الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأربعاء الحر: مقتطف من: دليل الطالب الذكى فى علم النفس انطلاقا من: قصر العينى: الفصل‏ ‏الحادى عشر: “لمحة عن الوعى ومستوياته” (1)

الأربعاء الحر: مقتطف من: دليل الطالب الذكى فى علم النفس انطلاقا من: قصر العينى: الفصل‏ ‏الحادى عشر: “لمحة عن الوعى ومستوياته” (1)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 17-2-2021

السنة الرابعة عشر  

العدد: 4918

الأربعاء الحر:

مقتطف من: دليل الطالب الذكى فى علم النفس انطلاقا من: قصر العينى (1) 

الفصل‏ ‏الحادى عشر: لمحة عن الوعى ومستوياته (1)

مقدمة:

هكذا قاربنا الانتهاء من عرض حلقات هذا الكتاب وقد كنت أحسب أنه الأسهل لكنه بدا كتابا له مريدوه بالغ النفع ونختم اليوم بأول حلقة منه بأصعب وأخر فصل فيه عن الوعى.

…………..

الطالب: لقد كررت لى أثناء حديثنا عن النوم والأحلام وحتى الإبداع، مصطلحات مثل وعى النوم، ووعى الحلم، ووعى اليقظة.

المعلم: حصل

الطالب: وأحيانا كنت تذكر كلمة “شعور” مرادفة لما هو “وعى”

المعلم: نعم نعم، حصل أيضا، لكننى لم أتمادَ، ماذا تريد؟

الطالب: ثم تأتى الآن تربط ما هو وعى هكذا بالنوم والأحلام والإبداع وكل شىء

المعلم: عندك حق، إذن ماذا؟    

الطالب: بصراحة أنا محتار أكثر، أريد الآن توضيحا: هل الوعى هو الشعور، وكيفُ تنكر اللاشعور ثم تتكلم عن وعى النوم ووعى الحلم بعيداً عن اليقظة أى عن الشعور

  المعلم: يا إبنى يا إبنى! الأمر ليس سهلا، لدرجة أنى أتصور أن السلوكيين التقليدين حين أغفلوا الحديث عن الوعى تماما، لم يفعلوا ذلك إنكارا، وإنما لعجزهم المتواضع أن يحددوا الظاهرة القابلة للدراسة تحت هذا الاسم.

الطالب: وهل نجح غير السلوكيين فى تحديد ماهية الوعى.

المعلم: لا أعتقد، وإن كانت الصعوبة لا تبرر الإنكار، وعجز اللغة المتاحة ليس كافيا لتجاهل مثل هذه الظاهرة الأصل: الشاملة المحتوية المتعددة المستويات.

الطالب: كأنى بك تتحدث عن إنكار وجود الله لمجرد أنه ” ليس كمثله شئ”.

المعلم: يا ولد!! ما كل هذا!!؟ واحدة واحدة، لا تستدرجنى إلى ما لا ينتهى.

الطالب: ما رأيك، هل نكتفى بما ذكر عن الوعى فيما يخص وعى النوم ووعى اليقظة ووعى الإبداع.

المعلم: والله فكرة، إن ملف الوعى محيط لا يمكن الإحاطة به، وأخشى أن نختزله فنشوهه.

الطالب: ربما عندك حق، ولكن ماذا لو فوجئت أن سؤالا جاء فى الامتحان عن الوعى

المعلم: لا تحمل هما فهم لن يقتربوا من هذه المنطقة أصلاً

الطالب: لماذا؟

المعلم: ربما لأمانتهم وربما .. كما تعلم

الطالب: لا أعلم شيئا

المعلم: أحسن

الطالب: أحسن ماذا؟

المعلم: أحسن ألا يقتربوا حتى نجد اللغة الى يمكن أن تسعفنا

الطالب: اللغة التى تسعفنا للإجابة فى الامتحان أم اللغة التى نفهم بها الوعى

المعلم: نحن فى ماذا أم ماذا؟ امتحان ماذا يا إبنى؟ قلت لك لا تحمل همًّا فهم لن يقتربوا من هذه المنطقة،

الطالب: هل هم يبتعدون فى انتظار أن يحذق الطلبة والأساتذة لغة الوعى مثلا

المعلم: يا إبنى ما لهم هم بهذه المنطقة

الطالب: صحيح إذا كانوا لا يسمحون لى أن أجيب بلغتى العربية التى ولدت بها فكيف يُنتظر منهم أن يقتربوا من لغة الوعى

المعلم: انت تتكلم عن لغة الوعى وكأنك تعرفها

الطالب: آه صحيح، ما هى لغة الوعى

المعلم: الوعى ليس له لغة خاصة، هو لغة فى ذاته، ثم كيف أفـَهّمـًكَ مالا يمكن فهمه بالألفاظ العاجزة، إن دراسة الشعور والوعى وتعريفه هى أقرب إلى الخبرات الفنية، والخبرات الحدسية منها إلى المنطق الحسابى والتعاريف العلمية بالألفاظ.

الطالب: والله معهم حق هؤلاء السلوكيون الذين تركوا الجمل بما حمل.

المعلم: قلت لك إن العجز لا يبرر الإنكار، ثم إن إخواننا السلوكين يقرنون هذه الظواهر بالانتباه وظاهر العقل، الأمر الذى يقصر عن استيعابها، وأرجوك لا تستدرجنى فى هذا الدليل إلا فى حدود  الأسس الأولية، وهذه الحدود تسمح لى أن أقول لك إن هذا الموضوع برمته هو موضع اهتمام فرق كثيرة، من أهمهم:

 (1) من يدرس الانسان ككل.

 (2) من يهتم بأرضية ظاهرة الوجود الإنسانى بقدر ما يهتم بمحتوى السلوك الجزئى.

 (3) من يستعمل ذاته وسيلة لاستيعاب الخبرة: خبرته وخبرة العالم، ولا أعنى بهذا التأمل والتفكير أو ما يسمونه الاستبصار الذاتى Introspection ولكنى أعنى المعايشة الكاملة، والحدْس أحياناً، وهو ما أشرنا إليه تحت مسمى “المنهج الفينومينولوجى”

 (4) من يهتم  بنوع الخبرة نفس اهتمامه بكمِّها.

الطالب: أكاد أوقن أن من الأفضل لى ألا اتمادى فى السؤال، لأنك كلما اجبتنى زدتنى حيرة وزدتَ الأمر غموضا، إذا كنت قد فهمت فقد خيل إلىّ أن تيار الوعى  مثل ماء النيل، والوظائف الأخرى مثل المراكب فوق صفحته.

المعلم: لا طبعا، هذا تشبيه قاصر. الوعى طبقات ولغة وتنظيمات ومستويات وهو يدخل ويتداخل مع سائر الوظائف وفى سائر الأحوال فى حين أن ماء النيل لا يدخل المراكب، وإلا غرقت.

الطالب:  ألا يمكن أن تعرف لى الوعى بأى تعريف مهما كان عاجزا

المعلم: بصراحة أرجو أن تعفينى من ذلك بعد كل ما ألمحت إليه، وإن أصررت فأسمح لنفسى أن أثبت لك خبرة  سجلتها بعد حوارنا هذا بثلاثين عاما وكنت قد نسيت ما كان بيننا، ولا أعرف كيف، ستصلك بعد كل هذه السنين، إذْ أين أنت الآن.

الطالب: سجلها يا سيدى لأصحابها ينوبك ثواب.

المعلم: وأنت أيضا تشاركنى فى الثواب، فأنت الذى صبرت علىّ وأتحت لى هذه الفرصة.

الطالب: إذن هيا

المعلم: بعد أن عجزتُ تماما عن توصيف الوعى فإن ما وصلنى من خبرتى المهنية، وخاصة فى العلاج الجمعى، ومع الذهانيين بالذات، هو أن أبدأ بنفى ما  ليس هو، ثم ألحق النفى بـ “لكن” .. لعل وعسى، فكتبت ما يلى:

* الوعى ليس وظيفة مستقلة ولكنه حركية إيقاعية .

* الوعى ليس صفة لاحقة ولكنه منظومة مشتملة .

* الوعى ليس نشاطا متبادلا مع الوظائف الأخرى أو متصلا بها سندا أو وسادا، ولكنه حركية متداخلة فى كل الوظائف .

* الوعى ليس واحدا ولكنه منظومات متعدده متصاعدة تمثـِّـل مراحل فى التطور، التى هى هى مراحل النمو، وهى متبادله النشاط- دورية الإيقاع- متكافلة متجادله فى حالة السواء، وعكس ذلك فى حالة المرض.

* الوعى ليس مرادفا للروح ولكنه على علاقة وثيقة بالادراك الأعمق عامة وبالوجدان خاصة.

* الوعى ليس هو “الشعور” الظاهر فى بؤرة الانتباه، ولكنه متعدد فاعل حتى لو كان كامنا.

* الوعى ليس صفة ثابتة، لكنه حركة متصاعدة متوجـِّهـَة نحو “واحدية الوعى المطلق” المفتوحه النهاية .

* الوعى ليس وجدانا متميزا ولكنه شديد الارلاتباط بما يسمى: العقل الوجدانى الاعتمالى.

* الوعى ليس قاصرا على الوعى بالوعى، ولكنه موجود عند كل الأحياء (وغالبا فى المادة غير الحية أيضا).

* الوعى ليس هو تعريفه فى المعاجم، ولا حتى فى كثير من الكتب العلمية ولكنه حاضر حضورا  أوسع وأشمل من كل الألفاظ التى تصفه.

* الوعى ليس دائما فى متناول التناول بالحكى أو الرموز أو الحرف، ولكنه يشكل لغة جديدة فى الإبداع عامة وفى الشعر خاصة .

* الوعى ليس موضوعا للحوار الشخصى لكنه ممارسة متعددة المستويات والأبعاد بين الأحياء أساسا، (ومع كل شئ وفى كل شئ إلى كل شئ).

* الوعى ليس نشاطا فسيولوجيا للمخ فحسب ولكنه  نشاط حيوى (بيولوجى) وجودىّ يشمل كل الخلايا وخاصة الجسد

* الطالب: هذا كلام صعب، ولعله أقرب إلى الشعر، ومع ذلك فقد أثارنى وأحرجنى، وأثار فىّ تساؤلات بلا حصر، ولكننى سوف أكتفى بأن أسال عن كيف يدخل الوعى فى سائر الوظائف؟

…………….

ونكمل الأسبوع القادم

[1] –  يحيى الرخاوى: “دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2019)، والكتاب قديم مهم (الطبعة الأولى سنة 1982) ولم يتم تحديثه فى هذه الطبعة، موجود فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مؤسسة الرخاوى للتدريب والأبحاث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط  www.rakhawy.net 

 

admin-ajaxadmin-ajax (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *