الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الدستور المصرية / “عيد الحب” بين لون الدم ولون الورد

“عيد الحب” بين لون الدم ولون الورد

الدستور

 18-2-2009

تعتعة

“عيد الحب” بين لون الدم ولون الورد

ماذا يعنى لك اللون الأحمر هذا اليوم؟ عيد الحب؟ أم النادى الأهلى؟  أم دم الأطفال المراق ونزيف العدوان الغاشم؟ اليوم: (وأنا أكتب) هو السبت 14 فبراير، وهو يوم الحب أو يوم فالنتاين، وهو اليوم الذى أعدم فيه القديس فالنتين بأمر الإمبراطور كلاوديوس الذى كان يمنع الشباب من الزواج ليتفرغوا آلات أكفأ فى حروبه الطاغية، تماما مثلما نخصى الثيران لتزيد لحمومها حين تذبح، رفض القديس فالنتين استعمال البشر آلة للحرب هكذا بما تحمل من معانى التشويه  والإذلال والإلغاء والاستعمال والاستعباد، تحمل القديس نتيجة ثورته من أجل الحياة والناس، حتى أعدم  شهيدا فى 14 فبراير 270 ميلادية ، وقد كتب رسالة حب قبل إعدامه  (لحبيبته: إبنة الإمبراطور كلايدوس شخصيا، أو  إبنة سجّأنه  الذى داواها من العمى أثناء سجنه فأحبته- روايتنان)، أعدم القديس بتهمة الدعوة للنصرانية.

يمكن أن نقرأ هذه الرواية هكذا: (1) ثورة ضد السلطة الغاشمة التى تستعمل البشر آلات للحرب دون اعتبار لآدميتهم وعواطفهم وحقوقهم، (2) دعوة لدين جديد، وكل دين جديد، هو مثل كل دين جديد (تقريبا) فهو عادة ثورة تطورية لها نفس الدلالات (3) رعاية لحق الناس أن يتواصلوا مع بعضهم البعض، وبالذات تحت مظلة الارتباط الثنائى المسمى “الزواج”: مباركٌ بالناس والدين (4) شجاعة مواجهة السلطة الظالمة ليس فقط بالاحتجاج والصياح، وإنما بالفعل والتحدى (5) تحمل مسئولية الثورة حتى الاستشهاد (6) الاحتفاظ بالعلاقة بالحياة – الحب-  حتى آخر لحظة: الإعدام.

أى هذه المعانى تبقى لنا لنحتفل بها اليوم؟

حين دعيت أمس للمشاركة فى الحديث عن هذا اليوم، فى الفضائية المصرية، (متاح فى الموقع) رحت أبحث عن إجابة لهذا السؤال؟ نبّهت مقدم البرنامج الفاضل، الذى رحب مشكورا بتنبيهى: أنه قد لا يليق أن نحتفل بالمناسبة بنفس الطريقة التى نتبعها كل عام، أعنى: بتنهدات حالمات هامسات ناعمات دافئات،  أو بأفكار عائمات خائبات سائحات، وبسرعة أردفتُ أننى لا أريد أن أقلبها غما فى مثل هذا اليوم، وإنما أتساءل: هل يمكن أن نرى اللون الأحمر فى هذه المناسبة فى الورد والهدايا منعزلا عن لون الدم الأحمر وهو يصبغ وجوه وجثث الأطفال والشيوخ وكل المدنيين الأبرياء والوحش البشع المسعور يلتهم بآلاته العمياء كل ما هو حب وخير وحياة تليق ببشر أحرار؟ ثم خفت أن يُفهم كلامى على أنه موافقة على الدعوة إلى رفض هذه المشاركة العالمية، فاستطردت – بفضل سماح المقدم : أننى لا أدعو بذلك إلى إلغاء  هذه المناسبات الطيبة، ولا إلى أن نقلبها غما وكأن الغم هو الذى سوف يحررنا، فأنا ضد الأصوات التى تنهى المسلمين عن المشاركة، وكأن الانسحاب من العالم ناسا وحبا هو الذى سوف  يجعلنا نتميز  جدا جدا، ، وكأنه هو  السبيل لإحياء مجد الإسلام وحضارته ، الإسلام الرائع الذى اختزلوه إلى هذه النواهى، وهو القادر على المشاركة  فى حل أزمة الإنسان المعاصر بنقلة ثورية حقيقية.

دار البرنامج بعد ذلك بحوار نشط ، أعتقد أنه قد يفيد من يهتم بالتفرقة بين “حب النفس” الجميل وبين” الأنانية” الغبية، وبالتفرقة بين الاحتياج والحب، وبالتفرقة بين روعة أن تحب دون استئذان، وخيبة أن تجوع حبا بلا ارتواء، كما دار حول قيمة شوفان المحبوب “كما هو” غائبا وحاضرا،  فى مقابل الامتلاك والاحتواء والإسقاط، ثم أنهينا البرنامج بما بدأناه به، لأؤكد أن الذى يستطيع أن يحتفظ بقدرته على الحب برغم آلام هذا  الدم الأحمر قانيا حاضرا فى وعيه طول الوقت، هو الإنسان المكرّم المسئول حامل أمانة الحب، يحققها  كما خلقها الله وخلقه.

نعم، يمكن أن نتذكر هذه المناسبة بشكل آخر: حين نحب الناس وأنفسنا بأن نساهم “طول الوقت” فى منع إراقة هذه الدماء الطاهرة الحمراء؟ حين نتذكر أن شهادة الشهيد القديس فالنتين كانت شهادة مثالا يحتذى من أجل الحب والحياة ، حين نفهم أن الدعوة إلى النصرانية الباكرة (ميلادية 270) التى كانت السبب المعلن لإعدامه، هى هى الدعوة إلى الإسلام الذى طمسوه تحت قشور تفسيراتهم؟

نعم، يمكن أن نحتفل بأى حدث يجمع مشاعر وأفكار وإبداع كل الناس معا، من أول كأس العالم فى كرة القدم، حتى عيد فالنتين، مرورا بالتواصل اليومى على النت الذى هو بمثابة الدليل الجديد لقدرة الناس على “الحياة معا”، ليتوقف نزيف دم البشر هكذا بفضل الحب الفاعل المسئول، ليصير الإنسان كما خلقه الحق سبحانه؟

بهذا: يصبح  هذا العيد هو عيد الحياة بما فيها من ثورة واستشهاد ودعوة لدين جديد وصلابة، و.. و حب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *