الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس فى العلاج الجمعى (10) مستويات وأنواع الإشراف

الأساس فى العلاج الجمعى (10) مستويات وأنواع الإشراف

نشرة “الإنسان والتطور”

الثلاثاء: 19-3-20134-2-2013_1

السنة السادسة

 العدد: 2027

كتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (10)

 من منظور ثقافة مصرية عربية

مستويات وأنواع الإشراف

مقدمة

فى نهاية نشرة أول أمس (الأحد: العلاج الجمعى مسلسل (8) عدد رقم 2025) وعدت بأن أعرض  نماذج وردت فى كتابى “فقه العلاقات البشرية” لكننى فضلت فى آخر لحظة  أن أتحدث عن “الحياد فى العلاج” كمقدمة هامة، وتأكيدا لطبيعة هذا العمل من حيث التزامه بتوضيح الفروق الثقافية ما أمكن ذلك.

وفى نشرة أمس أشرت إلى الفرق بين ثقافة تقول بصدق أن العلاج النفسى “صداقة للبيع“، فى مقابل ثقافة تقول “الطبيب والد” (بالمعنى الأشمل للطب والتطبيب) وأنهيت نشرة أمس – بعد مناقشة مدى إمكانية أن يقوم المعالج بتحييد حضوره تماما مع المريض، وهل هى ضرورة مطلقة، وقبل ذلك هل هى مسألة ممكنة أصلاً؟ وقد استتبع ذلك إشارة إلى فرصة الكلام عن التوصية بأن يتعاطى المعالج نفسه فرصة تعرية مماثلة ونمو محتمل (يسمى التحليل النفسى للمعالج فى مدارس التحليل النفسى).

أقر وأعترف أن هذه الفرصة – التى لا أتحمس لها بصورتها الغربية- غير متاحة فى ثقافتنا بنفس المواصفات والشروط، وقد تبينت أن الإشراف الذى يجرى على كل المستويات من منظور النمو هو البديل الحقيقى لهذه الفرصة، وهو – فى ثقافتنا– الذى يسمح بتطور المعالج شخصيا (إنسانا) وحرفيا، ففضلت أن أستأذن “يوم الثلاثاء الحر” لأعرض موضوع الإشراف، وكيف يجرى بشكل مباشر وغير مباشر، وما هى الظروف التى تجعله العلاج الجمعى جيدا لينمى موضوعية حضور المعالج (شاملة الحياد الإيجابى) بقدر ما يشحذ مهارته فى ثقافتنا الخاصة، مشيراً إلى بعض روابط لما ورد فى “فقه العلاجات البشرية” نشرات: 5-7-2009 ،7-7-2009،  15-7-2009، 2-9-2009  ، لمن يستعجل الإطلاع عليها كما وعدنا أول أمس لحين الرجوع إلى بعضها ونحن نتناول علاقة هذا العلاج بالمدارس الأخرى.

مستويات الإشراف فى العلاج النفسى

الإشراف هو العملية التى تساعد على نمو المعالج وضبط خطاه، بقدر ما تشحذ مهارته وتحسن توجيهه إلى مسيرته إنسانا ومعالجا، وإلى صالح مرضاه.

 ويمكن أن نقسم أنواع الإشراف على العلاج النفسى فى واقع ثقافتنا وعلى مستوى الجارى فعلا، دون الاقتصار على مستوى التدريب المنظم، إلى ما يلى : 

أولاً: إشراف الخبير المدرِّب (“الأستاذ” فى حالتنا هنا)

يتم هذا النوع من الإشراف فى خبرتنا بأن يقوم بالإشراف رئيس (خبير أكبر، أستاذ، معلم )، وعادة يكون الأكبر جدا هو الذى يشرف على الأصغر جدا، وليس الأكبر للأكبر، بمعنى أن أكبر الخبراء هوالأقدر على الإشراف على المبتدئين بهدوء، وبخطوات محسوبة تنمى الخبرة بالإيقاع الهادئ اللازم على مدى ممتد.

 وفى خبرتنا فى قصر العينى، والمقطم،  يقوم بالإشراف أقدم ممارس لهذا النشاط، وأيضا لهذا النوع من العلاج (شخصى) ، يقوم به مع  أصغر المتدربين سواء من أطباء الامتياز أو الأطباء المقيمين، أو من الأخصائيين النفسيين المتدربين (وأحيانا  بعض أفراد من هيئات التمريض).

