏ ‏الظهور‏، ‏وبالتالى ‏توقف‏ ‏مسيرة‏ ‏النمو‏ ‏المستمر‏، ‏وهذا‏ ‏النوع‏ ‏بالذات‏ ‏يمكن‏ ‏النظر‏ ‏إليه‏، ‏بنظرة‏ ‏مجهرية‏ ‏معظمة‏، ‏على ‏أنه‏ ‏نتاج‏ ‏تركيبى ‏لتجربة‏ ‏ذهانية‏ ‏خفية‏ أ‏و مصغرةmini-psychosis‏، ‏أو‏ ‏ما‏ ‏أسميته‏ ‏ ‏بالسيكوباثوجينى psychopathogeny، ‏ومصداقا‏ ‏لذلك‏ ‏فإن‏ ‏معظم‏ ‏ماوصف‏ ‏من‏ ‏أنواع‏ ‏اضطرابات‏ ‏الشخصية‏ ‏التى ‏تعقب‏ ‏الفصام‏ ‏الصريح‏ ‏وتسمى ‏اضطراب‏ ‏الشخصية‏ ‏بعد‏ ‏الفصام ‏أو‏ ‏بعد‏ ‏الذهان‏، ‏إنما‏ ‏يقع‏ ‏تحت‏ ‏هذا‏ ‏التركيب‏ ‏السئ ‏لتنظيم‏ ‏الشخصية‏ ‏بعد‏ ‏تفسخها‏ ‏الذهانى.

  1. ‏قد‏ ‏تحدث‏ ‏نبضات‏ ‏النضج‏ ‏بشكل‏ ‏دائرى ‏ثابت‏ ‏ومبالغ‏ ‏فى ‏حدته‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يترتب‏ ‏عليه‏ ‏أى ‏أثر‏ ‏نموى ‏واضح‏، ‏بحيث‏ ‏تتكرر‏ ‏النوبات‏ ‏بانتظام‏ ‏متلاحق‏ ‏مع‏ ‏اختلاف‏ ‏مظاهرها‏ ‏السلوكية‏، ‏ولكنها‏ ‏تعود‏ ‏دائما‏ ‏إلى ‏نفس‏ ‏النقطة‏ ‏دون‏ ‏استيعاب‏ ‏نموى ‏يقلل‏ ‏من غلواء‏ ‏حدة‏ ‏النوبة‏ ‏التالية‏ ‏ويحسن‏ ‏توجيهها‏، ‏وهذا‏ ‏النوع‏ ‏هو‏ ‏أقل‏ ‏الأنواع‏ ‏تجمدا‏ ‏أو‏ ‏تشويها‏ ‏للنضج‏ ‏وهو‏ ‏المسمى ‏بالشخصية‏ ‏النوابية‏، ‏التى ‏يتراوح‏ ‏مزاجها‏ ‏بين‏ ‏قطبين‏ ‏متقابلين‏، ‏ليسا‏ ‏فقط‏ ‏هما‏ ‏المرح‏ ‏والاكتئاب‏ (‏وإن‏ ‏كان‏ ‏ذلك‏ ‏هو‏ ‏الأغلب‏) ‏بل‏ المهم‏ ‏هو‏ ‏التناوب‏ ‏بين‏ ‏قطبين‏ ‏يبدو‏ ‏أحدهما‏ – ‏سلوكيا‏ – ‏عكس‏ ‏الآخر‏.

إنّ ‏فرط‏ ‏حدة‏ ‏النبضة‏ ‏النموية‏ ‏قد‏ ‏لايؤثر‏ ‏على ‏السلوك‏ ‏لحد‏ ‏الاضطراب‏ ‏الذى ‏يدرج‏ ‏تحت‏ ‏هذه‏ ‏الزملات‏ ‏النوابية‏ ‏الصريحة‏، ‏ولكنه‏ ‏يعتبر‏ ‏سمة‏ ‏دائمة‏ ‏من‏ ‏سمات‏ ‏الشخصية‏، ‏وإدراج‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏تحت‏ ‏اضطرابات‏ ‏الشخصية‏ ‏له‏ ‏مبرر‏ ‏واحد‏، ‏وهو‏ ‏أن‏ ‏النبضات‏ – ‏فى ‏حالة‏ ‏السواء‏ – ‏تظهر‏ ‏وتهدأ‏ ‏فى ‏دورات‏ ‏نمائيه‏ ‏لولبية‏، ‏إذ‏ ‏تعود‏ ‏دائما‏ ‏إلى ‏نقطة‏ ‏أعلى، أما‏ ‏هنا‏ – ‏فى ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏الاضطراب‏ – ‏فإن‏ ‏الحلقة‏ ‏تبدو‏ ‏دائرة‏ ‏مقفلة‏ ‏تعود‏ ‏دائما‏ ‏إلى ‏نفس‏ ‏النقطة‏، ‏مما‏ ‏يعلن‏ ‏توقف‏ ‏النمو‏ ‏رغم‏ ‏النشاط‏ ‏المفرط‏.‏

حتى ‏نفهم‏ ‏هذه‏ ‏الفئة‏ أكثر ‏لابد‏ ‏وأن‏ ‏نحدد‏ ‏المعالم‏ ‏التى ‏تتميز‏ ‏بها‏ ‏نبضة‏ ‏النمو‏، ‏حتى ‏تعتبر‏ ‏نبضة‏ ‏صحية‏ ‏سوية‏، ‏وقد‏ ‏أشرنا‏ ‏إليها‏ ‏فى ‏مواقع‏ ‏متفرقة،‏ ‏إلا‏ ‏أننا‏ ‏نعود إليها‏ ‏ لنوجز‏ ‏معالمها‏ ‏ومميزاتها‏ ‏فى ‏بضعه‏ ‏نقاط‏ ‏على الوجه التالي‏:‏

‏(‏ا‏) ‏أن‏ ‏تتناوب‏ ‏شقى ‏النبضة‏ (‏التمدد‏ ‏والاندفاع‏ Diastole & Systole ‏أى ‏الاستيعاب‏ ‏والبسط‏(Assimilation  ‏تناوبا‏ ‏منتظما‏ ‏يسمح‏ ‏لكل‏ ‏طور‏ ‏أن‏ ‏يؤدى ‏وظيفته‏.‏

‏(‏ب‏) ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏شق‏ ‏النبضة‏ ‏متناسبا‏ ‏مع‏ ‏الشق‏ ‏السابق‏ ‏لها‏، ‏بمعنى ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏درجة‏ ‏البسط‏ ‏ملائمة‏ ‏لدرجة‏ ‏الملء‏ ‏السابقة‏ ‏لها‏، ‏وأن‏ ‏تكون‏ ‏درجة‏ ‏الاستيعاب‏ ‏ومدته‏ ‏مناسبة‏ ‏لمتطلبات نشاط‏ ‏البسط‏ ‏القادم‏‏، ‏وهكذا‏.‏

‏(‏حـ‏) ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏نوبات‏ ‏البسط‏ ‏متوسطة‏ ‏الحدة‏ ‏بحيث‏ ‏لاتخل‏ ‏بالتوازن‏ ‏إخلالا‏ ‏جسيما‏.‏

‏(‏د‏) ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏نوبات‏ ‏الاستيعاب‏ ‏نشطة‏ ‏بحيث‏ ‏لاتصبح‏ ‏كمونا‏ ‏خاملا دائما‏.‏

‏(‏هـ‏) ‏أن‏ ‏يحدث‏ ‏بعد‏ ‏كل‏ ‏نوبة‏ ‏بسط‏ ‏تغير‏ ‏فى ‏اتجاه‏ ‏النمو‏، ‏بحيث‏ ‏لايعود‏ ‏الفرد‏ ‏النامى ‏إلى ‏نفس‏ ‏مستوى ‏نشاطه‏ ‏السابق‏ ‏تماما‏، ‏بل‏ ‏يرجع‏ ‏إلى ‏مستوى مختلف نوعيا، بمعنى أنه ‏أعلى ‏ولو قليلا‏  فى اتجاه الحركة والنمو والحيوية والتواصل، ‏مما‏ ‏يؤكد أن‏ ‏حركة‏ ‏النمو‏ ‏لولبية‏ ‏وليست‏ ‏دائرية‏ ‏مغلقة‏ ‏

النبض المغلق الدائرة فى الشخصيات النوابية

بعد‏ ‏هذه‏ ‏المقدمة‏ ‏سوف نؤكد على آلية توقيف النمو الأخيرة، حيث أنها وراء الدائرة المغلقة التى ترتب عليها هذا النوع ‏من‏ ‏اضطراب‏ ‏الشخصية‏‏:

 ‏إنه‏ ‏إذا‏ ‏استبدل‏ ‏بهذا‏ ‏النشاط‏ الإيقاعى ‏المثرى ‏المتناوب‏، ‏نشاط‏ ‏شبيه‏ ‏به‏، ‏لكنه‏ ‏أكثر‏ ‏حدة‏ ‏ومع ذلك هو‏ ‏لا يحقق‏ ‏الغاية‏ ‏منه‏ ‏إذ‏ ‏يرجع‏ ‏الحالُ‏ ‏بعده‏ ‏إلى ‏نفس‏ ‏نقطة‏ ‏البداية‏ (‏وربما‏ ‏إلى ‏مستوى ‏أدنى ‏بالفحص‏ ‏المجهرى ‏الدقيق‏) ‏فإنه‏ ‏لايعود‏ ‏نشاطا‏ ‏ناميا‏، ‏بل‏ ‏إنه‏ ‏يعتبر‏ ‏نشاطا‏ ‏توقيفيًّا‏، ‏لأنه‏ ‏حل‏ ‏محل‏ ‏النشاط‏ ‏اللولبى ‏النامى، ومن‏ ‏هنا‏ ‏أسميناه‏ ‏نشاطا‏ ‏دائريا‏ ‏مغلقا‏، ‏لأنه‏ ‏يغلق‏ ‏النمو‏ ‏فى ‏دائرة‏ ‏موضعية‏ ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏يبسطه‏ ‏فى ‏تصاعد‏ ‏لولبى‏.‏

تتصف‏ ‏هذه‏ ‏المجموعة‏ ‏بأن‏ ‏الشخصية‏ ‏تتميز‏ ‏بتناوب‏ ‏نشاطها‏ ‏بين‏ ‏قطبين‏ ‏دون‏ ‏حتم‏ ‏انتظام‏ ‏هذا‏ ‏التناوب‏، ‏ومع‏ ‏وجود‏ ‏فترات‏ ‏كمون‏ ‏متفرقة‏ ‏ومختلفة‏ ‏الطول‏ ‏بين‏ ‏كل‏ ‏نوبة‏ ‏والأخرى، وذلك‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏تترك‏ ‏هذه‏ ‏النشاطات‏ ‏المتناوبة‏ ‏أى ‏أثر‏ ‏نمائى ايجابى‏ ‏بعد‏ ‏حدوثها‏، ‏وتسمى ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الشخصيات‏ ‏باسم‏ “‏اضطراب‏ ‏الشخصية” ‏النوابية  Cycloid-Personality Disorder، ‏ ويمكن‏ ‏تمييز‏ ‏بعض‏ ‏أنواع‏ ‏هذه‏ ‏الاضطرابات‏ ‏بعرض‏ ‏الأمثلة‏ ‏التالية‏:‏

الشخصية الفرحانقباضية:

1 – ‏الشخصية‏ ‏الفرحا‏‏نقباضية:

تتميز‏ ‏هذه‏ ‏الشخصية‏ ‏بتناوب‏ ‏مزاجها‏ ‏بين‏ ‏الحزن‏ ‏والفرح‏ ‏بشكل‏ ‏متلاحق‏ ‏دائرى ‏كما‏ ‏أسلفنا‏، و‏قد‏ ‏يتخلل ذلك ‏فترات‏ ‏كمون‏ ‏هامد‏، ‏ولابد‏ ‏أن‏ ‏نعيد‏ ‏التذكرة‏ ‏بأن‏ ‏كلا‏ ‏من‏ ‏الفرح‏ ‏والانقباض: هما‏ ‏من‏ ‏أنشطة‏ “‏البسط”،فالفرح‏ ‏ليس‏ ‏نقيض‏ ‏الانقباض‏ ‏إلا‏ ‏من‏ ‏الناحية‏ ‏السلوكية‏ و‏الدينامية‏، ‏فهما‏ ‏مظهران‏ ‏لنشاط‏ ‏واحد‏ ‏وهو‏ ‏النشاط‏ ‏الاندفاعى ‏أساسا‏.

 ‏يكون‏ ‏التناوب‏ ‏بين‏ ‏الفرح‏ ‏والانقباض‏‏ ‏حادا‏ ‏بدرجة‏ ‏لاتسمح‏ ‏للنشاط‏ ‏الامتدادى الملْئِى ‏أن‏ ‏يأخذ‏ ‏فرصة‏ ‏استيعاب‏ ‏خبرات‏ ‏البسط‏ ‏هذه‏، ‏وبالتالى ‏فإن‏ ‏هذا‏ ‏التناوب‏ ‏الاندفاعى المغلق ‏المتلاحق‏ ‏يوقف‏ ‏النمو‏ ‏بطريق‏ ‏غير‏ ‏مباشر،‏ ‏إذ‏ ‏لا‏ ‏يسمح‏ ‏للنشاط‏ ‏المكمل‏ ‏له‏ ‏ ‏أن‏ ‏يأخذ‏ ‏فرصة‏ ‏حقيقية‏ ‏لاستيعاب‏ ‏هذه‏ ‏الخبرات‏.‏

أخواتها

قياسا على هذا التناوب المغلق الدائرة، قمت بوصف عدد من الشخصيات الدورية النوابية، تحت مسمى: “أخواتها” (أخوات الشخصية الفرحانقباضية) على الوجه التالى:

2 – ‏الشخصية‏ ‏المغير‏‏انسحابية:‏ The invasive-withdrawn ‏

تتميز‏ ‏هذه‏ ‏الشخصية‏ ‏بالتناوب‏ ‏بين‏ ‏قطبين‏ ‏أقل‏ ‏شيوعا‏ ‏من‏ ‏قُطْبَىْ ‏الفرح‏ ‏والاكتئاب‏ ‏وهما‏ ‏قطبى التقدم الجسور مقابل الانسحاب المتمادى.

‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏الشخص‏ ‏يوجّه‏ ‏طاقة‏ ‏نبضات‏ ‏الاندفاع ‏(Systole) ‏إلى‏ ‏اكتساح‏ ‏ما‏ ‏أمامه‏ ‏فى ‏إغارة‏ ‏مسيطرة‏ ‏لا‏ ‏تسمح‏ ‏له‏بأن‏ ‏يرى ‏الآخر ‏منفصلا‏ ‏عن‏ ‏اندفاعته‏ ‏بحيث‏ ‏تتاح‏ ‏له‏ ‏الفرصة‏ ‏فى ‏احتكاك‏ ‏يؤدى ‏إلى ‏النمو‏،

يتبادل مع هذه الاندفاعة، انحسار تراجعى بنفس الحدة أحيانا، وقد يكون‏ ‏انسحاباً‏ ‏حقيقياً (‏فيزيائياً بنفسه وجسده) ‏أو‏ ‏تواصليا ‏يلغى به وجود‏ ‏الآخر‏ ‏تماما، حتى لو ظل شكل العلاقة قائما

 وقد‏ ‏يصاحب‏ ‏هذا‏ ‏الانسحاب‏ ‏بعض‏ ‏مظاهر‏ ‏الكمون‏ ‏الظاهرى

 نحن‏ ‏نعنى‏ هنا أن كلا من ‏الانسحاب‏ ‏النشط‏ ‏المحتج‏ ‏الذى ‏ ‏يعقبه‏ ‏اندفاع‏ ‏تال‏ ‏- ليس بالضرورة بهذا التتابع – كلا من هذا وذاك يمثلان طور البسط أيضا، وهذا غير‏ ‏الانسحاب‏ ‏النمطى ‏المتحوصل‏ ‏الذى هو‏ ‏من‏ ‏صفات‏ ‏الشخصية الانطوائية ‏ ‏الشيزيدية،  Schizoid ‏وهو‏ ‏مالا‏ ‏نعنيه‏ ‏هنا‏،

نتيجة لذلك وعلى نفس القياس ‏وبسبب‏ ‏التناوب‏ المغلق ‏المتلاحق‏ ‏يتوقف‏ ‏النمو‏ ‏نتيجة‏ ‏لانغلاق‏ ‏الدائرة‏ ‏دون‏ ‏تصاعد‏ ‏لولبى، وهذا النوع من التوقف هو الصفة الأساسية فى سائر اضطرابات الشخصية من هذا النوع.

3 – ‏الشخصية‏ ‏الشكا‏‏حتوائية: The suspicious-incorporative

‏قطبى ‏التناوب‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الشخصية‏ ‏هما‏ ‏الشك‏ ‏والاحتواء‏: ‏

‏ ‏يغمر‏ ‏الشك‏ ‏والتوجس ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏الشخص‏ ‏إذا‏ ‏ما‏ ‏اضطر‏ ‏لاستقبال‏ ‏الآخر‏، ‏كآخر‏، ‏وقد‏ ‏يكون‏ ‏هذا‏ ‏الشك‏ ‏والتوجس‏ ‏مجرد‏ ‏تمهيد‏ ‏لخطوة‏ ‏أخرى ‏من‏ ‏الانسحاب‏،

 ‏وعلى ‏قدر‏ ‏غلبة‏ ‏الشك‏ ‏واستمراره‏ ‏دون‏ ‏التسرع‏ ‏بالانسحاب،‏ ‏إزاء طور الحذر والتخوين والتلفت وسوء التأويل‏، ‏

أما‏ ‏القطب‏ ‏المقابل‏ ‏لهذا‏ ‏الشك‏ ‏والتوجس‏ ‏فهو‏ ‏الاحتواء‏، ‏حيث يبدو مع نشاط هذا القطب‏ ‏يبدو‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏الشخص‏ ‏الشكاك نفسه‏، قد عاد ناجحاً ‏ ‏فى ‏علاقاته‏ ‏مع‏ ‏آخرين‏ ‏نجاحا‏ ‏ملحوظا‏، ‏وهو‏ ‏يقربهم‏ ‏إلى ‏نفسه‏ ‏ويضع‏ ‏فيهم‏ ‏ثقة‏ ‏خاصة‏ ‏ومبالغة‏، ‏والواقع‏ ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏يفعل‏ ‏ذلك‏ ‏إلا‏ ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏استطاع‏ ‏أن‏ ‏يحتوى ‏هؤلاء‏ ‏الأشخاص‏ ‏داخل‏ ‏عالمه‏ ‏الذاتى (‏أى ‏داخل‏ ‏ذاته‏ ‏نفسها‏)، ‏فهم‏ ‏ليسوا‏ ‏شخوصا‏ ‏بالمعنى ‏الموضوعى ‏بل‏ ‏مجرد‏ ‏موضوعات‏ ‏مُدْخَلَة‏،

إن‏ ‏المهم‏ ‏هنا‏ ‏هو‏ ‏وجود‏ ‏التناوب‏ ‏بين‏ ‏هذين‏ ‏القطبين‏ ‏بشكل‏ ‏يجهض‏ ‏النمو‏ ‏بإغلاق‏ ‏دائرته،

وكأن كلا من الشك والاحتواء يعبران عن التناوب بين استقبال الآخر منفصلا، أو احتواء الآخر تابعا أو قابعا داخل ذات صاحب هذه الشخصية،

وبألفاظ أخرى، فإن مجرد أن يتماثل الآخر خارج ذات المحتوى له، يصبح تهديدا له، ومن ثمَّ الشك، إلى أن ينجح فى احتوائه من جديد ومن ثم الطمأنيئة المفرطةوأحيانا الاعتمادية، وهكذا.

قد يحدث هذا التناوب فى تلاحق،

 وقد يمتد ليمثل دورات، تماما مثل الشخصية الفرحانقباضية.

وقد يتواجدان معا، ولهذا شأن آخر فى نوع آخر من الشخصية.

4- الشخصية الحِِلمانفجارية The Tolerant Explosive  

الحلم (بكسر الحاء) من صفات الحليم وليس من صفات الحالم

ربما يكون المثل الشائع الذى يقول “إتق شر الحليم إذا غضب”، هو الذى دفعنى لإدراج هذا النوع الذى مازلت مترددا فى أحقيته، ذلك لأن التناقض هنا لا يكون دوريا أو متبادلا بنفس إيقاع وتباعد الشك والاحتواء، أو الفرح والانقباض.

النتيجة على أية حال هى توقف النمو، وهذا النوع يختلف عما إذا ما كانت آلية الإيقاف هى الإجهاض النزوى لنبضة النمو مما سيأتى ذكره مع اضطرابات أخرى (الشخصية العاصفية مثلا).

5- الشخصية الوغدنبوغية

استلهمت هذا الوصف من رواية العطر، حين جمع مؤلفها زوسكند بين الوغدنة والنبوغ، ليس فقط فى بطلها القاتل زوسكند، وإنما فى عدد من أصحاب الأسماء الشهيرة  فى التاريخ ، إن اجتماع هاتين الصفتين “النبوغ” و “الوغدنة” ليس نادرا، وفى نفس الوقت هو ليس مقبولا منطيقا لأول وهلة.

هل يمارس صاحب هذه الشخصية هاتين السمتين بالتبادل أم أن النبوغ فى ذاته قد يكون له جانب وغد وبالعكس؟

 هذا جائز وذاك جائز، ولو أنى أرجح أن ما يجعل النابغة يتحمل وغدنته هو افتراض هذا التناوب ولو بدرجة يسيرة.

مسار الشخصية الفرحانقباضية (وأخواتها)

لو‏ ‏تتبعنا‏ ‏هذه‏ ‏التنويعات‏ ‏المختلفة‏ ‏للشخصية‏ ‏النوابية‏ على مدى سنين طويلة، لأمكن أن نلاحظ ‏ ‏ ‏تناقص‏ ‏النوبات‏ ‏بمرور‏ ‏الزمن‏ ‏تكرارا‏، ‏وتناقص ‏حدتها ‏كذلك‏، ‏وذلك‏ ‏لأن‏ ‏النبض‏ ‏النموى ‏يتناقص‏ ‏بطبيعة‏ ‏النمو‏، ‏

كما‏ ‏أن‏ ‏أحد‏ ‏القطبين‏ ‏المتناوبين‏ قد ‏يتدعم‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏قرينه‏ ‏حتى ‏يطغى ‏ويقلب‏ ‏الشخصية‏ ‏إلى ‏النوع‏ ‏النمطى الأحادى الشكل ‏بديلا‏ ‏عن‏ ‏النوع‏ ‏النوابى ‏الدائرى بدرجة أو بأخرى

هذا‏ ‏الانحياز‏ ‏لأحد ‏‏القطبين‏ عادة ما تصاحبه‏ ‏تهدئة، ربما حتى الفتور، لهذه الظاهرة الإيقاعية بشكلها الحاد، بما يهدده بالتحول من هذا النوع الدائرى إلى ‏النوع‏ “‏النمطى” ‏التجميدى، ‏الأمر الذى يتم أسرع لو أن التبادل تمادى إلى حد المرض الجسيم  تاركا ندوبا ‏ ‏متلاحقة.

وهذا ما سنعود إليه حين يحين آوانه، هنا وهناك.

 

[1] – علينا أن نتذكر أن نوع الشخصية، حتى لو سمى بنفس الاسم، لايفيد “اضطرابا” إلا إذا زاد عن الحد لدرجة ظهور مضاعفات أو إعاقة أو ضرر محدد إلى حد الشكوى من صاحب هذه السمات أو المحيطين به أو منهما معا .

الوصف هنا لاضطراب الشخصية الذى يتمادى حتى يعيق النمو بدرجة أو بأخرى

2 ثمة توجهات أسطورية و دينية و تصوفية يمكن أن تؤول باعتبار أن هذا الفرض عن دوامية الإيقاع الحيوى يمكن أن يمتد بعد  الموت الجسدى.

[3] – (مثل الإجهاض، والتفريغ النزوى، والنمو المقلوب، والانحراف الخاص الثابت).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *