نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 14-7-2018
السنة الحادية عشرة
العدد: 3969
جذور إرهاصات الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (من الإبداع الخاص)
مقدمة
نواصل اليوم نشر فصول رواية “مدرسة العراة”(1) تباعا فى هذه الأيام الثلاث (السبت/الأحد/الأثنين من كل أسبوع) وهى الجزء الثانى: من ثلاثية “المشى على الصراط”.
وهذا هو الفصل العاشر
عبد السلام المشد
-1-
أول ما فعلته فى المستشفى بعد أن انتشلونى من النيل أنى بدأت – بمحض إرادتى هذه المرة – أتعرف على الأشياء من جديد، كنت فى لحظة يأس قد قررت أن أنهى كل شئ، لكن يبدو أنه على أن أتحسس طريقى من جديد.
هذه يدى وتلك هى ملاءة السرير بين يدى أتعرف على نسيجها الدقيق، للنسيج خطوط متداخلة فى رقة وعناد، هذا لون أبيض، واللون الأبيض غير اللون الأخضر، الأول لون الملاءة والثانى لون البطانية، والفرق أساسى إن أردت أن أعيش، ترى كيف عشت طوال هذه السنوات أنام على ملاءة وأتغطى ببطانية دون أن أعرف لونهما أو نسيجهما أو حتى وجودهما أصلا، فضلا عن الفرق بينهما، هذه الرؤية الجديدة تذكرنى باليوم الأول للأزمة حين فوجئت بضرورة التعرف على اسمى من جديد، مازلت أذكر كيف بدأت أميز درجات اللون الأخضر واختلافها، خضار لون الحشيش غير لون إشارة المرور غير لون أرقام عربات الدبلوماسيين، ثمَّ فرق جوهرى بين تلك التجربة وبين ما أنا فيه اليوم رغم اتفاق الظاهر، كانت التجربة فى أول الأمر مفاجأة مرعبة، الآن، أنا أتحسس طريقى بوعى كامل وإصرار على أن أعيش، فى أول مرة كان الوجود يصفعنى بلا هوادة ولا استئذان، الآن: أنا الذى أقتحمه بلا خوف أو تردد، كنت أفاجأ بالأشياء غريبة على، وكأن المفروض ألا أراها، الآن: أحس أن ما أفعله هو أبسط وألزم قواعد الحياة، كيف يمكن أن يعيش إنسان بأى درجة يستحق معها أن يسمى حيا وهو غير دار بالأشياء مـن حوله، ما كنت أعتبره غريبا شاذا حتى أسميته مرضا أعيشه اليوم وكأنه الحقيقة الوحيدة الممكنة.
دقت الساعة فى ردهة المستشفى فأخذت أستمع لدقاتها كأروع نغم موسيقى سمعته فى حياتى، بـعـد جديد دخل فى حياتى شىء اسمه: الزمن، أدركت لتوى أن بين كل دقة ودقة شئ اسمه الوقت، وأنه أثناء هذا الوقت تدخل أنفاسى وتخرج وتنبض عروقى وتتتابع أفكارى فتتغير الأشياء من حولى، إذا صح أن أى واحد يمكن أن يعيش دون أن يتعرف عل الأشياء من حوله فكيف يفعل ذلك بلا وقت يمضى، حين تتوقف حركة الوقت تتوقف حركة الحياة مهما أصدرنا من أصوات وأفرغنا من قاذورات، أريد أن أعمق الفرق بين ما أنا فيه الآن من مشاعر وبين ما كنت فيه أول الأزمة، أفكر الآن بثقة وإصرار فيما سبق أن مر على خاطرى وأنا فى عز الدوامة، ترى ما هو الفرق؟ التجربة الأولى كانت مفاجأة مرعبة حاولت أن أهرب منها إلى كل مكان، أما الآن فهى إرادة واعية يبدو أنى لا أستطيع أن أعيش إلا بها، هل ينبغى أن يموت الإنسان فعلا حتى يبعث من جديد؟ هل حصلت على سر الحياة من ماء النيل العظيم؟ هل قابلت عروسه فى أعماقه فأفشت لى السر الذى كانوا يتخلصون منه معها كل عام حتى لا تفشيه؟ هل تخرج الحياة من الموت بهذه البساطة؟
الذى تأكدت منه هو أن إرادة الحياة قد استيقظت فىّ ولا سبيل إلى إخمادها ثانية أبدا، وجوه الممرضات لها معالم ثابتة وواضحة وسمحة وطيبة، حتى صراخهم الحاد وغضبهم وسبابهم يؤكد وجودهم، أخلق معالمهم من جديد وأتذكر صرافة البنك قبيل انفجار الأزمة حين كانت بلا معالم أصلا ولا لون ولا طعم ولا رائحة، حين احترت أن أميز بين وجهها وقفاها، تصورت أنى لو ذهبت اليوم إليها ووجدتها هى هى فسوف أرى ملامحها خلية خلية تنبض من جديد، سوف أتعبد فى تقاطيع وجهها وأعيد تنظيمها رائعة متحدية، سوف أتصنت على أنفاسها وأسمع فى كل نفس صرخة انتصار على الموت، أعاهد نفسى أن أزورها فور خروجى من المستشفى.
أحاول أن أتعرف على نفسى كما حاولت أن أتعرف على ما ومَنْ حولى…. أنا عبد السلام المشد، لم أمت، ولكنى لم أحىَ بعد، استحالة أن ترجع الحياة كما كانت، فلا أنا أستطيع، ولا هو ممكن، والأَمَام مجهول تماما، أراه أحيانا صفحة بيضاء ساكنة سكون الموت الجديد، وأراه أحيانا دنيا صاخبة تضرب تقلب بلا أول ولا آخر.
منذ وقعت الواقعة وأنا فى دوامة لم ينشلنى منها إلا اكتشافى أنى لابد وأن أمشى على الصراط بعد أن غلبنى الدوران حول نفسى، لم أعد أطيق لفة واحدة زيادة، ليكن الصراط شعرة أو علاجا أو صحراء بلا ماء ولا خضرة ولكنه أفضل من الدوران حول نفسى إلى ما لا نهاية وأنا أنسحب إلى قاع بلا قرار، لم أعد أستطيع أن أنسى الرؤية التى رأيتها فى تلك الأيام، كانت حادة وبسيطة، هى لا تنسى، أفكر فى غريب كثيرا وأتساءل كيف نجح أن ينسحب، أفكر أحيانا فى زيارته لأعرفه من جديدا ولأعلم كيف أغمض عينيه بعد ما رأى وكيف نسى، الأمر الذى يريحنى من هذا التساؤل هو أن أرجح أنه لم ير أصلا، عجزت عن إعلان فشلى حتى بالموت، اخترته فى يوم بائس وأنا أتصور المؤامرة وهى تحاك بالبلد كلها بل بى شخصيا، لم أنتظر، لم أستطع أن أنتظر عارا آخر وكذبا آخر، تعجلت وفعلتها لكن الحياة انتشلتنى على الشاطئ الآخر.
شاطئ مجهول، كل ما أعلم عنه هو أنه شاطئ “آخر”، انتشلونى من جوف النيل العظيم لأواجه حقيقة جبنى وهربى ولأجد العالم فى حالة فض اشتباك، لا سبيل أمامى إلا المشى على شعرة، إما أن أصل إلى النور المجهول أو يأذن فى أمرى أحد سواى، لا الدوامة أحتمل لفها ولا ثانية أخرى، ولا الفشل أستطيع إعلانه أو ادعاءه، ولا العمى سوف ينسينى الرؤية.إما حياة على أرض هذا الواقع الملئ بالعرق والدم والتراب والغباء والمحاولات من كل جانب وكل أحد، وإما عذاب المشى على الشعرة إلى المجهول، لست أملك بعد النفخ فى الصور إلا مواجهة مصيرى، لا أمل فى رجعة، ولا احتمال لوقفه، ولا إمكان حتى لسخرية تخفف من بشاعة الرؤية.
يداعبنى أمل من بعيد: أن الإنسان إنما خلق ليعيش.
****
- سمحوا لك بالزيارة اليوم يا أستاذ عبد السلام.
= شكرا، وإن كان لا ينقصنى شئ البتة، أنا أشعر أنى بين أهلى تماما.
- زوجتك سيدة طيبة، تنتظر هذه اللحظة منذ الحادثة، الحمد لله على سلامتك.
= شكرا.
زوجتى؟ لابد أن أعيد التعرف على نسيج هذه الكلمة مثلما أعدت التعرف على نسيج ملاءة السرير ولون البطانية ونفسى، أعيد التعرف عليها بنفس الهدوء وبكامل اختيارى ووعيى، ز، و، ج، ت، ى… يبدو أن هذه الكلمة تعنى أمورا كثيرة معا، أمورا معقدة وربما متناقضة، يبدو أن من أوجب مهامى وأصعبها هو أن أحل رموزها بإصرار مثابر.
أذكر بوضوح أن لى زوجة اسمها فردوس الطبلاوى، من أنت يا فردوس وكيف اكتسبت هذه الصفة؟ ما معنى هذه الصفة، لابد أننى اكتسبتُ أنا بدورى صفة زوجك، طوال الأزمة وأنا أخشى الاقتراب منك حتى عجزت تماما بعد موت أمى وكان ما كان، الآن، أنا لا أستطيع الابتعاد عنك ما دمت أقترب من كل شئ، بلا استثناء، كـتـب الموت علىّ أن أحيا، هأنذا أحاول التعرف من جديد على كل الأشياء، وكل الناس، وعلى الزمن، وعلى نفسى، على كل أطراف معادلة الحياة البسيطة، ولكنى أجدك أصعب هذه الأمور جميعا، من أنت يا فردوس؟ كم أنت؟ هل أنت أمل الخطوبة؟ أو سيدة التسليم المطبخى؟ أو علاقة يأس المستقبل؟ من أنت يا فردوس؟ حلمت فى نوبة فرحتى بالجديد أن أبدأ مع واحدة أخرى، ولكنى تيقنت أنى سأمر معها بنفس أطوار الخداع، وأن واقعى هو إلهى وهو مصيرى وهو التحدى الحقيقى وهو اختيارى الأصعب، ترى هل أستطيع؟ وحتى إذا لم أستطع فليس أمامى إلا أن أستطيع.
- حمدا لله على السلامة يا عبد السلام.
= الله يسلمك يا فردوس كيف حال الأولاد.
- بخير ويسألون عنك.
= …..
- …..
= لماذا فعلت ذلك بنفسك يا عبد السلام.
(كل الحسابات تتداخل حتى تكاد تختفى تماما).
- قـَدّر ولـَطـَف يا فردوس..
= ..
- ..
فى لحظة تسطع الشمس فتضئ الكون جميعه حتى أحسب أنه لا ظلام، ثم تأتى سحابة قاتمة تافهة فتخفى ضياءها بلا استئذان، كيف تستطيع مجموعة قطرات الماء المحملة ببقايا التراب أن تقف أمام شمس جبارة تغمر العالم بالدفء والضياء؟ هذه هى الحقيقة التى كنت قد بدأت فى التعرف عليها كالشمس المضيئة، ثم ها هى ذى كل حساباتى تذهب هباء بحضورك يا فردوس، يبدو أنه أسهل على أن أتعرف على نسيج الملاءة ولون البطانية وحتى طبيعة خشب القبقاب من أن أتعرف عليك يا فردوس، تاريخنا قديم وطبقات الجرانيت والصلب والفحم والنفط والكذب والنفاق والجنس والمجاملات تحول بينى وبينك، كنت أحسب أنى تخلصت نهائيا من هذه المشاعر التى تجعل الخيط يفلت منى قبل أن أهم بالإمساك به، لماذا هذا معك أنت بالذات؟ مم يتكون نسيجك؟ هل لك نسيج أصلا أو لون أو تمييز؟ منذ لحظات كنت أزهو بقدراتى عـلـى إعادة خلق الملامح من جديد فلماذا فشلت معك؟ أنا أواجهك كواقعى الأول حيث لا مجال لمحاولة الهرب، ماذا تصنعين؟ مم تتكونين؟ فيم تفكرين؟ من أنا بالنسبة لك؟ كيف نواصل حوارا ما؟ أى حوار؟ ونحن لم نتعرف على بعضنا البعض أصلا.
- مازلت تسرح بعيدا حتى بعد أن حدث الذى حدث؟ ألم تشبع سرحانا ياعبد السلام حتى تفيق وتعود إلى أولادنا وبيتنا كما كنا.
= كنا؟ نحن لم “نكن” يا فردوس.
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، تعود تتكلم مثل زمان وكأن الذى حدث لم يحدث، هذا الكلام الفارغ هو أصل المصيبة كلها، أما كفاك ما كان؟ قلبى يحدثنى أنه لو استمر الحال على هذا المنوال فإن مصيبة أكبر تنتظرنا.
انفتح البركان وأخذ يقذف بالحمم دون حساب حتى اختفى كل شئ وراء أفق مجهول، الانسحاب مثل التقدم، لا فائدة على المدى القريب، فلنوقف إطلاق النار، اعتداء من جانب واحد وأنا أعزل.
= لا تنسى يا فردوس أنى أسترد وعيى بالتدريج فلا تتعجلى الأمور.
- قلبى عليك، وعلى مستقبل الأولاد.
= أعدك أنى سأحاول.
ماذا سأحاول بالضبط وكيف؟ قضيت يومين وأنا أحاول حتى خيل إلى أن الطريق ممهد، وأن الرؤية واضحة وأن العالم موجود من حولى لأنى موجود بداخله، حتى واجهت امتحان القبول فى حضانة مدرسة الواقع الحقيقى، فإذا بى في” وهم على وهم”.
- ماذا ستحاول ثانية يا عبد السلام، كفى محاولات، لماذا لا تعيش مثلنا، يا أخى؟ كن مثل الناس، ألم تشبع؟
= ياليت يا فردوس، يا ليت.
- ومذا يمنع يا عبد السلام؟
= يمنعنى الشديد القوى.
- نفعل أى شئ حتى تعيش مثلما يعيش الناس.
(وهل هم يعيشون يا فردوس، يا ليت يا فردوس يا ليت، ماذا أقول لك الآن وكيف أنهى هذا النقاش؟) كل ما فتح الله به على أنى قلت:
- وهو كذلك.
= نذهب لمن يعرفون، نغير العتب، نفك العمل، أى شئ إلا أن يستمر الحال هكذا بعد ما حدث الذى حدث.
- ألم تتعلمى من حكاية فشلنا مع المرأة السودانية بأن هذا الطريق لا جدوى منه.
= هناك من هو خير منها، من يعرف أكثر منها.
وثقافتك، وليسانسك، ودراستك للتاريخ حتى أحببته، وآمال الخطبة، وتحدى النسيان، والسرقة، والتسليم، مازلت يا فردوس، كما أنت، كنت أحسب أنك تغيرت وعرفت سر الحياة مثلما تصورت أنى عرفته، كنت أحسب أن تجربة الموت سوف تبلغك نفس الرسالة التى بلغتنى، يبدو أنك قد توقفت منذ زمن بعيد، بعيد جدا، لن أقدر عليك وحدى يا فردوس ولو أوتيت سحر هارون وقوة هرقل وحكمة سليمان، كل حل بعيد عنك متجاهل لوجودك هو حل زائف منذ البداية، إما الواقع كله، وأنت ”سُرَّة” الواقع، وإما إعلان الكذب والبحث عن المسكنات أينما كانت وياليتها تفيد، يخطر على بالى أنى إنما أحاول المستحيل حين أصر على أن تكون زوجتى هى هى خطيبتى، لم يعد يملأنى اليقين أنها ستفشل أو أنى سأفشل معها، الحفاظ على أمل غبى هو أروع الألم، لا أستطيع أن أبرر توقفى عن المحاولة، سوف أخوض الدنيا بالعرض، ليكن ما يكون وأكثر، كل ما أستطيعه الآن هو أن أبحث عن معين.
أين أنت يا إبراهيم يا طيب، لو أنى أعرف عنوانك لذهبت إليك أسألك النصيحة والعون، مازلت أذكر كلماتك الواعدة أكثر من أى كلمات أخرى، قابلتك فى عيادة طبيب فهل لا بد أن ألقاك هناك دائما، لماذا يحتاج لقاء اثنين إلى ثالث؟ ما الذى يحدث عندما ينفرد اثنان ببعضهما البعض؟ كيف يسيل لعاب كل منهما لالتهام الآخر فى غفلة من الناس؟ كيف أوثق علاقتى بزوجتى دونك يا إبراهيم، وكيف أوثق علاقتى بك دون طبيب؟ لابد أن فى العلاقات الثنائية سرا معطلا لا أفهمه.
= ليس أمامى يا فردوس إلا استكمال العلاج
-…. أى شئ…. أى شئ…. أوافق على أى شئ يساعد فى أن ينتهى السرحان، وأن تتوقف عن كلامك الغامض الذى لا يفهمه أحد.
= ومن أدراك، لعلك تضطرين إلى فهمه يوما.
- أنا أفهمها وهى طائرة، أنت الذى تعقد الأمور.
= ليكن.
- ربنا أرجعك لى ولأولادك بالسلامة.
= لا توجد إصابات ويبدو أنى سأخرج فى خلال يوم أو اثنين.
- ربنا يجعلها بداية خير.
= كريم..
-2-
الظاهر أنه لابد من المواجهة الشاملة، لا مفر من المحاولة حتى النهاية، ذهبت إليه وعندى أمل غامض أن ألقى ابراهيم عنده أكثر من حرصى على لقائه.
طلب منى الطبيب أن أحدد موقفى من زوجتى أولا، كان خبيثا وهو يتظاهر بإعطائى حق الإختيار فقد أفهمنى أن أى تقدم لا يمكن أن يتم على حساب “آخر” مجهول له، وعلى زوجتى بدورها أن تـَرى ثم تختار، خاصة – على حد قوله – وأن الأعراض شملت علاقتنا من كل جانب، جزعتُ من احتمال حضورها ولكن أملا استيقظ فىّ داخلى يلوح باحتمال أن أعيد التعرف عليها من خلاله ما دمنا قد عجزنا عن ذلك وحدنا، جزعى أكبر من أملى، هو خوفى القديم خوفى منها على وجه التحديد، سوف أعرض عليها الحضور ويا ويحى لو رفضتْ، ويا ويحى لو قبلتْ، لا أنسى أنى أنا الذى أغريتها بالبقاء فى البيت دون عمل بعد أن حصلت على الليسانس، كنت أخشى أن تتغير من خلال عملها بعيدا عن حساباتى وهأنذا أدعوها بنفسى لأكبر مخاطرة للتغير.
لم يعد أمامى اختيار، أقولها للمرة المائة، واللعبة تستدرجنى خطوة خطوة…. متطلبات “الحياة” تزداد تعقيدا وصعوبة، واحتمال الموت اختيارا يختفى تماما.
- مالى أنا بكل هذا يا عبد السلام؟ الله يهديك.
= هذا هو رأيه، وهذه هى مهنته، هو يعرف الصالح أكثر منى ومنك.
- نحن بخير يا عبد السلام وكفى جريا وراء الأوهام.
= لست بخير يا فردوس.
- وما الذى يمنعك أن تكون بخير؟
= أنتِ
- أنا؟
= لا أقصد أنتِ أنتِ؟ ولكن أى “أنتِ”؟
- الله!… الله!! رجعنا للخلط من جديد؟
= آسف…. ولكن….. آسف.
