نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 24-1-2015
السنة الثامنة
العدد: 2703
حوار مع مولانا النفّرى (116)
أيضا: من موقف المحضر والحرف
وقال مولانا النفرى أنه:
وقال لى:
إن لم تطعنى لأجلى لم تستو على عبادتى
فقلت لمولانا:
وكأنى غير محتاج لذلك، طبعا الطاعة لأجله، وإلا لأجل مَنْ أو لأجل ماذا؟ وصلنى هذا المعنى منذ تنبه على المهاجرين أن يراجعوا أنفسهم: لمن هاجروا؟ لله ورسوله أم لدنيا يصيبونها…الخ؟ ثم وصلنى من جديد حين وجدت نفسى أتجاوز بحذر شديد مجرد الطمع فى الجنة أو الخوف من النار، ومع اتساع دوائر الوعى وأنا أدخل “فى عباده” طريقا إلى ما بعد ذلك إليه، عرفت أن الطاعة لا تكون إلا لأجله، كما أن السعى لا يمكن أن يكون إلا إليه، لذلك وصلنى ما قاله لك يا مولانا وكأنه بديهى، لكننى عدلت بسرعة عن هذه المبالغة، والتمست العذر لمن يعبده لحاجة، أو رغبة فى ثواب أو خوفا من عقاب، فكل هذه مراحل تمهد الطريق إليه حتى يستطيع أن يعبده من أجله، فيستوى على عبادته.
هذا وعد لكل من ألقى السمع وهو شهيد
فى نفس الموقف يا مولانا جاء ما يدعم ذلك حين قلت لنا فى نفس الموقف أنه:
وقال لى:
فى الجنة من كل ما يحتمله الخاطر ومن ورائه أكثر منه،
وفى النار من كل ما يحتمله الخاطر ومن ورائه أكثر منه.
لم يصلنى هذا القول على أن الأكثر هو نعيم أكثر مما لا يخطر على الخاطر أو أن عذاب النار هو أكثر من كل تصَوّر، وإنما وصلنى أن الخاطر مهما نشط لا يمكن أن يحيط بما هو أكثر مما يخطر له عن الجنة، ولا يمكن أن يخشى أكثر مما يخطر له عن النار، فجاءنى قوله لك عن عبادته لأجله أنها هى أكثر من كل ما يخطر عن الجنة، فهو الذى بعد بعد الخاطر، وأن ما هو أقسى من النار هو هو عكس ذلك بالبعد عنه.
فألمسألة ليست مجرد نعيم ننتظره فنطيعه من أجله ولا عذاب نتجنبه بعبادته، لأن التوقف عند النعيم والعذاب هو جهل بما ينتظرنا أعظم من ذلك، ألم يقل لك فى نفس الموقف أيضا:
وقال لى:
النعيم كله لا يعرفنى والعذاب كله لا يعرفنى.
فهى دعوة – يا مولانا – أن نعرفه قبل وبعد النعيم، وأن نعرفه ليس فقط من خلال تجنب العذاب، فمعرفته تفوق كل ذلك وتتجاوزه.