شروط حضور الإشراف :

يشترط (فى خبرتنا) فيمن يحضر جلسات الإشراف هذه ما يلى :

  • أن يكون الممارس المتدرب ممارسا حاليا للعلاج النفسى مع أربع حالات على الأقل يحضرون له أسبوعياً.
  • يتطلب ذلك أن يكون لديه ثمان حالات تقريبا، إذ يُعمل حساب عدم الانتظام، والانقطاع.
  • أن تجرى  جلسة العلاج فى نفس المكان، ويا حبذا نفس الموعد.
  • أن تستمر كل جلسة خمسين دقيقة لا أكثر ولا أقل.
  • أن يتم التعاقد المبدئى مع كل حالة على المدة اللازمة، والهدف النهائى، والأهداف المتوسطة ما أمكن ذلك.

ولا يشترط – فى خبرتنا-  أن يسبق هذه  الممارسة أية توصية بقراءة خاصة فى موضوع العلاج النفسى بالذات، ولكن لا يوجد ما يمنع من القراءة  والاطلاع، خاصة القراءات الاسترشادية والاستشارية، وإن كان ينصح عادة  بأن تبدأ القراءة فى السيكوباثولوجى (الإمراضية) أكثر من القراءة فى تقنيات العلاج النفسى ذاته، وهذه النقطة تحتاج إلى شرح معين بالنسبة لخبرتنا الحالية:

o   إن مبررات تجنب، أو تأجيل، أو عدم الحرص على القراءة النظرية يرجع إلى الرغبة فى تأكيد أن العلاج النفسى هو علاقة إنسانية أقرب إلى العلاقات الطبيعية بين البشر، مع فارق تحديد الهدف (العلاج) والتأكيد على الالتزام بالقواعد المتفق عليها، وقد لاحظنا أن ارتباط العلاج النفسى بمدارس مختلفة قد يوقع المبتدئ فى حيرة شديدة لو أنه تنقل فى القراءة – مبتدئا – من مدرسة لمدرسة بشكل قد يعطل أداءه التلقائى، ويغريه أن ينفذ المكتوب فى هذه  المدرسة دون تلك، أو يقوم بانتقاء عشوائى، بشكل يبرر ما يفعل أكثر مما يوجهه إلى ما هو أفضل.

o   لاحظنا  أنه من واقع هذه التوصية يعرف المتدرب من البداية أن التلقائية، حالة كونها  محكومة بالإشراف على أى مستوى،  وبالنتائج،  هى الأصل فى التدريب لاكتساب الخبرة.

o   مع التقدم فى التدريب، وحين يبدأ التشجيع على القراءة كيفما يشاء المتدرب، سوف يجد فى ذاكرته بشكل مباشر أو غير مباشر، ذخيرة من الحالات التى تقفز له من بين سطور قراءته، فيراجعها وهو يقرأ، وينقد نفسه بنفس القدر الذى ينقد به ما يقرأ (باعتبار اختلاف الثقافات) فتكون القراءة أكثر فائدة، وأجهز صقلا.

o   يبدأ السماح بالقراءة بالتدريج فى الإمراضية (السيكوباثولوجى) – كما ذكرنا– أكثر من تقنيات العلاج النفسى، وكذلك يوصى بالإطلاع على أكثر من مدرسة فى نفس الوقت.

محتوى جلسة الإشراف:

o   يراعى أثناء الإشراف أن توجز الحالة فى أقل عبارات تحتوى المعلومات الأساسية، ثم يذكر المتدرب فترة تواجدها معه من بداية العلاقة وحتى عرض ما يريد (أسبوعين! عشرة! ستة أشهر!!… الخ)، ثم يحدد سؤاله للمشرف الأكبر فى نقطة بذاتها.

وقد لوحظ أن الأصغر يتصور أن عليه أن يعرض إشكالة أو صعوبة المريض فحسب فى مرحلة بذاتها، أو أن يستشير فى وقفة معينة لمسار العلاج، لكن مع مضى الأيام واستمرار الإشراف يتبين تدريجيا من واقع الممارسة أن من حقه أن يسأل عن أى مما يلى:

(1) فى هذه “النقطة المحددة” التى أحس فيها بصعوبة عند المريض تحتاج لرأى أكبر.

(2) فى صعوبة خاصة شعر بها فى نفسه تجاه المريض ووجد أنها تبدو معطلة (أو خطرة) فأراد الاسترشاد برأى المشرف.

(3) فى صعوبة متبادلة أو مشتركة بينه وبين المريض.

(4) فى طلب المريض رأى المعالج وهو على وشك اتخاذ قرار بذاته يحتاج فيه إلى رأى خبير (زواج، طلاق، تغيير مسار، تغيير عمل… الخ)، مع التذكرة أن المعالج عادة لا يستجيب بتحديد نهائى للاختيار نيابة عن المريض.

