الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس فى العلاج الجمعى (9) حياد المعالج وبعض الفروق الثقافية

الأساس فى العلاج الجمعى (9) حياد المعالج وبعض الفروق الثقافية

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 18-3-20134-2-2013_1

السنة السادسة

 العدد: 2026

  

كتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (9)

 من منظور ثقافة مصرية عربية

 حياد المعالج وبعض الفروق الثقافية

مقدمة

كثيرا ما يتردد الحديث عن ضرورة حياد المعالج طول الوقت ظاهرا وباطنا، وهذه الحقيقة تبدو بديهية من حيث المبدأ، حتى لا ينقلب العلاج إلى توجيه وإرشاد، أو يصل إلى درجة زرع أفكار أو ترويج أيديولوجيا، وبصفة عامة حتى لا تتدخل عوامل شخصية فى المعالج فى توجيه مسار العلاج بشكل غير موضوعى، وما أسهل إعلان ذلك وتكراره، وخاصة من الذين انبهروا بمنظومة القيم الغربية السائدة دون تمحيص، هذه القيم التى قد تكون من أحسن ما وصل إليه الإنسان، أو من أقبحها، وأكثرها تزييفا لتكوينه، هذا أمر لا يعنينى مناقشته الآن، لأن كلا الموقفين لا نخرج منه نحن إلا بما يصب فى سلبياتنا، وليس العكس، إذا قلنا إنها الأحسن، تبعناها مغمضين وكأن الأحسن لهم هو بالضرورة الأحسن لنا، وإذا قلنا إنها الأكذب والأقبح، ارتددنا لأسوأ ما عندنا وكأننا أحسن منهم وأقل قبحا بما ننسخه من قديمنا كما هو، وليس بما نقدمه بديلا مبدعا حالا من وحى قديمنا وقديمهم، وتاريخنا وتاريخهم ثم حاضرنا معا.

عموما، وفى العلاج النفسى خاصة، وفى العلاج الجمعى أكثر فأكثر لابد من حوار حقيقى بين الثقافتين مع الانتباه إلى رفض التلفيق والقص واللزق فى محاولة ممارسة الحوار الجدلى العملى فعلا:

مثال تطبيقى:

كنت قد نشرت نص رأى قلته لأحد المعالجين الأصغر أثناء جلسات الإشراف وهو يعرض صعوبة ما فى حالة يعالجها.

فكتب لى الزميل أ.د. جمال التركى رئيس الشبكة العربية النفسية تعقيبا مطولا على هذه الجزء من الإشراف الذى نشرته، افضّل أن أعيد نشره كاملا لأنه يمثل كثيرا من الخلفية التى أراها حاضرة فى وعى المعالج النفسى الفردى والجمعى فى ثقافتنا الخاصة.

الحوار:

ننشر اليوم الحوار مكتوبا على الوجه التالى:

أولاً: يثبت المعقِّب (أ.د. جمال التركى) نص ما يريد أن يعقب عليه من نشرة الإشراف التى اختارها لتكون مدخلا للحوار بعنوان “المقتطف”، وهى مظللة بالأسود،

 ثم ثانياً: يكتب “تعقيبه” بعدها، بعنوان “التعقيب” ويشمل التساؤل،

وبعد ذلك ثالثاً: يرد الدكتور يحيى الرخاوى على التعقيب ببنط أسود وهامش أكبر، وبعنوان “الرد”.

المقتطف: (د.يحيى فى الإشراف): “فى بلاد بره بيقولوا العلاج النفسى “صداقة للبيع”، عندنا إحنا بنقول “الطبيب والد”، و”المعالج والد”، مش بمعنى الوصاية، وإنما بمعنى الرعاية، ما فيش حاجة اسمها موقف محايد، بلا وجع دماغ“.

 التعقيب: (د. جمال)

هذا الموقف العلاجي، يتكرر كثيرا في كتاباتكم و كنت كلما تعرضت له أشعر بنسف القاعدة الأساسية التي تعلمناها مع أبجديات العلاج النفسي ألا و هي ” الحيادية اليقظةLa Neutralité bien Veillante “.

