الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حوار مع مولانا النفّرى (152)

حوار مع مولانا النفّرى (152)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت3-10-2015

السنة التاسعة

العدد:  2955

 حوار مع مولانا النفّرى (152 

من موقف “محضر القدس الناطق”

“حتى لا نتخطى حدود الإذن”

وقال مولانا النفرى أنه:

وقال لى:

                   أذنت لك فى أصحابك بـ “أَوْقَفَنِى”..

                   وأذنت لك فى أصحابك بـ “يا عبد”..

                    ولم آذن لك بأن تكشف عنى..

                   ولا بأن تحدّث بحديث كيف ترانى.

فقلت لمولانا:

مواقفك يا مولانا تبدأ بـ “أَوْقَفَنَى..” ثم: “وقال لى”، ومخاطباتك تبدأ بـ “يا عبدُ..”

فى البداية لم أستوعب جيدا مغزى هذه البدايات تحديدا.

الآن: يصلنى أنه أذن لك بذلك “فى” أصحابك، فيصلنى فضله وسماحه باستلهام ما قاله لك، وما خاطبك به، ربما ينال مَنْ أحسن تلقى الرسالة شرف أن يكون من أصحابك وعباده بقدر جهاده واجتهاده، وفى حدود المسموح به تحديدا.

(وقد توقفت مليا عند حرف “فى”: فى أصحابك وليس لـ.. أصحابك، حتى خيل إلىّ أنه يخاطب وعينا الأعمق أكثر من أنه يرسل رسالة لنا).

ثم ها هو يضع حدوداً للمسموح به، ليجتهد كلٌّ منا بطريقته إليه، وهو يحترم مأزقك، ويعلى من قدرتك، ثم يتحرك وعيه بما استطاع إليه.

لو أنك يا مولانا كشفت أكثر من ذلك حين رأيت ما رأيت لما استطعتَ أن توصل لأصحابك (نحن المريدين المجتهدين فى رحابك) أكثر مما يصلهم بالتحرّك فى الحدود التى حَّددَها.

أنت تعرف – وهو يذِّكركَ فتذكَّرُنَا- كم هو عجز الألفاظ عن حمل الخبرة والرؤية واليقين والكشف.

مهما اتضحت الرؤية فهى عصية على أن تحتويها الكلمات أو أن يبين معالمها الحديث عنها،

هكذا تصلنا رحمته بنا ونحن نحاول كشف ما لا ينكشف أو الحديث عما لا نعرف

كل ذلك برغم أننا ما سعينا إلا للكشف وما كدحنا إلا للرؤية،

فإذا حدث ولو لبعض ثانية، وإذا لاح بأى قدر لعقل قلب، فلا إذن بالكشف عنه ولا إذن بالحديث فيه،

 وعلى من يتخطى حدود الإذن أن يتحمل احتمال أن تنطمس رؤيته أو يتحول عنها إلى غيرها وهو يحسب أنها هى.

كررتُ يا مولانا – وأنت تعرف – فى محاولة سبر غور محيط الإدراك، وقلوب العقل، وعقول الوجدان، فى هذه النشرات طوال هذه السنين أن أوصّل لهم أنه يُدْرك ولا يُفْهم، وأنه حق لا يُثْبَتُ لأنه لا يحتاج إلى إثبات، وأنه قبل وبعد اللغة والألفاظ والتفكير المنظم والأدلة والأسباب، وأنه أصل الأصل، وأنه غاية لا يمكن أن يحيط بها الرسم أو المنطق أو المنهج البرهانى أو التفكير المنطقى، كل هذه أدوات وعلوم مساعدة يمكن أن تقترب من آثاره وان تصف بعض عطائه، أما أن تتجاوز قدراتها إلى وصفه أو محاولة كشفه أو الحديث عنه، فهذا هو ما لا يتاح لبشر امتلاك ناصيته.

فى موقع آخر نقدت بشدة ما يسمى “علم الكلام” حين وصلنى أغلبه أنه خوضٌ فيما لم يأذن به لنا، واسمح لى أن أثبت هذا المقتطف برغم أنه سبق وروده كما قلت:

“رجعت إلى تاريخه (تاريخ علم الكلام)، وقصائد المديح التى قيلت فيه، وموسوعات النقد التى تناولته، ووجدت أنه يستحيل تقديم ولو موجز الموجز لأى من ذلك، لكن الخلاصة كانت هى هى البداية، بمعنى أننا لن نعطى لدراسة الإدراك، من واقع الحال، ومن كدح الإيمان، ما يستحقه، إلا إذا وصل إلى علمنا كيف أعيق تماما، حتى لو كان ذلك بحسن نية، أن يأخذ حقه فى أداء وظيفته نحو معرفة الله، لقد أعاقونا تماما حين قدموا لنا أدلة عقلية هى هى هى العائق للوصول إلى المعرفة الضرورية الأشمل”.

 (انتهى المقتطف)

حوارى معك يا مولانا ليس هو المجال لتفصيل ذلك خاصة وقد تجنبت التفاصيل حين تناولت نفس الموضوع فى باب الإدراك (نشرة: 14-3-2012 “نتعرف على علم الإدراك من نقيضه: “علم الكلام”).

اسمح لى يا مولانا أن أذكر أصحابك (ربما الذين سمح لك أن تبلغهم ما سمح به) بأزمة “البوْح”، تلك الأزمة التى لم يحتمل حملها أعلام من العارفين الكادحين حين رأوْا، فما استطاعوا الكتمان، ولنأخذ الحلاج كمثال:

أعتقد أن هذا بعض ما صوره صلاح عبد الصبور فى “مأساة الحلاج” وهو يحدد كيف أنه “باح” بما لا ينبغى أن يباح به، وكيف أن الشبلى رفيقه وصديقه لم يستطع أن يدافع عنه أمام المحكمة الطاغية المغتربة.

آمل أننا لو اقتطفنا عبد الصبور وبعض حواراته فقد تتضح الحدود التى جاءت فى هذه الفقرة من هذا الموقف يا مولانا.

ديوان الحلاج:  صفحة 504(1)

الحلاج: رعاك الله ياولدي،  لماذا تستثير شجاى،

 وتجعلنى أبوح بسر ما أعطى

ألا تعلم أن العشق سرما أعطى

 ألاتعلم أن العشق سر بين محبوبين،

 هو النجوى التى إن أعلنت سقطت مروءتنا

 ……………….

تعاهدنا،  بأن أكتم حتى أنطوى فى القبر

 (لكنه برغم كل هذه الرؤية لم يستطع كما أعلنها أحد الصوفية):

مقتطف صفحة 505

لا…. ياقوم ،

 هذا  سكر الصوفية

  فاض القلب فعربد،

 غلب الوجد القصد

وحين انتبه الحلاج أنه تحدث بما لم يؤذن له بالحديث عنه قال عبد الصبور على لسانه:

مقتطف صفحة 508

الحلاج:

عاقـْبِنـِى يا محبوبى إنى بحتُ وخنتُ العهد،

 لا تغفر لى ، فلقد ضاق القلبُ عن الوجد،

…………………..

 (ويُشهد العامة له بلا طائل)

مقتطف صفحة 510

(أحد العامة):

 قد كان يحدثنا بحديث القلب

لم يستطع الكتمان ، فباح 

…………….

   ….  باح….؟

بم باح؟ لكى تأ خذه الشرطه؟

لا أدرى،  وعلى كلّ، فالأيام غريبه

والعاقل من يتحرز فى كلماته

………

(وأخيرا تأتى شهادة الشبلى زميله فى السعى):

مقتطف صفحة 596

أبو عمر (القاضى للشبلى):

 هل تزعم مثله

ان الله تجلى لك ،

……………….

الشبلي:

كل منا يتحدث عن حاله

أو يصمت حين يشاهد

الحلاج يرى …. فيجن من الفرحة،  حتى يهذى ويعربد

وأنا أتلذذ فى صمتى

……………….

……………….

الشبلى : مولاي

أرجوك … اصرفنى ..إنـَّكَ تلقى بى فى النار

فلقد عاهدت الله

ألا أفشى نعماءه

ألا أكشف وجه الأسرار

………………..

دعنى أرعى عهدى، واصرفنى

………………..

……………….

ما رأيكمو يا أهل الإسلام

فيمن يتحدث أن الله تجلى له

……………….

المجموعة: كافر.. كافر

أبوعمر: بم تجزونه ؟

المجموعة: يقتل …يقتل

أبوعمر: دمه فى رقبتكم؟

المجموعة: دمه فى رقبتنا

هذا يا مولانا هو مصير من يتخطى ما أذن له به

ولعله يوضح بعض حدود ما أذن به وما لم يأذن.

وبعد

أتوقف اليوم هنا وأحيل من يريد تفصيلا أكثر إلى نفس النشرة (نشرة: 14-3-2012 “نتعرف على علم الإدراك من نقيضه: “علم الكلام”).

ثم انتبهت فى نفس موقف اليوم “محضر القدس الناطق” إلى سطر يحتاج نشرة مستقلة الأسبوع القادم بإذنه،

 دعنى أثبته حتى التزم به،

 وقد تكون فرصة نشره دون حوار لمدة أسبوع أن يصل مغزاه إلى وعى من يتابعنا دون تدخل منى، حتى نلتقى

يقول هذا السطر:

وقال لى:

                    ليكلمنى منك من كلّمتُهُ، وليحذر منك أن يكلمنى من لم أكلمه.

[1] – “ديوان صلاح عبد الصبور” الناشر: دار عودة – الطبعة الأولى – 1972

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *