نشرة “الإنسان والتطور”
الأثنين: 2-6-2014
السنة السابعة
العدد: 2467
الأساس فى الطب النفسى
الافتراضات الأساسية
الفصل الرابع: اضطرابات الوظائف المعرفية الأخرى (4)
اللغة، والكلام، والذاكرة ، والذكاء
ثالثا: اضطرابات الذاكرة
أنواع اضطرابات الذاكرة
أولا: الاضطرابات الكمية:
1- حدة الذاكرة: :Hypermnesiaتتصف الذاكرة بالحدّة حين يتذكر الفرد (المريض) الأحداث والتواريخ والأسماء بدقة بالغة وربما فورية، وبكل التفاصيل حتى التى لا لزوم لها، وعلى الرغم من أن ذلك قد يبدو وكأنه ميزة ذهنية يتصف بها بعض المتميزين من الأسوياء إلا أنها إذا ظهرت حديثا، وكانت مع مصاحبات أعراض أو اضطرابات أخرى: فإن المريض (أو من حوله) قد يلاحظونها ويشكون منها، وقد يحدث ذلك فى بداية الذهان، وحالات الهوس الخفيف وبعض حالات البارانويا، وفى الحالة الأخيرة قد تقتصر حدة الذاكرة على أحداث بذاتها تكون عادة متعلقة بالشكوك الزائدة أو المنظومة الضلالية الخاصة وسوء التأويل.
وبصفة عامة، فإن التذكر أكثر مما تحتاجه أمور الحياة اليومية قد يكون معطلا بشكل أو بآخر، وقد يعنى ذلك أن جانب الإخراج فى فعلنة المعلومات نـَشـِطٌ أكثر من اللازم، وبالتالى فثمَّ احتمال أن يعوق طريق المعلومات الداخلة،
وقد تقتصر حدة الذاكرة على الذكريات المتسقة مع المزاج الغالب، ففى الاكتئاب قد يجد المريض نفسه وقد تذكر كل المصائب والأحزان والإحباطات التى كان قد نسيها من زمن، والعكس صحيح فى حالات الهوس.
2- النسيان: ويعنى العجز عن التذكر أو التعرف أساسا، ولكنه يتضمن أيضا العجز عن التسجيل ابتداء، لأنه ما لم تسجل المعلومات فكيف يمكن تذكرها.
ويمكن تقسيم النسيان amnesiaإلى ما يلى:
أ) النسيان الفورى Instantaneous: وهو مرتبط بالتذكر الفورى أو ما يسمى المخزن الحسى للذاكرة أساسا، ويشير إلى العجز عن التسجيل ابتداء، ومن ثم العجز عن الاستدعاء الفورى لما وصل من معلومات. ويمكن قياسه – مثلا- بقياسات مدى الذاكرة، والعد الطردى والعد العكسى كما ذكرنا.
ب) نسيان الحاضرAnterograde : وهو نوع يعلن أساسا العجز عن التسجيل أكثر مما يشير إلى العجز عن التذكر. ونقابل هذا النوع بعد ارتجاج الدماغ، حيث لا يمكن تذكر الأحداث التى تحد ث عقب الارتجاج مباشرة، وبالمتابعة قد يثبت أن الأمر ليس كذلك تماما، ففى بعض الحالات ثبت أن الإعاقة لم تكن فى التسجيل وإنما فى العجز عن تحليل كتلة الإدراك المتداخلة (أنظر بعد فى زملة كورساكوف)، بحيث أن المريض فيما بعد يستطيع أن يعود إلى تلك الكتلة فيحللها ويتذكر ما بدأ أنه نسيه تماما، فإذا كان الأمر كذلك فيستحسن اعتبار الخلل من نوع النسيان المؤقت وليس من نوع نسيان الحاضر.
جـ) نسيان الماضى Retrograde: ويشير إلى العجز عن تذكر الأحداث التى حدثت قبل بداية الاضطراب، ومثال ذلك نسيان أحداث حدثت قبل حادثة ارتجاج الدماغ مثلا.