 إنّ موقف المعالج تجاه المريض يعد من الركائز الأساسية في عملية العلاج النفسي، فهل على المعالج أن يحافظ على مكانته كمعالج رمزا وواقعا أم عليه أن يكون إضافة لمكانته كمعالج على مستوى الواقع، الوالد/ة، الأخ/ت، الصديق/ة إلخ… (حسب ما تقتضيه الحالة) على المستوى الرمزي. هنا اسمح لي أن أتساءل على أى أساس يتحدد هذا الموقع الرمزي، متى يكون المعالج والد/ة، و متى يكون آخر…. ثم هل يسمح سن المعالج و خبرته وجهازه النفسي القيام بمثل هذا الدور الرمزي، ألا يساهم هذا في اهتزاز صورة الآخر “الواقعي” عند المريض، عندما يكون المعالج على المستوى الرمزي هو هذا الأخر المختلف؟

أم يحاول المعالج قدر المستطاع أن يقف على ضفة الحياد مع المراقبة المستمرة واليقظة للحفاظ على هذا الموقع؟.

من هنا فإن “الحيادية اليقظة” وضعية دينامية في حاجة إلى مراقبة مستمرة للذات للقرب منها، فإن كان لا وجود لـ”الموقف المحايد“بصفة مطلقة فإنه بالإمكان القرب من هذا الموقف بصفة نسبية، ترتفع كلما تمرّس المعالج على مر الزمان.

 الردّ: (د. يحيى):

أولا: إسمح لى أن أوضح بعض عجزى الشخصى لأسباب تتعلق بمرحلة تطور فكرى، وأيضا مغالاتى فى الاندفاع وراء ما وصلنى مؤخرا، فأنا لا أستعمل كلمة رمزى حاليا بالمعنى الشائع، ولا حتى بالمعنى الذى يستعمله فرويد. دفعنى انشغالى بالعلم المعرفى مؤخرا إلى التهوين من أننا نفكر بالرموز، لذلك لم أفهم جيدا قولك “يحافظ على مكانته رمزا وواقعا”، فى مقابلة مع “أن يكون إضافة لمكانته كمعالج على مستوى الواقع، الوالد/ة،الأخ/ت، الصديق/ة إلخ . ماذا تقصد بـ “المعالج رمزا وواقعا ؟”.

فى رأيى أن المعالج لا يمكن أن يكون إلا نفسه، وأنا لا أفرق بين المعالج بشرا حاضرا بذاته ودوره (والداً وغير ذلك) وبينه كموضوع. الوالدة يا أخى هى موضوع الطفل الأول، ثم تتلاحق الموضوعات،

المعالج هو إنسان (موضوع) له خبرة ، يمارسها داخل إطار ملتزم بالوقت والهدف، تقاس مسيرته بمحكات عملية معلنة، وهو لا يمكن أن يكون إلا نفسه، لا رمزا ولا تجريدا، ولا أعرف كيف يحافظ على مكانته معالجا مسئولا أمام علمه وضميره وربه، إن لم يستعمل كل مايعرف عن نفسه (وأحيانا ما لا يعرف) لصالح مريضه؟

إننى ابتداءً أطالب نفسى وأبنائى وبناتى المعالجين أن تكون البداية مع أنفسهم، يسأل كل واحد منهم نفسه بوضوح: ماذا يريد لهذا المريض إن كان ابنه أو أخاه، وماذا يريد أى منهم أن يجنب هذا المريض إن كان أبنه أو أخاه، هذا السؤال يطرحه المعالج على نفسه أولا، لكنه لا يُلزم به نفسه، ولا يعلنه للمريض.

ثم بعد أن يجيب على هذا السؤال يقيس إجابته بواقع المريض، واختلاف ظروفه عن ابنه أو عن ابنته ..إلخ،

ثم يعود ويسأل المريض عن ماذا يتصور أنه يمكنه أن يعطيه من خلال خبرته، وما هى غايته من العلاج،

ثم يأخذ كل هذه الإجابات معا دون تفضيل أى منها، ويسمح لمسيرة العلاج أن تُحدد مدى واقعيتها، وإمكانية التوفيق بينها، واحتمال نجاحها.

أغلب هذه التساؤلات لا تعلن بالألفاظ، ولا هى حتى تتكرر فكرا فى كل حالة، وإنما هى تصبح “موقفا” طبيعيا عادلا يصبغ ممارسة العلاج كله بشكل أمين، يصل إلى المريض حتما دون أى فرض عليه، ويكون هذا هو أساس الاتفاق العلاجى المبدئى.

هذا الدور المتمازج المختلط الذى يبدأ برؤية المعالج لنفسه ظاهرا وباطنا ما أمكن ذلك، وهو يتضمن تقديره للاختلافات الفردية الشخصية والواقعية، ثم يتطلب احترامه لكل ذلك معا، لا أرى فيه ما يدفعنى لاستعمال كلمة “رمزى” وقد سبق أن أعلنت عن تراجعى الأخير عن الإفراط فى استعمال هذه الكلمة.

ننتقل إلى تساؤلك عن: “ألا يتطلب هذا الدور على المستوى الرمزى بعض المواصفات للمعالج على مستوى الواقع؟”.

أظن أنك الآن تعذرنى إذا أعلنت عجزى عن التفرقة بين المستوى الرمزى ومستوى الواقع، أنا أقول للمتدرب أنت لا تستطيع أن تعالج المريض إلا بما “هو أنت”، لا أكثر ولا أقل، ما هو أنت: بنقائصك وعيوبك وخبرتك وعلمك، ومستويات وعيك، وكل ما هو أنت، يتأكد ذلك بوجه خاص مع الذهانيين ، ونحن والحمد لله نمارس العلاج النفسى للذهانيين خصوصا فى العلاج الجمعى بلا تردد، المواصفات التى نطلبها من المعالج، له وللمريض، هو ألا ينسى أنه لن يستطيع إلا ما يستطيعه، وأنه، رضى أم لم يرض، سوف يصل منه، طوعا أو بالرغم عنه، ما هو، وليس ما يقول، ولا ما ينوى، أعنى، أكثر مما يصل منه مما يقول أو ينوى، وبالتالى فعلى المعالج هو نفسه أن يعرف ما يمكن عن نفسه وأن يقبله، بما فى ذلك تحيزه، وتدينه، وقيمه، وأحلامه، ما أمكن ذلك، يعرفها لا يفرضها على المريض أو يقيس بها المريض، وإنما ليحول دون ذلك، ما أمكن ذلك، لا يحول بالكلام أو تصور الحياد، وإنما بالمراجعة وقياس النتائج.

(وقد تدعم ذلك مؤخرا بدراستى وفروضى حول “الوعى” و”الإدراك” وتعدد مستوياتهما، وأن الحوار بين المريض والمعالج يجرى على كل المستويات دون استئذان).

حين قلت للمتدرب “ما فيش حاجة اسمها موقف محايد…. بلا وجع دماغ”، لم أكن أعنى إنكار موقف الحياد برمته، كنت أعنى بقولى هذا ما يعرفه عنى كل المتدربين معى من الإشارة إلى رفض التمادى فى ادعاء أن ثم موقفا محايدا ممكنا تماما، أو بالذات أن ثم موقفا محايدا بالمعنى الغربى ضرورى وملزم وممكن.

المطلوب يا جمال هو الاعتراف بصعوبة، بل استحالة الحياد إلا على المستوى الظاهرى فقط، وبالتالى، فمن حق المريض، بل وحقنا على أنفسنا أن نبحث فى المستوى التالى فالتالى، لا لننفى تحيزنا، ودورنا الشخصى فى التوجيه، ولكن لنحد من تدخله إراديا، علينا – ما أمكن ذلك- أن نقبله علانية ونناقشه مع المريض أحيانا، وقد يعدّلنا المريض نفسه (سوف أرجع إلى ذلك فى يومية لاحقة حين أتكلم عن “المريض مشرفا”)، وبهذا يمكن أن نستمر معه، ثم مع غيره أكثر صراحة واقل تحيزا.