نعم أى أنت، فإذا كان لى أن أعيش فعلا فلا يمكن أن ينغلق العالم وراء حدودى أنا، لابد من “أنت”، هذه هى المغامرة الكبرى، حين تزوجتك يا فردوس كان عندى أمل فى أن تكون حياتنا هى هذه المغامرة، وأن ننجح فى تنفيذها، ها نحن نواجهها بعد أن حسبناها دُفـِنـَتْ فى أعماق الخوف والغباء، نحن نعود إلى نفس المغامرة ربما بأمل أوضح، ربما فى يأسٍ أمـَرّ، هل ضاعت هذه السنوات هباء؟ أو أنها كانت استعدادا للممكن “بالرغم منا”؟ دعينا نبدأ ثانيا يا فردوس لنرى ماذا هناك، إصرارك على المقاومة ييئس الأنبياء ويحيى فى مشاعر خبيثة تعفينى من بذل الجهد باعتبار أنك لن تتغيرى فأستسلم اطمئنانا، هل أستطيع أن أقترب منك وقد سبق أن أعلنت أعضائى العصيان لأى أوامر كاذبة مسكنة، هل أطلقك وأبدأ من جديد مع أمل جديد؟ ماذا لو اكتشفت خيبة أملى فى الجديد بعد عشر سنوات أخرى؟ أكون ساعتها قد فقدت كل مقومات صراعى، هل أستسلم حينذاك انتظر صدقات العطف والتمريض؟
حين أفقت من غيبوبة الغرق وبدأت أتعرف على الأشياء والناس من أول لون ملاءة السرير حتى الشغالة تنظف الأرضية، خيل إلى فجأة أنى إنسان آخر، ربما تصلح له كلمة لها رنين خاص، إنسان “حضاري” مثلا، نعم هذه هى الكلمة، لست أفهم معناها تماما بقدر ما أشعر بها، لم أعد أنا عبد السلام المختبئ فى حضن عماه المستسلم لمصيره، انتهى كل ماض لى بلا إستئذان، سوف أعمل شيئا باقيا قبل أن أموت وليكن هذا الشئ هو “الحضارة” ذاتها حتى لو لم يكن كذلك، سوف أعتبر أن الحضارة هى أن أمضى أربعا وعشرين ساعة واعيا عاملا متفاعلا، أنا “الحضارة”….!! يا حلاوة لابد أن أسجل نفسى بهذه الصفة الجديدة، هذه فائدة الكتابة، سيأتى أحدهم بعد سنة أو مائة ليقول أن شخصا كان اسمه عبد السلام المشد كان إنسانا حضاريا، هل قبضت أثناء تجربة الموت قبضة من قاع النيل أصل الحضارة؟ لعلى بلعت بعض الطمى المشع بالحضارة فلبسنى هذا الوصف الجديد، خيل إلى أن مجرد بقائى على هذه الأرض بهذا الشكل الجديد خليق بأن يغير السياسة، ويعدل الاقتصاد، ويحدد مسار التاريخ، إذا كان ذلك كذلك فأنا مساهم لا محالة فى صنع نفسى، يعنى بلدى، يعنى الإنسان فى أى مكان فى الأرض، أنا لا أحلم ولا أتمنى، بدت الأمور بسيطة فى شكلها وتتابعها وكأنها نسيج متماسك مثل نسيج تلك الملاءة البيضاء، حين هممت أن أقوم من السرير لأول مرة ذاهبا لقضاء الحاجة وسألتنى الممرضة إلى أين أنت ذاهب ابتسمت، لم تدرك الممرضة أنى ساعتها كنت أهم بالقول “إن هذا أيضا فعل حضاري”، وكأن أى عمل أقوم به بهذا الوعى الحاد كان من ضمن رحلتى الجديدة مع الناس والأشياء، هأنذا – أنا، شخصيا- أصنع التاريخ!!! لو ناقشنى مائة متبحر فى سخف يقينى هذا، لأقنعتهم، كنت مستوعبا تماما أن الحضارة ليست نتاج الرفاهية ووفرة الوقت، ولا هى عناد فنان أو تقشف فيلسوف، إنها أنا الذى هو كل هذا معا، الفنان أو الفيلسوف أو العالم إنما يسجلانى “أنا” لمن لا يستطيع أن يكون أنا، الله أكبر!! يا حلاوة…. أنا عبد السلام الحضاري!!!! جنون جديد؟ أبدا، هذا عكس الجنون تماما.
كيف انتهى هذا اليقين العام الممتد إلى مشكلة فرعية تشغلنى ليل نهار: كيف أعيش مع زوجتى، وكيف تتغير أو أتغير، حتى نتفاهم ونتواصل؟ هذا هو مربط الفرس وحتى ولو كان الاسم هو”الحضارة العلاجية الطبية الزوجية الحديثة”.
ما هذا؟ هل أنا صادق فى المحاولة؟
لست واثقا.
****
بعد ضغط وإصرار ابتدأت فردوس تألف المكان والأشخاص، نظراتها إلى بسمة تعيد إلىّ صورتها الوديعة المحببة أيام الخطبة، تحاول أن تتبادل الحديث مع كل من بالمجموعة حتى خيل إلى أنها تستكشف الطريق أولا، ثم سرعان ما ألفته وأصبحت تنطلق دون تردد أو استئذان، سمعتها تبادل ملكة مناع الحديث – ربما بصفة أنها الوحيدة التى تحضر مع زوجها مثلها، كانت تحاول أن تثنيها عن الحضور دون جدوى وملكة تبادلها الخوف والاحتقار لما يجرى سرا وعلانية، ألاحظ محاولتها وتغيرها دون تدخل، ولكنى أشعر أكثر فأكثر بالخوف والأمل معا، أشياء كثيرة تستيقظ فيها تلوح لى بإمكان الحياة معها كما تصورت يوما ولكنى أحس بالتهديد حين توجه الهبات الجديدة إلى غيرى، سوف أواصل المحاولة ولو كانت هى الدمار ذاته، لابد لمن هو “أنا” مـِنْ “أنت”، إفهمينى يا فردوس لأنك أقرب “أنـْتّ” إلىّ، لا يخفى عنك اهتزازى إزاء نشاطك الجديد، وأنت تريدين استغلال هذا الاهتزاز للنهاية، ربما يضطرنى خوفى إلى الرضوخ والتوقف.
- …
= أنا فى إنتظارك يا فردوس من زمن بعيد.
- لا أظن يا عبد السلام، أنا انتظرت طويلا، وأخشى عليك من انطلاقى.
=… بماذا تهددينى يا فردوس؟
- لن تحتمل لو تخطيت حدودك، أو الحدود التى رسمتها لى.
= يجوز.
- شئ يتحرك فىّ يا عبد السلام، فهل أستمر؟ وهل تتحمل نتائجه؟
= كل واحد مسئول عما يفعله.
هل أنا صادق فيما أقول؟ أراها تسرع الخطى لا أدرى إلى أين على وجه التحديد، مسئول؟ ما معنى مسئول؟ أعود أواصل بحثى لمعرفة معنى كل شئ من جديد، وجودها بين المجموعة ومفاجآتها تربك خططى، هى إما مهاجمة لى تهددنى فتنصحنى بالتراجع، وإما منطلقة ألهث وراءها لأعرف إلى أين تذهب فى عدوها الفجائى وسطنا إلينا، كثيرا ما لا أستطيع تحديد وجهتها أو اللحاق بها، يملكنى الرعب، نظراتها إلى إبراهيم تحمل الكثير، ولكنى أثق فى إبراهيم.
= ليكن ما يكون…. ماذا أصنع؟
- هب أنى اكتشفت من خلال كل هذا أنى لا أحبك يا عبد السلام؟
=…. قسمتى.
- استسلام مائع.
- يملأنى كلامك جزعا يا فردوس، وليس أمامى بديل.
أبحث فى الخفاء عن طريق سرى للتراجع فلا أجد على مدى بصرى حتى السراب، نار الضياع وسرعة الدوامة ينتظرانى حيثما التفت بعيدا عن هذا الذى يجرى، وحين أفترض أن الطريق الوحيد الباقى لى قد ينتهى إلى لا شئ، أو حتى إلى خدعة أنا مساهم فى صنعها، يظهر لى شبح الموت من جديد، أبعده بعنف وأجدنى مندفعا إلى الحياة…. سوف أفعلها حتى ولو لم يبق سواى، أنا أحترم هذا الطيب، إبراهيم الطيب، وأحبه.
= الألفاظ لا تسعفنى يا إبراهيم فهل تعرف ما بى؟
- أعتقد أنى أحاول أن أعرف ما بى، وأظن أن هذا يجعلنى أتعرف على ما تريد.
= لسنا متشابهين.
- أليست هى فى النهاية قضية واحدة؟
= فردوس هى المشكلة، وعلاقتى بها امتحان يومى عسير، أحيانا أقول لنفسى إنى لو كنت خاليا مثلك لهان الأمر.
- ومن قال لك إنى خال.
= خيل إلى ذلك.
- خدعة الوحدة توحى بالاتزان الظاهرى، أنا مصر على كسرها رغم فشلى المتكرر.
