“يوميا” الإنسان والتطور
8-12-2007
اعتذار، وحيرة حول المنهج
الخطوط العريضة للفرض الأساسى لنقد “العطر”
اعتذار ضرورى:
وعدت أمس أن تكون يومية اليوم هى امتداد لحوار أمس، وذلك لأهمية ما ورد إلىّ فى آخر لحظة من رسالة ابنى محمد، والضيف الذى افتقدناه هذا الأسبوع د. كريم شوقى، لكننى حين حضرت فجر اليوم بحثت عن الرسائل على مكتبى، فلم أجدها. الساعة الخامسة صباحا، والسكرتير لن يحضر قبل الثامنة، أثناء البحث وجدت أوراقاً تتعلق ببداية نقدى رواية العطر، الأمر الذى أشرت إليه أمس، وقبل أمس، وكثيرا، قلت لنفسى فهى فرصة أن أبدأ فيما أجلّته طويلا.
بمجرد أن انتهيت من كتابة خواطرى حول المنهج الذى اقترحته على نفسى لأقوم بنقد هذا العمل الرائع نقدا يستأهله وجدت أنها تصلح أن تظهر يومية الغد، وأن تزيح البريد المؤجل إلى يوم الجمعة القادم.
لكن رسالة محمد إبنى لم تستطع الانتظار فهربت من هذه الوصاية، وقفزتْ كاملةً لنفتتح بها باب “المحررون الضيوف”، فوافقُتها وأنا خجلان من أن يكون الافتتاح “عائليا” هكذا، ولكن ماذا أفعل ولم يتفضل علينا أى من المحررين القدامى، فى “الإنسان والتطور” بالمشاركة حتى الآن، مع أننى دعوتهم بالاسم منذ اليوميات الأولى (“عودٌ على بدء، ثم نرى” يومية 1-9-2007)
وبافتتاح هذه الزاوية أكرر الدعوة، وبالاسم، للأصدقاء القدامى، ثم أعمم الدعوة لكل من يرى أننا نستأهل إسهامه، وبالذات كل من يريد أن يكتب تعليقا متكاملا (مثل محمد إبنى الذى بدأنا به اليوم) أو كل من يرفض أن نقطع تعقيبه ونقلبه حواراً، تماما مثلما كان الحال فى الإنسان والتطور المجلة (1980 – 2002)
وفيما يلى دعوة جديدة إلى المحررين القدامى وبالاسم.
قائمة بالدعوة
كتاب مجلة الإنسان والتطور 1980-2002
د. مجدى عرفةد. عماد حمدى غزد. محمد هويدى
وفاء خليل د. سيد حفظى محمد جاد الرب د. اسامة بهاء الدين د. مها محمد كامل د. باهر محمد الزين د. محمد شعلان علاء إبراهيم عبد المنعم عبد القادر د. رفعت لقوشة د. خالد الدش د. حلمى شوقى المصرى د. ماهر شفيق فريد. محمود حنفى د. محمد المخزنجى السيد أحمد زرد احمد زرزور حازم شحاتة عبد المنعم رمضان اعتدال عثمان فؤاد حجازى سفاروق حسان رضا عطية راوية حمودة وليد منير صفية فرجانى د. إلهام عبد الحميد إيمان مرسال د.حسام حشمت د. عيد صالح عبد المنعم الباز د. هانى يحيى د. أحمد حسين د. أحمد الفار |
د. رفعت محفوظد. باهر محمد الزينفيصل الشبينى
د. محمد حسيب الدفراوىد. محمد السماحى إبراهيم عادل حسن د. وفاء الليثى أ. حافظ عزيز د. يسرية أمين محمود حنفى محمود لاشيند. عاطف طنطاوى د. مرقص عوض فؤاد قنديل محمد عبد المطلب أحمد المدثر عيسى د. سامى عبد القوى على د. عصام طنطاوى فاطمة مدكور محمد محمود عثمان د. عادل مصطفى د. إبراهيم أبو عوف عباس الصهبى هالة جبر كوثر مصطفى شمس الدين موسى عبدالوهاب الأسوانى خيرى عبد الجواد. سمير عبد الفتاح أحمد فضل شبلول – حلمى سالم رجب الصاوى نعيم عطيه د. أحمد صبحى منصور أ. ياسر عبد اللطيف أ. يوسف عزب د. أحمد تيمور أ. فريد زهران أيمن حامد عبد الشافى |
زينب عزبد. عبد الحميد كابشعبد الحميد الكاشف
د. هناء سليمان د. صلاح مخيمر عصمت دواستاشى محمود لاشين د. محمد يحيى الرخاوى د. مرقص عوض زينب عزب أسامة عبد الحليم زكى محمد عبد السلام ولد دوح وليد منير فؤاد سلامة عباس الصهبى أحمد زغلول الشيطى د. عصام اللباد. رضا عطية صلاح الدين محسن محمد. د. أسامة عرفة أ. مجدى حسنين د. عاطف عبد السلام أحمد عبد السلام بسيونى محمد شقرة هشام أحمد أحمد ماجد يوسف منتصر القفاش طارق النعمان سها النقاش إيمان مرسال على الشرقاوى د. إيهاب الخراط .. د. رمصان بسطاويسى أ. إدوار الخراط صالح عيد د. عادل مصطفى نعيم صبرى |
عن اقتراح منهجٍ لنقد رواية العطر:
بداية وحيرة!
امتد المنهج الذى اهتديت إليه وأنا أقرأ – ناقدا- أصداء سيرة محفوظ إلى أن أغرانى أن أتبعه هو هو فى قراءتى لأحلام فترة النقاهة، الأمر الذى أواصل العمل فيه بمشقة رائعة متعبة ومتحدية.
خلاصة خطوات هذا المنهج يمكن إيجازها فيما يلى:
– يُكتب المتن كما هو فقرة فقرة،
– يُقرأ هذا الجزء نقدا بذاته لذاته
– ثم بعد الانتهاء من كل الفقرات، تجرى القراءة الطولية (الشاملة)
كان الإغراء باتباع هذا المنهج هو طبيعة العمل الأول (الأصداء) حيث وصلنى باعتباره مجموعة أصداء تتردد، وكأنها خواطر تقفز من مخزون الذاكرة لتُعاش فى وادى الإبداع وهى تتردد أصداءً بين جنبات الجبال المحيطة من الخبرات والرؤى والمشاعر، بهذه الصورة: يمكنك أن تستمع إلى نغم كل صدى يتردد منفردا وكأنك تختبر كفاءة آلة عزفه، آمِلاً أن تعزف اللحن كاملا حين تنتهى من الاطمئنان لسلامة وجودة أداء كل آلة صدى على حدة،
حين رحت أطبق نفس المنهج فى قراءتى الأحلام وجدت صعوبات بلا حصر: فمن ناحية لقد عاشرت كاتبها وهى تولد، ثم لمحت آثارها عليه وهى تبزغ، ثم قرأتها متقطعة وهى تنشر، ووصلنى منها ما قبلته وما رفضته، وهى لم تشدّنى، – كما فعلت الأصداء- أبدا لقراءتها ناقدا، ومن ناحية أخرى مثَّلت لى كلمة “حلم” التباسا مزعِجاً حتى رحت أنبه نفسى طول الوقت أنه ليس حلما بالمعنى الشائع عند الناس، مع أن الإبداع الحقيقى عندى ليس إلا حلما فائقا، كما أن الحلم الحقيقى عندى ليس إلا إبداع الشخصى العادى على مستويات مختلفة (إبداع الشخص العادى، وإبداع المرأة !! يومية 29-9)، ثم كانت ثمة صعوبة ثالثة هى أننى خشيت – ومازلت أخشى- أن يُقرأ النقد الذى أحاوله على أنه “تفسير للحلم”، وهذا من أكثر الأمور بعدا عن اهتمامى، وأحيانا عن احترامى، بما فى ذلك الكتاب الذى يقول عنه كل الناس، بما فى ذلك مؤلفه، أنه درة أعمال كاتبه سيجموند فرويد، وهو كتاب “تفسير الأحلام”، وقد أثبت موقفى بوضوح من تفسير الأحلام، وكذلك من طبيعة الحلم والشعر والإيقاع والإبداع فى عمل متكامل سابق (الإيقاع الحيوى ونبض الإبداع)
فماذا أغرانى بعد كل ذلك أن أجرب نفس المنهج فى قراءتى للعطر؟
أعتقد أن دافعى إلى ذلك هو أن كل فقرة من هذه الرواية النادرة كانت تمثل لى إثارة نقدية، ليست أقل إلهاما من أحلام محفوظ، فعلا كانت ولا تزال تصلنى تحديا معرفيا يغرينى بمحاورتها قبولا، أو شحذاً للوعى، أو نقدا، أو إعادة تشكيل:
قلت: فلنبدأ، ولنجرب بضعة صفحات، ثم نرى
هل يصلح نفس المنهج لقراءة رواية العطر؟ كيف؟ ولماذا؟
تجربة محدودة (عينة)
حين كتبت عن حاسة الشم تلك اليوميات الثلاثية يومية 3-12 (رائحة للذات، والحياة، والجسد، والأشياء)، يومية 4-12 (العين الداخلية (والأنف الداخلية كذلك)، يومية 5-12 (الأنفُ تدرك مثل العين أحياناً)،حضرتنى رواية العطر، وبصراحة كانت هى الدافع الذى حفزنى أن أكتب فى موضوع الشم هكذا، قلت لعل الأوان قد آن لاستكمال نقد الرواية ونشره، وبدأت باقتطاف أول جزء من الرواية، بدون تعليق.
اليوم حين بدأت فى قراءتى لها ناقدا وثقت فى الترجمة إلى العربية مرة أخرى وفرحت بها بلا تردد.
بمجرد أن كتبت صفحتين، وأعدت قراءتهما، تيقنت أن هذا المنهج، هكذا، لا يصلح إلا أن يكون مسودة، فأكملت مع نفسى: “وما المانع أن استغل هذه اليومية فى نشر مسودات ما أحاوله، فى هذه السن وسط هذه الزحمة، ذلك لأننى لا أضمن ، بل لعلى على يقين أننى لن أتمكن من تبييض كل مسوداتى. فليتحملنى القارئ، أو يرشدنى، أو يحول دون استمرارى، أو يأذن الله فى أمرى.
العنوان
العطر (1)
قصة قاتل
هذه رواية كتبت سنة عام 1985 ونشرت سنة 1997 وترجمت إلى (ستة وأربعون لغة)، تقييمى للترجمة فى ذاتها، دون الرجوع للأصل بالألمانية طبعا (مع المقارنة المحدودة بالنسخة الانجليزية)، بقدر اجتهادى أنها ممتازة حتى خيل إلى (مثل ترجمة سامى الدروبى لروايات ديستويفسكى)، أنها إعادة إبداع النص بلغة أخرى (أنظر بعد).
من البداية حتى النهاية تحفظت على العنوان الفرعى “قصة قاتل” فأنا لم أستقبل غرينوى أبدا باعتباره قاتلا بالمعنى الإجرامى، وذلك برغم عدد القتلى، ونوع القتلى، وبشاعة طريقة القتل، فإنه لم يصلنى أن هذه الصفة بالذات “قاتل” هى التى تميزه،
غرينوى كان إلها زائفا،
نيزكا ساقطا إلى أعلى
كان جسما غريبا بائسا،
كان متفردا غبيا،
كان قرادة جافة مُنْقَضَّه،
وكان – أيضا – قاتلا لأنه كان كل هذا،
فلماذا يفرض علينا المؤلف هذا العنوان الفرعى هكذا على الغلاف حتى لو وصله هو شخصيا أنها “قصة قاتل”.
أول فقرة ص (5)
فى القرن الثامن عشر عاش فى فرنسا رجل ينتمى إلى أكثر كائنات تلك الحقبة نبوغا وشناعة، وهى حقبة لم تكن لتفتقر إلى أمثال هذه الكائنات، وقصة هذا الرجل هى ما سنرويه هنا. كان اسمه جان باتيست غرنوى Jean-Baptiste Grenuille. وإذا كان اسمه اليوم قد طواه النسيان على نقيض نوابغ أوغاد آخرين، مثل دوساد، سان جوست، فوشيه أو بونابرت وغيرهم، فذلك بالتأكيد ليس نتيجة أن غرنوى بمقارنته مع هؤلاء الرجال الموهوبين الأكثر شهرة، يقل عنهم تعالياَ واحتقاراً للبشر ولا أخلاقية، وباختصار كفراً.
بعد مقارنة متواضعة لهذه الفقرة الأولى التى هى موضوع هذه اليومية، بالترجمة الانجليزية (انظر نهاية اليومية) قررت فعلاً أن اعتبر المتن العربى الذى بين يدى بمثابة نص مُبْدَعٌ مستقل، وألا أرجع إلى الترجمة الإنجليزية إلا مضطراً ، أما الأصل الألمانى فأدعو الله ألا اضطر أن استشيره إلا عندما يختل منى السياق تماما، فأجدنى محتاجاً جدا إلى الأصل الألمانى، ربما يدعم أو ينفى فرضاً من فروضى الصعبة.
تعبير “الكائنات” هنا وصلنى بدلالة خاصة، الكاتب لم يقل رجل ينتمى إلى أكثر الناس أو الأشخاص، فهو يذكرنا مباشرة ومن البداية أننا لسنا إلا كائنات، مجرد أحياء، وأن الإنسان هو أحد هذه الأحياء، أحد هذه الكائنات.
ثم إن الكاتب راح يحدد صفات هؤلاء النوابغ الأوغاد، منهم غرينوى بكل مما يلى: (1) التعالى (2) واحتقار البشر (3) واللاأخلاقية،
نبدأ بمسألة اللاأخلاقية حيث أن موضوع تعريف ما هو أخلاقى هو إشكال فى ذاته (يمكن الرجوع إلى يومية 15-10 “من ملف القيم والأخلاق فى مصر الآن) وبالتالى ، فإن صفة اللاأخلاقية تصبح أضعف الصفات دلالة فى وصف هذا الكائن، (وأمثاله الأكثر شهرة وسلطة وقسوة وقتلاً)، أما التعالى واحتقار البشر، وهما شديدا الاتصال سببا ونتيجة بالتبادل، فلهما دلالة مهمة فى فهم موقف غرينوى لاحقا، موقفه من التنازل عن الحب لصالح ما تصوره الحياة. الاحتقار والتعالى، نفْى حاسم. وربما مطلق لأى حب (ربما من أى نوع)، وهذا ما أرجو ان يتضح خلال مراحل النقد المختلفة.
أما اقتران كل هذه الصفات بل إيجازها فى كلمة واحدة وهى “الكفر” فهذا ما قد يدور حوله أغلب النقد المقدم هنا، ربما ربطا بدراستى عن الإخوة كارمازوف واستحالة الالحاد (بيولوجيا) (تبادل الأقنعة “حركية العلاقات البشرية جدلا وامتدادا فى الإخوة كارامازوف”)، وربما هى فرصة لتقديم معنى آخر للكفر والإيمان .
أما مسألة ربط الكفر، بالنبوغ بالوغدنة فهذا يحتاج إلى وقفة أمام كلمة نبوغ، نحن نعلى من قيمة النبوغ بشكل متواتر دون النظر فيها بما يكفى، هل اقترنت هنا كلمة نبوغ بالوغدنة كنقيضين أم كمترادفين؟ النابغة يمكن أن يكون وغداً، لكن هل الوغد يمكن أن يكون نابغة؟ أم أنهما لفظان متلازمان، ولو واتتنا الشجاعة ربما قلنا “إن كل نابغة وغد”، أو على الأقل هو “مشروع وغد” بشكل أو بآخر، وإذا كان الكاتب قد اختار دوساد وسان جوست، وفوشيه، وبونابرت، كأمثلة فقد خطر ببالى نيتشه، وأينشتاين، مع أننى أحبهما جدا (أتساءل الآن: هل استطعت أن أحب غرينوى أبداً، وأؤجل الإجابة حتى نهاية الدراسة)
إلتزمت بالألفاظ العربية دون ما يقابلها بالإنجليزية.
التحدى المزعج:
آن الآوان أن نناقش هنا نفس الفقرة بالانجليزية (2)
In eighteenth-century France there lived a man who was one of the most gifted and abominable personages in an era that knew no lack of gifted an abominable personages. His story will be told here. His name was Jean-Baptiste Grenouille, and if his name – in contrast to the names of other gifted abominations, de Sade’s, for instance, or Saint-just’s, Fouche’s, Bonaparte’s, etc. – has been forgotten today, it is certainly not because Grenouille fell short of those more famous blackguards when it came to arrogance, misanthropy, immorality, or , more succinctly, wickedness,
بصراحة عجزت عن أن أجد الألفاظ المتقابلة بين اللغتين.
– بدأت باللغة العربية وبلفظ “وغد” فوجدته (مع الإيجاز الشديد): وغُد (بضم العين “الأساس”): كان رذلا دنيئا صغير العقل (الوسيط)
– ووغْد (أساس البلاغة/الزمخشرى): دنئ، وأصله: “سهم لا حظّ له.(فهمُتها، لم يُصِبْ هدفه، لاحظ كيف سيتطابق ذلك مع غرينوى)
ثم رحت قبل أن أقرأ النص الانجليزى لأجد أقرب لفظين إلى المعنى هماScounder Villain & وفضلت الأخير.
لكننى حين قرأت النص المترجم وجدت أنه ترجمة إلى abominable فرحت أستشير المعاجم الإنجليزية فلم تسعفنى بما يفسر الاختلاف.
وبما أنى أكاد أزعم أنى أعرف غرينوى معرفة كافية، فقد وجدت الوصف باللسان العربى هو الأقرب إليه.
– أما لفظ نابغة، فقد جاء ما يقابله بالانجليزية Gifted، وهو الذى يعنى عندى “موهوب”، والنبوغ عندى (وربما عند الكثيرين) ليس مرادفاً للهبة.
– أما ما يقابل لفظ “الكائنات” الذى اعتمدت عليه لأرجع بغرينوى – فيما بعد – إلى بدائيته المتألهة، فلم أعثر على ما يقابله فى النص الانجليزى إلا لفظ Personage!!
– وأخيرا، فإن لفظ الكفر، الذى يمكن ان تدور عليه فكرتى لفروضى المحورية يقابله فى الانجليزية لفظ Wickedness وهل هذا الاختلاف يحتاج إلى تعليق؟
بصراحة انزعجت انزعاجا بالغا وطرحت كل ذلك جانبا وقلت:
إن ما وصلنى من النسخة بالعربية، سوف يكون منبعى ومصبى، حتى لو كان مؤلف النص الذى أقرأه ناقدا هو د. نبيل الحفار وليس باتريك زوسكنيد.
الخطوط العامة لفرض الدراسة (مؤقتا):
- غرينوى – بطل الرواية – لم يوجد أبدا،
لم يعترف أحد بوجوده، منذ الحمل حتى النهاية الغامضة، فراح غرينوى منذ اختار الحياة – بقاءً – حتى لو كان نيزكا منفصلا، اختارها: بديلا عن الحب، راح يخلّق نفسه بنفسه لنفسه.
- غرينوى خَلّق له روحا (رائحة) متفردة، شكَلها من توليفة من أرواح نقية لم تتشوه بعد، انتزعها انتزاعا من العذارى الجميلات، الواحدة تلو الأخرى، وكأنه يقتنى ألوان لوحته الزيتية الفريدة،
- حين أتم غرينوى صناعة نفسه بنفسه حاول أن يفرضها على الناس – كل الناس – فرضا، دون علاقة أصلا
- نجح غرينوى – فى ذلك من وجهة نظره بطريقته- فزاد انفصالا عن الناس الذين سجدوا له، ذهولا عنه، وعن أنفسهم،
- هكذا سقط غرينوى فى هاوية التجاهل والإنكار، والوحدة من جديد.
- انكشف زيف ألوهيته له، قبل أن ينكشف للناس
- نجح غرينوى أن “يبقى” رغما عن كل ما أنكروه عليه
- أن تبقىّ ليس مرادفا لـ “أن تحيا”
- لم ينجح غرينوى أن يحيا بشراً بين البشر.
- الإنسان لا يكون بشرا بروحه ولا برائحته ولا بسحره ولا بقوته ولا بتأثيره،
- الإنسان لايكون بشرا إلا بجدل متصل مع بشر مثله تماما، ليس مثله بمعنى أن يساويه أو يشبهه، وإنما مثله بمعنى أن يمارس نفس تجربة التواصل مثله، بنفس صعوباتها وجدلها وتحدياتها ومفاجآتها،
- لا غرينوى ولا أمه، ولا أى ممن ظهروا فى الرواية استطاع أن يفعلها، لكنهم رضوا أن يحاولوا، وأن تستمر المحاولة حتى لا يتألهوا زيفا.
- غرينوى قرر أن يستغنى عن المحاولة (عن الحب)
- النهاية مازالت تقلقنى
- وعندى لها أكثر من تفسير محتمل،
- لذلك سوف أؤجل الحديث عنها لعل أحد هذه الاحتمالات يرجح أثناء ممارسة النقد فقرة فقرة (إذا ما صلح هذا المنهج أصلا!!)
[1] – تأليف: باتريك زوسكيند – ترجمة: نبيل الحفار – الناشر: دار المدى عام 2003
[2] -.Patrick suskind “Perfume” – Published by the Penguin Group – 1986
تم اليوم افتتاح باب المحررون والضيوف بمقال :
“الوحدة والتعدد فى التركيب البشرى” كيف؟ إلى أين؟
د. محمد يحيى الرخاوى