ء) النسيان المحوّط (المحدد) Circumscribed amnesia= amnesic gap: الذى له أول وله وآخر محدد، وعادة ما يتصل بحدث أو شخص بذاته لا يريد الشخص - دون أن يدرى- أن يذكره، ويكون هذا الحدث (أو الشخص) مؤلما، أو مصدرا للألم. ويستطيع المريض فى هذا النوع أن يذكر بوضوح ما قبل وما بعد هذا الحدث، وقد يشكو المريض مباشرة من نسيان هذه الفترة، أو قد يملؤها بوقائع من نسج خياله (أنظر بعد) وأحيانا ما تسمى هذه الفترات المحددة والمحوطة: فجوات الذاكرة.
هـ) النسيان الكلى Holistic amnesia: ويشمل كلامن نسيان الماضى والعجز عن تسجيل الحاضر معا، ونجده عادة فى الحالات العضوية مثل العته.
ثانيا: الاضطراب النوعى
ويمكن تقسيمه إلى ما يلى:
1- تزييف الماضى: Retrospective falsification: ويعنى كلا من التذكر الانتقائى والحذف المتحيز لأحداث بذاتها فضلا عن إعادة ترتيب الأحداث بطريقة تخدم الغرض (الوجدانى عادة)، كل ذلك يحدث دون وعى الشخص (المريض) عادة، وهذا ما يميز هذا العرض من ادعاء النسيان الذى قد يلجأ إليه بعض المتمارضين أو المتهمين.
2- الذاكرة الضلالية Delusional Memory (Retrospective delusions) (ضلالات الماضى)
[أنظر أيضا الفصل السابق مع الضلال]
فى بداية الذهان عادة (وخاصة بداية الفصام وبعض حالات البارانويا وبعض حالات الهوس) قد ينتقى المريض من ذاكرته أحداث بذاتها، كما قد يخترع أخرى، وهذه وتلك يكون لهما علاقة دالة بما أصابه بحيث تتفق أو تدعم خيالاته أو ضلالاته، وتكون هذه الذكريات ذات وظيفة تبريرية أو تفسيرية لمعتقداته المرضية، ولا بد من أن نميز هذا النوع من التذكر المختل من ذلك الذى أشرنا إليه سابقا حين يكشف الذهان عن ذكريات قديمة تمثل فى حقيقة الأمر بداية الإمراضية التى لم تظهر إلا بعد التعرية نتيجة مرحلة حدة البصيرة وهى تصف بعض بدايات الذهان، والتفسير الأرجح أن بداية الإمراضية كانت مكبوتة ومنسية بقوة حتى حدث شرخ لجدار الكبت نتيجة للتنشيط الذهانى فقفزت إلى السطح، وقد يعتبرها المريض البداية الحقيقية للمرض (وهذه الظاهرة هى التى أسميناها: “سبق توقيت البداية” antedating of onset). أنظر فى (دراسة فى علم السيكوباثولوجى).
3- التأليف المرضى Confabulation: ويعنى العملية التى يملأ بها المريض فجوات ذاكرته، ويحدث ذلك أيضا بعيدا عن وعى المريض ودون قصد ظاهر، وتعبير “الكذب المرضى” لوصف هذه الظاهرة ليس تعبيرا صحيحا لأن هذا ليس كذبا بقدر ما هو تخييل تذكُّرى “مفبرك”، وهذه الظاهرة تحدث عادة مع زملة عُسْر الذاكرة (التى نقابلها عادة فى حالات الكحولية).
وتعبير “المكْلَمَةْ التخيّلية”Pseudologia Phantastica خليط من التزييف والتأليف المرضى، وقد نقابلها فى صورة غير مرضية حين تمارسها عادة النساء المتصفات بعدم نضج الشخصية حتى يصل الأمر إلى أن يكون سمة ثابتة من سمات الشخصية فتمارسها الواحدة بإفراط حتى ولو لم تحصل منها على أى مكسب ثانوى.
ومن المهم هنا أن نفرق بين التخريف (التأليف المرضى) وبين ما يحكيه بعض المرضى عن آلام ومعاناة جسدية تنتمى إلى اضطرابات مُرَاقية hypochandriacal أكثر منها تزييف للذاكرة.
ثانياً: اضطرابات التعرّف:
1- ظاهرة الرؤية السابقة: Deja va (وأيضا: ظاهرة الاستماع السابق Deja entendu، والقراءة السابقة Deja lu، والتفكير السابق.)،
فى ظاهرة الرؤية السابقة يحكى الشخص (أو يشير المريض) إلى أنه يشعر أن شخصا ما- قد سبق له رؤيته، فى حين أنه يراه لأول مرة، وقد يصل هذا الشعور الذى قد يحدث لبعض الأسوياء وخاصة فى فترة المراهقة أو مع الانفعال الغامر، إلى يقين راسخ، وفى مجتمعاتنا العربية قد تفسر هذه الظاهرة بأنها تحقيق حلم أو نبوءة أو قدرة خاصة أو ما إلى ذلك.
وإذا كان التعرف الخاطئ هذا متصل بسماع نبأ أو مقطوعة موسيقية أو أغنية مثلا فإنها قد تسمى ظاهرة ”الاستماع السابق”، أم إذا كانت متعلقة بقراءة ما، قد يسمى ظاهرة “القراءة السابقة”، وأحيانا ما يقرأ شخص ما فكرة أو نظرية جديدة فيخيل له أنها قد خطرت له من قبل، وقد يصل الأمر – فى بعض الحالات المرضية أو المبالغ فيها ـ أن يعتقد الشخص أن المخترع أو صاحب النظرية الجديدة قد سرق أفكاره، فإذا تفاقمت الظاهرة فإنها يمكن تصل إلى نوع من أعراض شنايدر (سرقة الأفكار أو إذاعة الأفكار ..إلخ) (نشرة 19-5-2014 “ضلالات التحكم (ظاهرة السلبية) وملكية الأفكار”).
2- ظاهرة إنكار الرؤية: Jamais vu
هذه الظاهرة هى عكس الظاهرة السابقة تماما، حيث يشعر المريض – ويعتقد- أنه لم ير شخصا ما ( أو شيئا مألوفا) قبل ذلك من قبل، أى أنه يراه لأول مرّة، مع أنه يكون شخصا قريبا أو مألوفا تماما
وتسمى الظاهرة الأولى (الرؤية السابقة) وأحيانا خطأ التعرف الإيجابى، كما تسمى الظاهرة الثانية (إنكار الرؤية) خطأ “التعرف السلبى”.
3- الصورة التخيلية:Eidetic Image :
هى نوع من حضور الذاكرة، البصرية فى الأغلب، بشكل مجسد، وبكل التفاصيل، وكأنها استعادة لإدراك حسى أكثر منها حكى لأحداث الذاكرة بالألفاظ، وهذه الاستعادة الحية يمكن أن تعتبر أمرا طبيعيا عند الأطفال وبعض المبدعين التشكيليين خاصة، إلا أنها قد تصبح مرضية إذا حدثت بشكل يتداخل مع الإدراك العادى أو يعيق التكيف والإنجاز. (مع ملاحظة أن هذه الظاهرة أيضا قد تدعم بشكل ما فروض – روبرت شيدرايك) (نشرة أمس 1-6-2014 “طبيعة الذاكرة ومراحلها 2014).
طرق قياس- تقييم – اضطرابات الذاكرة
يمكن تقييم الذاكرة بأبعادها المختلفة كما يلى:
أ- التقييم الإكلينيكى المبدئى: لما سبق أن شرح من أعراض اضطراب الذاكرة كميا وكيفيا (النسيان، وخلل الذاكرة)، وكثيراً ما يكون ذلك أصدق وأدق من المقاييس المقننة، ولابد من مناقشة سبب الاختلاف إن وجد دون ترجيح كفة تقييم على الآخر.
ب- تقييم المرحلة (الطور) التى أصابها الخلل: وهذا عادة ما يكون صعبا حيث أن مرحلة التذكر هى نهاية المراحل التى من خلالها يمكن استنتاج إن كان ما سبقها قد تم بدرجة سليمة أم لا، وعلى أى حال فقد يكون فى تقييم الذاكرة الفورية سبيلا إلى التعرف على القدرة على التسجيل منذ البداية، ولا بد كذلك من الاطمئنان أن الظروف التى كانت تسمح بالتسجيل أصلا كانت متوافرة، لأنه لا يمكن أن نتذكر شيئا لم يسجل ابتداء، ففى حالات تشتت الانتباه مثلا قد لا يمكن الاطمئان إلى أنه قد تم أى تسجيل أصلا، وأيضا فى حالات التوهان قد يكون المريض عاجزا من حيث المبدأ عن تلقى التعليمات التى تقاس بها الذاكرة
جـ – التقييم العلـِّى (أسباب اضطراب الذاكرة): وهو أمر مطلوب، وله أهميته الخاصة فى الحالات العضوية خاصة، ففى حالات الاعتلال الدماغى من نوع “فرنيك” Wernicke’s encephalopathy أو حالات زملة “كورساكوف”Korsakoff Syndrome أو إصابات الرأس أو بعد الصرع يكون تحديد السبب أساسى فى التشخيص والعلاج.
وأيضا فى حالات الاضطرابات النفسية والعقلية الأخرى يمكن أن يكون اضطراب الذاكرة نتيجة لعاطفة جامحة، أو فرط كبت، أو جزءا لا يتجزأ من مرض بذاته.
ويعتبر التقدم فى السن من أهم أسباب ضعف الذاكرة بدرجة بسيطة، وعلى أية حال فإن الذاكرة العرضية هى التى تتأثر أكثر فى حين لا تتأثر بنفس الدرجة (أو إطلاقا) كل من الذاكرة الدلالية أو الذاكرة الضمنية.
د- تقييم مسار النسيان: هو أمر ضرورى ما أمكن ذلك، وقد يكون اضطراب الذاكرة حادا (مثلما يحدث بعد الارتجاج)، الذى قد يتراجع تدريجيا، أو مزمنا (مثلما الحال فى العته المصاحب لمرض ألزهايمر) أو متماوجا على فترات (مثل الأمر مع تصلب شرايين الدماغ)، كذلك قد يكون النسيان موقفيا مرتبطا بموقف بذاته يزول بزواله، مثل ما يصاب به بعض الطلبة فى الامتحانات الشفهية حيث يستعيد بعض الطلبة ما فاتهم ذكره أثناء الامتحان بمجرد عودتهم إلى المنزل، دون مراجعة الكتب أصلا.
هـ – المعنى، والهدف، والترتيب الهيراركى: حين يكون النسيان ذا معنى خاص، أو يبدو أنه يحقق هدفا خاصا، فإنه عادة ما يكون لأسباب نفسية فى حين أن السبب يكون عضويا عادة إذا ما كان النسيان له طابع التشوش والتمادى والإزمان، وهو فى هذه الأحوال يفتقر إلى التفسير والمعنى.
كذلك يبدو أن الذكريات تترتب هيراكيا حسب مصاحباتها الانفعالية وقت تسجيلها وما بعده، فثمة ذكريات لها دلالات وجدانية، وأخرى أكثر غورا وثباتا لها معان كيانية أساسية، وثالثة عابرة وخالية من الارتباطات الخاصة، وعند فقد الذاكرة قد تذهب الذكريات الخالية من الدلالات أولا فى حين يتأخر اضمحلال الذكريات الغائرة والكيانية، كذلك يتأخر تآكل الذكريات التى استعملت أكثر من تلك التى لم تُستعمل بوفرة كافية.
د- علاقة نوع التلف بطبيعة السبب لاضطراب الذاكرة
الخلل العضوى:
يمكن أن ينظر للخلل العضوى للذاكرة باعتباره هو الخلل الحقيقى والكمى إذا ما قورن بالخلل النفسى الذى يعتبر انتقائيا، ونوعيا وغائيا فى نفس الوقت
وأهم ما يميز الخلل العضوى ما يلى:
1- خلل التسجيل: ويحدث عادة فى حالات تغييم الوعى، والمثال النوذجى لذلك هو حالات “بعد الارتجاج” حيث يقف هذا التغييم للوعى بمثابة الحاجز بين المعلومات وتسجيلها فى مخزن الذاكرة. فلا الإدراك ولا الانتقائية يمكن أن يقوما بعملهما أثناء هذا الاختلال فى الوعى.
والخلل العضوى للذاكرة فى حالات الكحولية (فقد الذاكرةالكحولى ) له مواصفات خاصة تستأهل وقفة
خاصة: حيث يختلف فقد الذاكرة الكحولية عن فقد الذاكرة عقب الارتجاج من حيث أن المخمور قد يبدو فى وعى يقظ ومع ذلك فإن فقد الذاكرة للأحداث القريبة يكاد يكون مطلقا، ويُعزى ذلك للأسباب التالية:
(ا) العجز عن التسجيل لاختلال الوعى حتى لو بدا غير ذلك
(ب) العجز عن تحليل كتلة المدرك المكثفة إلى عناصرها القابلة للتسجيل، وهذا الفرض يساير قدرة بعض الحكولين بعد الإفاقة على الرجوع إلى هذه الكتلة لتحليلها، وبالتالى تذكر تفاصيلها
(جـ) التسجيل على مستوى آخر من الوعى، ويثبت هذا الفرض جزئيا قدرة المخمور أن يستعيد بعض ما حدث إذا ما وضع فى نفس الموقف السابق الذى كان مخمورا فيه، وإن صح هذا الفرض فيكون هذا الجزءالذى يفسره نفسيا أكثر منه عضويا (1)
2- خلل الحفظ::Retention يكاد يكون من المستحيل اختبار الحفظ فى ذاته إلا من خلال اختبار التذكر، ثم إنه أصعب فأصعب لدرجة تقرب من الاستحالة فصل عملية الاسترداد من عملية التذكر، كما أن عملية الحفظ مرتبطة أساسا بكل من الذاكرة الفورية والحديثة والممتدة (القديمة) كما ذكرنا. وقد وجد أن استئصال الفص الحرفى فى كلا جانبى المخ إنما يفسد كلا من الذاكرة الفورية والحديثة ولا يؤثر فى الذاكرة الممتدة (القديمة)، وفى السن الأكبر فإنه فى خرف الشيخوخة من نوع ألزهايمر ومتعدد الاحتشاءات Multi infract dementia، نجد أن الذاكرة الحديثة تتدهور بشكل بالغ مضطرد مما يشير إلى العجز عن التسجيل أصلا (حيثما كان) وبالتالى التذكر…الخ.
3- خلل الاستدعاء: لا يمكن تقييم خلل الاستدعاء مستقلا فى المارسة الإكلينيكية إلا بصعوبة شديدة، ذلك أنه لكى تقيم الاستدعاء عليك أن تتثبت أن معلومة ما قد حفظت، وأنه يجرى أو يمكن استدعاؤها دون أن تظهر بعد على مستوى الشعور (2)
4- خلل التذكر: :Recall من المفترض أنه إذا كان الاستدعاء سليما، وكان التذكر مختلا، فإن الإعاقة تكون نفسية أساسا. وقد يمكن التمييز بين هذا وذاك بقياس قدرة المريض على تذكر نفس الحدث بعد فترة من الزمن، (أى أنه نسيان وقتى)، وبنفس القياس نجد أن خلل التذكر الصرف (دون خلل فى الاستدعاء ) يحدث فى حالات النسيان الموقفى والنسيان الانتقائى.
5- خلل التجميع:Recollection: وهو ما يحدث نتيجة لـ (أ) فشل أو (ب) صعوبة أو (جـ) تزييف أو (د) تشويش . ولا يمكن تحديد هذا الخلل المفترض مستقلا اللهم إلا إذا أمكن التيقن من أن كل مراحل التذكر السالف الإشارة إليها كانت سليمة . وهكذا يمكن اعتبار خلل التجميع أقرب إلى خلل فى التفكير والتربيط وإعادة التشكيل فى الإبداع.
6- خلل التعرف: Recognition: يمكن أن يعزى خلل التعرف إلى خلل فى الإدراك، أو فى التذكر ذاته، وقد سبقت الإشارة إلى أهم تشكيلاته فى هذه النشرة منذ قليل.
[1] – التعبير الذى شدّنى كان فى مرجع للأمراض العصبية وليس النفسية وكان شديد الدقة بالانجليزية وقد فضلت أن أثبته بلغته الأصلية لفرط إعجابى بدلالته، وهو: Failure to analyses the total mass of perception
[2] – ثم زعم أنه أمكن التمييز بين النسيان على مستوى الداينكفالون وبين النسيان على مستوى الفص الحرفى. ففى الحالة الأولى (النسيان الديانكفالى) نجد أن البصيرة والحكم على الأمور قد اختلا بقدر أكبر من الحالة الثانية (النسيان الحرفى)، ويقال أنه فى كلا الحالين يكون الخلل خالصا فى الاستدعاء، وعلى أية حال فإنه فى نهاية النهاية لا يمكن اختبار خلل الاستدعاء إلا من خلال التذكر، وكل هذا لا يتفق بسهولة مع فروض شيدريك – بشكل مباشر- التى قدمناها أمس والتى تنكر فكرة عمل المخ كشريط تسجيل.