نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 25-5-2013
السنة السادسة
العدد: 2093
حوار مع مولانا النفّرى (29)
من موقف “الاختيار”
وقال لمولانا النفرى فى “موقف الاختيار”
وقال لى:
إذا كُنْتَ كما أُريدُ فَابْكِ على نفسك
فقلت لمولانا:
واحدة واحدة يا مولانا!! ما هذا؟ فمن أكون؟ وكيف؟ ومَنْ يريد مَنْ؟ وهل هناك أعظم ولا أرقى من أن أكون كما يريد؟ فلماذا أبكى على نفسى؟!
وهل يريد لى إلا الخير، فعّال لما يريد. أبكى على نفسى؟!! أبكى إذا كنتُ كما يريد؟!! ولا أبكى إذا لم أكن كذلك؟ لماذا؟
أربكْتنى هذه الرسالة يا مولانا حتى كدت أبكى على عجزى أن أتابعك، لماذا هذا الحرج أو الإحراج؟ هل يكون هذا القول، مثل كثير مما قاله لك يا مولانا خاصاً بك دوننا، فأنت تعرف ما يبكيك إن أنت كنت كما يريد. لكن أنا؟ نحن؟ ما الحكاية؟
ربما يكون المطلوب يا مولانا أن أكون كما خلقنى هو، دون أن أتصور أنه يريدنى أن أكون بشكل خاص اسمه “أنا”، ذلك الشكل الذى يتصور كلٌّ منا أنه المراد منه أن يكونه حتى لو زعم أنه إليه، هذا الـ “أنا” خاصة كما استوردناه من أصحاب الغرور الإنسانى، وهو صناعة محدثه، تحتاج فحص آخر بمقياس آخر لعله مقياس “ربى كما خلقتنى”، إن ما انتبهت إليه مما قاله لك الآن ربما يقول: إن السعى يكون إلى ما خلقنى الله به وما خلقنى الله له، لا أن أكون كما أريد، ولا حتى كما أتصور أنه يريدنى أن أكونه، فهو خلقنى بكل قوانين وبرامج ما أتحقق به إليه، فلا أنا انا، ولا أنا كما أتصور أنه يريدنى أن أكون،
نعم: ما أنا إلا ما خُلقت به وخلقت له،
وما أصعب ذلك يا مولانا، ما أصعب ذلك.
كدنا نخدع، بل خدع أكثرنا فى حكاية “البحث عن الذات” ثم “تحقيق الذات” نسينا أنها ليست إلا مرحلة إلى ما بعدها من فتحٍ مجهول إلى مطلق مأمول، لا نعرف له معالم محددة، توقفنا عند ما هو “أنا” حتى لو زعم بعضنا أن هذا الأنا هو يريده لنا هكذا، فلعله يا مولانا يبلغنى من خلالك ألا أنخدع حتى فيما تصورت أنه يريدنى عليه، هو لا يريدنى إلا كما خلقنى فى أحسن تقويم، وكل ما علىّ – إذن – هو أن أقاوم أن أرتد أسفل سافلين، بأن أؤمن به وأعمل الصالحات لا أن أرسمنى متصورا أنه يريدنى هكذا، الحيلولة دون الهبوط إلى أسفل سافلين لا تتم إلا بالإيمان والعمل الصالح، وهما ما أستحق معهما أن يجزينى بأجر غير ممنون، فلا أكون “أنا” كما أكون إلا لمرحلة اضطرارية محدودة فإن تصورت غير ذلك حتى لو كان ذلك أنه هو الذى يريدنى فيه، فقد ضللت الطريق إلى حقيقة“ربى كما خلقتنى” واستبدلت بها “ربى كما أردتنى” فما أعمانى آنذاك حتى يجدر بى أن أبكى على نفسى فعلا.
وهو أحكم الحاكمين.