تقول يا جمال أن “الحيادية اليقظة هى أن يحاول” (لاحظ قولك يحاول) “المعالج قدر المستطاع” (لاحظ قولك قدر المستطاع) “أن يقف على ضفة الحياد مع المراقبة المستمرة واليقظة للحفاظ على هذا الموقع”.

طيب بالله عليك: كيف نقيس كلمة “يحاول” هذه، وكيف يعرف ما هو المستطاع حتى يتحرك بقدره لا أكثر ولا أقل، المسألة – كما تعلم – ليست تدريبات عقلية، أو إعلان أمانة موقفية مسبقة، إننا لا نعرف صدق المحاولة إلا بممارستها ومراقبة نتائجها، كما أننا لا نعرف ما هو المستطاع إلا من خلال تجربة الممكن تصعيدا، بل والمستحيل أحيانا.

ثم هاَ أنت تقر معى أن المسألة نسبية، وأن علينا الاقتراب منها باستمرار مع نضج الذات وتعميق الخبرة والإشراف والتعلم والمراجعة (هل هذا ما تعنيه بقولك “وضعية دينامية؟) فقط أريد أن أختلف معك ألا نطمئن إلى مقولة “..مراقبة مستمرة للذات للقرب منها” ، فقد عانيت الامرين من أن تنقلب المسألة إلى استبطان معقلن Intellectual Introspection وهو غير الإنارة البصيرية Insightful Illuminationالذى لا يظهر أثرها عادة إلا فى الناتج العملى على مسيرة المعالج والمريض على حد سواء.

 المقتطف: (د.يحيى فى الإشراف): يا أخى البنيَّة عندها اربعة وعشرين سنة، واتخرجت، وأنت والد، مش احنا قلنا الطبيب والد، ماشغلكْشى زى أى والد حكاية جوازها، وهى حلوة زى ما بتقول.

  التعقيب: (د. جمال)

اسمح لى هنا بجملة من التساؤلات.

التساؤل الأول: “وأنت والد”: إذا سلمت بهذا، أتساءل هل بإمكان معالج شاب (حوالي الثلاثين من عمره) أن يخطر في ذهنه القيام بدور الوالد (بمعنى الرعاية) تجاه مريضة تقاربه في السن (24 عام)؟ ألا يتطلب هذا الدور على المستوى الرمزي بعض المواصفات للمعالج على مستوى الواقع؟

 الردّ: (د. يحيى)

فى رأيى أنّه بإمكانه ونصف، على الأقل فى مدرستنا هذه .

المسألة عندى لا تتعلق بالسن الحقيقى للمعالج مقارنة بسن المريض.

 الطبيب والد ووالدة حتى لو لم يمارس العلاج النفسى، وحتى لو كان أصغر من المريض بعشرات السنين، الوالدية دور عملى، وليس سنا، وسوف أعود إلى ذلك، الوالدية هى موقف له مواصفاته المحددة، فى ثقافتنا خاصة، وهى ليست لها علاقة بالسن الميلادى، ومن هذه المواصفات مثلا: (1) الرعاية، (2) والمسئولية، (3) وأن “يكون فى المتناول”، (4) والقدرة على الحفاظ على المسافة، (5) والتحرك المرن المتاح طول الوقت، (6) وكذا الحضور – ولو فى الوعى أساسا – للاستشارة دون فرضها،

 وأمور أخرى كثيرة كثيرة سوف أعود إليها تفصيلا، وكل هذه الصفات ليس لها أية علاقة بشهادة الميلاد كما قلت،

حين أعلّم أحدث صغار الأطباء أنه لن يحذق مهنة الطب النفسى إلا إذا أخذ مريضا متفسخا (من أى سن) أهمل نظافته الشخصية، أخذه إلى الحمام، وحمّأه وليّفه بنفسه ونشفه، فهو يقوم بدور الأم مع طفل لم يكمل الثالثة من عمره، حتى لو كان المريض فى الخمسين، هذا لا يعنى – فى خبرتنا على الأقل- أننا نعامل المريض معاملة الأطفال، الأمر الذى أعتبره سبابا أحيانا، وإنما يعنى أن فى كل منا شابا أو شيخا أبا وأما، بل جّداً، وجّدة، هذه الذوات كلها جاهزة للقيام بدورها فى الوقت المناسب للفترة المناسبه،

تعلمت من “إريك بيرن” فكرة أن استحضار “حالة الذات” ego state أثناء العلاج (أو التأهيل) لا يحتاج إلا أن “تضع الكوبس”، وكان “بيرن” يستعمل هذا التعبير عن حالة الذات الناضجة (اليافع) بقوله “ما عليك إلى أن تشغّل اليافع فيشتغل” Plug in the Adult، أى أن تُكلم المريض مهما بلغت درجه نكوصه أو تفسخه كلاما بسيطا منطقيا دون افتراض أنه لن يستجيب، فيرد بكلام متماسك، رحت أطبق هذه الفكرة فى العلاج الجمعى، وفى المينى دراما التى نمارسها معه، وفى الألعاب العلاجية: ليس فقط على حالة اليافع وإنما على حالات الذوات الأخرى، بمعنى: شغَّل الطفل: Plug in the Child وأيضا شغل الوالد فيك Plug in the Parent إن صح كل هذأ وهو صحيح بالممارسة، فالوالدية موجودة منذ الولادة، حتى الطفلة التى تهنن عروستها وتنيمها وتغطيها إنما تطلق من ذاتها تلك الوالدية بكفاءة حقيقية

حين أقول للطبيب الصغير أنت والد مريضك ولو كان أكبر منك سنا، فأنا أشغّل الوالد فيه.

   التعقيب: (د. جمال): على المقتطف: (د.يحيى فى الإشراف): “سبق إحنا قلنا الطبيب والد”.

التساؤل الثانى: هل هذا القول مجرد “وجهة نظر” قابلة لـ”الأخذ بها/عدم الأخذ بها” أم يرقي إلى مستوى النظرية النهائية التي علينا (كمعالجين) الأخذ بها والتعامل على أساسها؟

الردّ: (د. يحيى)

يا خبر يا جمال؟! وهل توجد فى العلاج نظرية نهائية أو قرب نهائية، وهل توجد فى الدنيا نظرية نهائية؟ ألا تذكر تخريف فوكوياما حين فرح بانهيار الاتحاد السوفيتى فأعلن بخيبة بالغة وغرور أعمى نهاية التاريخ، يا رجل حرام عليك، ثم كيف يكون علينا كمعالجين الأخذ بها والتعامل على أساسها، إن العلاج النفسى بشكل خاص يرتبط بشخصية المعالج أكثر من ارتباطه بنظريته، وقد أجريت أبحاث كما تعلم على العلاج بمختلف النظريات مع مختلف المعالجين وأثبتت أولوية شخصية المعالج على نظريته، وأنا أضيف إضافة بسيطة، إن النتائج ترتبط بشخصية المعالجظاهراً وباطنا، ومن ثم عليه أن يثابر فى التعرف على باطنه (ليس بالاستبطان المعقلن) وإنما بالممارسة والمكابدة والنتائج وآلام النمو وكدح المسئولية طول الوقت، وهذا ممكن، وأظن أن هذا ما خلقنا الله له معالجين وغير معالجين.

 المقتطف: (د.يحيى فى الإشراف): “ماشغلكش زى أى والد حكاية جوازها

 التعقيب: (د. جمال)

التساؤل الثالث: أتساءل هل شغل حقيقة فكر هذا المعالج “الشاب” بموضوع حكاية زواج مريضته، أكاد أجزم بالنفي (هذا ما وصلني)، ولكنه احتراما للموقف، احتراما للأستاذ، احتراما للرأي السائد…كانت الإجابة بـ”يعني” تجنبا للإحراج.

الردّ: (د.يحيى)

بالنسبة لتحفظك على أنه معالج شاب، لعل ما سبق أن شرحته من موقع سن شهادة الميلاد يكفى للرد، حتى على هذه النقطة الحرجة، ثم دعنى أتكلم معك بصراحة، من منطلق الاعترافات الشخصية التى قد تعلن تحيزى فأصبح أكثر حيادًا

تؤرقنى شخصيا هذه المسألة كفلاح مصرى خائف على بناتى – أنا عندى بنتان متزوجتان وأربع حفيدات، أحبهن أكثر، وبمجرد أن تبلغ الواحدة منهن سن الزواج، لا أكف عن القلق والدعوة لأى منهن، ربما بطريق آخر غير حكاية تحريك مؤشر استقبال الرسائل لعلها تلتقط إشارات العروض، أدعوها أن ترى حالها، وألا تفلّى فى المتقدمين، “فالعيش اللى يتفلى ما يتاكلشى”، أفعل ذلك، مرة بضحك، ومرة بضرب أمثلة، وكنت ألوم نفسى على “عدم أمانى” هذا، وعلى تدخلى المباشر وغير المباشر هكذا (ومازلت أواصل الشغل مع نفسى فى هذه المنطقة حتى الآن 2013).

أعرف يا جمال صعوبة ما تمر به المؤسسة الزواجية عبر العالم، وعندنا فى مجتمعنا المشاكل مختلفة لكن الصعوبات تظل شديدة، كما أتابع – فيما ينشر من ابحاث- فشل زواج الحب كما يشاع عنه، بقدر فشل الزواج المرتب، وكلام من هذا، لكننى أشعر أن على الوالد أن ينبه، وينتبه طول الوقت، إلى كل هذا الجارى، وألا يخلط موقفه الشخصى (مثل موقفى هذا الذى أعلنه وأعرفه وأشتغل فيه) بموقف مريضته أى بنته.

هذه اعترافات شخصية أعلن بها جذور موقفى واحتمال تحيزى

فإذا أنا قلت للمتدرب أن يتقمص موقف الوالد ويحمل هم مريضته التى تقاربه فى السن، فأنا بذلك أعلن تحيزى لموقفى الشخصى، وفى نفس الوقت، أتصور أنه حين يبلغ المريضة هذا الاهتمام الجاد الوالدى من المعالج – أيا كانت سنه- يبلغها دون ضغط، أو إيحاءات غير مباشرة، كما جاء فى النقاش، فإن تصورى هو أن ذاك يوثق العلاقة العلاجية ، ذات البعد الوالدى – فى ثقافتنا ومجتمعنا – طول الوقت، وهو البعد الذى سأرجع اليه غالبا وأنا أتناول مسألة “الاعتمادية”، وخاصة فيما أسميته “جدل إسماعيل/إبراهيم” بديلا عن عقدة أوديب،

ولكن لهذا حديث آخر

وبعد:

هذه مجرد عينة تظهر جانبا من اختلافات ثقافية قد تفسر ولو جزئيا الدور الذى يقوم به المعالج وخاصة قائد المجموعة فى العلاج الجمعى خاصة،

 وقد يخفف من هذا الدور الوالدى فى العلاج الجمعى عدة أمور لاحظناها أثناء خبرتنا الطويلة:

أولا: وجود متدربين اثنين فأكثر مع المعالج، سرعان ما يصبحون معالجين مساعدين.

ثانياً: التركيز طول الوقت على مبدا “هنا والآن”، مما يحد من أثر الوصايا الممتدة.

ثالثا: الإلتزام النسبى من جانب المعالج ومن أفراد المجموعة على حد سواء على أن يتواصل أغلب الحوار “من غير سؤال“، “ولا نصيحة” ما أمكن ذلك.

رابعاً: تبادل أدوار القيادة بعد نضج المجموعة نسبيا، سواء بالنسبة للمعالجين المساعدين، أو للمرضى الذى يقوم بعضهم بدور القائد بعض الوقت.

خامساً: الإشراف المستمر (على القائد أيضا)، على كل المستويات، وهذا ما سوف نعود إليه فى الحلقة القادمة.

وغداً – بعد إذن الثلاثاء الحر – نتكلم عن مستويات الإشراف (فى العلاج الفردى والجمعى على حد سواء)، وهو الأساس العملى فى ثقافتنا بديلا عن التحليل الشخصى المسبق للمعالجين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *