تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) ( 4 & 5) الفصل الأول: الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت
نشرة الإنسان والتطور
الخميس: 18-2-2021
السنة الرابعة عشر
العدد: 4919
تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) ( 5 من ؟) (1)
وهكذا نواصل نشر الأصداء يعقبها أصداء الأصداء بقلم:
“يحيى الرخاوى” الواحدة تلو الأخرى
الفصل الأول: الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت
الأصداء
4 – الحركة القادمة
قال برجاء حار: جئتك لأنك ملاذى الأول والأخير.
فقال العجوز باسما: هذا يعنى أنك تحمل رجاء جديدا.
– تقرر نقلى من المحافظة فى الحركة القادمة،
- ألم تقض مدتك القانونية بها؟ هذه هى تقاليد وظيفتك.
فقال بضراعة: النقل ضار بى وبأسرتى
- أخبرتك بطبيعة عملك منذ أول يوم
- الحق أن المحافظة أصبحت وطنا لنا ولا غنى عنه.
– هذا قول زملائك السابقين واللاحقين وأنت تعلم أن ميعاد النقل لا يتقدم ولا يتأخر
فقال بحسرة: يالها من تجربة قاسية
- لم لم تهيىء نفسك لها وأنت تعلم أنه مصيرلا مفر منه !
أصداء الأصداء
مرة أخرى يرقص البندول بين هذه الطفولة المتجددة وبين الموت، الذى جاء موعده (ميعاد النقل) الذى لا يتقدم ولايتأخر (الآية : حتى إذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولايستقدمون)، وتسترجع الحياة باعتبارها تجربة قاسية، ويندم صاحبنا أنه لم يستعد لها كما ينبغى، ولكنها ليست ندامة النعابة، بل هى لوم من العجوز، وتذكـرة.
ولم يظهر لنا أنه تلقى هذا اللوم مؤمنا عليه بلا تحفظ، وإلا كانت نصيحة عادية خاوية.
وعموما فقد بدا لى أن مثل هذه الفقرات ليست قادرة على ترجيع الصدى مثل غيرها، ومن ثم بدأت أرصد خفوت صوت بعض الفقرات، فأحترم المد والجذر، ولا أساوى بين الأصوات.
الأصداء
5 – مفترق الطرق
عرفت فى بيتنا بأم البيه.. حتى اليوم لم يعرف إسمها الحقيقى فهى عمتى أم البيه، تجلس فى حجرتها فوق الكنبة متحجبة مسبـحة، كلما طمعت فى مصروف إضافى تسللت إلى مجلسها، وعلى فترات متباعدة تقف سيارة أمام بيتنا الصغير فيغادرها البيه، قصيرا وقورا مهيبا، يلثم يد أمه ويتلقى دعاءها، زيارته تنفخ فى البيت روحا من السرور والزهو، وقد تحمل إلىّ علبة من الحلوى.
رجل آخر يتردد على أم البيه كل يوم جمعة، صورة طبق الأصل من البيه غير أنه يرتدى عادة جلبابا ومركوبا وطاقية وتلوح فى وجهه إمارات المسكنة، وتستقبله عمتى بترحاب وتجلسه إلى جانبها فى أعز مكان، حيرنى أمره وحذرتنى أمى من اللعب فى الحجرة فى أثناء وجوده، ولكنها لم تجد بدا فى النهاية من أن تهمس لى: إنه ابن عمتك! تساءلت فى ذهول
– أخو البيه؟
أجابتنى بوضوح : نعم،. واحـترِمـه كما تحترم البيه نفسه،
وأصبح يثير حب إستطلاعى أكثر من البيه نفسه.
أصداء الأصداء
أكرر هنا التأكيد على دهشتى كثيرا من علاقة العناوين بالمتن، فهذه الفقرة جاءتنى فاترة أيضا وهى تظهر لنا موقع ابن العمة الفلاح، “شقيق “للبيه” (ابن العمة نفسها!) وبالرغم من أنه يحضر “كل يوم جمعة” وأن شقيقه البيه لايحضر إلا “على فترات متباعدة”، بالرغم من ذلك تـكَنـَّى العمة (الأم) باسم “أم البيه”، وأشعر بنقطة ضعف هنا أن يسأل الطفل عن الذى يحضر كل جمعة” مع أن الأولى به أن يسأل عن الذى لا يحضر إلا “على فترات”، ولا أعرف كيف يثار حب الاستطلاع حول الذى يحضر بكل هذا الإنتظام دون الذى لا يحضر إلا لماما. لعل المتصور أن حب الاستطلاع هنا، إنما يتعلق بـ: لماذا الفرق بينهما هكذا؟، أى ما الذى جعل هذا “بيه” تنسب أمه إليه، والآخر ليس كذلك، “لا/بيه”، وهما من أم واحدة” و شبه واحد.
لفتة إلى العنوان “مفترق الطرق” يمكن أن تشير إلى أن تساؤل الطفل كان حول متى وكيف “أفترق” البيه “وأخوه عن بعضهما ليكون هذا “بيها” وذاك “مسكينا ذا جلباب ومركوب وطاقيه….”، ومع ذلك، ولذلك، يستأهل كل احترام- ما أمكن ذلك.
[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية 2018 – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net
2021-02-18