نشرة الإنسان والتطور
الخميس: 4-2-2021
السنة الرابعة عشر
العدد: 4905
تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) ( 3 من ؟) (1)
مقدمة (4): 2006
(عن الدراسة الجامعة وأسباب تأجيلها)
مقدمة:
علاقة هذا العمل بوجه خاص بسيرة صاحبه الذاتية علاقة ملتبسة، تحتاج أن أوجز موقفى الخاص من علاقة الإبداع بالمبدع شخصا بيننا يمشى فى الأسواق:
أولا: تصورت فى فترة سابقة أن من الأمانة أن تكون الكلمة تعبيرا حقيقيا، ومعادلا موضوعيا لصاحبها، فإن لم تكن كذلك، فهى خدعة، ونفاق وكذا وكيت.
ثانيا: راعتنى كلمات رائعة مضيئة هادية نبية فتخيلت أصحابها كذلك، أو رسم خيالى أنهم لا بد أن يكونوا كذلك، ولم أجد ذلك صحيحا عند التحقق، ذلك أنه تصادف أننى عرفت بعض هؤلاء شخصيا، فإذا بهم ليسوا كذلك (تماما، أو أصلا).
ثالثا: تصورت بعد ذلك أن المبدع، لا يمكن أن يكون هو ما أبدعه، بل إن الأكثر معقولية هو أن يكون ما لم يستطع أن يبدعه واقعا فخطه رمزا عوضا عما عجز عنه، وذلك باعتبار أن الأدب، والفن هما بديلان عن الحياة، فهما من ناحية إكمال لنقص فيها، ومن ناحية أخرى رسما لصورة لـها لم يمكن تحقيقها حالا، ومن ناحية ثالثة فإن ما يبدعه المبدع هو أبقى للناس من شخصه.
رابعا: تراجعت عن كل ذلك، ووصلت إلى أن سيرة المبدع الذاتية تسير على عدة محاور “معا” على الوجه التالى:
الأول: مايظهر فى ظاهر سلوكه اليومى العادى
والثانى: ما يعرفه هو، ويتذكره عن نفسه
والثالث: ما يظهر فى بعض إبداعه قصدا غير مباشر
والرابع: مايظهر فى بعض إبداعه بالرغم منه
والخامس: ما يظهر فى إبداعه عكس ما هو (تعويضا أو تعبيرا عن نقيضه الذى هو هو، أو هو ما يكمله)
والسادس: ما يظهر فى إبداعه باعتباره صورة ذاته، وليست هو (صورة الذات غير الذات).
ولنا أن نتسائل بعد كل ذلك:
أولا: أين تقع أحاديث رجاء النقاش (التى اعتبرت سيرة ذاتية، وأثارت ما أثارت) من كل هذا؟
ثانيا: وأين يقع “نص” أصداء السيرة الذاتية من كل هذا ؟
ثالثا: أين تقع القراءة التشريحية (الفصول الأربع السابقة) ثم الجامعة “لأصداء السيرة” من كل هذا؟
قبل أن أجيب، لا بد أن أنبه إلى أن أى محور من هذه المحاور ليس جامعا مانعا لما هو دونه، وأن أى تداخل أو تعدد أو تراوح بين واحد وآخر هو وارد حسب وجهة نظر قارئ السيرة، وعمق رؤيته، وموضوعية تحيزه!!! (المشروعة)
أحاول الإجابة عن هذه التساؤلات الثلاث كما يلى:
(1) قد يقع عمل النقاش على المحورين الأول والثانى -مايظهر من ظاهر السلوك، وما يعرفه ويتذكره المبدع عن نفسه، (هذا إذا تجاوزنا عن التقريب والتعميم والتشويه، بدون قصد، بل وبحسن نيه غالبا!!)
(2) فى حين يقع “نص” أصداء السيرة الذاتية متداخلا مكثفا ليشمل بعض المحور الثانى (ما يعرفه محفوظ وما يتذكره عن نفسه)، وكثير من المحور الثالث (ما يظهر فى إبداعه قصدا غير مباشر)، وقليل من المحور الرابع (ما يظهر بالرغم منه)، وأيضا قدرا من المحورين الخامس والسادس (عكس “ماهو”، ثم “صورة ذاته”، وليس ذاته.
(3) وأخيرا: أين تقع قراءتى للأصداء هذه، وخاصة ما أقدمه فى هذا الفصل، من كل هذا؟
قبل أن أصل إلى هذا التنظير، كنت قد وجدت نفسى فى حرج شديد وأنا أواصل هذه القراءة النقدية، وخاصة حين وصلت إلى ما أسميته” القراءة الجامعة” والتى أحاول من خلالها أن أتعرف على الجانب الأعمق من وجود هذا المبدع كما ظهر فى إبداعه هذا.
وقد بلغنى من خلال المعاشرة الشخصية المباشرة والحميمة ما كان جديرا أن يـعتـم رؤيتى وأنا أواصل قراءة هذا العمل ناقدا، وخاصة حين أتناوله باعتباره سيرة ذاتية، ناسيا أنه أصداؤها ليس إلا..، ذلك أنه قد بدا لى أن حضور الكاتب قريبا منى لحما حيا متحركا يملأ وعيى كثيرا، ويبهرنى أحيانا غير قليلة، ويدهشنى أقل، وأرفضه أحيانا، كل ذلك، إنما يبعدنى قليلا أو كثيرا عن النص الذى بين يدى، إذ يحل محله صاحبه دون إذن منى.
فإذا أضفنا إلى ذلك ما لاح لى من ضرورة ربط هذه القراءة، إن عاجلا أو آجلا، بأعماله الأخرى تبين حجم المعاناة، ومقدار التحدى.
وبعـد
عن الدراسة الشاملة:
حين أنهيت الفصل الرابع من القراءة التشريحية لفقرات السيرة الذاتية لنجيب محفوظ، تصورت أنه لم يبق عندى إلا فصل واحد، أحاول فيه أن أجمع بعض ما لاح لى أثنآء تلك القراءة (الفصول السابقة)، ثم تركت العمل برمته ما يقرب من عام كامل، وحين طلب منى بعض الأصدقاء/القراء أن أكمل الدراسة الجامعة، تبينت أن كل عنوان خطر لى عن فصول هذه الدراسة يحتاج إلى جمع واستدلال واستشهاد وتأويل وقراءة متأنية مما نبهنى إلى أن أترك العمل يحدد حجمه وشكله مع اضطراد المحاولة ونموها حتى لا أضطر إلى أن أحشر ما خطر لى حشرا فى بضعة فصول، وقد يكون مناسبا التماسا للسماح بالتأجيل أن أعدد بعض العناوين التى يمكن تناولها ربما كل فى فصل مستقل، لست متأكدا:
(1) الطفولة نبض دائم (وهو الفصل الذى أنهيته وظهر فى الطبعة الأولى ثم قررت تأجيل نشره فى هذه الطبعة).
(2) الجنس، والجسد، والحس، واللذة
(3) الحب والصداقة والعلاقة بالموضوع
(4) الصمت، والنداء (النداهة) والخلاء، والكهف
(5) الغيب، والامتداد، والكون، والمجهول
(6) السعى، والحركة
(7) الذاكرة، واستحضار الوعى
(8) الله والوجود (الدين، والإيمان)
(9) العمر والشيخوخة والموت والخلود
(10) التناهى، واللحظة، والنبضة، والهمسة
(11) البعث، والولادة.
ثم قفزت إلى هوامش خطرت تستحق فضولا مستقلة غير السابقة مثل:
(أ) التركيب النفسى، والطبيعة البشرية
(ب) الدروشة والدراويش
(جـ) التصوف (الخاص منه والشعبى)
(هـ) الحزن والدموع
(و) العقل والجنون.
ألا يستحق ذلك أن أؤجل الدراسة الجامعة حتى يأذن الله لى بالوقت الذى أتمها فيه؟
[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية 2018 – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net