(5) فى قرار توقيف العلاج (ولو فترة).

(6) فى الاستئذان فى الخروج على بعض القواعد الأساسية المتفق عليها فى العلاج عموما، أو فى تغيير شروط التعاقد الخاص مع مريض بذاته.

وغير ذلك كثير مما ستأتى أمثلته فى كتاب: (الإشراف على العلاج  من واقع الحالات)، وهاكم بعض الروابط كأمثلة عشوائية (نشرات: 24-8-2008، 15-2-2009،17-11-2009 ، 11-5- 2010  )

ثانيا: إشراف الأقران Peer Supervision

يجرى هذا النوع – فى خبرتنا – مرة أسبوعيا أيضا، لمدة ساعة تقريبا،  ويحضره عدد يتراوح بين ستة وخمسة عشر ممارسا، ولايتم فيه تعيين مدير (أو رئيس) لجلسة الإشراف بشكل منتظم، باعتبار أن الخبرة متقاربة (وإن تفاوتت أحيانا بين سنة وعشرين سنة أو أكثر)، لكن ليس للأكبر  هنا الكلمة العليا ولا الأخيرة، ومن هنا جاء تعبير “الأقران” باعتبار أن الخبرة متبادلة بين الحاضرين على نفس المستوى، مهما اختلفت المهارات أوسنوات الممارسة، ويكون رأى الجماعة (ليس بالأغلبية العددية) هو الموجِّه الأهم من أى رأى منفرد ، مقارنة بالحال مع الإشراف تحت رعاية مدرب واحد أكبر ( النوع السابق)

وتسرى على خبرة الأقران  كل المواصفات العامة والاشتراطات الخاصة التى اشترطناها لحضور الخبرة تحت إشراف مدرب أكبر، مثل أن يكون كل واحد من الحضور له أربع حالات أسبوعيا على الأقل، مع التوصية بأن يكون العدد الاجمالى ثمانية تحسبا للغياب والانقطاع والإبدال…إلخ.

وقد يلزم أن يختار الأقران من بينهم مديرا لكل جلسة، لكن يستحسن ألا يكون هو نفس الشخص فى كل جلسة،

ومدير الجلسة يُختار بالدور، أو بالقرعة، أو بالصدفة، وكل مهمته، فضلا عن المشاركة مثله مثل غير، هو أن ينظم الحوار لا أكثر.

وتسرى نفس الخطوط الست العريضة (وغيرها) التى عرضت فى النوع السابق بالنسبة للمحتوى، مع فرصة عرض تشابه أو اختلاف من المشاركين بالنسبة لحالاتهم التى يباشرون علاجها فعلاً، أو من واقع خبرتهم بشكل عام.

ثالثا: إشراف الشخص العادى؟

بيـّـنـّا انطلاقا من أن المريض النفسى ليس إلا فرد من “نفس الثقافة” التى ينتمى إليها معالجه (بصفة عامة، وليس بإلزام مطلق)، فإن الغالبية الغالبة مما يسمى مرضا أو عرضا أو إشكالة تحتاج إلى علاج (فإشراف)، موجود مثلها بدرجة أخف بشكل أو بآخر فى الحياة العادية فى نفس الثقافة،

 وأيضا بما أن العلم هو ليس إلا تنظيم للمنطق السليم،

وكذلك باعتبار أن وظيفة الطبيب النفسى المعاصر كان يقوم بها فى بداية البداية شخص حكيم عادى عركته السنون، وعلمته الخبرة:

انطلاقا من كل هذا، فإن المعالج النفسى:

  • يبدأ من ثقافته الخاصة “شخصا عاديا” قبل أن يكون طبيبا .
  • يحيط بثقافة المريض واضعا فى الاعتبار اختلاف الثقافات الفرعية (ثقافة “رشيد” غير ثقافة “إسنا”، وثقافة “أسوان” غير ثقافة “العريش”، وثقافة “حارة السكر والليمون” بمصر القديمة غير ثقافة “شارع المرعشلى” بالزمالك) .
  • المفروض أن يثق المعالج فى رؤية ورأى الشخص العادى النابعة من ثقافته، بنفس القدر – يزيد أو ينقص- الذى يثق به فى المعلومات المكتوبة فى الكتب مهما كانت حديثة أو سميت “علما” .
  • يستلهم المعالج من القواعد التى تحكم كل ثقافة عامة، أو ثقافة فرعية محكات يقيس بها خطواته، ويحدد توجهه، خاصة فيما يتعلق بالتعرف المتجدد على الحد الفاصل بين الصحة والمرض.
  • يتبين المعالج أكثر فأكثر –مع زيادة سنين الممارسة- أن قِيَمَهُ الشخصية، ومعتقداته، ومواقفه، ليست هى الحكم الفيصل فى حركية ممارسته مهنته.

(يلاحَظُ أن هذه القيم والمعتقدات والمواقف تتغير مع اضطراد نمو خبرته، ومن ثم نموه).

من كل هذا نستطيع أن نتبين كيف أن المقصود باشراف الشخص العادى هو الاستهداء برأى شخص عادى، ياحبذا من نفس ثقافة المريض، أو على الأقل على دراية بها، شخصٍ يعتقد المعالج أن له منطق مفيد، أو خبرة مشابهة ومن أمثلة ذلك:

  • يعرض المعالج على صديقه، أو زوجته، أو زميله، أو ابنه ، مأزقه فى علاج حالة ما، دون ذكر اسمها طبعا، أو ذكر أية معلومة يمكن أن يتعرف بها عليها، فيروح “يحكى” ما شاءت له الطلاقة والطمأنينة ما تيسر من المأزق الذى يمر به مع مريض ما، مما رأى معه أنه يحتاج أن يطلب المشورة من حكيم “عادى” أو “صاحبة خبرة” أقرب مثلا.

o  يسأل المعالج زوجته عن تفسيرها الخاص ورؤيتها لغيرة نسائية، تمارسها أخت تجاه زوجة أخيها، أو حتى أختها….الخ.

o  أو مثل أن يسأل المعالج أخاه الموظف فى بنك عن بعض طبيعة عمل البورصة، فيستهدى برأيه فى حجم تفاعل مريضه الذى خسر خسارة متوسطة، لكن تفاعله بلغ أقصاه حتى لمرض.

  • ثم هو يستمع إلى الرأى من هذا الشخص العادى باحترام نقدى موضوعى ما أمكن ذلك.
  • ثم أنه يترك الرأى وآثاره تنساب مع معلوماته الأكثر إحاطة بحالة المريض،
  • تتفاعل كل تلك المقومات مع رأيه السابق على خلفية رأى المريض وحالته، دون التعجل فى الوصول إلى رأى ثابت ساكن.
  • قد ينسى المعالج بعد ذلك تفاصيل ما وصل إليه فهو غير ملتزم به.
  • ثم قد يكتشف أثر هذا الرأى أثناء الجلسات اللاحقة، دون التزام بالأخذ به، ودون التنازل عن الاستناره من خلاله؟

وبعد

هذه الطريقة فى الإشراف لا يُنصح بها كجزء أساسى فى التدريب، لكن بما أنها جزء لا يتجزأ من حياتنا العادية، تجرى داخلنا بدرجات مختلفة من الوعى، فإن المقصود هنا هو أن نسمح بحضورها فى بؤرة وعينا حتى نتحمل مسئوليتها،

على أن إشراف الشخص العادى ليس إشرافا بمعنى الإشراف، لكنه سلوك طبيعى، وربما تفكير بصوت مسموع يـُطـَمـْئـِن المعالج الذى يحترم ثقافة مريضه على أنه ليس خبيراً فوق العادة، وإنما هو أيضا شخص عادى له مهارات خاصة، وخبرات أعمق.

ملحوظة:

استشارة الشخص العادى فى أمور تبدو متخصصه لها سابقة جيدة فى نظام القضاء الإنجليزى ، حين يكون الرأى فيما إذا كان المتهم “مذنبا” أم “غير مذنب” فى أيدىالمحلـِّفين، وهم أناس عاديون، ويكون دور القاضى هو فى ضبط المحاكمة، ثم صياغة الحكم من خلال رأى هؤلاء المحكمين.

كذلك هناك نموذج جيد عندنا لدور الشخص العادى حين يمارس ما يسمى مجالس التحكيم الأهلية (العرفية) التى تُنظم تلقائيا حسب تقاليد القرية أو البادية، وينظمها القانون.

أكتفى بهذا القدراليوم ليبقى أمامنا للأسبوع القادم:

رابعاً: الإشراف الذاتى Self Supervision

خامساً: إشراف الزملاء الأصغر على مدربهم Juniors’ Supervision

سادساً: إشراف المريض Patient’s Supervision

سابعاً: إشراف النتائج Results’ Supervision

ثامناً: إشراف الزمن والتاريخ

تاسعاً: إشراف رب العالمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *