نشرة الإنسان والتطور
الخميس: 13-4-2023
السنة السادسة عشر
العدد: 5703
تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) [1]
وهكذا نواصل نشر “الأصداء” مع “أصداء الأصداء”
بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (121)
الفصل الثالث
“إبن حظ”: طفل تائه (يا أولاد الحلال)
فى ثوب كهل يعبد ربه
الأصداء عودة إلى النص:
121- التعارف
وكان لى صديق خطاط ومن مريدى الشيخ، فرجوته أن يقدمنى إليه فمضى بى إلى الكهف مخترقين صحراء المماليك، وهناك رأيته وسط صحبه يتبادلون أنخاب المناجاة فى نشوة هادئة نقـية، فقدمنى صديقى بين يديه ولكنه استمر فيما كان فيه غير ملتفت إلى مما أضرم الحياء فى قلبى، ولكن صديقى أخذنى من يدى وجلسنا فى آخر الصف، وهمست فى أذنه:
- الأفضل أن نذهب…
فهمس فى أذني:
- لقد قبل صداقتك، ولو كان رفضك لطردك بإشارة من يده
وختمت الليلة بغناء طويل جميل، ولدى العودة سألنى صاحبي:
- ما رأيك فى المكان وأهله؟
فقلت
- دخلوا قلبى بلا وسيط، عروتهم ساحرة، أصواتهم عذبة، والمكان جذاب هادىء ورائحته زكية..
أصداء الأصداء
هكذا يتأكد التصالح الذى تم بين الذوات الثلاثة، وقد أكد إريك بيرن أن المعركة لا تنتهى بانتصار ذات على أخرى، وإنما بتصالح خلاّق.
للتصالح شكلان أساسيان: (وإن كان يمكن أن يكمل أحدهما الآخر، وهذا ما يحدث عادة طول الوقت فى النمو السليم):
(أ)
تصالح بالتبادل التوافقى، إذ يحل الطفل فى الوعى الظاهر، ويمسك الدفة فى الوقت المناسب لظهوره، وفى الموقف السامح لشطحة، وبين الجو المحتمل لشقاوته، فى حين يحل الوالد فى الشعور الظاهر ليقود الدفة حين يحتاج الأمر إلى الرعاية والحكمة أو إلى النهر والكف، أما الناضج فيقود ويحل فى الوعى حين يحتاج الأمر إلى حاسب واقعى لا ينفعل إلا للمصلحة ولا يتمنطق بإطلاق الحكم المثالية أو إظهار التضحية، وهذا التصالح بالتبادل يحدث عند أغلب الناس الأصحاء، وهو يتم تلقائيا دون تفكير أو قرار، ولكن مع مضى الزمن والتقدم فى العمر يصبح التبادل محسوبا وإراديا أكثر وأكثر، دون أن تختلط الأدوار أو تتداخل. ثم: (ب)
تصالح بالاندماج النامى أو التكاملى: مع مرور الزمن، وسلامة التبادل، يتم تصالح أعلى تذوب فيه الصفات الطفلية فى صفات الوالدية ويتداخلان بدورهما فى ذات أنضج وأقدر، ويصبح الإنسان شيخا طول الوقت، يطل من بين ثناياه (وهو شيخ) طفل ظريف ذكى حاضر فنرى فى عينيه -شيخا- نظرات الطفل وضحكته وبراءته وإبداعه، ويظل الطفل حاضرا فى تصرف الشيخ بحيث لا يحتاج إلى نكوص خاص به، لا يمكن ممارسته إلا فى مجال طفلى مناسب. كل هذا -كما أشرنا- فى حضور وســماح وإحاطــة ما يسمى “الناضج المتكامل” Integrated Adult وما رأيناه فى هذه الفقرة هو تأكيد على أن التصالح الذى وصل إليه محفوظ قد تم بين الطفل التائه وبين الشيخ الذى قبل الطفل والناضج معا، هو تصالح أقرب إلى النوع الثانى، وقد تم دون إعلان صريح، وهذا النوع من التصالح لا يقتصر على الداخل، فهو يظهر فى السلوك، فيبدو الشيخ طفلا رائعا دون طفولة،
ويقفز الطفل بريئا مبدعا دون عبث، ويذوب الناضج فيهما فلا يتميز بذاته، إذن فهو تصالح أقرب إلى الاندماج النامى الذى لم يعد يحتاج إلى تعدد ذوات وتبادل أدوار (اللهم إلا فى تبادل النوم واليقظة)، وهذا هو تفسيرى لماهية الشيخ عبد ربه، لكنه تفسير غير مطلق، فاعتراضاتى على حكمة الشيخ المباشرة والسطحية فى بعض الأحيان – مثلا- تنفى هذه الدرجة المباشرة من التصالح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية 2018 – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net