الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / أحلام فترة النقاهة حلم 11 مصر الحلوب والمستحيل، ثم “حلم” على “حلم”

أحلام فترة النقاهة حلم 11 مصر الحلوب والمستحيل، ثم “حلم” على “حلم”

“يوميا” الإنسان والتطور

29-11-2007

أحلام فترة النقاهة

حلم 11

مصر الحلوب والمستحيل، ثم “حلم” على “حلم”

فى ظل نخلة على الشاطئ استلقت على ظهرها أمرأة فارعة الطول ريانة الجسد وكشفت عن صدرها ونادت. يزحف نحوها أطفال لا يحصرهم العد. وتزاحموا على ثدييها ورضعوا بشراهة غير معهودة، وكلما انتهت جماعة أقبلت أخرى وبدا أن الأمر أفلت زمامه وتمرد على كل تنظيم. وخيل إلىّ أن الحال تقتضى التنبيه أو الاستغاثة ولكن الناس يغطون فى النوم على شاطئ النيل. وحاولت النداء ولكن الصوت لم يخرج من فمى وأطبق على صدرى ضيق شديد. أما الأطفال والمرأة فقد تركوها جلدة على عظم ولما يئسوا من مزيد من اللبن راحوا ينهشون اللحم حتى تحولت بينهم إلى هيكل عظمى. وشعرت بأنه كان يجب على أن أفعل شيئا أن أكثر من النداء الذى لم يخرج من فمى وأذهلنى أن الأطفال بعد يأس من اللبن واللحم التحموا فى معركة وحشية فسالت دماؤهم وتخرقت لحومهم. ولمحنى بعض منهم فأقبلوا نحوى أنا لعمل المستحيل فى رحاب الرعب الشامل.

من السهل أن نقول إن هذه المرأة هى “مصر”(1)، ثم نقرأ الحلم وكأنه رمز صريح مباشر لمصر وما يفعله بها بعض أبنائها.

هل هذا يكفى؟

هل هذه المرأة هى هى “البقرة السودا النطاحة” التى ناح عليها الشيخ إمام منذ 1968 وهو يدندن كلمات أحمد فؤاد نجم؟:

“ناح النواح والنواحة

عالبقرة السودا النطاحة

والبقرة حالوب ….حاحا

تحلب قنطار ….حاحا

لكن مسلوب.. ….حاحا

من أهل الدار….حاحا  ؟؟”

بل إن الرمز فى هذا الحلم أكثر وضوحا، فالنيل أكثر حضورا بنخيله  وطوله الفارع، وجسده الفيضان، (أعنى الريّان!!) والناس يغطون فى النوم على شاطئ النيل، ماذا يتبقى بعد ذلك لتكون هذه المرأة هى “هبة النيل”؟

هل هذا يكفى؟

هل يكون الإبداع إبداعا إذا اكتفى بوصف الحاضر رمزا ، مهما بلغ إتقان التشكيل، وجمال التوليف؟

 ليس عندى مانع! ولكن:

دعونا نبحث فى بعض ما هو “قبل وبعد ذلك”:

أولا: المرأة هنا هى التى تنادى ، وهى لم تنادِ أطفالها، هى تكشف عن صدرها وتنادى فقط، ربما هى إشارة إلى وفرة العطاء الذى فاض عنها فيضانا لا تريد بحكمتها أن ينتهى إلى البحر، فناسها أولى بعطائها، بل لعل النداء موجه لكل الناس، ينفتح العطاء ويغمر حين لا يتحدْد المُنَادَى (بفتح الدال) المرأة نادَت (فقط)،“كشفت عن صدرها ونادت” وهذا هو العطاء الأكرم،

 الأطفال – وليس الناس – هم الذين زحفوا نحوها وتزاحموا على ثدييها، بينما الناس كانوا “يغطون فى النوم على شاطئ النيل”، أطفال بلا حصر، مختلفو الهوية، ليسوا أطفالها بالضرورة، أما ناسها فهم نيام نيام!!،

أطفال فى جماعات تتلاحق

هل هم الحكام المصريون جيلا بعد جيل؟ الحكام منذ الفراعنة وقبلهم؟ على حساب الناس الغافلين،