= حتى الفشل أفضل مما أنا فيه، صعوبتى معها متناهية، كل يوم هى فى شأن.
- الصعوبة موجودة مع أى آخر، لو صدقت فى محاولة الاقتراب لوجدتها هى صعوبة أى واحد مع أى واحد.
= أنت أذكى يا إبراهيم من أن تختزلنى هكذا إلى “أى واحد”، كثيرا ما يرعبنى تبسيطك الزائد للأمور.
- محاولة الاقتراب بجد هى مخاطرة حقيقية.
= لا سبيل غير ذلك وأنت خير من يعلم.
- أنت قصرت محاولتك عليها تماما.
= زوجتى…. وأم أولادى.
- لهذا كانت أصعب من كل آخر.
=أخشى أى ابتعاد مرحلى فيلتقطها جائع نذل.
- حدث؟
= ماذا حدث.
- دفعتها بنفسى إلى التمرغ فى الوحل.
= دفعت من؟ فردوس؟
- لا…. زوجتى….
= أنت متزوج إذن! وزوجتك؟ لماذا لا تحضر معنا؟ أين هى يا أبو خليل؟
- قلت لك فى الوحل.
= وحــل؟؟
- نعم…. وحل؟ هى فى حضن أدنأ الرجال بلا أى أمل فى أن ترى ما تفعل.
= وأنت..؟ وهى..؟ زوجتك؟ هل مازالت زوجتك؟
- … أنا مسئول أيضا، وربما قبلا، عن أى خطأ.
= أى خطأ.
- ماذا جرى لك يا عبد السلام؟ ألم تقل لتوك أنك تخشى الابتعاد عن فردوس فيلتقطها أى جائع نذل.
= وهل حدث لك ذلك؟
- بالضبط، لم نحتمل الانتظار، ولم أنتبه لضرورة المحاولة، فذهبت تبحث عـمن “يفهمها”، ومازالت فى بحث متصل.
= وأنت…. تفهم الجميع هنا، ولا تفهمها.
- هى تريدنى أن أفهمها كما تريد هى.
= ألا يوجد سبيل لأن تأتى بها هنا.
- لا سبيل إلا إذا جئت بعشاقها معها.
إبراهيم يا طيب، إذن هذا هو ما وراءك أيها الإنسان المتزن الهادئ، هذا هو سر حكمتك يا إبراهيم، ماذا سوف تفعل إذن يا أخى ورفيق رعبى؟ هل كتب علينا أن نكذب عليهن حتى يرضين؟ أو أن نصبح قوادين سرا أو علانية؟ لا تكاد تفتح أحداهن عينيها حتى تبحث عن طريقة خاصة تبرر بها اعتمادها الجديد، وتعلن أنها إنما تبحث عن لغة للتفاهم، والاستماع لمن يقدر مواهبها الغائبة عن فراش زوجها الغبى، كيف تحتمل هذا الجرح المتقيح يا أبو خليل.
= لماذا لم تطلقها حتى الآن يا إبراهيم يا أخى؟
- أدفع الثمن وأنتظر معجزة.
= أية معجزة؟
- أن أفعلها دون حقد أو اصطناع بطولة، أو..أو لعلها تعود ونحاول من جديد.
مصيبة سوداء هذا الذى يجرى، كيف يمكن أن نبتعد دون خيانة؟ كيف يتحمل اثنان معا وعورة الطريق “معا”؟ كيف أبتعد عنها “لها”، واقترب منها “لنا”؟ ما الضمان وقد أرسلت مراسيلها إلى كل من يهمه الأمر؟ نظرات مختار لطفى لا تخفى على، ولولا أنها اختارت إبراهيم فى أول جولة لكان رعبى هو الجنون ذاته، هل أسبق فأطلقها حتى أرتاح وأدعها تختار؟ تختار من؟ وكيف؟ ولماذا؟ هل أستمر بقية حياتى أفكر فيها، وفى احتمال خيانتها، وكيفية تغيـّرها، والحرص فى البعد عنها، واليقظة فى الاقتراب منها؟ يا حلاوة!! “والحضارة” التى هى أنا، هل نؤجل قضيتها انتظارا لشفاء ست الحسن والجمال؟ ما هذه الكلمة الجديدة التى دخلت قاموسى اليومى: “الحضارة” هل هى مهرب أو مطلب؟ ماذا قلت لها يا إبرهيم وماذا قالت لك، هل أنت كما أعتقد؟ أم أن جرحك قد يبرر لك لعبة جانبية لا تعرف أبعادها؟
= الحمد لله أن فردوس طرقت بابك أولا يا ابراهيم، قبل، قبل مختار مثلا،
- ماذا تعنى؟
= أتقزز منه يا ابراهيم، لعابه يسيل على كل أنثى دون تمييز،
- حلمك يا أخى، مصيبته أكبر منى ومنك.
= وخطره أكبر كذلك،
-خطره أكبر على من يريد التعرض لخطره،
= الأطفال جوعى لقطرة عطف حتى ولو كانت مسمومة،
- الخوف والتبرير ليس لهما مكان.
=…. النساء لا يحتملن الحرية والانتظار.
- والرجال ألعن، وهم ليسوا أكثر صبرا أو حكمة.
= حكمتك ورؤيتك تذهلانى، أتعجب كيف انزلقت امرأتك وأنت بهذه الحكمة.
- تعلمت الحكمة منها…. من فشلى معها، ومن فساد الكلمات، إما أن تصبح الكلمة واقعا أو أن نكف عن ترديدها.
-3-
وبعد يا فردوس؟ إلى متى تتلكئين وتقاومين وأنا ألهث وراء تقلباتك وكل حياتى معطـلة إلا من حكايتك، أملى يتزايد وإصرارى يتحدى ولا سبيل إلا هذا السبيل مهما طالت مناوراتك، إعقلى يا فردوس ووفرى الوقت لنا، ألاحظ أنك بدأت فى إدراك أن فرصتك أكبر وأن أمانتى معك هى نوع من الارتباط أقوى من الكذب والنفاق والاستغلال.
= فلتكن أيامنا مليئة بالحياة، مازلت انتظرك يا فردوس.
كلام غير مفهوم كالعادة، لكن ثم اختلاف، أشعر وكأنه يطرحنى أرضا..
وقد كان.
كان فى تلك اليلة، طرحتْ مقاومتها أرضا، أشرقت شمسها حتى غمرنى دفؤها فسبحتُ فى ضيائها، تمنيت الموت خوفا من اللحظة التالية، المفاجأة أكبر من تصوراتى وحساباتى، لا يمكن أن يكذب الجسد يا فردوس، ها نحن نقترب، ليست خدعة من صنف جديد.أنا متأكد، ليس تماما، أريد أن يتوقف الزمن حتى لا أفاجأ بما بعد هذه اللحظة، يهددنى أى احتمال آخر.
أنظر إلى الباب وكأنه عالم غريب على، أخشى قدوم أى طارق يثبت لى أن هذا الذى حدث غير قابل للاستمرار.
****
تحققت مخاوفى تدريجيا، لا يمكن أن يكون هذا هو نهاية المطاف، لحظات اللقاء الغامر الرائع كلها صدق ومع ذلك فهناك نقص ما، نقص جسيم لا أدرك حقيقة أبعاده.
- أليس هذا هو نهاية المطاف يا عبد السلام؟
= بل ربما بدايته إن استطعنا.
- لست أفهم ما تعنى.
= قلبى غير مطمئن.
- إذهب أنت، وسأنتظرك لأجعل من بيتنا الجنة نفسها.
= فى هذه الجنة خطأ ما…. ولابد من الاستمرار
- ماذا تريد منى بعد ذلك، أو أكثر من ذلك؟
= أين أنتِ؟ أكاد لا أرك على بعضك، كأن داخلك الرائع قد انقلب إلى الخارج جميعه فلم يعد هناك داخل، ليس للإنسان كيان إلا بالحفاظ على أعماقه دون أن يعريها فجة.
****
تيقنت يوما بعد يوم أن هذه الإشراقة الحقيقية لم تكن إلا نتيجة مباشرة للتراجع والاستسلام، ألغت فردوس كل القيود فحدث هذا التوافق المفاجئ، تحاول أن ترشونى بكافة السبل وأستجيب لها فى كثير من الأحيان، انتصرت على عجزى نهائيا، أحيانا يراودنى خاطر خبيث أن أتناسى بقية القصة باعتبار أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان، نكف عن الذهاب ونحترم السن والإمكانيات والأيام والواقع، لا أكاد أستسلم لهذا الخاطر بضع ساعات حتى يثور على داخلى (عقل بالى!! والله زمان!)، فأحس بالخطر الداهم، عاودنى الحوار مع عقل بالى لكن دون شطح أو سخرية.
= لن تمر فترة حتى تنفرد بك لتلتهمك قربانا فى هذا المعبد الشبقى البهيج.
- يخيل إلى أننى أرفض الشئ ونقيضه؟ إلى متى؟
= إلى أن تقبل الشئ ونقيضه.
- أحسدها أحيانا وهى فى قمة نشوتها ناسية كل شئ، متناغمة مع الجزء الذى حدَّدَتـْه، وأنا مثل ذكر النحل، عاملا ثانويا يحقق تألقها الشبقى المقدس، يا ليتنى كنت هى.
= كاذب، لن تستطيع، ولا أنت تريد
- أستطيع لو أغلقت علىّ أبوابى ونسيت كل العالم وألغيت الوقت وعشت عمق اللحظة ونشوتها.
= …. جرِّب
- أفكر أن أترك نفسى معها إلى نهاية النعيم، ماذا فى ذلك؟ هل ستتهدم الدنيا فوق نافوخى؟ هل ستتوقف الأفلاك لو شاركتها خدعتها
= حاول، ثم قابلنى.
بالرغم من كلِّ ماحدث، فمازال عقل بالى أذكى وأصدق منى، ومن عقلى، المصيبة أننى لا أستطيع، وفى نفس الوقت لا أستطيع رفضها، لا أستطيع أن أرضـى بما وصلنا إليه، ولا أنا قادر على تخطيه، بعض أفراد المجموعة يكاد يكتشف سرى ويتهمنى بالتوقف والسرقة، أنا لم أتوقف عن المحاولة يا جماعة، ليس من حقكم أن تحكموا على هذا الحكم القاسى، كلكم تخليتم عن مسئولية مثل هذه العلاقة إما بالعزوف أو بالهرب أو بالفشل، حتى إبراهيم الطيب، جرحه مازال ينزف ولا ضمان لنجاحه فى الجولة القادمة، نجوى هربت وتركت ابنتها ولم تحقق شيئا، ترى هل تدركين ما بى يا نجوى، أنا أحس أنك تقدرين صعوبتى وإصرارى.
- أخشى أن تيأس منها يا عبد السلام فأحس أنا بالوحدة أكثر فأكثر، وبالفشل أقرب.
= لست هنا لأيأس يا نجوى.
- اليأس يتربص بنا عند كل منحنى، وعمركما يبرر أى توقف.
****
دخلنا العقد الخامس يا فردوس ومازلنا فى بداية البداية، أى بداية مهما تأخرت هى أفضل من حياة كاذبة حتى لو مضينا بقية عمرنا عند نفس نقطة البداية، الموت نفسه أصبح بعيد المنال، إن لم تكملى يا فردوس حتى تشعرى بالناس وبى دون أن ينقص هذا من وجودك وسعادتك فلن تنتهى إلا إلى الضياع من جديد، لن تنجحى فى خداعى مهما قدمت لى من أطباق شهية رغم ما تعلمين عن جوعي,…. أنا فى حاجة إلى نوع آخر من الصحبة، أنا فى انتظارك يا فردوس، يثيرك رفضى وتتساءلين عن أسباب وساوسى، أنا مصر على إكمال الطريق، أنا لم أنس أيام العمى ثم العاصفة وهزات البرق والرعد وجبال الظلمات، لم أنس عجزى، ولا “أماني”، ولا أمها الحاجـه، ولا آمال ولا المرأة السودانية، ولأنى لم أنس كل ذلك فلن أرض بالتوقف لأن نتيجته هى العودة إلى كل ذلك بعد أن أكون أكثر ضعفا وأشد إنهاكا، لا يا فردوس لست بديلا عن الناس، سماح جسدك لن يقنعنى بالتوقف، أحس أحيانا وأنا معك فى السرير أنى سمسمة جافة على سطح وعاء مملوء بالدهن المتكاثف، حين تنصهرين أحس بالبرد والتقلص، الناس والتاريخ ينتظروننا يا فردوس، أنا لا أصرح لك بموقفى الجديد، أشعر أننى ممتلئ بشئ رائع، لا أستطيع أن اسميه ربما اسمه “الحياة”، ماذا لو قلت لك أنك شخصيا أول خطوة “نحو انطلاقى إلى رحاب حياة كاملة فيها فائض الوقت للإسهام بما يبقى ويفيد الحضارة”؟ هل هذا كلام عاقل؟ أنا لا أقوله، لا لك، ولا لغيرك، لا تستهينى بتجربتنا على بساطتها، تبدو لى أحيانا أنها مجرد أزمة إعاقة فردية لا تعنى شيئآ، يقفز لى يقين مضاد يؤكد أنها تحد للفشل ذاته لإثبات أن الإنسان يمكنه أن “يعيش”، كلام فارغ، لذلك لا أعلنه، مع أنه كل حياتى،
أشاهدك أحيانا تنفضين التراب عن كتبك أيام الكلية وأحس بدبيب الأمل يتسرب إلى عقلى ووجدانى، أحلم بصحبة حقيقية، آه لو فعلتيها يا فردوس، لابد أن تفعليها وحدك لك، كل ما أستطيعه هو أن أرفض استمرار أى حل آخر.
جرح إبراهيم وخوفى علَّـمانى أن أحافظ على شعرة معاوية، أشعر أحيانا أنى أطلب منك ومنى أسهل شئ فى الوجود، وأحيانا أشفق عليك من محاولة فشل فيها جميع من هنا على حد علمى، غريب أشجعنا، انقطع عن الحضور، هو يتجنب لقائى على السلم، أنا الذى دعوته فى أول الأمر، كان أشد حاجة إلى المساعدة منى ومنك، وها هو ذا ينسحب فى إصرار.
أفكر فى أن أعاود المحاولة معه.
-4-
= لماذا امتنعت يا غريب عن الحضور
- خدعتنى مرة…. فلا تحاول استدراجى ثانية، أنت غيرى يا عبد السلام، هذا ما أحاول أن أوصله لك منذ اليوم الأول الذى تعارفنا فيه.
= أنا غيرك، هذا صحيح، ولكنا التقينا فترة، وأنا أفتقدك كل يوم أكثر فأكثر.
- لا تخدع نفسك، لم نلتق أصلا، يكفيك فردوس، أنا لا أستطيع التظاهر مثلها.
= لست مخدوعا، ولكنى صابر لأنى أعلم صعوبة الطريق وطوله.
- ماذا تريد منى؟
= أنت تمثل لى الباقيين، وعلاقتى بكم تحمينى من بيع نفسى لها، أو سرعة الضجر منها.
- تريد أن تستغلنى لأحميك منها؟
= أستغلك وأسمح لك باستغلالى يا أخى، يا ليت.
- هأنذا أسكن أمامك فافعل ما تشاء بلا تعقيدات فارغة، أم أنه لابد أن نلتقى عند طبيب مرتزق.
= هناك نتكاشف ونتعرى دون حرج، ثم لا تنس أنك تصدنى بطرق مختلفة باستمرار، وأنا ما عرفت بعض حقيقتك إلا هناك.
- مالك أنت وحقيقتى، إياك أن تخدع فى ذلك اليوم الذى تنازلت فيه عن وعيى، كانت لعبة تصنعتها بمحض إرادتى، وأظنك أذكى من أن تتصور أنها تواصُلٌ ما.
= تراجعك لا يخدعنى ولست مصرا على نقاشك ولكنى أشفق عليك من وحدتك.
- يا عبد السلام كفى إشفاقا، شبعت نصائحا وتبرعات عاطفية منذ عرفتك، وأحب أن أواجهك بوقاحة تعلمتها من شيخك البذئ، إذا لم يكن فى قدومك هنا شئ غير النصح واتهامى بالمرض، أو دعوتى للعلاج، فأنا لا أريد أن أرى خلقتك ولا مؤاخذة.
= أحس بخوفك أكثر، ورغبتك فى الاقتراب أكثر.
- علمتـنا هذه اللعبة الوقاحة والتبلد معا.
= شكرا، ولكن أى علاقة أفضل من لا شئ.
- مثل علاقتك بفردوس، ملكة الحمام المحشى، هنيئا لك بها.
= أنا لا أكف عن مواصلة السعى معها وإليها.
- أريد شيئا آخر.
= أم لا تريد شيئا البته؟
- من حقى أن أحلم كما أشاء، والنساء ليس لديهن إلا الخوف والكذب وأنت لن تفهمنى حتى الموت.
= المحاولة المستمرة أفضل من التسليم.
-…. واللحم المذبوح “بطريقة شرعية” أرخص الموجود
= لا ألومك يا غريب، ولا أستطيع أن أنسى محاولتك الصادقة ذلك اليوم، وأنت وسطنا متفجرا برغم روعة المقاومة.
- يا ليتك تنسى يا أخى وتريحنا من ادعائك الشهامة والشعور بى كذبا وعدوانا.
= هل تستطيع أن تنسى أنت؟
- أحاول جاهدا، وسأنجح.
= يا ليت..
- وجودك جاراً تسكن قبالتى مصيبة فى ذاتها.
أعلم ذلك، ولولا أزمة المساكن ما رأيت خلقتى بعد اليوم، ما أبشعها وما أصدقها نهاية، لم يتغير غريب منذ عرفته، كنت آمل أن أجد صديقا حقيقيا فدعوته ليرى بنفسه هذه المحاولة الجديدة، خاصة وأنه قد بدأ طريق العلاج من قبل، توقف مصرا على اجترار ألمه ووحدته إلى مالا نهاية، أنظر فى سائر أفراد المجموعة وهم يتراقصون على السلالم فأشفق عليه وألتمس له العذر، ثم أنظر إلى وحدته وألمه فأشعر أن أية محاولة خير من هذا التوقف اليائس، كيف إذن يا فردوس تكون حياة أو سعادة أو حضارة وأنت تنسين غريبا تماما وهو يسكن أمامك؟ كيف تحلقين فى السماء السابعة وتتصورين أن هذا هو نهاية المطاف، وغريب على مرمى بصرك مطحون تحت سابع أرض بلا معين وهو لا يخطر على بالك ولا ثانية؟ لن أتحرك من موقفى، لن أقترب أكثر حتى لا تقفزى على كتفى، ولن أبتعد أكثر حتى لا تبررى لنفسك الدعارة، عليك أن تـكملى الطريق وحدك وأنا فى متناولك بكل صدق تجربتى…. أبارك كل محاولاتك رغم أنى أشعر أنك قد تبتعدين عنى لكن دون ارتماء فى أحضان أحد إلا حضن ذاتك، يطمئننى ذلك أكثر إلى قرب عودتك ثانية إلىّ باختيارك أقصد إلينا، لن أرضى بالوحدة ولن أمارس الكذب وليتحقق المستحيل أو نمضى بقية حياتنا فى نفس النقطة، الصبر والوقت والإصرار والعدل، تلك هى قيمى الجديدة، لا أذكرها لأحد، ولا أفرح بإعلانها، لكنها أبسط ما أتصوره الحد الأدنى المبرر لوجودى، كل أملى يا فردوس أن تصدقى محاولتى من واقع مسيرتنا اليومية، ألاحظ تسهيماتك اليقظة أحيانا، أحس أن عقلك قد دبت فيه الحياة من جديد وأنتظر…. لابد أن يحدث الشئ يوما ما
- التحقت يا عبد السلام بوظيفة مدرسة إعدادى.
= دون مشورتى…؟
- نعم…
= هكذا..؟ ببساطة..؟
- نعم..
= شكرا يا فردوس.
- ليس شيئا يخصك حتى تشكرنى عليه…. ألم تكن أنت سبب بقائى بالمنزل؟
= كان الخوف هو الموجـِّه الأول، وعلىّ أن أعتذر وأشكرك لمحاولتك الإقتراب.
- أنا لا أحاول الاقتراب، ولكنى أزيل آثار العدوان.
= لا أنكر دورى المعـوّق.
- لم أنتبه إليه إلا أخيرا، إلا أنى مسئولة عنه تماما، هكذا تعلمت.
= لم يكن لدينا خيار، كنا وحدنا…
- أنا وحدى الآن أكثر من أى وقت مضي
= أشعر بذلك، وهذا هو هو ما يشعرنى أنك أقرب إلى من أى وقت مضى.
- لا أستطيع أن أدرك معنى هذا الموقف الصعب، يبدو أنه يستحسن ألا أدرك معناه، يكفى أن نعيشه.
= ليكن…. ولكن كيف، كيف يمكن؟ … لا يهم، المهم، أنه يمكن.
- سيحدث.
-5-
كنت أهبط الدرج ببطء، وإذا بى أجد نفسى وجها لوجه أمام غريب، واجهت منظرا لم أره فيه أبدا، أنطفأ وجهه أكثر من ذى قبل، زادت فيه التجاعيد فجأة، كما برزت عظامه وكأنه لم يأكل منذ شهور طويلة، لاحظت رباط عنق أسود مختبئا وراء ثنيات سترته التى تهدلت عليه بشكل ملحوظ بعد هزاله البادى، توقفت قليلا وترددت فى مفاتحته فى أى شئ ولكنى أحسست بألم طاغ منعنى من الانسحاب، هل فقد عزيزا دون أن يعلم أحد؟ هل هو ممن يواسيه العزاء أم يقلبّ أحزانه؟ أنا لا أعلم له أقارب يمكن أن يمثل فقد أحدهم كل هذا التغيير.
= أنا آسف يا غريب…. لم أعلم شيئا.
- لا شئ، لا شئ…
= لماذا هذا الرباط الأسود، نحن جيران يا غريب، ياليتك تسمح لى حقيقة أن أكون بجوارك.
- لا فائدة…. كنت أعلم دائما أنه لا فائدة، ثم تأكدت الآن تماما،
= لماذا كل هذا اليأس يا أخى؟ لا ترفضنى فأنا أحوج أن أكون بجاورك مها كان.
- إفعل ما تشاء، لقد فقدت القدرة على أى شئ حتى على الرفض.
= من ذا الذى فقدت حتى يغيرك إلى هذا الحال.
- فقدت كل شئ، كل شئ.
= لا يفقد الإنسان أى شئ ما دام نـَفـَسَه يتردد.
- كفى عبثا وتلاعبا بالألفاظ…. شبعت أوهاما.
= يا ليت يا غريب ياليت، ياليتك تقول لى أى شئ.
- لن تفهم شيئا.
= حدثنى يا غريب، لعل الخيط بيننا لم ينقطع تماما.
- ماتت صفية أبشع ميته.
= من صفية؟
- لقد التقيت بها عندى يوما، هى أشرف وأصدق من عرفت، هى الوحيدة التى أحبتنى بلا مقابل.
= آه…. تلك الــ…. يرحمها الله.
- الــ…. “ماذا” يا عبد السلام، أنت وجميع من تعرف لا تساوى شيئا بجوارها.
= قضاء الله يا غريب، لعلها تصنع لك بموتها ما عجزت عن أن تفعله لك فى حياتها.
- ماتت، وأنا السبب.
= لا تتهتم نفسك بما لا يكون، لا يتسبب أحد فى موت أحد.
- يا عبد السلام أنت لا تعرف ماذا فعلت، تخلصتُ منها بأنذل مما تتصور، أرسلتها بيدى إلى حتفها، يأسى وعجزى كانا السبب فى موتها.
= لعل الله قد رحمها يا أخى، كانت حساسة ضائعة فى عالم من الكذب والسـحـق، لعلها استراحت من كل هذا الشقاء والامتهان.
- وأنا؟ كيف أستريح من شقائى وامتهانى.
= لا أستطيع أن أقول لك ارجع إلى المحاولة بعد ما كان، فلا أخالك تقبل، إلا أنى متأكد أن ثَمَّ طريقا لا يقفل بابه أبدا.
- طريق…؟ ألن تكف يا عبد السلام عن تهاويمك؟ حتى الموت لا يوقظك من سباتك.
= لن نتناقش ثانية مثل زمان، ولكن ثَمَّ طريقا يظل مفتوحا، وهذا هو السبب الوحيد للاستمرار.
- لو كنت معى ورأيت جسدها بعينيك وهم يهيلون عليه التراب لعرفت ما هو الطريق الأوحد الذى تنادى به، إنه الطريق إلى هناك، لن يكمم أفواهنا عن الخوض فيما لا يكون إلا حين تمتلئ بالتراب الرطب الحنون.
= ما أبشع ألمك، لفتة صغيرة قد تريك ماذا يعنى الألم,…. إنه تصميم على الحياة.
- جوف الأرض هو الرحم فحسب، الحقيقة الوحيدة تجدها فى مقابر الإمام يا عبد السلام.
= الله رحمان ورحيم يا أخى.
- تذكرنى بيقين ذلك الفلاح الفطرى إبراهيم الطيب..أو تشنج عبد السميع الأشرم.
= أنا أعنى فعلا “الطريق إليه”، هذا ما عنيته منذ بداية حديثنا.
- هل تعرف أى اسم من أسمائه، كنت أعتزم تسبيحه حين فكرت فى التصوف يوما.
= هل فكرت يوما فى ذلك حقيقة؟
- كنت أنوى أن أسبحه طول الليل فى مكبـر خاص صائحا به: “يا جبار يا جبار” حتى أصل إلى الوجد الصوفى الذاهل، أو إلى سجن مصر.
= لم تتركك سخريتك حتى بعد هذه الصدمة.
- لست أسخر يا عبد السلام ولكنى أحذرك من هذا التخريف الخادع.
= المسألة أقرب من كل هذه المخاوف، أحس أنه أقرب إلينا منا، من عرف نفسه عرفـه.
- خدعة جديدة، ومذهب نور الدين ينتشر بأسرع مما توقعت.
= أى مذهب يا أخى.
- أى مذهب تتبعه هو الضلال بعينه مادام يلهيك عن حقيقة الموت والتراب.
= يا غريب، يا غريب، إسمعنى.
- يا عبد السلام، اذهب الله يخليك، إذا لم تجدنى فى الصباح فأعلم أنى سافرت إلى كندا.
= كندا؟ هكذا بين يوم وليلة، إن هذه الأمور تحتاج إلى ترتيبات،
- قمت بترتيب كل شى ء وأنا أودع صفية.
= ماذا تقول يا غريب؟
-…. لعلك لا توافق على كندا…. اعتبرنى سأسافر إلى استراليا، الأرض هناك مازالت خاما لم يشوهها الإنسان، وهى أرحب وأكثر حنانا بأجسادنا.
= غريب
- نعم يا عبد السلام أفندى يا مشد
- لن أدعك اليوم.
- تضيع وقتك يا أخى بلا مبرر، ولكنى لن أحرمك من هذه المتعة قبل سفرى.
= لا سبيل يا غريب إلا البداية من جديد.
- مهاجر فورا إلى كندا أو استراليا أو روسيا أو بنجلاديش أو الإمام الشافعى، ولكن أبدا ليس عند طبيبك المفتون.
= المحاولة مستمرة فى كل مكان،
- موت صفية هو من أثار هذه المحاولة المستمرة
= ماذا تقول يا غريب؟ ماذا تعنى؟
- ألا يحضر مختار لطفى معكم حتى الآن؟ ألا يعالج بأحدث الوسائل؟ ألا يمثل أعظم صور الحرية العصرية؟!.
=…… مختار ماله مختار بما نحن فيه الآن، بما أنت فيه؟
- هو يسهم فى استمرار المحاولة بطريقته الخاصة.
= لا أفهمك يا غريب.
- يوما ما، فى مكان ما…. قد نلتقى… وتفهمنى.
****
[1] – يحيى الرخاوى: رواية “مدرسة العراة” الجزء الثانى من ثلاثية “المشى على الصراط” الرواية الحائزة على جائزة الدولة التشجيعية سنة 1980 (الطبعة الأولى 1978، الطبعة الثانية 2008، الطبعة الثالثة 2018 تحت الطبع)، والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط www.rakhawy.net (طبعاً هذه الصورة ليست للشخصية الحقيقية).