هل هم الغزاة المستعمرون؟ حَمْلةْ بعد حَمْلةْ؟

فلماذا هؤلاء أو أولئك ظهروا  فى الصورة أطفالا ؟

ربما يتعلق ذلك بما سبق أن أشرت إليه عن أحد أوجه معالم الطفولة ، أعنى  ضراوة الطفولة وقسوتها إذا هى انفصلت عن الفطرة المتكاملة فأصبحت البدائية لا الطفولة؟ يومية  6-11 (عن الفطرة والجسد وتصنيم الألفاظ)

هذا السعار المتتالى  جيلا بعد جيل، هو أقرب إلى سعار التكالب على السلطة، والاستقلال، والاستعمار جميعا

 وفى حالتنا هذه: هى سلطة بلا قانونٍ يردعها، بلا عدلٍ يزن تصرفها (الأمر أفلت زمامه وتمرد على كل تنظيم)

الأطفال هنا إذن يمثلون سعار عدم الأمان البدائى الذى قلت فيه يوماً:

“…..

من فرط الجوع التهم الطفلُ الطفلْ،

ملكنِىَ الخوفُ عليكمْ

 فإذا أطلقتُ سُعارى بعد فواتِ الوقتْ،

 فلقد ألتهم الواحد منكم تلو الآخر، دون شبع”

( ديوان سر اللعبة: الوجود المثقوب & دراسة فى علم السيكوباثولوجى)(2)

ثانيا: حين يمتد الالتهام من الرضاعة إلى امتصاص وجود الأم المصدر، ثم نهش لحمها، حتى تصير هيكلا عظيما إلى التقاتل بين القتلة المسعورين، فهو نذير ذو شقين: أولا أنهم بدلا من أن يرعوها احتراما لكرم ندائها دون تمييز، لتظل تفيض عليهم من جسدها الريان، غلبهم الجشع والجوع الذى لا يشبع، فذبحوا الدجاجة التى تبيض ذهبا،  ثم إن ذلك لم يروهم، فانقلبوا يتقاتلون حتى لاح لى أنهم انتهوا إلى أن يكونوا من أكلة لحوم البشر، لا أكثر.

هل كانوا كلهم كذلك؟

 الإجابة بالنفى، لأن الذى استغاث بالراوى كان “بعض منهم “أقبلوا نحوه لعمل المستحيل.

دورالراوى هنا هكذا كشف لى عن دلالة مستقلة،

 فهو منذ البداية يشعر أن ما هكذا تكون الرضاعة، وما هكذا تكون الاستجابة لكرم نداء المرأة المعطاء،

وهو لايكتفى بهذا الحدس المتخوف، بل إنه يشعر بالحاجة إلى التكاتف لإجهاض هذه الجريمة المتمادية، وذلك حين خيل إليه – ومن البداية – “أن الحال تستدعى التنبيه أو الاستغاثة”،

ينتهى الحلم  – كما أشرنا – باستغاثة بعض الأطفال القتلة بالراوى نفسه “لعمل المستحيل”، لنتذكر أنه هو الذى همّ بالاستعانة أول الحلم،

 لماذا كانت الاستعانة بلا جدوى؟ لأنها جاءت بعد الأوان، انتهت البقرة، ولم يشبع الأطفال بل ازدادوا سعاراً وتقتيلا فى بعضهم البعض، حين يصل الأمر إلى مثل ذلك، لا يكون أمامنا إلا المستحيل.

ومع ذلك:

ربما يكون الحديث عن المستحيل – خاصة  فى رحاب هذا الرعب الشامل- هو دعوة لنجعله ممكناً،

 محفوظ لا يذكر المستحيل تيئيسا وإعجازا، هو يذكّرنا “بالاستحالة”، لنشحن أنفسنا لتجاوزها مهما بدا ذلك مستحيلا.

حلمٌ على حلمْ

هذه الفروق الرهيفة، تقلب هذا الحلم شيئا آخر غير التفسير الرمزى السياسى الجاهز، الموازى لقصيدة “أحمد فؤاد نجم” عن البقرة السودا النطاحة،

حين فاض بى الوجْد فى عيد ميلاده الثانى والتسعين، وتجلى فى الحلم شعرا، جاءنى فى نهاية القصيدة، رؤية للمستحيل الممكن، جاء على لسان محفوظ فى الحلم الشعر، رأىٌ يقول:  “المستحيل‏ ‏هو‏ ‏النبيلُ‏ ‏الممكنُ‏ ‏الآنَ‏ ‏بِنَـا”.

 وهذه هى الفقرة الأخيرة كما وردت فى القصيدة:

……..

من‏ ‏وحى ‏أحلام‏ ‏النقاهةِ‏- ‏سيدى‏- ‏نشطتْ‏ ‏خلايا داخلى‏:‏

‏” فحلـمـتُ‏  ‏أنّـىَ ‏حامـلٌ‏،

 ‏وسمعتُ‏ ‏دقـًّـا‏ ‏حانيا‏ً ‏وكأنه‏ ‏وعدُ ‏الجنينْ‏.

 ‏جاءَ‏ ‏المخاضُ‏ ‏ولم‏ ‏يكنْ‏ ‏أبداً‏ ‏عسيرا‏،

 ‏وفرحتُ‏ ‏ أنّـىَ ‏صرتُ‏ ‏أمًّا‏ ‏طيبة‏،

 ‏لكننى ‏قد‏ ‏كنت‏ ‏أيضا‏ ‏ذلك‏ ‏الطفل‏ ‏الوليد‏،

 ‏فلقفتُ‏ ‏ثدىَ ‏أمومتى‏،

 ‏وسمعتُ‏ ‏ضحكا‏ ‏خافتا‏.

 ‏لا‏،.. ‏ليس‏ ‏سخرية‏ً  ‏ولكن‏.‏

‏…. ‏وسمعتُ‏ ‏صوتا‏ ‏واثقا‏ ‏فى ‏عمق‏ ‏أعماقى ‏يقول‏:

  “المستحيل‏ ‏هو‏ ‏النبيل‏ ‏الممكن‏ ‏الآن‏ ‏بنـا”.

لمستْ‏ ‏عباءَتـُـكَ ‏الرقيقة‏َ ‏جانبا‏ ‏من‏ ‏بعض‏ ‏وعيي‏،

 ‏فـعـلـمـت‏ ‏أنـــك‏َ ‏كُـنْـتَهُ”.‏

وصحوت‏ ‏أندم‏ ‏أننى ‏قد‏ ‏كنت‏ ‏أحلم‏.‏

أنا لا أذكر أنه كانت ثمة علاقة بين حوارى معه شخصيا بعيدا عن الإبداع، وبين هذا الحلم الذى نقرؤه معا حالا وبين نهاية هذه القصيدة،

إلا أننى وأنا أقرأها الآن قلت “ربما”،

 كيف لى أن أحكم؟

 أما القصيدة كلها فيمكن  الرجوع إليها يومية 11-10 (فى شرف صحبة نجيب محفوظ: الحلقة الثالثة)

****

حلم‏ 12

ساحة الحرب فى الداخل، النامى

لأن هذا الحلم سوف تجرى قراءته فى “ساحة الداخل” من منطلق “تعدد الذوات” مع تبادل الكبت والنمو أو الإزاحة/ ننصحك أن تقرأ فكرة تعدد الذوات فى يوميات 27،28/11 أولا. ثم تقرأ هذه المحاولة ببطء نوعاً ما”

(لاحقا: سيكمل الإيضاح بعد غد السبت 1/12)

نص الحلم

فى ‏الجو‏ ‏شئ‏ ‏مثير‏ ‏للأعصاب‏، ‏فهو‏ ‏من‏ ‏عدة‏ ‏نواح‏ ‏تبرز‏ ‏رؤوس‏ ‏وتختفى ‏بسرعة‏. ‏وجرت‏ ‏شائعة‏ ‏مثل‏ ‏الشهاب‏ ‏تنذر‏ ‏بوقوع‏ ‏الحرب‏. ‏وترددت‏ ‏كلمة‏ ‏الحرب‏ ‏على ‏الألسنة‏، ‏وعمت‏ ‏الحيرة‏ ‏والانزعاج‏ ‏ورأيت‏ ‏من‏ ‏يحمل‏ ‏تموينا‏ ‏لتخزينه‏. ‏وجعلت‏ ‏أتذكر‏ ‏تلك‏ ‏الأيام‏ ‏المكدرة‏، ‏هل‏ ‏نبقى ‏أم‏ ‏نهاجر؟‏ ‏ولكن‏ ‏إلى ‏أين؟‏ ‏ولذت‏ ‏بمقر‏ ‏المكان‏ ‏الآمن‏ ‏من‏ ‏الخطر‏ ‏وجاء‏ ‏رجل‏ ‏من‏ ‏الأمن‏ ‏وقال‏ ‏صراحة‏ ‏إن‏ ‏الدولة‏ ‏تريد‏ ‏أن‏ ‏تعرف‏ ‏طاقة‏ ‏الأسر‏ ‏على ‏إيواء‏ ‏من‏ ‏يحتاجون‏ ‏إلى ‏إيواء‏ ‏لاسمح‏ ‏الله‏. ‏وتضاعف‏ ‏الاضطراب‏ ‏وأعلنت‏ ‏أمى ‏وهى ‏تعيش‏ ‏وحدها‏ ‏فى ‏بيت‏ ‏كبير‏ ‏أنها‏ ‏على ‏استعداد‏ ‏لإيواء‏ ‏أسرة‏ ‏كاملة،‏ ‏أما‏ ‏أنا‏ ‏فوجدت‏ ‏أننا‏ ‏يمكن‏ ‏الاستغناء‏ ‏عن‏ ‏حجرة‏ ‏واحدة‏ ‏تسع‏ ‏لشخصين‏، ‏وأصبحت‏ ‏حذرا‏ ‏عند‏ ‏سماع‏ ‏أى ‏صوت‏ ‏أو‏ ‏الإجابة‏ ‏على ‏أى ‏سؤال،‏ ‏وطرق‏ ‏بابى ‏مخبر‏ ‏ودعانى ‏إلى ‏القسم‏ ‏ولما‏ ‏سألته‏ ‏عن‏ ‏سبب‏ ‏الاستدعاء‏ ‏أجاب‏ ‏بخشونة:‏ ‏إنه‏ ‏لايعرف‏ ‏وقطع‏ ‏حديثنا‏ ‏انطلاق‏ ‏سفارة‏ ‏الإنذار‏.

القراءة

أدخل إلى أى حلم، وكأنى أدخل إلى امتحان ما، وأقرر قبل كل شئ أننى جاهز بشهادة الاعتذار عن حضور الامتحان أو تأجيله، هذا الشعور هو الذى يتيح لى حركة أوسع حين أجد صعوبة حقيقية فى قراءة حلمٍ ما، مثل هذا الحلم.

الصعوبة مثلت أمامى هائلة حين غمرنى تساؤل يقول:

أين مجال وساحة هذه الحرب؟

 ما هذا الجو الذى يحيط بها ويثير الأعصاب؟

هل هذه الحرب هى حرب فى الداخل أم فى الخارج؟

حضرتنى قراءتان،

نبدأ بالقراءة الأصعب: باعتبار أننا فى عالم الداخل، ذلك العالم “المثير للأعصاب”، والذى يصلنا غامضا بما يحتاج معه إلى رؤية مخترقةْ.

طبعا هى ليست على بال محفوظ واعيا، لكن الإبداع يخترق معلومات المبدع الجاهزة إلى ما يتجاوزها، بل إلى ما يتجاوز العلم نفسه، أضعف أعمال محفوظ – بالنسبة لى – كان حين أن يصبغ بعض ما يبهره من نظريات علمية أو تاريخية أو فلسفية فى شكل إبداع روائى أو قصصى مثلما حدث فى حارة العشاق أو نهاية أولاد حارتنا، أو غير ذلك.

تلك الرؤوس التى تبرزوتختفى بسرعة، استقبلتها من منطق التحليل التركيبى  structural analysis  على أنها ما نحويه من ذوات متعددة، الأمر الذى يختلف مع منظور فرويد عن اللاشعور وكيف أنه “فوضى مشحونة”،

 ذوات الداخل يمكن أن تمثلها تلك الرؤوس التى تطل وتختفى بسرعة، على مسار النمو.

إذا لم يتمكن الشخص من تنظيم ذواته المتعددة فى الداخل والخارج فى حركية جدلية متصاعدة واكتفى بطغيان الظاهر فهو الكبت القامع المثير للأعصاب،

من ثم فهى الحرب داخلنا (الصراعات بين الذوات وليس فقط بين “الذات” و”الهو” الفرويديتين)،

رجل الأمن الذى ظهر بدا لى توليفا من الناضج (حالة “ذات” الواقع) والوالد (حالة: ذات الوالد)، ومهمته هى الاحاطة بكل هذه الحركية واحتمالاتها، وضبط توقيت أدوراها، وتسكينها (إعداد موقع فى التركيب البشرى، وتسكين من السكَنْ وليس من السكون).

هذه الإحاطة من هذه الذات الانضباطية لا تمنع ترتيبات الحرب بين الذوات المتنافسة والمتحفزة.

  الذى يحدث على مسار النمو هو أننا نستبعد بعض هذه الذوات بشكل مؤقت أو دائم: فى غيابات الذاكرة، أو سراديب الكبت تحت زعم (وأمل)  ترويضها أو تسكينها، وهى تظهر أو لا تظهر فى نشاطات الحلم، ترضى أو لا ترضى بالتخزين المؤقت أو الدائم تصوّرَا لأمنٍ شكلى يتحقق حسب قوة الكبت وكثافة تخزين الذكريات بعيدا عن ساحة الحرب.

هذا ما تصورته من فقرةورأيت‏ ‏من‏ ‏يحمل‏ ‏تموينا‏ ‏لتخزينه‏. ‏وجعلت‏ ‏أتذكر‏ ‏تلك‏ ‏الأيام‏ ‏المكدرة‏، ‏هل‏ ‏نبقى ‏أم‏ ‏نهاجر؟‏ ‏ولكن‏ ‏إلى ‏أين؟‏ ‏ولذت‏ ‏بمقر‏ ‏المكان‏ ‏الآمن‏ ‏من‏ ‏الخطر”،

 ولكن هل يوجد داخلنا مكان آمن من الخطر، والحرب دائرة، أو منذرة.

مرة أخرى رجل الأمن هنا ليس ذاتا داخلية مستقلة، وإنما هو أقرب إلى الذات الضابطة الظاهرة المحافظة على قوانين العلاقات والأداء، وترتيبات النظام، بما فى ذلك ترتيب التعاون والتسكين والتأمين للذوات القلقة والمهددة، وهى جاهزة للصراع فيما بينها.

الحل النمائى الأمثل الذى يمكن أن يحتوى هذا التعدد كما بدا هنا هو جدل كل الذوات معا مع احترام التباديل والتوافيق الممكنة والمتغيرة على مسار النمو، وهو ما يبدو أن الأم (الذات الناضجة للتكامل Integrated adult) التى هى ليست ذاتا جاهزة مشاركة فى الصراع أولعبة الظهور والاختفاء، بقدر ما هى ذات ضامة فى حالة تكوّن دائم always in the making ، وهذا هو ما يجعلها على استعداداً لإيواء الأسرة الكاملة (الأم)،

الحل التنظيمى المؤقت، وهو ما يمثله – عندى – موقف الراوى هو ليس إلا جانب محدود من آليات التكيف، حين يقوم الكبت (الذات الكابتة) بالإزاحة والإخفاء فنحشر في حجرة واحدة شخصين فحسب (ربما  كعينة للباقيين على وشك الصراع وهذا هو ما قد يقابل الاستقطاب الفرويدى إلى: الهو والأنا الأعلى، وكلاهما لا شعوريين).

الحذر عند سماع أى صوت أو الإجابة على أى سؤال يعلن أن الحل التنظيمى، قد يصلح لهدنة مؤقتة، أما أن ينقلب حلا دائماً، فالتهديد القادم من الداخل لا يهمد، هذا التوجس الحذر يعلن أن الذوات المستَتْبعَدة، حتى فى حجرات نائية، هى جاهزة للهرب، ومستعدة للانقضاض فى أى وقت، فهى الحرب.

الشعور بالذنب هو النتيجة الطبيعية للكبت غير المُبَّرر حينا أو حذَراً أو تحسُّباً، وهو المعيق لحركية النمو، والمخبر هنا هو غير رجل الأمن فى البداية، بينما لا يعرف المدعو للمساءلة جريمته، لتنطلق صفارة الإنذار، فنتوقع هجمة من الداخل أو مزيد من الكبت.

وهذا هو نذيرها “صفارة الإنذار”.

وبعـد

هذه هى قراءة الحلم على مسرح الداخل

والآن

هل ثَمّ داع لقراءته من جديد على مسرح الواقع الخارجى؟

لماذا ؟

***

حين دخلت امتحان هذا الحلم، تصورت أن علىّ أن أجيب على الأسئلة بلغتين حتى أضمن نجاحى بأيهما، وتصورت أن لغة الداخل هى لغة مشفَّرة لن يفك شفرتها إلا خبير،

لكننى حين أعدت تلقيها الآن شعرت أننى لست بحاجة إلى الإجاة باللغة الأخرى، الأسهل والأعم.

[1] – حتى حميدة فى زقاق المدق قالوا إنها مصر!! فما بالك بهذه المباشرة هنا.

[2] – دراسة فى علم السيكوباثولوجى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *